"طالبان" تمضي في تشددها ضد النساء.. ما الجديد؟

"طالبان" تمضي في تشددها ضد النساء.. ما الجديد؟


19/07/2022

تواصل حركة طالبان الأفغانية التي اعتلت سدة الحكم مجدداً في آب (أغسطس) من العام 2021، تقييد حرية النساء وتهميشهن، وإخراجهن من الحياة العامة في أفغانستان. وفي خطوة جديدة أثارت انتقادات شديدة، طلبت حكومة طالبان من الموظفات في وزارة المالية ترشيح أحد أقاربهن من الذكور لتولي وظائفهن تمهيداً لفصلهن.

استبدال النساء بالرجال

ووفق ما أوردته صحيفة "الغارديان"، تلقت الموظفات في وزارة المالية، مكالمات من مسؤولي طالبان يطالبونهن بترشيح أقاربهن الذكور للعمل بدلاً منهن "لأن عبء العمل في تلك الوظائف قد ازداد ويحتاجون إلى تعيين رجال بدلاً منهن".

وتحدث العديد من موظفات وزارة المالية في مقابلة مع الصحيفة، إذ قالت "مريم" وهو اسم مستعار، إنها تلقت مكالمة من قسم الموارد البشرية بوزارة المالية الأفغانية، التي عملت بها لمدة تزيد على 15 عاماً، موضحة أنهم طلبوا منها طرح اسم لأحد أفراد العائلة من الذكور كي يحل مكانها في وظيفتها بالوزارة، وذلك تمهيداً لفصلها.

وأشار تقرير الصحيفة إلى أنّ صوتها "يرتعش مع شعورها بالإحباط"، فهي تحمل درجة الماجستير في إدارة الأعمال، وشقّت طريقها على مدار 15 عاماً عملتها فى الوزارة حتى شغلت منصب رئيس قسم.

وتساءلت "مريم": "كيف يمكن بهذه السهولة أن أقدم شخصاً آخر كي يأتي مكاني في عملي، هل ستكون لديه القدرة على العمل بكفاءة مثلي على مدار عدة أعوام؟!".

تواصل حركة طالبان الأفغانية تقييد حرية النساء وتهميشهن

وأضافت: "إنه منصب صعب وفني، تدربت عليه وتمتعت بسنوات من الخبرة فيه، وحتى لو تمكن الرجل من أداء العمل نفسه في نهاية المطاف، فما الذي سيحدث بالنسبة لي؟"، مشيرة إلى أنه "منذ أن جاءت طالبان إلى السلطة، قامت بتخفيض درجتي الوظيفية، كما خفضت راتبي من 60 ألف أفغاني، أي ما يعادل 575 جنيهاً استرلينيّاً، إلى 12 ألفاً، حتى إنني لم يعد بوسعي تدبير مصاريف مدرسة ابني".

وتابعت "مريم": "عندما تساءلت في الأمر، رد علي أحد المسؤولين بوقاحة، وطردني من مكتبه قائلاً إن تخفيض درجتي الوظيفية ليس محل تفاوض".

منعت طالبان فور تولّيها السلطة في آب الماضي الموظفات في القطاع العام من ممارسة العمل وطلبت منهن البقاء في المنزل لكنها أعادتهن بعد فترة وجيزة برواتب مخفضة بشكل كبير

وكانت طالبان فور توليها السلطة في آب (أغسطس) من العام الماضي قد منعت الموظفات في القطاع العام من ممارسة العمل وطلبت منهن البقاء في المنزل، لكنها أعادتهن بعد فترة وجيزة برواتب مخفضة بشكل كبير.

وحاولت صحيفة الغارديان الحصول على رد وتوضيح من مسؤولي طالبان بالوزارة، ولكن لم يتم الحصول على رد، قائلة إنه ليس من الواضح إذا ما كان النساء اللاتي يعملن بإدارات حكومية أخرى قد طُلب منهن أن يرسلن أسماء أقاربهن من الذكور كي يشغلون وظائفهن، غير أنّ "مريم" قالت إنها كانت مُحاطَة علماً بأن ما لا يقل عن 60 زميلة من وزارة المالية تلقين مكالمات مشابهة.

تنديد حقوقي

وقالت سحر فيترات، مساعد باحث بقسم حقوق النساء بمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، إن حركة طالبان لديها تاريخ في التخلص من النساء، لذا فإن سماع هذه الأبناء أمر لا يثير الدهشة وليس بجديد.

وكانت المنظمة قد قامت بتوثيق تقارير موسعة حول الفظائع التي ارتكبتها حركة طالبان ضد النساء منذ توليها السلطة في أفغانستان. وفي تقرير لها هذا العام، قامت المنظمة بتقصي مشكلة فقدان النساء وظائفهن ومصادر رزقهن في إقليم غازني منذ آب (أغسطس) 2021، وذلك عندما استولت طالبان على السلطة في كابول.

ولفت تقرير المنظمة إلى أنّ كل النساء اللاتي أجرت معهن مقابلات تقريباً، واللاتي كن يشغلن وظائف حكومية مدفوعة الأجر، فقدن وظائفهن، وتوصل التقرير إلى أنّ العاملات في مجال الرعاية الصحية يمكنهن دون غيرهن الذهاب إلى العمل، في حين أنّ النساء اللاتي يعملن في الميدان يُرغَمن على المكوث في منازلهن في الوقت الراهن.

في هذا السياق، قالت "فيترات" إنّ النساء يدخلن في حوزة الرجال كملكية وشيء يمثل شرف العائلة، وذلك بسبب كراهية طالبان للنساء.

وأضافت: "لذا، فهم يقومون في بعض الحالات بمنح وظائف ومناصب النساء لذويهن من الذكور، وفي حالات أخرى مثل الحجاب يعاقبون أقارب النساء من الذكور على مسلك النساء وملابسهن"، مشيرة إلى حظر سابق صدر في أيار (مايو) الماضي، يتعلق بتجريم أسلوب النساء في ارتداء ملابسهن، حيث ينص المرسوم على أنّ "الأوصياء على هؤلاء النساء اللاتي يظهرن حاسرات الرأس في الأماكن العامة يتعرضون للغرامة والحبس على هذه الجريمة".

كانت المنظمة قد قامت بتوثيق تقارير موسعة حول الفظائع التي ارتكبتها حركة طالبان ضد النساء

وتابعت "فيترات" أنّ هذه السياسات فرضت معايير جديدة على ما يسمى "السلوك المُضِرّ في المجتمع"، ومن ثَمَّ، فإنّ هذا يُعد بمثابة تطبيع لرفض النساء، فهي تحمل رسالة واضحة للرجال، خاصة الأصغر سنّاً، بأنهم يملكون النساء في أسرهم، وأن عليهم أن يتصرفوا كسلطة أخلاقية، ويمارسوا رقابة بوليسية نشطة على سلوك النساء.

احتجاج نسائي

ووفق "الغارديان" تعمل "مريم" ورفيقاتها على تعبئة احتجاج ضد سياسة طالبان قائلة: "لا نقبل نظامهم، وسوف نحاول أن نُرغمهم على تغييره".

وأضافت: "قمنا بتشكيل جماعة من النساء العاملات في وزارة المالية، ونتفاوض الآن، وسوف ننظم مظاهرات إذا لم يسمعوا لنا"، داعية المجتمع الدولى إلى أن يقدم يد المساعدة والتضامن إليهن.

سحر فيترات: حركة طالبان لديها تاريخ في التخلص من النساء، لذا فإن سماع هذه الأنباء أمر لا يثير الدهشة وليس بجديد

وذكرت "سيما باهوس" المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، في أيار (مايو) أنّ التقديرات بشأن القيود الحالية على توظيف النساء تؤدي إلى خسارة اقتصادية فورية تصل إلى مليار دولار - أو ما يصل إلى 5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي لأفغانستان.

وأضافت: "يوجد فقر شامل تقريباً في أفغانستان"، محذرة من أنّ "جيلاً بأكمله مهدد بانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية".

فرض "البرقع"

وكانت الحركة قد أمرت النساء يوم 7 من أيار (مايو) 2022، بتغطية وجوههن في الأماكن العامة، والأفضل عبر ارتداء البرقع، في قرار انتقدته بشدة ناشطات نسويات.

وجاء في مرسوم صادر من زعيم الحركة هبة الله آخوند زاده كشفت عنه سلطات حركة طالبان أمام الصحفيين في كابول: "ينبغي عليهن وضع التشادري (تسمية أخرى للبرقع) تماشياً مع التقاليد".

وأضاف المرسوم أنّ النساء المتوسطات في العمر "ينبغي أن يغطينَ وجوههنّ باستثناء العينين بما تنص عليه أحكام الشريعة عندما يلتقين رجالاً من غير المحرمين"، وتابع أنه "يفضل أن تلازم النساء المنزل" إذا لم يكن لديهن عمل مهم في الخارج.

ويعدد المرسوم أيضاً العقوبات التي يواجهها أرباب العائلات الذين لا يفرضون على نساء أسرهم ارتداء الحجاب مع تغطية الوجه. وسيُكتفي بتوجيه إنذار عن أول مخالفتين، لكن من يرتكبن مخالفة للمرة الثالثة سيعاقبن بالحبس 3 أيام، ومن يرتكبنها للمرة الرابعة ستتم إحالتهن إلى القضاء. أما الموظفات في الدوائر الحكومية فسيتم تسريحهن فوراً إن لم يرتدين الحجاب الشرعي مع غطاء الوجه.

كانت الحركة قد أمرت النساء يوم 7 من أيار (مايو) 2022، بتغطية وجوههن في الأماكن العامة

وقالت ناشطة في الدفاع عن حقوق النساء مقيمة في أفغانستان مشترطة عدم كشف هويتها إن "الإسلام لم يفرض التشادري (البرقع) على الإطلاق".

 وتابعت في تصريحات لـ "دوتشه فيله": "بدلاً من التقدم يعود طالبان إلى الوراء. يتصرفون على غرار ما فعلوا إبان أول نظام حكم أرسوه، إنهم أولئك الذين كانوا في الحكم قبل عشرين عاماً بأنفسهم".

أثارت طالبان في آذار الماضي غضباً دولياً بإغلاقها كل المدارس الثانوية المخصصة للفتيات بعد ساعات من السماح بإعادة فتحها للمرة الأولى منذ استيلائها على السلطة

وجاء في تغريدة أطلقتها موسكا داستاغير وهي أستاذة سابقة في الجامعة الأمريكية في أفغانستان انتقلت للإقامة خارج البلاد: "نحن أمة محطمة، تتعرّض لاعتداءات لا قدرة لنا على فهمها. نحن شعب محطّم".

ومنذ عودة طالبان إلى الحكم، نشرت وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر توصيات عدة بشأن طريقة لباس النساء. لكن هذا أول مرسوم بهذا الشأن يصدر على المستوى الوطني.

وكانت الحركة فرضت على النساء حتى الآن وضع الحجاب الذي يغطي الرأس لكن يترك الوجه ظاهراً. لكنها كانت توصي بشدة بارتداء البرقع الذي سبق أن فرضته خلال فترة حكمها الأولى بين 1996 و2001.

وخلال هذه الفترة، حرمت الحركة المتشددة النساء من كافة حقوقهنّ، بموجب تفسيرها المتشدد للشرعية الإسلامية. وكان موظفون في وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجلدون كل امرأة يجدونها لا ترتدي البرقع.

"خطوة غير متوقعة إلى الوراء"

وبعد عودتها إلى الحكم إثر حرب استمرّت 20 عاماً مع الولايات المتحدة وحلفائها الذين سبق أن طردوها من السلطة عام 2001، وعدت طالبان بأن تكون أكثر ليونة هذه المرة. إلا أنها نكثت بوعودها سريعاً، فانتهكت مرة جديدة الحقوق تدريجياً وقضت على الحريات التي اكتسبتها النساء خلال الـ 20 سنة الماضية.

كانت الأمم المتحدة قد أدانت مؤخراً ما اعتبرته "قمعاً منهجيّاً" يمارسه نظام طالبان على النساء والفتيات الأفغانيات، مشجعة الحركة على استلهام تجارب بعض الدول الإسلامية في تحسين حقوق النساء

وباتت النساء مستبعدات إلى حدّ بعيد عن الوظائف العامة ومُنعنَ من السفر إلى الخارج أو لمسافة بعيدة داخل البلاد ما لم يكنّ بصحبة محرم. وفي آذار (مارس)، أثارت طالبان غضباً دولياً بإغلاقها كل المدارس الثانوية المخصصة للفتيات بعد ساعات من السماح بإعادة فتحها للمرة الأولى منذ استيلائها على السلطة.

وفرضت الحركة أيضاً الفصل بين النساء والرجال في الحدائق العامة في كابول، مع تحديد أيام الزيارة المسموح بها لكلّ من الجنسين.

ومن شأن القرار المنشور السبت أن يعقّد بشكل أكبر مساعي طالبان لانتزاع اعتراف دولي بشرعية حكمهم، علماً بأنّ المجتمع الدولي يربط الأمر بشكل مباشر باحترام حقوق النساء. وقال المحلل الباكستاني امتياز غول في تصريح لوكالة "فرانس برس": "إنها خطوة غير متوقعة إلى الوراء، لن تساعد طالبان على انتزاع اعتراف دولي بشرعية حكمها. لن تؤدي خطوات كهذه إلا إلى تقوية المعارضين لها".

قمع منهجي

وكانت الأمم المتحدة قد أدانت مؤخراً ما اعتبرته "قمعاً منهجيّاً" يمارسه نظام طالبان على النساء والفتيات الأفغانيات، مشجعة الحركة على استلهام تجارب بعض الدول الإسلامية في تحسين حقوق النساء.

ونددت المفوضة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشليه، بالتدهور السريع لحقوق المرأة في أفغانستان خلال الأشهر الأخيرة، وذلك خلال مناقشة عاجلة في مجلس حقوق الإنسان في جنيف حول وضع النساء والفتيات في البلاد.

 

مواضيع ذات صلة:

قتلى وجرحى… تمرد إثني يضرب حركة طالبان لهذه الأسباب

مقاتلو طالبان يغيّرون أزياءهم، فهل يتغير تفكيرهم؟

حركة طالبان تمهد أفغانستان وآسيا الوسطى أمام تركيا



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية