عارضات باريس ونساء امرئ القيس: الامتلاء يستعيد هيبته

عارضات باريس ونساء امرئ القيس: الامتلاء يستعيد هيبته


13/11/2017

 تقول الأنباء القادمة من باريس هذه الأسابيع إنّ دور أزياء شهيرة مثل "جيفانشي" تعمل على فك الارتباط بين عرض الأزياء والنحافة، وأنّ البدينات يمكنهن القيام بأدوار العرض، مثلما أنّ المستهلكات منتجات دور الأزياء من الأحجام كافة.

وقالت (أ ف ب) التي أوردت النبأ، "إن الجميع يحترم لوائح جديدة لشركتين رئيسيتين، هما «إل في إم إتش» و«كيرينج»، بهدف وضع ضوابط لأعمار ومقاسات العارضات اللاتي يرتدين التصميمات، وهو تطور يقول النشطاء إنه جاء في وقته ويجب أن ينتشر".
ومع تشكيك الاختصاصيين في المجال من تحولٍ متفائل كهذا في عالم عرض الأزياء، إلا أنه سيبقى أملاً لعربيات وعربٍ لا يزلن على "هوى امرئ القيس" في ما تبدو عليه المرأة من قوام وهيئة، تحسد عليها من بنات جنسها، وميدان تغنٍ من الشعراء المفتونين بالفئات "رباعية الدفع" من النساء، على حد قول أحد السعوديين الساخرين.
وكان المصمم اللبناني البريطاني زياد غانم طبق التجربة فعلياً قبل سنوات (2013) عندما كسر في تشكيلته الجديدة ذلك العام، تقليد احتكار النحيفات عرض الأزياء، وقرر تسويق تشكيلته من خلال عارضات بدينات، وفق "بي بي سي" العربية.
لكنّ مواصفات امرئ القيس وأبناء جيله على أنها باتت في أوساطٍ للتفكه والسخرية، إلا أنها لا تزال بين ثقافات أخرى تحافظ على بعض جاذبيتها وربما إثارتها أيضاً، فإذا كان الكاتب محمد العنزي في أحد مجالس المذاكرة الشعرية يفسر"هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة" ساخراً من أن الشاعر يعني "أن سيارته ذات دفع رباعي"، فإنّ الزميل الآخر جعفر حمودة من السودان لا يتردد في التصريح بـأن "المرأة في السودان كلما اقتربت من مواصفات فتى (حجر) كانت فتنتها أعظم وشأنها بين الشبان أخطر".

ما بين عارضات باريس وفتيات امرئ القيس، تهون المصيبة أمام مواصفات "داعش" وأخواتها، ولا ينبئك مثل فتيات "الرقة"، وسبايا سنجار!

أما الناقد صديق عبد الباقي الذي قال إنه أنجز بحثاً في تأثر البيئات الصحراوية بالشعر الجاهلي، فإنه يذهب إلى أبعد إذ يرى أن "العرب تفضل المرأة الممتلئة بتوازن ليس لأنها مثيرة وجذابة فقط ولكن أيضاً لما تحمل تلك المواصفات من رمز للحشمة والستر، بل إن شعراء هجوا نساء قبائل محددة لأنّ عناصر الإثارة فيهن بادية، ناهيك عن كون ظهور أثر النعمة على المرأة يشير إلى كرم وليها زوجاً كان أو أباً، وأن الفتاة بالتعبير المعاصر "بنت ناس".
بيد أنّ صديقاً يرفض أن يكون عرب الجاهلية ومن بعدهم يمتدحون المرضى من النساء بالشحم، وإنما "يُعلون من شأن الامتلاء الذي يصاحبه تناسق في الجسم، حسب ما هو متداول في الشعر العربي، ولا تزال البيئات العربية الصحراوية في مصر والشام وموريتانيا والجزيرة العربية ترى هذه الشريحة من النساء أفضل، حتى الآن".
أما الكاتب السوداني الدكتور كرار التهامي، فاعتبر الميل إلى الأنثى المتمايزة التضاريس، أمراً فطرياً "لولا أنّ عارضات الأزياء في الغرب انحرفن بالذائقة الجمالية إلى زاوية أخرى".
ويرى الجدل حول معايير الجمال في زاوية النحف والسمن "يعيد طرح السؤال التقليدي في علم الفلسفة عن موضوعية الجمال أو ذاتيته، أي هل نرى كلنا نفس الأشياء جميلة أم يراها البعض مختلفة، ولماذا تتبدل المقاييس من جيل إلى آخر، ومن مجتمع إلى مجتمع، ذلك هو حوار الفلاسفة عبر القرون حول معاني الجمال، ومحاولتهم تفسيره بالمنطق والتأمل".
ومع تسليمه بأنّ اختلاف المقاييس في هذا المنحى ينطبق "على الجمال التجريدي والقيم المطلقة التي قد تكون مرغوبة وجميلة في زمان ما، لتصبح مستهجنة في زمان آخر"، إلا أنه يراه أكثر ما يكون انطباقاً على الأنثى التي اعتبر جمالها المعنوي والجسدي "الأبلغ تأثيراً في خلق حالة الإحساس بالجمال في وجدان البشر لحكمة أراد بها الله خلق حالة من التجاذب، تدفع الحياة للاستمرار بين قطبيها السالب والموجب، من المنظور البيولوجي والفلسفي".


وفي موريتانيا التي تفتح فيها العجائز أكاديميات لصنع فتيات على هوى امرئ القيس، على نحو (مأكمات) "يضيق الباب عنهن" وفقاً لتنظير عمرو بن كلثوم في معلقته الشهيرة، لا تزال أسراب الفتيات يتخرجن من جامعات "التبليح" على رغم المقاومة الحكومية للعادة التي تتجاوز التسمين المقبول إلى إلقاء القاصرات في التهلكة.
وأكد الصحافي خليل بن جدود أنّ شرائح واسعة من الموريتانيات "تقضي بعض التقاليد على ربط تزويجهن بأحجام أجسادهن"، مضيفاً أن هذا العرف القبلي "يدفع بعض العائلات إلى إرسال بناتها إلى معسكرات التسمين القسري منذ ربيع عمرهن. وذلك لأن بدانة الفتاة تعكس المستوى الاجتماعي والاقتصادي للأسرة من جهة، كما أنه شرط أساسي من شروط التأهيل".
وأشار في تقرير نشرته "العربية نت" إلى أن إحصائيات متداولة في موريتانيا كشفت أن واحدة من كل خمس بنات موريتانيات خضعت لعملية تسمين قسري، ووفقاً للدراسات فإن 38% من الفتيات تم تسمينهن قسراً في مدة تراوحت بين 5 إلى 10 سنوات.
وإذا ما تجاوزنا أهواء الشعراء والعرب جميعاً، ومكانة السمينة بين أوساطهم إلى أذواق عالمية أوسع، فإنّ الكاتب السعودي فهد بن عامر الأحمدي يرى أنه مع اختلاف مقاييس الجمال باختلاف الذوق والثقافة وطغيان النموذج السائد؛ فالسمنة وفلج الأسنان وسواد الشعر كانت من علامات الجمال المفضلة لدى العرب"، إلا أن هناك معايير  للجمال غدت شبه عالمية، وإن أقر بأنه "بفضل أفلام هوليود وطغيان الثقافة الغربية تحول نموذج الجمال إلى المرأة الشقراء العصلاء ذات الأسنان المتقاربة".

الجدل حول معايير الجمال في زاوية النحف والسمن يعيد طرح السؤال التقليدي في علم الفلسفة عن موضوعية الجمال أو ذاتيته

وأما بالنسبة لمعايير الجمال العصرية، فإن الأحمد المهتم بثقافات الشعوب حول العالم، يؤكد أنه "باستثناء المعايير الأفريقية، يوجد اليوم شبه اتفاق على معايير الجمال التي يجب توفرها في وجه المرأة والرجل.. فبالنسبة للرجل يجب أن يتمتع بوجه ذكوري حاد، وفك بارز، وجبهة عالية، ومسافة واسعة بين العينين، وأنف متوسط غير غليظ، والتقاء بسيط بين الحاجبين. أما المرأة فيجب أن تتمتع بوجه ضيق ناعم، وأنف حاد صغير، وخط حاجب مرتفع، وشفة سفلى ممتلئة، وذقن متأخرة، ووجنة بارزة، وشعر طويل". لكنه في موضع آخر يؤكد أن "مواصفات باربي لا تزال هي صاحبة الصدارة".
أما مغزى الميل إلى المواصفات التي اعتبرها عرفاً شبه متفق عليه عالمياً، فقال إن "بعض العلماء يرى أننا ندرك (بلا وعي منا) أن العناصر الجمالية تخفي وراءها صفات وراثية ممتازة، فالنساء مثلاً يدركن بالفطرة أن الوجه الرجولي الحاد يدل على الصلابة ووفرة هرمون التستيرون. وينفرن بالمقابل من أصحاب الوجوه الطفولية خشية التخنث وعدم تحمل المسؤولية. وفي المقابل يعتقد الرجال أن كثافة الشعر دليل على الأنوثة الصارخة وأن (سعة الصدر) دليل على عاطفة الأمومة والقدرة على الانجاب". 
وما بين عارضات باريس وفتيات امرئ القيس، تهون المصيبة أمام مواصفات "داعش" وأخواتها، ولا ينبئك مثل فتيات "الرقة"، وسبايا سنجار!


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية