"طالبان" و"خراسان"... محنة أفغانستان التي ستفاقم خطر الإرهاب

طالبان وخراسان... محنة أفغانستان التي ستفاقم خطر الإرهاب

"طالبان" و"خراسان"... محنة أفغانستان التي ستفاقم خطر الإرهاب


18/10/2023

ما تزال حركة طالبان في السلطة بعد عامين منذ انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، على الرغم من التنبؤات بحرب أهلية، في الأيام الأولى من سيطرة الحركة على السلطة، إذ لا توجد إلى حدّ اليوم معارضة منظمة يمكن أن تهدد سلطة طالبان، فيما يظل الإرهاب والتطرف مصدر قلق دولي، كون أفغانستان يمكن أن تكون من جديد ملاذاً آمناً وبلد عبور للجماعات المتطرفة.

هل يمكن أن تصبح أفغانستان ملاذاً آمناً للجماعات المتطرفة؟

تساؤل طرحه جاسم محمد، باحث في الأمن الدولي والإرهاب ورئيس المركز الأوروبي ECCI، وأجاب عنه في ورقة بحثية نشرها المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI، بعنوان "داعش والجهاديون ـ جدلية طالبان وخراسان في أفغانستان".

وفي إجابته عن هذا التساؤل أكد الباحث أنّه ما يزال هناك قلق دولي من أن تدعم طالبان التنظيمات المتطرفة، وخاصة تنظيم (القاعدة)، ممّا يشكل تهديداً للأمن الإقليمي والدولي. ويمكن أن تصبح أفغانستان ملاذاً آمناً للجماعات المتطرفة لشنّ هجمات إرهابية حول العالم، وذلك رغم تصريحات طالبان بأنّ "أراضي أفغانستان لن تُستخدم ضد أمن أيّ دولة أخرى".

تنظيم (خراسان) فرع لتنظيم (داعش)، ويعمل بشكل أساسي في أفغانستان، ويتمركز في إقليم نانجار بشرق أفغانستان على الحدود مع باكستان.

وأشارت الدراسة إلى تقرير صادر في نيسان (أبريل) 2022، تابع إلى الأمم المتحدة، ذكر أنّ الجماعة "ما تزال قريبة" من (القاعدة)، وأنّ "القاعدة لديها ملاذ آمن تحت حكم طالبان وزيادة حرية التحرك. وما يدعم هذه الفكرة هو مقتل زعيم القاعدة أيمن الظواهري في كابل خلال شهر آب (أغسطس) 2022  بطائرة أمريكية بدون طيار. 

وهذا يكشف أنّ (القاعدة) تستخدم على الأرجح أفغانستان كـ "بيئة صديقة" للتجنيد والتدريب وجمع الأموال.

وقد شجعت عودة طالبان إلى السلطة حركة طالبان الباكستانية، التي أنهت وقف إطلاق النار مع الحكومة الباكستانية أواخر عام 2022، وشنت هجمات في جميع أنحاء البلاد.

تنظيم ولاية خراسان

في تعريفها لتنظيم ولاية خراسان، أكدت الدراسة أنّه فرع لتنظيم (داعش)، ويعمل بشكل أساسي في أفغانستان، ويتمركز في إقليم نانجار بشرق أفغانستان على الحدود مع باكستان. وقد أعلن التنظيم تشكيله عام 2015 من قبل قادة معارضين لحركة طالبان باكستان، والتي تسعى للإطاحة بالدولة الباكستانية. هرب هؤلاء القادة إلى أفغانستان في أعقاب الهجمات العسكرية الباكستانية في المناطق المتاخمة لشرق أفغانستان (المعروفة سابقاً باسم المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفيدرالية) في عام 2014.

 تدعم طالبان التنظيمات المتطرفة

وتتمثل مهمتهم المعلنة في استعادة منطقة خراسان التاريخية، التي تضم أفغانستان وآسيا الوسطى، وهي جزء من "الخلافة الإسلامية العالمية". وقد "قدّم تنظيم (داعش) اعترافاً وتمويلاً على حد سواء لتنظيم خراسان".

أعاد تنظيم خراسان تشكيل نفسه كشبكة لامركزية من الخلايا النائمة تتركز في المراكز الحضرية مثل كابل وجلال أباد؛ لتجنب المزيد من الاستنزاف والكشف. وبحسب ما ورد نفذت هذه الخلايا النائمة سلسلة من الهجمات الإرهابية التي استهدفت جمعيات خيرية غربية ومراكز دينية لمكونات مذهبية أخرى ومظاهرات عامة ومستشفيات ومدارس.

منهج تنظيم خراسان في التجنيد داخل أفغانستان

وبحسب الدراسة، فإنّ "تنظيم داعش ولاية خراسان" يعتمد أكثر على مصادر أخرى من المجندين، وجدهم في المجتمع "السلفي الجهادي"، وفي مختلف الجماعات الإسلاموية الراديكالية، مثل حزب التحرير، الذي كانت إيديولوجيته قريبة إلى حدٍّ ما من أفكار تنظيم (داعش)، وكانت نشطة في الغالب بين طلاب الجامعات.

تنظيم (خراسان) شرق أفغانستان يبقى "الند" لحركة طالبان، ومن المرجح أن يستمر بتنفيذ عمليات إرهابية واسعة في المدن الأفغانية، ومنها العاصمة كابل.

وأصبحت المدارس "السلفية الجهادية" وخريجو الجامعات، بعد وصول طالبان إلى السلطة 2021، أكثر أهمية؛ بسبب هذه الحاجة إلى كوادر موثوقة إيديولوجياً، بل ملتزمة تعصباً، لتوظيف الخلايا الصغيرة التي أصبحت الدعامة الأساسية للتنظيم.

وقد اعتمدت حركة طالبان سياسات إغلاق المدارس السلفية، وأغلقت أيّاً منها كانت تشتبه في أنّها تزود تنظيم (داعش) بالمجندين، وازدادت أهمية الجامعات كمصدر للمجندين، ونجح تنظيم (خراسان) في ترسيخ حضور قوي في جامعتي كابل وننكرهار بسرعة كبيرة، بمجرد أن بدأ في التركيز أكثر على المجتمع السلفي والأفراد المتدينين الذين يميلون إلى "السلفية الجهادية"، وقد ساعدهم في ذلك أنّه من أجل معارضة نفوذ طالبان في كلية الشريعة الإسلامية بجامعة كابل، شجعت السلطات الأفغانية على تعيين أساتذة سلفيين، اتُهم العديد منهم لاحقاً بمساعدة تنظيم (داعش) في التجنيد بين الطلاب.

تدابير مكافحة الإرهاب

الباحث لفت في الدراسة إلى مناقشة مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان الأمر مع المراسلين، عمّا إذا كانت واشنطن تعمل مع طالبان لتعقب أهداف إرهابية على الأراضي الأفغانية، وأجاب: إنّ إدارة بايدن تعمل لضمان التزام طالبان بتعهداتها لمنع أفغانستان من أن تصبح ملاذاً للإرهابيين العابرين للحدود.

وقال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان: "ما يمكنني قوله هو أنّنا نلزم طالبان بالتزاماتها بموجب اتفاق الدوحة، وهو أنّه لا يمكن استخدام أفغانستان كملاذ آمن للتخطيط لهجمات إرهابية ضد أيّ شخص، وخاصة، من أهدافنا، ضد الولايات المتحدة الأمريكية. وأشار إلى اتفاق شباط (فبراير) 2020 الذي تفاوضت عليه إدارة ترامب مع حركة طالبان آنذاك في الدوحة.

علاقات الاتحاد الأوروبي مع طالبان

يظل الاتحاد الأوروبي موجوداً فعلياً في أفغانستان لتعزيز الحوار حول الأولويات السياسية للاتحاد الأوروبي، ولضمان استمرار دعم الاتحاد الأوروبي للشعب الأفغاني، وفق ما جاء في الدراسة، وتركز مشاركة وفد الاتحاد الأوروبي في أفغانستان على تنفيذ المعايير المنصوص عليها في استنتاجات المجلس اعتباراً من 21 أيلول (سبتمبر) 2021.

وتتمثل هذه المعايير في:

ـ السماح بتنفيذ العمليات الإنسانية في أفغانستان، بما يتماشى مع مبادئ الإنسانية والحياد والنزاهة والاستقلال والاحترام الكامل للقانون الإنساني الدولي.

ـ تعزيز وحماية واحترام جميع حقوق الإنسان، ولا سيّما حقوق النساء والفتيات والأطفال والأقليات.

ـ  تشكيل حكومة شاملة وتمثيلية من خلال المفاوضات.

ـ منع أفغانستان من العمل كقاعدة لاستضافة أو تمويل أو تصدير الإرهاب إلى دول أخرى.

ـ المغادرة الآمنة والمنظمة لجميع الرعايا الأجانب والأفغان الراغبين في مغادرة البلاد.

ـ ضبط المشاركة العملياتية للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه، لصالح الاتحاد الأوروبي والشعب الأفغاني، مع سياسات وإجراءات طالبان بحكم الواقع.

وكان الاتحاد الأوروبي قد أكد يوم 21 كانون الثاني (يناير) 2022 أنّه يعيد تأسيس وجود مادي في أفغانستان لأغراض إنسانية، لكنّه شدد على أنّه لا يعترف رسمياً بالإدارة التي تقودها طالبان. وهذا أول إعلان من قبل  دول الغرب منذ سحب الاتحاد الأوروبي والعديد من الحكومات موظفين ودبلوماسيين من أفغانستان مع سقوط كابل في أيدي حركة طالبان الإسلامية المتشددة في آب (أغسطس) 2021.

النتائج

خلصت الدراسة إلى أنّ طالبان تبقى حركة راديكالية تهدد الأمن الإقليمي والدولي، رغم أنّها لا تستهدف مصالح الغرب خارج أفغانستان. ورغم إعلان الحركة أنّها سوف تضمن الحريات في أفغانستان، ولا تكون ملاذاً آمناً لتنظيم القاعدة والجماعات المتطرفة، لكنّ الحركة هي حركة طالبان نفسها ما قبل عام 2000، لم تستطع أن تفرض نفسها كحركة سياسية تدير السلطة في أفغان.

وأكدت أنّ العلاقة ما بين حركة طالبان وتنظيم (القاعدة) علاقة تاريخية، وهي من رفضت نهاية عقد التسعينات من القرن الماضي تسليم زعيم القاعدة أسامة بن لادن. وما يعزز هذه العلاقة أنّ القوات الأمريكية قتلت زعيم القاعدة الظواهري عام 2021 داخل الأراضي الأفغانية.

كما شدّدت الدراسة على أنّ تنظيم خراسان شرق أفغانستان يبقى "الند" لحركة طالبان، ومن المرجح أن يستمر بتنفيذ عمليات إرهابية واسعة في المدن الأفغانية، منها العاصمة كابل.

أفغانستان ستشهد "جدلية" كبيرة ما بين حركة طالبان وتنظيم (خراسان)، وهذا يعني أنّ العنف والتطرف والإرهاب سوف يستمر ويمكن أن يتصاعد أكثر.

ولفتت الدراسة إلى تراجع سياسات محاربة التطرف ومكافحة الإرهاب في أفغانستان، مشيرةً إلى أنّ الاتحاد الأوروبي شهد تجربة سيئة بمشاركة الولايات المتحدة هناك، ومن المستبعد جداً أن تشارك دول الاتحاد الأوروبي، خاصة ألمانيا، بأيّ جهود عسكرية إلى جانب الولايات المتحدة هناك.

الدراسة رجحت أيضاً أن تستمر حركة طالبان بصفتها حركة راديكالية، وسوف ترسخ أكثر إيديولوجيتها داخل أفغانستان دون تغيير، خاصة في ما يتعلق بحقوق المرأة والالتحاق بالمدارس والعمل، وأنّ أفغانستان ستشهد "جدلية" كبيرة ما بين حركة طالبان وتنظيم (خراسان)، وهذا يعني أنّ العنف والتطرف والإرهاب سوف يستمر، ويمكن أن يتصاعد أكثر.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية