عندما حرّضت هدى شعراوي المرأة على كسر أغلالها

عندما حرّضت هدى شعراوي المرأة على كسر أغلالها


14/10/2017

 

في المقدمة التي وضعتها لمذكرات هدى شعراوي، تقول الأديبة المصرية أمينة السعيد إنّ "شعراوي هي بلا منازع قائدة حركة تحرير المرأة في العالم الإسلامي قاطبة. ولقد قضت ما لا يقل عن خمسين عاماً من حياتها وهي في صراع مرير من أجل رفع الظلم عن المرأة المسلمة عموماً، والعربية بوجه الخصوص وكانت البادئة برفع الحجاب، والمناداة بالمساواة الكاملة بين الجنسين، لتمكين نصف الشعب العربي من الخروج عن عزلته الاجتماعية والانطلاق إلى عالم البناء والإنتاج.... لقد خاضت هدى شعراوي مجال السياسة الذي لم تكن تجرؤ على الاقتراب منه امرأة قبلها".

وتتحدث شعراوي في مذكراتها عن دورها ودور المرأة المصرية في ثورة 1919، التي أعقبت نفي سعد زغلول ثم بعد عودته من المنفى. وتذكر، على وجه الخصوص، كيف أنّها فازت بأكثرية الأصوات في انتخاب "اللجنة المركزية للسيدات" التي شكلت بمساعدة اللجنة المركزية للوفد المصري في النضال من أجل الاستقلال. ثم انتخبت رئيسة لتلك اللجنة.
وكان من أبرز ما قامت به تلك اللجنة، التي تحولت فيما بعد إلى "الاتحاد النسائي المصري"، إصدار بيان يحدد بوضوح مطالب المرأة المصرية، وهذه المطالب هي كما جاءت في البيان:
1 ـ مساواة الجنسين في التعليم وفتح أبواب التعليم العالي وامتحاناته لمن يهمها ذلك من الفتيات تشجيعاً لنبوغ من لها مواهب خاصة، وتسهيلاً للتكسب لمن تحتاج منهن، ورفعاً لمستوى العقلية العامة في البلاد.
2 ـ تعديل قانون الانتخاب باشتراك النساء مع الرجال في حق الانتخاب ولو بقيود في الدور القادم، كاشتراط التعليم أو دفعها نصاباً معيناً على ما لها من المُلك. ولا يكون من الإنصاف الاعتراض على اشتراك هذه الطبقة من النساء لا سيما وقانون الانتخاب يجعل للرجل الأمي والخالي من المُلك حقاً في أن ينتخب وينتخب.
3 ـ إصلاح قوانين الزواج وذلك: أ ـ بسن قانون يمنع تعدد الزوجات إلا لضرورة كأن تكون الزوجة عقيماً أو مريضة. ب ـ بسن قانون يلزم المطلق أن لا يطلق زوجته إلا أمام القاضي الشرعي.

ولدت هدى، واسمها نور الهدى محمد سلطان، في مدينة المنيا في صعيد مصر في 23 حزيران (يونيو) 1879. تلقت التعليم في منزل أهلها، وتزوجت مبكراً في سن الثالثة عشرة من ابن عمتها علي الشعراوي الذي يكبرها بما يقارب الأربعين عاماً، وغيّرت لقبها بعد الزواج من هدى سلطان إلى هدى "شعراوي" تقليداً للغرب، وكان أحد شروط عقد زواجها أن يطلق زوجها زوجته الأولى، وفي السنوات اللاحقة أنجبت هدى بنتاً أسمتها بثينة وابنا أسمته محمد.
ارتبط اسم هدى شعراوي في الربع الأول من القرن الماضي بالنضال على جبهتين: جبهة النضال لتحرير المرأة، وجبهة النضال من أجل استقلال مصر. وتميزت في الجبهتين بجرأة نادرة وبكفاحية غير مسبوقة في عالم المرأة المصرية والعربية في ذلك التاريخ، وباستقلالية في الموقف لم تتردد، بالاستناد إليها، في التعارض والتناقض مع سعد زغلول، زعيم الحركة الاستقلالية وهو في عز مجده، كما يذكر كريم مروة؛ إذ انتقدت موقفاً له من الإنجليز اعتبرته تنازلاً غير مبرر وغير مقبول من زعيم البلاد أمام المستعمرين. وتروي شعراوي في مذكراتها تفاصيل طريفة عن جرأتها في النقاش والاختلاف مع سعد زغلول، وعن تعامل الزعيم المصري معها بكثير من الاحترام.

ارتبط اسم هدى شعراوي في الربع الأول من القرن الماضي بالنضال على جبهتين: تحرير المرأة، واستقلال مصر

تُخبر مذكرات شعراوي أنها كانت في التاسعة من عمرها عندما ختمت القرآن. لكنها لم تستطع، كما تقول، قراءة أي كتاب غير القرآن. ثم تعلمت اللغة التركية وعملت بدأب على تثقيف نفسها. فكانت تشتري الكتب من الباعة المتجولين خلسة؛ لأن تعليم المرأة وتمتعها بالثقافة والمعرفة كانا من الأمور غير المرغوبة في الأسر المحافظة. لكنها مع ذلك تابعت كفاحها من أجل التعلم ومن أجل امتلاك المعرفة. وقد أضافت إلى امتلاكها اللغة التركية لغة جديدة هي اللغة الفرنسية، ثم فيما بعد اللغة الإنجليزية.

وفي لحظة مفصلية من تاريخها ومن تاريخ العمل على تحرر النساء، وفي العام 1921 أثناء استقبال المصريين الزعيم المصري سعد زغلول، قامت هدى شعراوي بخلع الحجاب وداسته بقدميها.

وتكريماً لها، وتقديراً لدورها في العمل على إنصاف المرأة، والمساهمة في الجهد الوطني لتحرير بلادها من قبضة الهيمنة الاستعمارية، أطلق اسم هدى شعراوي على العديد من المؤسسات والمدارس والشوارع في مختلف مدن مصر، كما حازت عدة أوسمة ونياشين من الدولة المصرية.
وفي 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1947، صدر قرار التقسيم في فلسطين من قبل الأمم المتحدة. وبعد ذلك بأسبوعين وفي 12 كانون الأول (ديسمبر) 1947، أصيبت هدى شعراوي بالسكتة القلبية وهي جالسة تكتب بياناً في فراش مرضها، تطالب فيه الدول العربية بأن تقف صفاً واحداً في قضية فلسطين.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية