أدّى أربعة وزراء جدد، الأحد الماضي، 14 كانون الثاني (يناير)، اليمين الدستورية لوزارات: التنمية المحلية، والثقافة، والسياحة، وقطاع الأعمال العام. وكان اللافت في الحدث؛ تعيين عازفة الفلوت العالمية، ورئيسة دار الأوبرا المصرية، إيناس عبد الدايم، وزيرة للثقافة، وقد أبدى مثقفون مصريون، من تيارات فكرية مختلفة، ارتياحهم، وتقديرهم لذلك الاختيار.
تعدّ عازفة الفلوت، السيدة الأولى التي تتقلد هذا المنصب، منذ تأسيس وزارة الثقافة المصرية في القاهرة، في ستينيات القرن الماضي، بعد فصلها عن وزارة التعليم.
رئيسة دار الأوبرا سبق أن اعتذرت عن عدم قبول منصب وزير الثقافة 2013 بسبب تحفظ التيار الديني
وقد سبق لرئيسة دار الأوبرا، أن اعتذرت عن قبول منصب وزير الثقافة، عام 2013، ورأى محلّلون أنّ رفضها يعود إلى تحفظ التيار الديني على اختيار امرأة للمنصب، ما دفع مثقفي القاهرة، في ذلك الوقت، إلى إصدار بيان ناشدها بقبول المنصب؛ لأنّهم يرون فيها إمكانات تؤهلها لإدارة منظومة العمل الثقافي، وكان من ضمن الموقعين على البيان: بهاء طاهر، وصنع الله إبراهيم، ومحمد المخزنجي، وجابر عصفور، وعبد الرحمن الأبنودي، وأحمد فؤاد نجم، وسيد حجاب، ومحفوظ عبد الرحمن، وفتحية العسال، ويوسف القعيد، ومدحت العدل، وسميحة أيوب، ومراد وهبة، وصلاح فضل، ومحمد العدل، ومجدى أحمد على، وخالد يوسف، وغيرهم.
الفنّ ضدّ التطرف
حصلت إيناس عبد الدايم على درجتي الماجستير والدكتوراه في آلة الفلوت، من المعهد الوطني للموسيقى بباريس، ونالت جائزة الإبداع من أكاديمية الفنون المصرية، وفازت بجائزة الدولة التشجيعية في الفنون عام 2000، وتدرجت عبد الدايم في سلك التدريس بمعهد "الكونسرفتوار"، حتى تولت رئاسته في الفترة من 2004 إلى 2010.
واختارها وزير الثقافة المصري السابق، الدكتور شاكر عبدالحميد، في كانون الأول (ديسمبر) 2011، لترأس دار الأوبرا المصرية، وتكون ثاني امرأة تتولى المنصب، الذي أقصيت عنه بقرار من وزير الثقافة السابق علاء عبد العزيز، في أيار (مايو) 2013، في ظل حكم جماعة الإخوان المسلمين لمصر.
الإقصاء الذي طالب قبله بأيام، نائب حزب النور السلفي، جمال حامد، في مجلس الشورى، بإلغاء "فنّ الباليه"؛ لأنّه في رأيه "نوع من العري، ويحرض على الفجور"، وقد رفض طلبه فنانون ومثقفون، ونظموا تظاهرة توجهت إلى مقرّ وزارة الثقافة المصرية، واعتصموا في مقر الوزارة، الذي انطلقت منه شرارة ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013، انطلاقاً من تعنت حكومة الإخوان مع رئيسة دار الأوبرا، والفنون عامة.
رؤية ثقافية للمستقبل
تمّ اختيار إيناس عبد الدايم، رئيسة لدار الأوبرا المصرية، عام 2011، من قبل وزير الثقافة الأسبق، وأستاذ علم نفس الإبداع بأكاديمية الفنون، شاكر عبدالحميد، الذي قال لـصحيفة "حفريات": "كنت من اختارها مديراً للأوبرا، حين شغلت منصب وزير الثقافة عام 2011؛ لأنّها إدارية متميزة، وتمتلك حضوراً، واستطاعت بالفعل أن تعيد للأوبرا نشاطها، الذي لاحظه الجميع في السنوات الأخيرة".
وعن تعاقب سبعة وزراء على منصب الثقافة في القاهرة، في بضع سنوات، أشار عبدالحميد، إلى أنّ "المسألة مرتبطة بالفترة التي مرت بها الدولة، وأنّها كانت فترة ملتبسة، ضعف فيها النظام، قبل أن يستعيد قوته مرة أخرى. لافتاً إلى أنّ نجاح أي وزير يعتمد على امتلاك المسؤول للرؤية أولاً، وقدرته على تنفيذها ثانياً، وأن يمنح مساحة زمنية معقولة، للحكم على رؤيته في العمل. موضحاً أنّ ما حدث من تعاقب سبعة وزراء على المنصب، وبعضهم لم يستقرّ في وزارته إلّا بضعة شهور، مسألة تجعل الحكم عليهم غير منطقي".
وعن إيناس عبد الدايم، قال عبدالحميد، إنّه لا يمتلك تكهنات مسبقة، مستطرداً: "المسألة مرتبطة بالأحوال السياسية العامة، وقدرتها على إنجاز شيء".
أزمة الوزارة سببها الرؤية
رئيس دار الكتب والوثائق القومية السابق، وأستاذ النقد الأدبي بجامعة قناة السويس، الدكتور محمود الضبع، رحّب باختيار إيناس عبد الدايم وزيرة للثقافة، مشيراً إلى أنّه اختيار موفَّق ومتميز. وقال حديثه لـصحيفة "حفريات": إنّ "أزمة وزارة الثقافة تعود إلى الرؤية التي يجب أن تكون نابعة من خطة تنمية مصر 2030، التي تسعى الدولة إلى إقرارها؛ لأنّه لا يمكن بناء خطة منفصلة عن الخطة العامة للدولة، ويجب أن تكون الخطة في سياق متطلبات مصر في الثقافة، ومجتمع المثقفين، الذي لا يجب أن ينفصل عن المؤسسات الثقافية الرسمية وغير الرسمية".
وأشار الضبع إلى أنّ التكامل بين تلك المؤسسات هو الأصلح والأصوب في الأنشطة الثقافة المختلفة، سواء تحدثنا عن صناعة الكتاب وحركة النشر، أو المسرح والسينما، وقد مثّل لذلك بنموذج المسرح الخاص، ومسرح الهواة، من ناحية أنّه أكثر فاعلية عنه في المؤسسة الرسمية للدولة.
ولفت الضبع إلى أنّ الحلّ الوحيد لأزمة الثقافة، من وجهة نظره، يتمثّل في وضع رؤية قائمة على مفهوم المشاركة المجتمعية، لا مفهوم الوزارة المهيمنة، وأنّ هذه المشاركة ستعمل على إحداث تكامل في الأدوار. موضحاً أنّ دور النشر الخاصة لا يجب أن ينظر لها على أنّها منافس، إنّما يجب أن تضع الوزارة خطة للنشر بالتعاون معها، لملأ فراغات الحقول المعرفية المختلفة.
امرأة في منصب وزير الثقافة
في المقابل؛ أبدت الدكتورة هبة شريف، المدير السابق للمؤسسة الثقافية السويسرية في القاهرة، والأستاذ السابق في كلية الآداب، والباحثة في السياسات الثقافية، دهشتها من الترحيب الشديد الذي وجهه مثقفون مصريون لتعيين امرأة في منصب وزير الثقافة، دون أن يعتمد ذلك الترحيب على برنامج واضح للوزير، أو سياسة ثقافية معروفة للدولة.
وقالت شريف، لصحيفة "حفريات": "الوزيرة لم تعلن عن سياستها بعد، فلماذا ذلك الاحتفاء الكبير، ونحن لا نعرف خطة العمل المطروحة حتى الآن".
وأوضحت شريف، أنّها ليست مع وجود وزارة للثقافة، مبدئياً، ومن ناحية نظرية بحتة؛ فهي ترى أنّه من الأفضل وجود مؤسسات ثقافية منفصلة، تدار من قبل مختصين في الإدارة الثقافية، وأن تستقلّ ميزانيات تلك المؤسسات عن موازنة الدولة. ونوّهت إلى أنّ الواقع يشير إلى أنّه من الصعوبة التخلص من كيان بيروقراطي ضخم، يدعى "وزارة الثقافة".
على أي أساس يتم اختيار الوزير أو الوزراء السابقين؟ لماذا جاء سبعة وزراء عقب ثورة يناير 2011؟
وفي السياق نفسه، قالت شريف: "السؤال الأهم هنا: على أي أساس يتم اختيار الوزير، أو الوزراء السابقين؟ لماذا جاء سبعة وزراء منذ ثورة كانون الثاني (يناير) 2011 حتى الآن؟ ولماذا رحلوا؟ لا أحد يعرف بالفعل".
وأضافت: "مبدأ الشفافية منعدم؛ فأنا كدافعة للضرائب، التي تخرج منها مرتبات موظفي الحكومة، الذين يجب أن يعملوا لصالح الشعب، لا أعرف سبب اختيار وزير أو سبب إقالته. فالأزمة تتلخص، إذاً، في غياب الشفافية، وعدم وجود رقابة، إلى جانب غياب المحاسبة".
وأشارت هبة شريف، إلى أنّه لا توجد سياسة ثقافية واضحة للدولة، بالتالي، المسؤول لا يعرف تحديداً المهام المطلوبة منه، وحين يتولى مسؤول المنصب، يصطدم بالهيكل البيروقراطي المسيطر على المؤسسات الحكومية الأخرى، التي تعيق محاولاته للتغيير. موضحةً، "لو حاول وزير الثقافة هيكلة قطاع الموظفين، سوف يصطدم بالوزرات الأخرى، المشابكة مع وضع الموظف الحكومي".