عبد الله الفكي البشير لـ"حفريات": ليس للإخوان وفكرهم مستقبل في السودان (1)

عبد الله الفكي البشير لـ"حفريات": ليس للإخوان وفكرهم مستقبل في السودان (1)

عبد الله الفكي البشير لـ"حفريات": ليس للإخوان وفكرهم مستقبل في السودان (1)


29/05/2023

أجرى الحوار: عبدالجليل سليمان

د. عبد الله الفكي البشير (مفكر جمهوري) وكاتب وباحث وأكاديمي سوداني. تجيء كتاباته ضمن مشروع بحثي ينطلق من رؤية نقديَّة للإِرث السياسي والفِكْري في السودان، بشكل خاص، وفي الفضاء الإسلامي والإنساني بشكل عام. ويدعو المشروع، في تأمُّلاته للتاريخ والواقع ومُتطلبات الدخول في المستقبل، إلى الانتقال من نقد السياسات والنتائج إلى تفكيك التصوّرات ومراجعة الافتراضات والمُسَلّمات. حاورته "حفريات" للحديث أكثر عن مشروعه وعن حركات الإسلام السياسي.

لعبد الله البشير العديد من المؤلفات منها:

- المؤسسات الإسلامية: تغذية التكفير والهوس الديني، 2022.

- أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية: التنمية حرية - محمود محمد طه وأمارتيا كومار سن (مقاربة)، 2022.

- محمود محمد طه وقضايا التهميش في السودان، 2021.

- الذكرى الخمسون للحكم بردة محمود محمد طه: الوقائع والمؤامرات والمواقف، 2020.

- الفشل في إدارة التنوع: حالة السودان، 2014.

- نَسبُنا الحضاري: قراءة في عوامل الانبتات والتكييف وتغذية الخيال الجمعي، 2014.

- صاحب الفهم الجديد للإسلام؛ محمود محمد طه والمثقفون: قراءة في المواقف وتزوير التاريخ، 2013.

 وهنا الحوار:

مرحبا بكم دكتور عبدالله في "حفريات". طرح المفكر الجمهوري الراحل الأستاذ محمود محمد طه أفكاراً (إسلامية) مختلفة عن السائد في ذلك الوقت، أي رؤية "إسلامية بنظم إدراك جديدة"، فهل كان ذلك هو السبب الرئيس للصدام الحاد بين الجمهوريين والإخوان المسلمين، الجماعة الأكثر مساهمة في تأسيس البنى الإيديولوجية التي قام عليها الإسلام السياسي؟

مرحباً بكم، مع خالص الشكر على اهتمامكم وإتاحة الفرصة لهذه المقابلة.

لقد دعا المفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه إلى بعث الإسلام، عبر فهم جديد للنصوص القديمة المألوفة، فطرح مشروعه الفكري في تشرين الثاني (نوفمبر) 1951. يدعو المشروع إلى مدنية جديدة تخلف المدنية الغربية المادية الحاضرة. وتكون الفلسفة الاجتماعية التي تقوم عليها هذه المدنية الجديدة ديمقراطية اشتراكية تؤلف بين القيم الروحية وطبائع الوجود المادي؛ حيث المزج بين العلم التجريبي المادي والعلم التجريبي الروحي. ويكون دُستورها القرآن، في مستوى آيات الأصول (الآيات المكية)، وهي آيات الحرية والإسماح وكرامة الإنسان، بما يحرز السلام، ويحقق مسألة التوفيق بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، وحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة. وسمة هذه المدنية الجديدة هي الإنسانية.

غلاف كتاب "المؤسسات الإسلامية: تغذية التكفير والهوس الديني، 2022"

واجه طه مؤامرات عنيفة ومستمرة قادها تحالف ديني عريض، قوامه المؤسسات الدينية، ورجال الدين، والإخوان المسلمون/ الإسلام السياسي بتشكلاته المختلفة، والقادة السياسيون من ذوي الفهم المتخلف للإسلام. أفضت هذه المواجهة إلى الحكم عليه بالردّة عن الإسلام، مرتين، كان جلّ قضاتها وشهودها من الإخوان المسلمين. كان حكم المرة الأولى في تشرين الثاني (نوفمبر) 1968، والثانية في كانون الثاني (يناير) 1985، حيث تم استدعاء حكم المرة الأولى مع فتوى صدرت عن الأزهر بتكفيره في 5 حزيران (يونيو) 1972، وفتوى أخرى صدرت عن المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي (يتكون المجلس من (60) عضواً يمثلون دول العالم الإسلامي، ولم يكن الإخوان المسلمون بعيدين عن الهيمنة على هذا المجلس) بردّته، في 5 ربيع أول 1395/ 18 آذار (مارس) 1975، وتم الاستناد عليها في إصدار حكم بالإعدام وتنفيذه عليه في العاصمة السودانية الخرطوم في 18 كانون الثاني (يناير) 1985.

محاولة (الإخوان الجمهوريين) المواءمة بين الفكر الاشتراكي العلماني ومبادئ الإسلام في النظر إلى المجتمع والعلاقات الاجتماعية والأحوال الشخصية، مثل الزواج والطلاق والميراث وحقوق النساء والأطفال والأقليات، سهّلت على مناوئيهم التقليديين الترويج (لكفرية) هذه الأفكار، ما رأيك؟

على الرغم من أنّ طه لا يدعو إلى القطيعة مع التراث البشري من المعارف والعلوم والفنون، وإنّما ينظر إليه باعتباره من وسائل العلم ومعرفة الحقيقة، بل يقول: "إنّ الدعوة إلى معرفة ذات الله هي دعوة إلى الاستئناس بجميع التراث البشري في وسائل المعرفة"، على الرغم من ذلك إلّا أنّه ليست هناك أيّ محاولة، عند طه، للمواءمة بين الفكر الاشتراكي العلماني ومبادئ الإسلام، فالفكر الجمهوري الذي طرحه طه يقدم الاشتراكية من داخل القرآن، وهي فكرة مركزية عنده، لأنّ الفلسفة الاجتماعية التي يقوم عليها الفكر الجمهوري هي ديمقراطية اشتراكية، كما وردت الإشارة. أمّا مبادئ الإسلام في النظر إلى المجتمع والأحوال الشخصية... إلخ، فإنّها في الفكر الجمهوري تختلف كليّة عن الفهم السائد للإسلام، كونها تقوم على تطوير الشريعة الإسلامية. والتطوير، كما هو مفصل عند طه، يقع في شريعة المعاملات، وليس في شريعة العبادات. ويكون من داخل القرآن، ويعني الانتقال بالتشريع وارتفاعه من آيات الفروع (الآيات المدنية)، حيث الشريعة التي نظمت حياة الأمّة في القرن السابع، إلى آيات الأصول (الآيات المكية)، آيات الحرية والإسماح والكرامة. وبتطوير الشريعة الإسلامية يكون الجهاد، كما يرى طه، ليس أصلاً في الإسلام، وإنّما فرع، وكذلك الرق، والرأسمالية، وعدم المساواة بين الرجال والنساء، وتعدد الزوجات، والطلاق، والحجاب، كلها ليست أصلاً في الإسلام، وإنّما فرع، وهكذا، كما هو مفصل في كتابات طه وأحاديثه.

المفاضلة بين الناس تكون بالعقل والأخلاق، وليس بالدين أو العنصر أو اللون أو الجنس

واستناداً على أصول القرآن (الآيات المكية)، فإنّ المفاضلة بين الناس، عند طه، تكون بالعقل والأخلاق، وليس بالعقيدة أو الجنس أو العنصر أو اللون.

أمّا إشارتك إلى أنّ هذه الأفكار سهلت للمناوئين التقليديين الترويج (لكفرية) هذه الأفكار، ففي تقديري من يحكم بالتكفير أو يروج له فهو يكشف عن جهله، ويُعبّر عن عجزه، وانخفاض سقفه المعرفي، وغياب ورعه العلمي، وضعف وازعه الأخلاقي. وبهذا فهو إنسان ضحية، ومشوه العقل والتكوين المعرفي، والواجب علينا تنويره ومراجعة معطيات تكوينه ومناهج تعليمه، ومن ثم محاصرة جهله بالوعي والحجة، وليس وضع الاعتبار لخطابه الجاهل والخطير على نفسه وعلى المجتمع والإنسانية.

أما كان الأجدر والأنسب للفكر الجمهوري -في ذلك الوقت المبكرـ  أن يؤجل، ولو إلى حين، طرح مقولات مثل "الجهاد والزكاة... إلخ، ليست أصولاً في الإسلام"، لكي يتم تفويت الفرصة على المتربصين ممّن يستخدمون التكفير سلاحاً سياسياً؟

هناك كثير من المفكرين والباحثين يرون أنّ طه جاء قبل وقته، وقد عبّر أحدهم، قائلاً:  He was born well ahead of his time "لقد وُلد قبل وقته بزمن طويل". وهناك من قال ليته أجّل التصريح ببعض الأفكار. هذه تمنيات البعض، ولكنّ الأمر عند طه مختلف تماماً، فهو تكليف رباني، وهو مسؤولية، والتزام أخلاقي تجاه الإنسانية. وكل ما طرحه طه يمثل جزءاً أصيلاً من مشروعه، كما أنّ التزام الحق في الإسلام، عنده، لا يقبل التنازل أو التجزئة أو المجاملة أو المساومة. ولهذا كان لا بدّ أن تظهر هذه الأفكار الجديدة والخطيرة إلى السطح. وكان طه مستعداً لكل النتائج المتوقعة والتبعات، ولعلّ أوضح برهان على هذا الاستعداد، هو كتابته لوصيته في 19 أيار (مايو) 1951 قبل خروجه من الاعتكاف.

ما هي، (قواعد الاشتباك) الفكري الأساسية بين الجمهوريين وحركات الإسلام السياسي، ممثلة في الإخوان المسلمين؟

 لقد قدّم الجمهوريون منذ وقت باكر نقداً شاملاً لتنظيم الإخوان المسلمين، وسبقوا في ذلك الثائرين عليهم اليوم، والمتخصصين في حركات الإسلام السياسي وقضايا الهوس والإرهاب، وسبقوا كذلك مراكز البحوث والدراسات في الفضاء الإسلامي والعالمي. تناول الجمهوريون المقومات الفكرية لتنظيم الإخوان المسلمين، وتتبعوا ممارساته في موطنه الأول مصر، وفي السودان، وذلك من حيث إنّه تنظيم يستغل الدين في الأغراض السياسية التي تستهدف الوصول إلى السلطة أو احتواءها.

غلاف كتاب "محمود محمد طه وقضايا التهميش في السودان، 2021"

وأوضحوا أنّ دعوة الإخوان المسلمين تقوم على أسلوب العنف، إذ يرى مفكروهم أنّ حسم الصراع بين العقائد والأفكار سيظل في مستقبل البشرية، كما كان في ماضيها، قائماً أيضاً على عنصر العنف، من غير اعتبار للظروف المرحلية الموضوعية التي أملت الجهاد في الشريعة الإسلامية في الماضي، ومن غير إدراك لكون الطبيعة البشرية المسالمة هي الفطرة، وأنّ الطبيعة البشرية المحاربة إنّما هي طبيعة عارضة، وهي مسخ للفطرة السليمة، وهي إذن رهينة بملابسات التاريخ... والعنف يسوق إلى اللّا تسامح، ومن ثم الهوس والإرهاب والتطرف. ومردّ العنف، أساساً، سواء عند الإخوان المسلمين أو حركات الإسلام السياسي، أو لدى الجماعات السلفية، أو لدى داعش أو بوكو حرام أو غيرها، مردّه إلى أمرين: الأوّل ضعف التوحيد، والأمر الثاني الدعوة إلى تحكيم الشريعة الإسلامية بكل صورها التي كانت في القرن السابع، الأمر الذي يناقض معطيات العصر ومتطلباته، ويصادم حاجة الإنسان المعاصر. إنّ ضعف التوحيد، عند طه، جهل بقانون التطور، قانون الوجود، وهو قانون التوحيد الكلّي الذي يوحّد بين المتناقضات، وإيجاد كل متسق من المظاهر المختلفة في الوجود. والإسلام، كما يرى طه، بفكرة التوحيد، التي تقوم على وحدة الخالق، ووحدة الوجود، استطاع أن يسقط العنف. ويجيء العنف من التناقض، بينما يخرجنا التوحيد من التناقض الذي يُولد العنف إلى السلام. ذلك لأنّ "الديالكتيك"، أي المحاورة والجدل، الذي يقع بين المتناقضين، ويجري فيه العنف، يكون غرضه، أي "الديالكتيك"، في الإسلام، هو إيجاد التناسق، والتوافق، والانسجام، والمحبة، بين المتناقضات. و"الديالكتيك" في الإسلام عند النهايات، يكون بين العبد والرب، ويتخذ صور الاعتراف، والندم على الأخطاء التي وقعت من العبد نحو الرب... هذا "الديالكتيك" يجري عن طريق الاستغفار، ولا مكانة فيه للعنف. كذلك إنّ غاية التوحيد في الإسلام، كما يرى طه، أن تكون في سلام مع الله، لتكون في سلام مع نفسك، لتكون في سلام مع الأحياء، والأشياء. وفي هذا هناك تفصيل كثير يصعب تناوله في هذه المقابلة.

قدّم الجمهوريون منذ وقت باكر نقداً شاملاً لتنظيم الإخوان المسلمين، وسبقوا في ذلك الثائرين عليهم اليوم، والمتخصصين في حركات الإسلام السياسي وقضايا الإرهاب

وإنّ طرح تنظيم الإخوان المسلمين لتحكيم الشريعة الإسلامية بكل صورها التي جاءت في القرن السابع، يعوزه الفهم الدقيق لروح هذه الشريعة، ولروح هذا العصر، فالفهم الدقيق عند الجمهوريين يقول إنّ الشريعة ليست هي الدين! وإنّما هي المدخل إلى الدين، ولهذا فإنّ الجمهوريين يدعون إلى تطوير الشريعة في المعاملات وليس العبادات، كما ورد آنفاً. وفي الوقت الذي يقوم فيه تنظيم الإخوان المسلمين على العنف، فإنّ الفكر الجمهوري يقوم على الإقناع، ويمنع العنف، ويحترم الحرية، ويدعو لبناء السلام في النفوس وعلى الأرض، ويرى أنّه آن الأوان أن يرتفع أسلوب الدعوة الإسلامية من الجهاد للآخرين بالسيف، الذي اقتضاه حكم الوقت الماضي، إلى مستوى جهاد النفس... وهذا ما سمّاه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالجهاد الأكبر. كذلك يدعو محمود محمد طه إلى الحياة في سبيل الله والإنسانية، وليس الموت في سبيل الله.

كذلك إنّ دعوة الإخوان المسلمين ليس فيها حقوق لغير المسلمين، فإمّا أن يدخلوا في الإسلام، أو أن يقاتلوا أو يدفعوا الجزية، وفي كل الأحوال فإنّ غير المسلمين، وفقاً لطرح الإخوان المسلمين، مواطنون درجة ثانية.

من وجهة نظركم، ما دور الإسلام في الحياة السياسية؟ وبشكل أوسع، ما   دور الاسلام في الدولة، بما في ذلك نظامها السياسي؟ وما حدود الدور الذي يمكن أن تقوم به الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية في إطار النظام السياسي للدولة؟

في تقديري، إنّ الفهم السائد للإسلام الذي يقدّمه رجال الدين وحركات الإسلام السياسي، والمؤسسات الدينية، والأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، وبحكم أنّه فهم متخلف (المقصود الفهم للإسلام وليس الإسلام) عن تطور الحياة وقاصر عن تلبية حاجة الإنسان المعاصر، واستيعاب البيئة الإنسانية الجديدة، كما كشفت التجارب التطبيقية، فإنّ هذا الفهم يمثل تهديداً للأمن والسلام العالميين، خاصة أنّ أصحاب هذا الفهم يدعون لتحكيم الشريعة الإسلامية دون الأخذ بتطويرها، كما ورد آنفاً، الأمر الذي تكون نتيجته الطبيعية الدعوة للعنف كأسلوب، ومن ثم الهوس والإرهاب والتطرف.

غلاف كتاب "صاحب الفهم الجديد للإسلام؛ محمود محمد طه والمثقفون: قراءة في المواقف وتزوير التاريخ، 2013"

إنّ واقع اليوم، وحاجة الإنسان المعاصر ومتطلبات العصر، تفرض ضرورة الفهم الجديد للإسلام. ولهذا، الفهم الجديد للإسلام الذي قدّمه محمود محمد طه هو الذي يستطيع تحقيق التعايش وتعزيز التسامح ويتيح الفرصة للاحتفاء بالتعدد الثقافي، ومن ثم سيبني مدنية المستقبل، مدنية الإنسانية الشاملة. ذلك لامتلاك الإسلام، كما يقول طه، لعنصر الروح، عنصر الأخلاق، لتلقيح الحضارة الغربية الحاضرة، وبعث الروح في هيكلها، المادي العملاق. ثم لأنّ الإسلام بوضعه الفرد في مرتبة الغاية، والمجتمع في مرتبة الوسيلة، قد أعطى منزلة الشرف للحرّية، والحرّية هي قضية إنسان اليوم. ثم لأنّ الإسلام يملك المنهاج الذي يمكن به حلّ مشكلة اغتراب الإنسان، ويمكن تحريره من حالة القلق والاضطراب.

في نقاط، لو أمكن، لخّص لنا رؤى محمود محمد طه في نقده للإسلام السياسي ـ مع أخذ جماعة الإخوان كنموذج، وكيف ينظر إليها (الجمهوريون) ـ بعد انحسارها الراهن، وعقب عودتهم إلى المشهد الفكري والسياسي السوداني بعد إطاحة نظام الجماعة عن السلطة؟

أوّلاً: لقد أوضح محمود محمد طه من وقت باكر أنّ حركة الإخوان المسلمين ليس لديها فكر أو مذهبية للحكم، وإنّما تنطلق وتنطوي على هوس ديني، يمثل خطراً على الإنسان، وتهديداً للسلام العالمي، ونكبة على الدعوة الإسلامية. لقد كتب عن دعوتهم لما يسمّونه بالدستور الإسلامي، ويسمّيه هو الدستور الإسلامي المزيف، كتب في 8 كانون الثاني (يناير) 1965 عن الإخوان المسلمين في السودان قائلاً: "إذا ما قدّر لدعاة الفكرة الإسلامية الذين أعرفهم جيداً أن يطبقوا الدستور الإسلامي الذي يعرفونه هم ويظنونه إسلامياً، لرجعوا بهذه البلاد خطوات عديدات إلى الوراء، ولأفقدوها هذا التقدم البسيط الذي حصلت عليه في عهود الاستعمار... ولكانوا بذلك نكبة على هذه البلاد وعلى الدعوة الإسلامية". ثانياً: تنطوي دعوة الإسلام السياسي على فكرة العنف، كما ورد آنفاً. ثالثاً: إنّ مكانة غير المسلمين في أطروحات الإسلام السياسي هي أنّهم مواطنون درجة ثانية. رابعاً: من سمات الإسلام السياسي استغلال الدين في الأغراض السياسية التي تستهدف الوصول إلى السلطة، أو احتواءها. خامساً: إنّ غياب الرؤية الإنسانية في طرح الإسلام السياسي يجعل من طرحه نافراً ورافضاً للتطور الإنساني ومناقضاً بل معادياً لمعطيات البيئة الإنسانية الجديدة التي أصبحت تحتفي بالتعدد، وتعيش وحدة المصير المشترك، فضلاً عن الجوار  الجغرافي بين الدول كما هو الحال في جوار المنازل.

الفهم الجديد للإسلام الذي قدّمه محمود محمد طه هو الذي يستطيع تحقيق التعايش وتعزيز التسامح ويتيح الفرصة للاحتفاء بالتعدد الثقافي، ومن ثم سيبني مدنية المستقبل، مدنية الإنسانية الشاملة

وعن قولك بعودتهم إلى المشهد الفكري والسياسي السوداني، فهذه في تقديري فرفرة مذبوح. ذلك لأنّ الواقع قد تجاوز طرح الإخوان المسلمين، فليس لديهم ما يقدّمونه، كما أصبحت رؤاهم محاصرة بوعي جماهيري مستمر ومتوسع. كذلك ورثت الأجيال في السودان عن فترة حكمهم الطويلة تركة ضخمة من البؤس الفكري والضعف الأخلاقي. شهد السودان التيه والركاكة والظلام والتدهور في كل مناحي الحياة، وعاش خلالها معزولاً عن العالم الخارجي، بل أصبح مهدداً للسلام العالمي، عندما صُنف ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، فضلاً عن إرث الحروب الجهادية اللّا أخلاقية في جنوب السودان. وقد ذاق فيها الشعب السوداني العذاب والظلم في أبشع صوره، ولهذا ليس للإخوان المسلمين وفكرهم مستقبل في السودان أو في أيّ بلد آخر. فضلاً عن أنّ السودان يعيش حالة ثورية شاملة، قوامها الشباب، وهي تتوق إلى استكمال الاستقلال وميلاد المواطن الجديد الأصيل المتناغم مع بيئة التعدد الثقافي التي ينعم بها السودان، والمتسق مع البيئة الإنسانية الجديدة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية