طاهر المصري في "الحقيقة بيضاء": عرفات كان يخشى أن أحلّ مكانه

طاهر المصري في "الحقيقة بيضاء": عرفات كان يخشى أن أحلّ مكانه


15/09/2021

يوقع السياسي الأردني المخضرم طاهر المصري، اليوم الأربعاء، مذكراته "الحقيقة بيضاء" في المركز الثقافي الملكي بالعاصمة الأردنية عمّان، في احتفال يتحدث فيه عدد من السياسيين الأردنيين الذين رافقوا المصري وأطلوا على تجربته الخصبة.

ويرجح أن تثير مذكرات رئيس الوزراء الأردني الأسبق سجالاً واسعاً، لجهة ما تكشفه من تفاصيل يجري الإفصاح عنها للمرة الأولى، تتصل بعلاقات الأردن مع منظمة التحرير الفلسطينية، وتواصله مع الدول العربية التي شهدت منعطفات كثيرة، من أبرزها حشد سوريا جيشها على الحدود الشمالية الأردنية تهديداً بعمل عسكري.

 كما يكشف المصري تفاصيل سياسية رافقت تجربته مع الملك الراحل حسين بن طلال، ومع الملك عبدالله الثاني الذي أسند للمصري مواقع بارزة كرئاسة مجلس الأعيان، وقيادة "لجنة الحوار الوطني" التي جاءت في خضمّ انتفاضات الربيع العربي.

ولد طاهر المصري في مدينة نابلس الفلسطينية عام 1942، درس وتخرج في كلية النجاح الوطنية، كما تخرج في جامعة تكساس الأمريكية حاصلاً على شهادة بكالوريوس إدارة الأعمال عام 1965.

الملك حسين وطاهر المصري

ومنذ عام 1973 بدأ حياته السياسية نائباً في مجلس النواب الأردني لعدة دورات، ثم سفيراً في عدة دول، ثم تولى منصب وزير دولة لشؤون الأرض المحتلة، ثم وزيراً للخارجية، وكذلك رئاسة الوزراء عام 1991، ثم رئاسة مجلس النواب عام 1993. وفي عهد الملك عبدالله الثاني، ترأس المصري مجلس الأعيان منذ الأعوام 2009-2013.

وكانت صحيفة "الشرق الأوسط" نشرت مقتطفات من مذكرات المصري التي استهلّها بلحظة تكليف الملك حسين لأحمد عبيدات تشكيل الحكومة في شهر كانون الثاني (يناير) 1984، لتخلف حكومة مضر بدران. ويرى المصري أنّ رؤية الملك حسين المرنة سياسياً والبعيدة المدى، كانت تتحين الفرص لتحسين وضع البلاد والتحضير للتحديات التي تفرضها الظروف الإقليمية.

طاهر المصري: عرفات، في كثير من الأحيان، كان يتوجس خيفة من وصولي إلى مراكز عليا. وانسجاماً مع "الفوبيا" التي كانت تلازمه دائماً من أنّ أحداً ما سيحل مكانه

ويشير المصري إلى أنّ "رؤية الملك ترتكز على أنّ الأردن وفلسطين هما البلدان المعنيان بحل القضية الفلسطينية أكثر من غيرهما، وإذا ما تم التناغم أو التنسيق أو الاتفاق بينهما، فذلك سيسهل توحيد موقف عربي تجاه المفاوضات، عبر استقطاب دول كمصر والمغرب ودول الخليج، يهمّها وضع المنظمة وقوتها وعدم استثنائها، ما يشجعها على تحقيق الانسجام بين منظمة التحرير وياسر عرفات من جهة، والأردن من جهة ثانية".

ويتحدث المصري عن لحظة مهمة في تاريخ العلاقة الأردنية الفلسطينية تمثلت في انعقاد مؤتمر المجلس الوطني الفلسطيني السابع عشر في عمان، إذ "كان خروج منظمة التحرير من بيروت سنة 1982 ذا أهمية قصوى بالنسبة إلى الأردن، ولا سيما مع "تشرد" رئيس منظمة التحرير ياسر عرفات بين العواصم العربية، وولّد عدم استقراره مرارة عند القيادة الفلسطينية، وأثّر على معنويات الفلسطينيين؛ خصوصاً أنّ الموقف السوري كان مع طرده من لبنان".

ورأى الملك حسين، كما يردف المصري، أنّ الفرصة مناسبة في تلك المرحلة "ليرمي خشبة النجاة من الغرق إلى ياسر عرفات الذي كان بحاجة ماسة إلى عقد المجلس الوطني الفلسطيني من أجل لملمة شؤون المنظمة، وتأكيد شرعيته ووجوده على الساحة السياسية والوطنية الفلسطينية مرة أخرى.

يصف طاهر المصري الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بأنه كان مراوغاً

ولم يجد عرفات أي عاصمة عربية تقبل بعقد هذا المؤتمر على أراضيها، حتى إنّ دول الصمود والتصدي اعتذرت عن عدم استضافته. حينها تدخل الملك حسين عارضاً عليه استضافة الأردن اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني السابع عشر في عمّان.

وافق عرفات من دون تردد، وبدأت الترتيبات لعقده، ما أغضب سوريا غضباً شديداً، وحاول حافظ الأسد منع انعقاده بالوعيد والتهديد تارة، وبالترغيب طوراً، لكنّ محاولاته لم تستطع ثني الملك أو عرفات عن هذا الأمر.

عُقد المؤتمر في عمان في الفترة الممتدة من 22 إلى 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1984، وحضر الملك جلسة الافتتاح.

حشود عسكرية سورية ضد الأردن

بالتزامن، كانت سوريا تحشد قواتها البرية على الحدود الشمالية الأردنية، مهددة بعمل عسكري ضد الأردن"، لأنّ دمشق كانت تعارض ما أسفرت عنه التطورات في العلاقة الأردنية الفلسطينية التي تجسدت من خلال توقيع الاتفاق الأردني- الفلسطيني الذي رأت فيه القيادة السورية استهدافاً مباشراً لأمنها الوطني، واتهمت الأردن وعرفات بالعمل ضد أمنها الوطني، بخاصة بعد خروج المنظمة من بيروت عام 1982، وما آلت إليه العلاقة بين عرفات وحافظ الأسد. كما أنّ الموقف السوفياتي ساهم هو الآخر في دعم الموقف السوري وتقويته.

ويبرىء المصري، زيد الرفاعي الذي خلف عبيدات في رئاسة الحكومة الأردنية من الاتهام بأنه كان وراء فشل الاتفاق الأردني الفلسطيني، مردفاً: "كان من أولويات زيد الرفاعي ترميم العلاقة مع سوريا، لذلك سارع إلى زيارة دمشق في أيلول (سبتمبر) 1985، وكان هدفنا المعلن هو إعادة المياه إلى مجاريها بين عمان ودمشق، خصوصاً بعد توقيع الاتفاق الأردني- الفلسطيني الذي رفضته دمشق بقوة وبدعم مباشر من موسكو.

ترأس الرفاعي وفداً كبيراً من وزراء ومسؤولين لزيارة دمشق، تعبيراً عن أنّ الأمور عادت إلى مجاريها، ليس فقط على مستوى التعامل السياسي والدبلوماسي فحسب، بل على المستوى الثنائي أيضاً".

يقول طاهر المصري: "كنتُ أحد الوزراء المرافقين، وأجرينا لقاءات عادية جداً مع المسؤولين السوريين، إلا أنّ زيد الرفاعي اجتمع منفرداً بالرئيس حافظ الأسد لمدة سبع ساعات متواصلة، وعاد إلينا بعدها في ساعة متأخرة من الليل، وكنا بانتظاره في فندق "شيراتون" إلى جانب عدد من القيادات السورية، أذكر منهم العماد مصطفى طلاس. وأعطى الرفاعي الوفد فيما بعد ملخصاً عادياً، مشيراً إلى أنّ الأمور جرت على خير ما يرام، وأن الاتصالات ستستمر".

العلاقة مع ياسر عرفات

في بعض المواضع من المذكرات يصف المصري الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بأنه كان "مراوغاً". ويكشف كذلك أنّ احتكاكه  المباشر ازداد بعرفات وبمنظمة التحرير الفلسطينية من خلال موقعه الرسمي وزيراً للخارجية، "وكنت سعيداً بتقديم أنواع الدعم كافة للمنظمة، وذلك بما لا يتعارض مع الأهداف والسياسات والمصالح الأردنية".

ويستدرك: "في الوقت عينه، كنت أجد تعارضاً بين قناعاتي وبين التصرفات السياسية لبعض القادة في المنظمة، ومنها أحداث سبتمبر 1970 التي أعتبرها صراعاً بين الدولة الأردنية التي تريد فرض سلطتها ونظامها وسيادتها على أراضيها، وبين مجموعات مسلحة تريد أن تستولي على النظام، وتفرض سيطرتها بقوة السلاح. فهي لم تكن حرباً بين الأردنيين والفلسطينيين، ولا حرباً أهلية".

بالتزامن مع عقد المجلس الوطني الفلسطيني في عمان 1984، كانت سوريا تحشد قواتها البرية على الحدود الشمالية الأردنية، مهددة بعمل عسكري ضد الأردن

ويعترف رئيس الوزراء الأردني الأسبق: "كنت أعلم أنّ ياسر عرفات ينزعج من شخص مثلي، يتمتع بمكانة سياسية جيدة في الأردن، وقريب من الملك، ويشارك في صناعة القرار السياسي الأردني، وله خلفيته العائلية في فلسطين وما تتمتع به من نفوذ في الضفة الغربية.

وأعلم أيضاً أنّ عرفات، في كثير من الأحيان، كان يتوجس خيفة من وصولي إلى مراكز عليا. وانسجاماً مع "الفوبيا" التي كانت تلازمه دائماً من أنّ أحداً ما سيحل مكانه، فقد كان يظن أنني، أو غيري، سنحل محله، وكان يعد عدته لمواجهة هذا الأمر".

العلاقة مع أبو جهاد

في حين كانت العلاقة مع أبو عمار متوترة، إلا أنها كانت دافئة مع خليل الوزير "أبو جهاد" الذي كان مسؤول القطاع الغربي في المنظمة، وكان يقيم في الأردن ويدير أعماله في الضفة الغربية واتصالاته من عمان.

المصري: أبو جهاد صاحب شخصية محببة وودودة ويوحي بالثقة

أبو جهاد صاحب شخصية محببة وودودة ويوحي بالثقة، كما يصفه المصري الذي يضيف "كان مرناً ومتفهماً إلى أقصى الحدود، ولم تكن علاقتي معه تقتصر على كوني وزيراً للخارجية، إنما تعدت ذلك لتصبح علاقة صداقة، وكنا نتشارك أحياناً في مناقشة العديد من الآراء وطرح الأفكار في الشؤون العامة. فقد كان خليل الوزير مسؤولاً عن الجبهة الغربية في فلسطين التي تعنى بإدارة التحركات والنضال الفلسطيني في الضفة الغربية. وكان الأردن مطلعاً على الكثير من نشاطاته، ولم يمانع في بعضها، وكانت شخصيته تؤهله لأن يكون مفوضاً من المنظمة لتولي العلاقات مع الأردن. فهو قيادي وموثوق به وغير صدامي، وقد تمكن من إقامة علاقات جيدة مع الحكومة الأردنية والمخيمات".

صعقت بنبأ اغتيال أبو جهاد، وتفاهمت فوراً مع رئيس الوزراء زيد الرفاعي، ووزير الداخلية رجائي الدجاني، بأن نقترح على منظمة التحرير الفلسطينية دفنه في عمان

وعن يوم استشهاد أبو جهاد، في تونس في السادس عشر من نيسان (أبريل) 1988، يقول المصري: كنت، حينها وزيراً للخارجية، واتصل بي عبد الرزاق اليحيى الذي كان آنذاك ممثلاً للمنظمة في الأردن حوالي الساعة الخامسة والنصف صباحاً، وقال لي: "صديقك أبو جهاد اغتيل صباح اليوم في تونس"، بعد أن اغتالته إسرائيل بإنزال فريق من الكومندوس على الشاطئ التونسي قرب مساكن قادة المنظمة، وكانت سيارة مستأجرة بانتظارهم لتقلهم إلى بيته، وقطع الكومندوس الاتصالات ودخلوا منزله وأطلقوا عليه الرصاص أمام زوجته.

يعلق المصري: "صعقت لهذا الخبر، وتفاهمت فوراً مع رئيس الوزراء زيد الرفاعي، ووزير الداخلية رجائي الدجاني، بأن نقترح على منظمة التحرير الفلسطينية دفنه في عمان، ثم عرضت الأمر على عبد الرزاق اليحيى باسم الحكومة الأردنية. وقبل أن نتلقى جواباً من ياسر عرفات، كنا نشك بقبول أبو عمار اقتراح الأردن دفن أبو جهاد في عمان، لكن فاروق القدومي (أبو اللطف) اتصل بي وأعلمني بأنّ والديْ أبي جهاد وعائلته قرروا دفنه في مخيم اليرموك، في ضواحي دمشق، حيث كانوا يقيمون. عبرت للقدومي عن أسفي وأسف الحكومة الأردنية لذلك، وقلت له إنّ "هذا قرار خاطئ وقد طغت عليه الحساسيات والمخاوف التي لا أساس لها".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية