فتوى بحرمة حضور مجالسهم... مرجعيات شيعية ترفض استثمار السياسيين لعاشوراء

 فتوى بحرمة حضور مجالسهم... مرجعيات شيعية ترفض استثمار السياسيين لعاشوراء

فتوى بحرمة حضور مجالسهم... مرجعيات شيعية ترفض استثمار السياسيين لعاشوراء


21/08/2023

أدان رجال دين شيعة قيام زعامات سياسية مجلس العزاء الحسيني في قصورهم الرئاسية، في وقت يعاني فيه البلد من الفساد الذي يضرب مفاصل النظام السياسي العراقي منذ (20) عاماً.

وترى المؤسسة الدينية الشيعية أنّ إقامة مراسم عاشوراء الحسين، من قبل قيادات الإسلام السياسي الشيعي، هدفه التغطية على الفشل السياسي في إدارة دفة النظام الحالي. وأفتت مرجعيات دينية بحرمة الحضور في مجالس تقام في قصور السياسيين الذي يسعون إلى "تلميع صورتهم".

وأثارت المجالس الحسينية "المؤدلجة سياسياً" سخط العامة من العراقيين عبر منصات التواصل الاجتماعي، وسط مطالبات بضرورة الاقتداء بسيرة آل البيت، عبر مكافحة الفساد، وتوفير الخدمات الحياتية للناس.

ترى المؤسسة الدينية الشيعية أنّ إقامة مراسم عاشوراء الحسين، من قبل قيادات الإسلام السياسي الشيعي، هدفه التغطية على الفشل السياسي في إدارة دفة النظام الحالي

ويعيش العراق حالة من الانفتاح العقائدي منذ سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، وتمارس الطائفة الشيعية طقوسها الدينية، ولا سيّما إقامة مراسم العزاء حزناً على مقتل الإمام الحسين بن علي، رضي الله عنه، وأهل بيته وأصحابه، في واقعة كربلاء عام 61 هـ.   

ويقيم الشيعة العراقيون العزاء الحسيني في شهري محرم وصفر الهجرييّن، ممّا يتيح للسياسيين المساهمة في العزاء من خلال إقامة مجالس تحشيدية واسعة في المباني الحزبية لهم، فضلاً عن قصورهم الرئاسية في العاصمة بغداد.

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يحضر مجلس العزاءالحسيني الذي يقيمه زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم

وكان النظام العراقي السابق يمنع الطائفة الشيعية من إقامة طقوسها المذهبية، بدوافع طائفية تارة، وبدوافع سياسية مناوئة للنظام الإيراني تارةً أخرى، حيث يخشى استثمار الطقوس الحسينية من المعارضة السياسية ومن خلفهم إيران.

خطيب الكوفة يُحذّر

تُعدّ مدينة النجف، حيث مرقد الإمام علي بن أبي طالب، في مقدمة المدن المقدسة لدى المسلمين الشيعة في العراق والعالم، وكثيراً ما تنتشر المجالس الحسينية، والمواكب الحزينة على مقتل الإمام الحسين بن علي، إلا أنّ ما أثار الغرابة أن يخرج صوت نقدي من على منبر الكوفة، مهاجماً الشعائر التي يقيمها السياسيون المحسوبون على الطائفة الشيعية في العراق.

السيد هادي الدنيناوي، خطيب مسجد الكوفة، يرى أنّ "الأصل الفقهي للشعائر الحسينية هو الاستحباب، ولكن ربما ينقلب إلى الوجوب بالعنوان الثانوي كما لو خيف على قضية الحسين من الاندثار والضياع، ويمكن أن تكون محرمة بالعنوان الثانوي، كما لو تؤدي إلى ضرر في البدن أو مخالفة للذوق أو أقامها الفاسدون من السياسيين أو من الناس العاديين".

خطيب مسجد الكوفة: إمامنا الحسين يريد منّا أن نكون على مستوى عالٍ من الأخلاق والوعي، ولا يريدنا فقط للبكاء واللطم؛ لأنّه خرج لإصلاح أمّة جده

وتابع قوله: "إمامنا الحسين (ع) يريد منا أن نكون على مستوى عالٍ من الأخلاق والوعي، ولا يريدنا فقط للبكاء واللطم؛ لأنّه خرج لإصلاح أمّة جده، وصرخة الإصلاح تعلو، وإصلاح العقول عن الخمول والكسل، وإصلاح النفوس عن الأنانية والفجور، وإصلاح السلوك عن الانحراف".

وأوضح الدنيناوي أنّ "شعائر الإمام الحسين (ع) مدرسة تربوية تؤسس أجيالاً عصية على أعداء الإسلام الذين يعدون الخطط للقضاء عليه، كحرقهم للقرآن، والإساءة لنبي الإسلام، ونشر الميوعة والمثلية والطعن في مراجع الدين الناطقين، وأنّى لهم ذلك، ما دام للحسين حرارة في قلوب أتباعه لا تبرد أبداً!".

وتتألف الشعائر الحسينية من مجموعة فعاليات تحيي ذكرى شهادة الإمام الحسين، وتشمل إقامة المجالس الوعظية الإرشادية، وإنشاد الشعر والمراثي. ومن أبرز مظاهر إحياء عاشوراء، إعداد الطعام، وتقديم الأضاحي، واللطم، والاتشاح بالسواد.

فتوى بحرمة المشاركة

وعلى الصعيد نفسه، جاء موقف بعض المرجعيات الدينية الشيعية أشدّ من موقف خطيب مسجد الكوفة في محافظة النجف، فقد أفتى المرجع الديني الشيخ فاضل المالكي بحرمة الحضور في المجالس العزائية التي يقيمها قادة الإسلام السياسي الشيعي في العراق.

وكان المرجع المالكي قد ردّ على استفتاء ورد إلى مكتبه عن "حكم مشاركة الخطيب أو الرادود (المنشد)، أو المستمع في المجالس الحسينية التي يقيمها السياسيون الفاسدون في العراق وحكم الأكل والشرب فيها".

خطيب مسجد الكوفة هادي الدنيناوي

وأجاب المالكي بالقول: إنّ "على الشعب العراقي مقاطعة هؤلاء السياسيين وعدم تكثير سوادهم، ولو بحضور مجالس العزاء الحسينية التي يقيمها هؤلاء، حتى في المناسبات الدينية التي يستغلونها للتغطية على فسادهم وعمالتهم وتلميع صورتهم".

وأضاف المالكي أنّ "الحضور في هذه المجالس هو دعم للفساد ومساهمة في استمراره، ويجب على الشعب العراقي أن يرفض ذلك، ويقاطع هذه المجالس".

وهذه ليست المرة الأولى التي يثير فيها المرجع المالكي الجدل في الأوساط الشعبية والدينية، فقد سبق له أن أفتى بحرمة الاشتراك في الانتخابات، ورفض التدخل الإيراني في الشأن العراقي.

صعود السردية الشيعية

في عهد النظام العراقي السابق، كان يقيم الشيعة مراسم العزاء بشكل سرّي بعيداً عن أعين الأجهزة الأمنية، ممّا يجعلهم يتعطشون لها كثيراً، إلى أن جاء التغيير في نيسان (أبريل) 2003، حيث دفع النظام السياسي الجديد باتجاه إقامة الشعائر على طول الشهرين الهجرييّن (محرم وصفر)، وهو ما يراه كتّاب عراقيون أنّ قادة النظام السياسي يتعمدون التماهي مع الوعي الشعبي السائد.

ويقول الكاتب أحمد سعداوي: إنّ "ما حدث بعد 2003 كان تحولاً كبيراً، أتاح للإسلاميين الشيعة الصعود إلى الحكم، وصعدت معهم السردية الشيعية والحسينية إلى مستويات غير مسبوقة، وصار الجميع يتراكض من أجل التماهي مع ما يتوقعه الوعي الشعبي السائد، بالسير في مواكب العزاء الحسيني، وإقامة الشعائر، واللطم على الصدور وادّعاء الحزن على مصائب أهل بيت الحسين".

بعض المرجعيات الدينية الشيعية جاء موقفها أشدّ من موقف خطيب مسجد الكوفة، فقد أفتى المرجع الديني فاضل المالكي بحرمة الحضور في المجالس العزائية التي يقيمها قادة الإسلام السياسي الشيعي

ويضيف في مقالة له أنّه "لم يخلُ التجمّع الأكبر في أربعينية الحسين من حضور رئيس الوزراء، وإلقاء كلمة سياسية ذات إشارات دينية في الصحن الحسيني. وحتى في الموسم الأخير رأينا رئيس الوزراء السابق نوري المالكي يشارك في مراسم العزاء، وكذلك بعض القادة الشيعة".

وأشار إلى أن "مواقع التواصل الاجتماعي لم تكن تخلو من سخرية من المجلس الفخم الذي كان يعقده زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم لإقامة طقوس العزاء الحسيني، وكان يحضره بشكل يومي أغلب الطاقم السياسي الشيعي والسنّي".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية