عراقيون ينهون احتفالات العيد بجيوب فارغة

عراقيون ينهون احتفالات العيد بجيوب فارغة


19/06/2018

أجبر ارتفاع الأسعار في العراق العديد من ذوي الدخل المحدود على تمضية عيد الفطر بجيوب فارغة، ما انعكس سلباً على حجم الإنفاق المتوقع، إذ فضلت غالبية العائلات البقاء في المنازل أيام العطلة والاكتفاء بالنفقات الضرورية.

تروي ربة المنزل العراقية أم انتظار (55 سنة) لـ «الحياة» خيبتها وشعورها بالحزن الشديد بعد رؤية أحفادها يعودون بعد نحو ساعة من مدن الملاهي الصغيرة في المدينة التي تقطنها، وعند سؤالهم عن السبب قالوا: «لقد نفد مصروفنا وما حصلنا عليه من عيديات بعد لعبتين أو ثلاث». وقالت أم انتظار إن «الكل يعلم أن حجم مصاريف شهر رمضان للعائلة المسلمة كبير جداً، ولذلك بلغنا العيد بجيوب فارغة تماماً، ونواجه صعوبات كبيرة في تأمين ثمن ملابس لأولادنا وأحفادنا، ولا أخفي أننا اضطررنا إلى إقناع الكبار بتأجيل هذا الأمر، والاكتفاء بشراء الملابس للصغار».

وكان الناطق باسم وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي عبد الزهرة الهنداوي أكد أن «نسبة الفقر تبلغ حالياً 22 في المئة بسبب الأزمة الاقتصادية الناتجة من تراجع أسعار النفط، فيما تبلغ نسبة متوسطي الدخل وميسوري الحال 78 في المئة».

أما المدرس المتقاعد طلعت جاسم (65 سنة)، فشكا من أن «هيئة الاستثمار منحت مستثمرين حق بناء مدن ملاهٍ ومنتزهات للعوائل، ولكن للأسف لم تنظم الدولة عمل هذه الملاهي، ولذلك يحاول المستثمر استعادة أمواله وتحقيق أرباح خيالية بأسرع وقت وعلى حساب المواطنين البسطاء، فتجد أن سعر تذكرة بعض اللعب البسيطة جداً، مثل الأراجيح ودواليب الهواء، يتجاوز 5 آلاف دينار (4 دولارات)، ما يعني أن كلفة هذه اللعبة لـ5 أطفال مثلاً تبلغ 20 دولاراً، وهنا سنقف عاجزين عن تلبية رغبات أطفالنا على مدى 3 أيام وسنكتفي بزيارة الملاهي مرة واحدة، ونقضي بقية أيام العيد في المنزل أو في زيارة أقاربنا».

وأكد صاحب إحدى مدن الملاهي الصغيرة منصور الشمري في تصريح إلى «الحياة» أن «سبب هذه الأسعار هو طبيعة التعاقدات مع الدولة، فهي تفرض علينا رسوماً عالية جداً على اعتبار أنها منحتنا مساحات أراضٍ مميزة داخل المدن، كما فرضت علينا شروطاً تعجيزية مثل بناء مرافق إضافية وصيانة الشوارع القريبة، ناهيك عن تحملنا تكاليف البناء والألعاب الباهظة الثمن». وأوضح أن «طبيعة المجتمع العراقي تختلف عن الدول الأخرى، وحتى تختلف بين مدينة عراقية وأخرى، فأنا مثلاً مضطر لفتح مدينة الملاهي فقط في أيام العيد والمناسبات، وأغلقها بقية أيام السنة لأن حجم الإقبال ضعيف جداً، وفي حال كان الإقبال مستمراً، أستطيع خفض سعر تذكرة الألعاب».

وسجل حجم الإقبال على التسوق تراجعاً كبيراً قبل العيد وخلاله. وفي هذا السياق، قال صاحب مركز تسويقي يدعى احمد العجيلي (60 سنة) لـ «الحياة»: «أملك مركز تسويقي متوسطاً وكنت أرفض التعامل بالدَين نهائياً، ولكن خلال أيام رمضان لمست عزوفاً من قبل زبائني، ما أجبرني على الموافقة على البيع بالدَين». وأضاف أن «اضطرار العائلة لتأمين احتياجات رمضان بالدَين جعلها تتقشف بالصرف كثيراً، فحجم الإقبال ضعيف جداً، وكذلك الأمر بالنسبة لتجار الجملة الذين أعرفهم وأبلغوني أن نسبة مبيعاتهم انخفضت كثيراً في الفترة الماضية».

وقال الباحث الاجتماعي نبيل علي الحسون إن «العائلة العراقية معروفة بالتكيّف مع الأوضاع الاقتصادية للبلد والتي كانت ولا تزال كثيرة التقلب وتشوبها الأزمات بين فترة وأخرى». وكشف أن «نسبة كبيرة من العائلات العراقية خرجت من تصنيف العائلات المدخرة وتحولت سياساتها باتجاه تدبير الأمور بما يحصلون عليه من دخل خلال الشهر الواحد، بل وتستعين في كثير من الأحيان بقروض مصرفية لسد احتياجات غير مخطط لها مثل البناء والزواج والعلاج والسفر وغيرها». وأضاف أن «حجم الإقبال على السلع وارتياد مناطق الترفيه ومدن الملاهي ضعيف جداً خلال السنتين الماضيتين بسبب قلة المداخيل، وغياب مشاريع سياحية حديثة تواكب ذوق الفرد وبحثه عن التجديد، فضلاً عن الهاجس الأمني الذي يستهدف التجمعات».

وقال الخبير الاقتصادي عبد الرحيم الشمري لـ «الحياة» إن «ارتفاع معدلات دخل الفرد لا يعني بالضرورة تحسن مستواه المعيشي، بل على وزارة التخطيط تحديد الفرق بين دخل الفرد النقدي والدخل الحقيقي، لمعرفة مستوى الرفاهية التي بلغها الفرد». وأضاف: «أعددت مقارنة اعتمدت على مقدار السلع والخدمات التي يحصل عليها المواطن مقابل 500 أو 600 دولار شهرياً، ووجدت أن المبلغ لا يكفي لإعالة عائلة مؤلفة من 5 أفراد لمدة شهر».

وتبنت الحكومة العراقية أخيراً سياسة تمويل المشاريع الخاصة بسكن الفقراء وبناء المدارس. وقال رئيس الحكومة حيدر العبادي خلال ترؤسه اجتماعاً للجنة العليا لسياسات التخفيف من الفقر إن «العراق يجب أن يغادر حالة الفقر المدقع وانعدام الأمن الغذائي عبر إتباع إجراءات تستهدف الفئات الهشة خلال مدة تنفيذ هذه الإستراتيجية التي تستمر حتى عام 2022».

وكشف البنك الدولي أخيراً عن توقعاته وتقديراته للاقتصاد العراقي خلال العام الحالي، وطغت المؤشرات الإيجابية على المشهد على رغم تحذيرات من هشاشة الوضع بسبب بعض الأخطار. ويبلغ عدد سكان العراق 38.5 مليون نسمة، وإجمالي الناتج المحلي 197.7 بليون دولار، بينما يبلغ معدل الفقر وفقاً لخط الفقر المحدد بـ3.2 دولار يومياً 17.9 في المئة.

عن "الحياة"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية