طالبان في الحكم... هل تتجه أفغانستان نحو الحرب الأهلية من جديد؟

طالبان في الحكم... هل تتجه أفغانستان نحو الحرب الأهلية من جديد؟


29/09/2021

مع سيطرة حركة طالبان على معظم أنحاء أفغانستان تُثار التساؤلات حول مدى قدرة الحركة على ترسيخ سلطتها مع تحولها من قوة تخوض "حرب عصابات" إلى "حكومة" تدير شؤون البلاد الداخلية والخارجية، فهل يستقر الحكم لها؟ أم تشهد أفغانستان عودة أمراء الحرب كما كان الحال في تسعينيات القرن الماضي؟

التهديد الأبرز... "المقاومة" في بنجشير

تُعتبر ولاية "بنجشير" (شمال البلاد) من أعصى المناطق على حركة طالبان من أجل بسط السيطرة عليها وإخضاعها، وهي منطقة معروفة بتضاريسها الجبلية الصعبة للغاية، ما يمنحها ميزة دفاعية أمام أي قوة مهاجمة. وكانت هذه المنطقة قد اشتهرت خلال مرحلة مقاومة الغزو السوفييتي في عقد الثمانينيات من القرن الماضي، حين اشتهر قائد قوات المقاومة فيها القائد الطاجيكي أحمد شاه مسعود المشهور بـ "أسد بنجشير"، وخلال فترة حكم طالبان للبلاد (1996-2001) لم تتمكن الحركة من إخضاع الوادي لحكمها.

أحمد مسعود... قائد تنظيم "جبهة المقاومة الوطنية" في بنجشير

ومع بسط حركة طالبان سيطرتها خلال العام 2021 على معظم الأراضي الأفغانية، بالتزامن مع الانسحاب الأمريكي، ظلّ "وادي بنجشير" خارجاً عن سيطرتها إلى أن تمّت محاصرته ووقعت المواجهات في نهاية شهر آب (أغسطس)، حيث تحصنت فيه قوات تنظيم "جبهة المقاومة الوطنية"، بقيادة أحمد مسعود، نجل أحمد شاه مسعود، واعتمدت طالبان في هجومها على قوّات من الطاجيك بهدف استمالة وطمأنة سكان الولاية التي تشكل عرقية الطاجيك الغالبية فيها.

اقرأ أيضاً: إضفاء الشرعية على طالبان دولياً خطأ كارثي

وفي مطلع أيلول (سبتمبر) 2021 أعلنت حركة طالبان تمكّنها من بسط سيطرتها على أجزاء واسعة من بنجشير، بما في ذلك مركز الولاية، غير أنّ قوات "جبهة المقاومة الشعبية" نفت مزاعم طالبان، وأعلنت مواصلتها خوض المعارك ضد قوات طالبان. وفي منتصف أيلول (سبتمبر) 2021 كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" أنّ أحمد مسعود اتصل بإحدى جماعات الضغط الأمريكية سعياً للحصول على دعم عسكري ومالي من الولايات المتحدة.

أعلنت طالبان بسط سيطرتها على ولاية بنجشير، غير أنّ جبهة المقاومة الشعبية نفت ذلك، وأعلنت مواصلتها المعارك ضد طالبان

وكان نائب الرئيس الأفغاني السابق أمر الله صالح، المعروف بعلاقته الوثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، عقب استقالة الرئيس أشرف غني وفراره من البلاد، قد انضم إلى مسعود في بنجشير، وكذلك فعل آلاف الجنود من الجيش الأفغاني، وبات وادي بنجشير مركزاً لتجمع عدد من كبار المسؤولين بالحكومة الأفغانية السابقة. وقد أصدر أمر الله صالح بياناً من بنجشير يعلن فيه نفسه رئيساً للبلاد، وأكد أنه لن يستسلم لطالبان، إلا أنه قوبل بالرفض من قبل غالبية أهالي بنجشير، وفي مقدمتهم علماء الشريعة وقدامى قادة المجاهدين؛ إذ إنّه ليس له شعبية بينهم لكونه متهماً بالوقوف وراء سلسلة اغتيالات سابقة لكبار العلماء والدعاة، وخاصة من معارضي الاحتلال والتواجد الأمريكي، وبالتالي فشلت مساعي أمر الله في إطلاق عمليات التصدي من بنجشير ضد طالبان. وبالتزامن مع إعلان طالبان إحكام سيطرتها على وادي بنجشير في 6 أيلول (سبتمبر) 2021 أكد المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد أنّ أمر الله صالح قد فرّ إلى طاجيكستان.

الخطر الكامن... تنظيم داعش

يُعتبر تنظيم "داعش - ولاية خراسان" أحد أبرز التحديات التي تواجه حركة طالبان في مسعاها لبسط وإحكام السيطرة على البلاد، وقد تأسس التنظيم عام 2014 بالتزامن مع إعلان "الدولة الإسلامية" قيام الخلافة من الموصل في حزيران (يونيو) من ذلك العام، وتشكّلت نواة التنظيم من عناصر منشقة عن حركة طالبان، وقد عُيّن "حافظ سعيد خان" أميراً للتنظيم على الولاية في حينه، بعد أن قبل "أبو بكر البغدادي" البيعة من المجموعات المحلية التي اتحدت تحت راية سعيد خان.  

حافظ سعيد خان (يمين) أول أمير لولاية خراسان قتل في غارة عام 2016

وقد تكبّد التنظيم خسائر كبيرة ما بين عاميْ 2015 و2020 جرّاء ضربات القصف الجوي الأمريكي لمعاقله، إضافة إلى المعارك مع قوات طالبان، وفي عام 2018 خاضت طالبان أكبر وآخر معاركها الرئيسية مع التنظيم في ولاية "جوزغان" شمال غرب البلاد (على الحدود مع تركمانستان).

إلا أنّ خطورة التنظيم وشراسته عادت إلى الظهور مع تنفيذ الهجوم الدامي في مطار كابول، نهاية شهر آب (أغسطس) 2021، الذي راح ضحيته عشرات الضحايا من المواطنين الأفغان، إلى جانب 13 جندياً  من قوات المارينز الأمريكية.

اقرأ أيضاً: طالبان تعيد العمل بدستور ظاهر شاه بهذا الشرط

ويتمركز عناصر التنظيم اليوم تحديداً في ولاية "ننغرهار" شرقي أفغانستان، حيث جبال "تورا بورا" الشهيرة بحصانتها ووعورتها، وتشير التقديرات إلى أنّ تعداد عناصره يتراوح ما بين (1500) إلى (2200) مقاتل. ورغم كون كل منهما، تنظيم ولاية خراسان، وحركة طالبان، ينتميان إلى الفكر الجهادي، إلا أنّ الخلاف الأهم يتمثل في أنّ المشروع الطالباني يقترن بالصبغة الوطنية القومية التي تهدف إلى إنهاء الاحتلال وإقامة نظام حكم إسلامي محلي، في حين أنّ "ولاية خراسان" يتبنّى ما يُعرف بـ "الأممية الجهادية" التي لا تعترف بالقومية أو الحدود. وانطلاقاً من هذا التباين تنشط ماكينات التجنيد التابعة لتنظيم "ولاية خراسان" من أجل استقطاب العناصر الأكثر تطرفاً في صفوف طالبان.

توافق حذر... الشيعة الهزارة

وتبرز من بين المهام الصعبة أمام حركة طالبان أيضاً مهمة بسط السيطرة على ولاية "هرات" غرب البلاد، والتي يتركّز فيها "الهزارة"، القومية التي تشكّل ما نسبته نحو 9% من إجمالي سكان البلاد، ويشتهرون بكونهم من الشيعة الاثني عشرية. ورغم تبنّي طالبان مؤخراً خطاباً معتدلاً ومطمئناً تجاه القوميات والمذاهب المختلفة، إلا أنه وبحكم التجارب السابقة ظلّ شيعة الهزارة متوجسين من تشدد طالبان. وفي مطلع تموز (يوليو) تعهد "إسماعيل خان" المعروف بلقب "أسد هرات" بالصمود في وجه "طالبان"، إلا أنه بعد نحو شهر كانت مدينة "هرات" قد وقعت تحت حكم طالبان.

إسماعيل خان (يمين) المعروف بـ "أسد هرات" تعهّد بالصمود في وجه مقاتلي طالبان

وبعد تشكيل حكومة أفغانية في مطلع أيلول (سبتمبر) 2021، ضمت حصراً أفراداً من حركة طالبان، وفي ظلّ غياب آلية واضحة ودستور يقرر تقاسم السلطة، أعلن محمد كريم خليلي، نائب الرئيس الأفغاني السابق وزعيم الهزارة، أنهم سوف يلجؤون للمواجهة المسلحة مع حركة طالبان في حال لم تفِ الحركة بوعودها (وتمتنع عن الاستبداد)، على حدّ تعبيره. وصرحّ خليلي لوكالة الأنباء الروسية "تاس": (لقد رأينا حتى اليوم مجلس وزرائهم المؤقت، وهو غير شامل بأيّ شكل من الأشكال، واستمرار هذه العملية غير مقبول بالنسبة إلى القوى والمجموعات العرقية الأخرى). وحذّر من أنّ (هذا الوضع سيصبح غير محتمل لكلٍّ من الطاجيك والأوزبك، الذين سيعودون إلى ساحة المعركة معاً مع الهزارة)، وينطلق هذا التحذير من النظرة إلى حركة طالبان من قبل قادة القوميات الأخرى بكونها ممثلة حصراً لقومية البشتون.

تقترن طالبان بالصبغة الوطنية القومية في حين أنّ ولاية خراسان تتبنى ما يعرف بـ "الأممية الجهادية" التي لا تعترف بالقومية أو الحدود

وقبل هذا الموقف وهذه التصريحات، كان بعض الهزارة قد لجؤوا فعلاً إلى خيار حمل السلاح وتشكيل جبهة مقاومة ومن بينهم "ذو الفقار أوميد"، النائب السابق في البرلمان الأفغاني، الذي كان قد باشر منذ نيسان (أبريل) 2021 بإعداد ميليشيات مسلحة بهدف الدفاع عن مناطق الهزارة ضد طالبان وداعش. وتألفت القوة المسلحة التي شكّلها أوميد من قرابة 800 مقاتل، إلى جانب 5 آلاف متطوع. واعتبر أوميد في حديثه لوسائل صحفية أنه (اضطر إلى خيار حمل السلاح عقب استنفاد كافة السبل من مناشدات الحكومات الغربية في عدم ترك أفغانستان لقمة سائغة بين فكي طالبان)، معتبراً أنّ (رجاله يحملون السلاح "ضد الإرهاب"، وخوفاً من ظهور شبكات إرهابية جديدة بعد أن أصبحت أفغانستان تحت حكم طالبان).

عامل مهم... الدعم الباكستاني

إنّ نجاح حركة طالبان في بسط السيطرة سريعاً على أرجاء واسعة من أفغانستان يعود في جانب منه إلى الدعم الباكستاني للحركة، فمن وجهة نظر باكستان فإنها ترى في حركة طالبان البشتونية امتداداً لعرقية البشتون التي يوجد منها في باكستان نحو (45) مليون نسمة. وعلى المستوى الاستراتيجي، هم يرون في الحركة شريكاً مهماً في تنافسهم مع الهند؛ إذ إنّ وصولهم إلى الحكم في أفغانستان يعني وجود حكومة صديقة ومقرّبة في أفغانستان، ويأتي هذا التوجه انطلاقاً من الاعتقاد بأنّ الهند تخطط لتفكيك باكستان على أسس عرقية وذلك عبر سبل عدة منها التوغل بالنفوذ في أفغانستان ومن ثم المساهمة في إطلاق حركات تمرّد داخل باكستان.

وكانت باكستان في أعقاب هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 قد اتخذت لنفسها موقعاً بين حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية ضمن ما عُرف حينها بـ "الحرب على الإرهاب"، إلا أنها في الوقت نفسه احتفظت بصلات أمنية وعسكرية مع حركة طالبان، ومن ثمّ تحوّلت هذه الصلات إلى دعم مادي ولوجستي، إذ وجدت الحركة في باكستان ملاذاً آمناً لشنّ هجماتها على القوات الأمريكية وقوّات الجيش  الأفغاني.

وزير الخارجية الباكستاني يستقبل وفداً من حركة طالبان في آب 2020

وعندما سيطرت طالبان على العاصمة الأفغانية كابول في آب (أغسطس) 2021 أعلن رئيس وزراء باكستان عمران خان أنّ الحركة (تكسر أغلال العبودية) مرحباً بهذه السيطرة، وتوالت التصريحات الباكستانية المعبّرة عن الارتياح للتحول في أفغانستان، بما في ذلك دعوة المجتمع الدولي إلى دعم الحكومة الأفغانية عقب تشكيلها من قبل طالبان، وهو ما جاء متوافقاً ومتسقاً مع الدعم الذي قدمته باكستان للحركة طيلة عقود، وبذلك، فإنّ استقرار سيطرة طالبان في  أفغانستان يعتمد في جانب منه على استمرار التنسيق والدعم من قبل الجانب الباكستاني.

اقرأ أيضاً: خبيران في مكافحة الإرهاب: طالبان الآن أكثر صلابة

 ويبقى هناك عامل حاسم كذلك في تحديد فرص الاستقرار في أفغانستان، ويتمثل في دور القوى الإقليمية، بما في ذلك قوى كبرى مثل؛ الصين وروسيا؛ إذ إنّ أفغانستان تقع من منظورهما ضمن العمق الاستراتيجي والمجال الحيوي لكل منهما، وكذلك الحال بالنسبة إلى دول آسيا الوسطى، وإيران، وباكستان، وبالتأكيد فإنّ أيّاً من هذه الدول لا تريد إطلاقاً حرباً أهلية مشتعلة بجوارها.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية