غارة في بانياس تطال مستشاراً بالحرس الثوري... ما الذي تغير في الاستراتيجية الإسرائيلية؟

غارة في بانياس تطال مستشاراً بالحرس الثوري... ما الذي تغير في الاستراتيجية الإسرائيلية؟

غارة في بانياس تطال مستشاراً بالحرس الثوري... ما الذي تغير في الاستراتيجية الإسرائيلية؟


11/03/2024

ما تزال حروب الظل بين إيران وإسرائيل تتواصل، بينما تستأنف الأخيرة ضرباتها، بين الحين والآخر، في سوريا وتطال قيادات إيرانية، وقد تم الإعلان عن مقتل قيادي بارز في الحرس الثوري إثر تفجير مبنى في محيط مدينة بانياس الساحلية في سوريا.

ما الذي يجري في الساحل السوري؟

وفق وكالة (تسنيم) الإيرانية، فإنّ القيادي الذي تم استهدافه في سوريا هو رضا زارعي المتحدر من محافظة خرمزكان جنوب إيران، ويتولى حراسة المنطقة الأولى لبحرية "الحرس" في المدينة الساحلية بسوريا. وقال (المرصد السوري لحقوق الإنسان): إنّ (3) أشخاص قتلوا، هم قيادي إيراني واثنان آخران كانا معه من جنسية غير سورية، في "استهداف إسرائيلي" لمنزل بمنطقة بطرايا في أطراف بانياس الجنوبية على الساحل السوري.

وقال المرصد الحقوقي ومقره لندن: إنّ "الاستهداف تسبب بدمار كبير في الفيلا، وعدة منازل في محيطها، ممّا أدى إلى إصابة بعض المدنيين القاطنين في المنطقة بجروح". وفي 25 شباط (فبراير) قُتل عنصران من حزب الله في سوريا في غارة إسرائيلية على شاحنة قرب الحدود مع لبنان.

🎞

ما حدث في بانياس، وفق تقدير الباحث السياسي الكردي في دراسات السلام وحل النزاعات الدولية في جامعة كوفنتري، زارا صالح، هو استمرار لسياسة واستراتيجية إسرائيل تجاه ما هددت به وكلاء إيران في 7 تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي، بعد بدء الحرب في غزة بين إسرائيل وحركة حماس، لافتاً في حديثه لـ (حفريات) إلى أنّ أيّ تدخل وتصعيد من قبل الميليشيات الإيرانية، سواء حزب الله أو الميليشيات الموجودة في سوريا، باستهداف إسرائيل من سوريا، فإنّ الرد سيكون حتماً باستهداف النظام السوري في دمشق، و"هذا أمر طبيعي في تقديري، حيث كانت إسرائيل تستهدف الميليشيات الإيرانية والذخائر ومخازن الأسلحة حتى مرحلة ما قبل حرب غزة، ولكن ما حدث في بانياس هو أمر متعلق بتغير في هذه الاستراتيجية، فقد كانت إسرائيل سابقاً تستهدف الذخيرة والنقاط التابعة للميليشيات الإيرانية، وما إلى ذلك فقط".

انعطافة في الموقف الإسرائيلي

وتغير الاستراتيجية الإسرائيلية هنا، والحديث للباحث الكردي في دراسات السلام وحل النزاعات الدولية في جامعة كوفنتري، يتمثل في الانعطافة نحو "استهداف الشخصيات الكبيرة في الميليشيات الإيرانية من قادة ومستشارين، سواء في (فيلق القدس أو الحرس الثوري أو حزب الله)، وحتى استهداف قيادات في (حماس)؛ حيث إنّ زيادة أنشطة ميليشيات إيران العدائية ضد إسرائيل تسببت في تغير استراتيجية إسرائيل الجديدة باستهداف أذرع إيران في سوريا والمنطقة ككل، وقد نجحت إلى حد ما في تحقيق أهدافها وذلك يعود إلى قوة الاستخبارات لديها".

الباحث السياسي الكردي في دراسات السلام وحل النزاعات الدولية في جامعة كوفنتري، زارا صالح

وكما هي عادة الشخصيات الإيرانية بالحرس في سوريا أو لبنان، مثل رضى موسوي الذي اغتيل قبل شهور قليلة بعد اندلاع "طوفان الأقصى"، بالتزامن مع استهداف لآخرين في مناطق نفوذ حزب الله بلبنان، فإنّ شح المعلومات يبدو هو القاسم المشترك. غير أنّ معلومات (العربية/ الحدث) تقول: إنّ "زارعي، برتبة عقيد، وهو أحد أعضاء المنطقة الأولى البحرية التابعة للحرس الثوري في بندر عباس". وكان ينشط في مجال النقل البحري بين سوريا وإيران، حسب ما نقلت قناة (تطورات العالم الإسلامي) الناطقة بالفارسية على منصة (تلغرام).

 

حروب الظل بين إيران وإسرائيل تتواصل، بينما تستأنف الأخيرة ضرباتها، بين الحين والآخر في سوريا وتطال قيادات إيرانية، وقد تم الإعلان عن مقتل قيادي بارز في الحرس الثوري.

 

وأشار المرصد السوري إلى أنّ هذه المنطقة تعرضت سابقاً لقصف إسرائيلي استهدف مستودعات للإيرانيين. ومنذ مطلع العام استهدفت إسرائيل ميليشيات إيران وحزب الله في سوريا أكثر من (19) مرة. ففي كانون الثاني (يناير) الماضي قتل (13) شخصاً بينهم (5) مستشارين في الحرس الثوري بغارة إسرائيلية استهدفت مبنى في حي المزة غربي دمشق، حيث مقار أمنية وعسكرية سورية، وأخرى لقيادات فلسطينية وسفارات ومنظمات أممية. وفي أواخر العام الماضي قتل القيادي في الحرس الثوري رضى موسوي قرب دمشق. كما استهدفت إسرائيل بغارات جوية من فوق البحر المتوسط بـ (3) غارات (3) قياديين إيرانيين في منازلهم ببانياس.

وقال مصدر عسكري في دير الزور لوكالة (نورث برس) المحلية: إنّ الحرس الثوري الإيراني أعطى توجيهات بتفتيش هواتف المدنيين المحمولة في شوارع الميادين ومدينة دير الزور.
وقال: إنّه أعطى أوامر التفتيش للشرطة المدنية والعسكرية، وفيلق القدس والأمن العسكري وحفظ النظام، مشيراً إلى أنّ العناصر يلبسون الزي المدني ويوقفون المدنيين في الشوارع بشكل عشوائي.

وأشار المصدر، الذي لم تكشف الوكالة عن هويته، إلى أنّ الحملة بدأت منذ يوم السبت الفائت، وارتفعت حدتها فيما بعد، دون أيّ تمييز بين نساء ورجال، وذكر المصدر أنّ عناصر الدفاع الوطني المحليين مستاؤون من حملة التفتيش، وسط حالة من التوتر في المنطقة.

أعين إسرائيل في دمشق

وبالعودة إلى الباحث السياسي في دراسات السلام وحل النزاعات الدولية في جامعة كوفنتري ببريطانيا، فقد ألمح إلى وجود "أعين لإسرائيل داخل النظام السوري، خاصة أنّ المناطق التي استهدفت مؤخراً في سوريا كلها مناطق تابعة لنفوذ النظام السوري وإيران. وبالتالي من يعطيهم الإحداثيات هم أعين الاستخبارات الإسرائيلية داخل مناطق دمشق وسوريا".

أمّا أبعاد هذه الاستهدافات، فهي عسكرية وسياسية أكثر، خاصة أنّ إسرائيل ترى بعد حرب غزة أنّه يتعين استخدام كافة أوراقها للضغط على إيران والأطراف الميليشياوية التابعة لها. ولهذا؛ فإسرائيل تحاول تكثيف ضرباتها في سوريا لأنّها عامل مهم لضرب إيران، وعلى اعتبار أنّ النظام السوري لا يملك القرار في سوريا، بل إنّه رهين لطهران".

ويقول زارا صالح: هناك عامل إضافي، "فالمحادثات التي تُجرى بين حماس وإسرائيل بوساطة مصر وقطر وبدعم أمريكي، وقرب التوصل إلى هدنة ما، تؤدي إلى تخوف إسرائيلي من أنّ حماس والميليشيات الإيرانية قد تحاول استغلال هذه الفترة لتكثيف ضرباتها في سوريا ولبنان".  

ويردف: "لا شك أنّ ما يحدث في سوريا سياسياً وتبعات حرب غزة، له تداعيات؛ منها تغير الاستراتيجية الإسرائيلية بخصوص ضرباتها داخل العمق السوري، ومعضلة الصراع الأمريكي الروسي سواء في أوكرانيا، أو السياسة التركية الجديدة التي حصلت مؤخراً. وكل هذه التداعيات تؤثر على ما تقوم به إسرائيل من توسيع دائرة الاستهدافات الاستراتيجية داخل سوريا. وهذا ما قد يفسر ما حدث في بانياس أو المناطق الأخرى. ومن المتوقع أن يحدث هذا في مناطق أخرى في سوريا خلال الفترة القادمة. حتى وإن حصلت هدنة خلال شهر رمضان، فإنّ مشروعية استهداف إسرائيل لحلفاء إيران داخل سوريا ستبقى قائمة.

ومع ذلك، ثمة توتر ملازم لهياكل النفوذ الإيراني في المنطقة. فما يتيح لحلفاء إيران البقاء في مراكز مهيمنة في بلادهم هو سلاحهم. وحتى لو كانت طهران على استعداد للتوصل إلى تسوية مع دول أخرى لإنعاش الأوضاع في أماكن مثل لبنان، وسورية، واليمن، والعراق، وفلسطين، ستميل نحو الإبقاء على المجموعات المسلحة التابعة لها في مكانها لضمان النفوذ الإيراني هناك، وفق مركز (كارنيغي). ويردف: "هذا التهديد الضمني لن يؤدي، في مجتمعات العالم العربي التعددية، والمتعددة الطوائف في أغلب الأحيان، سوى إلى تعاظم الاستياء إزاء حلفاء إيران، ما من شأنه أن يعقد عملية توطيد نفوذها".

 

ما حدث في بانياس هو استمرار لاستراتيجية إسرائيل تجاه ما هددت به وكلاء إيران منذ "طوفان الأقصى"، وفق الباحث السياسي الكردي في دراسات السلام وحل النزاعات الدولية في جامعة كوفنتري، زارا صالح لـ (حفريات).

 

ويتساءل المركز: "ما الذي يستطيع الإيرانيون فعله؟"، ويجيب: "إذا ابتعدوا تدريجياً عن حلفائهم من الميليشيات لصالح إقامة علاقات على مستوى الدول مع البلدان العربية التي لهم نفوذ فيها، فقد يرون سلطتهم تتقلص. لكنّ ذلك قد يكون الخيار الحقيقي الوحيد المتاح لطهران، حتى وإن كان خياراً غير مرغوب فيه. والإيرانيون يتمتعون بالمال والعناصر الثقافية للتعويض عن طريق القوة الناعمة، فيما يدركون ربما أنّ الدول التي ينشط فيها حلفاؤهم ستظل معطلة، إذا ما فشلت في نزع سلاح هؤلاء الحلفاء في نهاية المطاف، وهو ما سيؤدي إلى رد فعل عكسي ضد طهران".

أيّاً يكن المسار الذي ستختاره إيران، فإننا نشهد بالفعل بعض التحول المهم من جانبها. ومن المرجح أن تنشأ خيارات الإيرانيين في المنطقة من الديناميات الداخلية، ولكنّها ستكون مرتبطة أيضاً بعلاقات طهران الخارجية. فالنفوذ الصيني على وجه الخصوص سيكون حاسماً، نظراً إلى أنّ الصين أصبحت عاملاً للاستقرار في المنطقة، حيث لها مصالح اقتصادية كبرى، وفق (كارنيغي). وقد تضطر إيران إلى استيعاب الصينيين وهم يسعون إلى الوصول بشكل أكثر أماناً إلى نفط المنطقة وغازها، والمضي قُدماً بمبادرة الحزام والطريق. ومن شأن ذلك أن يؤثر على أنشطة الحرس الثوري الإسلامي الإيراني النافذ، الذي غالباً ما أتاح له انعدام الاستقرار فرصاً قيمة لتوسيع نفوذ إيران.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية