فتحية أحمد... مطربة القطرين التي نافست أم كلثوم وأغفلها النقاد

فتحية أحمد... مطربة القطرين التي نافست أم كلثوم وأغفلها النقاد

فتحية أحمد... مطربة القطرين التي نافست أم كلثوم وأغفلها النقاد


23/03/2025

اهتم نقاد الأغنية المصرية بصوت السيدة أم كلثوم؛ باعتبارها الأشهر والأجمل صوتاً في تاريخ الأغنية المصرية الحديثة، ممّا حدا بالبعض إلى الاعتقاد أنّه لم يكن هناك غير كوكب الشرق، غير أنّ المتابع الجيد لتلك الفترة من تاريخ مصر يجد أنّها تميزت بنهضة كبيرة للأغنية المصرية تربع على عرشها العديد من الأصوات التي لا تقلّ جمالًا عن صوت أم كلثوم، على رأسهم المطربة فتحية أحمد، وأيضًا السيدة منيرة المهدية، وقد اعتبر المختصون في الأغنية المصرية أنّ ثلاثتهم أبرز الأصوات التي ساهمت في نهضة الأغنية المصرية وتطورها. 

حظيت أم كلثوم باهتمام الباحثين والمختصين، وحظيت بقدر من الاهتمام منيرة المهدية نظراً لمعاركها مع السيدة أم كلثوم، لكن على الجانب الآخر أغفل أكثرهم السيدة فتحية أحمد، رغم ما كان لها من شهرة كبيرة كمطربة وممثلة مسرحية في الفترة نفسها ، لكن في عام 2017 صدر عن دار الجديد في بيروت كتاب "فتحية أحمد... مطربة القطرين"، للصحافي والباحث الموسيقي محب جميل، تناول من خلاله رحلة فتحية أحمد مع الطرب، منذ التحاقها بفرقة نجيب الريحاني في طفولتها، حتى توقفها عن الغناء بعد رحلة جاوزت نصف قرن مع الطرب.

غلاف كتاب: فتحية أحمد، مطربة القطرين

طفولة فتحية أحمد

في كتابه ذكر محب جميل أنّ طفولة فتحية أحمد كانت في حي الخرنفش، الذي يُعدّ واحداً من الأحياء الأثرية العريقة في القاهرة، وأنّها نشأت وسط أسرة فنية كبيرة، فقد كان والدها الشيخ أحمد الحمزاوي منشداً ومبتهلاً لمع نجمه بدايات القرن العشرين، أمّا خالتها، فهي العالمة الشهيرة بمبة كشر، التي باعت مجوهراتها، وأنفقت ثروتها على تمويل أول فيلم مصري بعنوان "ليلى" بطولة عزيزة أمير في عام 1927. وأختها الكبرى المطربة رتيبة أحمد، وتُعدّ واحدة من أشهر مغنيات الطقاطيق والديالوجات في عشرينيات القرن المنصرم. وأختها الصغرى مفيدة كان لها صوت قوي وشجي، لكنّها لم تنل حظًا من الشهرة والذيوع.

يشير الباحث الموسيقي في كتابه إلى أنّه في أثناء لعب فتحية مع الفتيات في الشارع وهي طفلة كانت تنشد بعض المقاطع الغنائية القصيرة، ويبدو أنّ هذا المشهد لم يكن عادياً بالنسبة إلى الأستاذ أحمد عسكر الذي وقف مشدوهاً أمام الطفلة، لينصت إليها. وذهب عسكر إلى منزلها ليبدأ حديثه مع والدتها حول موهبة ابنتها، وحلاوة صوتها، وما ينتظرها من مستقبل عظيم، ورافقته الطفلة إلى مسرح الإجيبسيانة وكان اللقاء الأول مع نجيب الريحاني، وقد فرح الريحاني بهذا الاكتشاف ونادى ملحن الفرقة حينها كميل شمبير لاختبارها على البيانو. وغنت الطفلة الصغيرة قطعة بعنوان يا فاتن الغزلان. يقول جميل في كتابه: "كانت تلك القطعة الصغيرة كافية لينتفض الريحاني من مكانه، ويشكر عسكر على هذه الهدية".

بدأ نجم الطفلة يتألق يوماً بعد يوم، واسمها يتردد على كل لسان كمطربة وممثلة مسرحية. وهنا قرر الريحاني تبنّي الطفلة الصغيرة فنياً؛ يقول جميل: "عرض الريحاني على والدتها أن تقيم معه في منزله مع زوجته السيدة لوسي. وكانت مرحلة فارقة لقيت فيها الطفلة معاملة تقوم على الود والاحترام".

الممثلة المسرحية فتحية أحمد

لقد أسهم الريحاني بشكل كبير في دخول فتحية أحمد إلى عالم الفن كمطربة وممثلة مسرحية، ولذلك قال عنها في مذكراته: "وفي ذلك الحين ـ يعني في عز النغنغة والنجاح ـ كانت مطربة القطرين السيدة فتحية أحمد ضمن أعضاء الفرقة، وكانت إذ ذاك طفلة صغيرة تنال من إعجاب الجمهور واستحسانه قدراً وافراً، لأنّها فضلاً عن كونها مطربة جلية الصوت، ساحرة الغناء، كانت خفيفة الظل رشيقة الحركة دائمة الابتسام على المسرح. وكثيراً ما كنا نعدّ لها قطعاً تلحينية في صلب الرواية التي تقوم بها على خير الوجوه".

الفنانة الراحلة: فتحية أحمد

بعد تجربة الريحاني انضمت فتحية إلى فرقة أمين صدقي وعلي الكسار، ثم انتقلت إلى فرقة منيرة المهدية، ثم سافرت إلى سوريا للمرة الأولى عام 1921، وأسست فرقة مسرحية صغيرة مع الممثل جورج أبيض عرفت فيما بعد باسم فرقة أبيض وفتحية، كما يشير جميل في كتابه.

وعندما عادت فرقة جورج أبيض إلى مصر ظلت فتحية تعمل في سوريا على التخت، وبعد (5) أعوام قضتها بين ربوع الشام، قررت العودة إلى مصر لتنضم إلى فرقة أمين صدقي ونجيب الريحاني بدار التمثيل العربي.

ذكر جميل في كتابه: "كان لفتحية أحمد أسلوب مميز في الغناء، فهي صاحبة صوت قوي، رخيم، صدَّاح، وواسع المساحة في قرارته وجواباته. وامتاز ذلك الصوت بقدرته على التنويع، والتلوين، والتدرج في الأشكال الغنائية المختلفة إضافة إلى التصرفات اللحنية العالية في إعادة ترديد المقطع ذاته أكثر من مرة. وتحول هذا الأسلوب تدريجياً إلى واحدة من سماتها الأساسية في الغناء".

لم تحظ فتحية أحمد بقدر كافٍ من التعليم، فقد اضطرت إلى ترك المدرسة في الأعوام الأولى من دخولها، لكنّها احتفظت بأساسيات القراءة والكتابة إلى جانب ما تعلمته عن والدها الشيخ أحمد الحمزاوي.

ذكر جميل أنّ فتحية أحمد استطاعت خلال عملها مع فرقة نجيب الريحاني المسرحية أن تقترب من فنان الشعب سيد درويش. وكان لهذا اللقاء ثمار جمة أسهمت في بلورة شخصية صوتها من خلال مجموع الألحان التي غنتها له. وعقب قيام ثورة 1919 في مصر، قامت شركة (ميشيان) للتسجيلات التجارية بالاتفاق مع فتحية لتعبئة مجموعة من الأسطوانات التي تضم ألحان الشيخ سيد. وبلغ عدد الألحان التي غنتها له (7) ألحان جميعها من قالب الطقطوقة.

شهدت رحلة فتحية أحمد محطات أخرى مع الملحنين، وهم: أبو العلا محمد، وأحمد صبري النجريدي، وداود حسني، ومحمد القصبجي، وصَفر علي، ورياض السنباطي، وزكريا أحمد.

دنيا السينما

دخلت فتحية أحمد عالم السينما ولكن من باب الغناء في البداية، فقد شاركت للمرة الأولى ضمن فريق فيلم عايدة عام 1942، من بطولة أم كلثوم وإبراهيم حمودة وسليمان نجيب وعبد الوارث عسر وعباس فارس، ومن إخراج أحمد بدرخان، وقامت فتحية أحمد ببطولة فيلمها السينمائي الوحيد "حنان" من إخراج كمال سليم، يقول جميل: "يُعدّ هذا الفيلم واحداً من أبرز المحطات التي خلدت فتحية أحمد على الشاشة، فقد استطاع الجمهور للمرة الأولى أن يشاهدها بعيداً عن الاستماع إلى صوتها الرخيم الشجي في الأسطوانات أو دار الإذاعة المصرية، وأدّت دور البطولة في الفيلم إلى جوار الفنان بشارة واكيم، والفنانة تحية كاريوكا، والفنانة ميمي شكيب، والمطرب إبراهيم حمودة، والفنان سراج منير. وعرض الفيلم للمرة الأولى في 11 أيلول (سبتمبر) 1944 بسينما الكورسال في القاهرة".

لقطة من فيلم حنان من بطولة فتحية أحمد وبشارة واكيم

طوال حياتها اعتادت فتحية أحمد أن تسافر في رحلات سنوية إلى جهات مختلفة، وتنوعت بين الفسحة والعمل. وكانت الرحلة التي استغرقت أكثر من عام هي رحلتها إلى الأراضي السورية في الفترة ما بين 1921 و 1925. وأورد جميل في كتابه أنّ فتحية أحمد أشارت في أحد حواراتها إلى أنّها اعتادت السفر سنوياً إلى الشام بغرض الفسحة. وفي إحدى هذه السفريات تعرف عليها الشاعر خليل مطران في مدينة زحلة، وطلب من أحمد شوقي ومحمد عبد الوهاب أن يطلقا عليها لقب مطربة القطرين رسميّاً بين الأوساط الفنية والأدبية.

وفي 5 كانون الأول (ديسمبر) 1975 رحلت مطربة القطرين بعد رحلة فنية ثرية استمرت أكثر من (50) عاماً، بعد أن تركت خلفها رصيداً من التراث الفني أزهى عصر نهضة الأغنية العربية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية