طالبان تعد بالحريات العامة.. هل تغيرت الحركة الأصولية حقاً؟

طالبان تعد بالحريات العامة.. هل تغيرت الحركة الأصولية حقاً؟


18/08/2021

بعد دخول حركة طالبان إلى العاصمة الأفغانية كابول، سارع الناطق باسم الحركة إلى مغازلة العالم وإطلاق العديد من الوعود المتعلقة بالحقوق والحريات العامة في البلاد، وهو خطاباً يبدو متنافراً مع أيديولوجيا طالبان؛ الحركة التي تخاطب العالم اليوم مبدية مرونة كبيرة متبنية أفكاراً تقدمية تؤمن بالقوانين الوضعية والحريات، وإن بدا خطابها الإعلامي فضفاضاً حمّال أوجه لا سيما ما يتعلق بالمرأة.

 وفي أول مؤتمر صحفي للحركة منذ سيطرتها على أفغانستان قبل عدة أيام، قال ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم طالبان، إنّ حركته أمرت مقاتليها بعدم اقتحام المنازل وتجنب التدخل في السيارات التابعة للسفارات في كابول.

 مجاهد لم يغفل خلال مؤتمره طمأنة الغرب تجاه وصول طالبان للسلطة بما في ذلك وضع المرأة قائلاً: "نتعهد أن نمنح المرأة حقوقها التي أقرها الإسلام، والمرأة عنصر مهم في بلدنا".

 وأكد أنه من حق الشعب الأفغاني أن يكون له دستوره وقوانينه الخاصة التي تتماشى مع قيمه.

 وتعهد بأن تسمح الحركة لوسائل الإعلام بممارسة دورها، مستدركاً: "ولكن نطالبها بمراعاة قيمنا الدينية والوطنية".

 وأكد مجاهد أنّ حركة طالبان ستحترم حرية الصحافة والرأي قائلاً "نحن ملتزمون بالإعلام ضمن إطارنا الثقافي"، مضيفاً: "لا شيء يتعارض مع القيم الإسلامية عندما يتعلق الأمر بأنشطة الإعلام، لكن يجب على وسائل الإعلام أن لا تعمل ضدنا".

 وشدد ذبيح الله مجاهد على أنّ الحركة "لا تريد أي مشاكل مع المجتمع الدولي"، لكن طالبان من حقها وفق تصريحات مجاهد، أن تعمل وفقاً لمبادئ عقيدتها، "الدول الأخرى لديها قواعد ومبادئ مختلفة خاصة بها ومن حق الأفغان أن تكون لديهم قواعدهم التي تتفق مع مبادئهم. نحن ملتزمون بحقوق المرأة كما نصت عليها الشريعة"، على حد قوله.

 وقال روبرت كولفيل، المتحدث باسم مفوضية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، خلال حديث للصحفيين في جنيف، إنّ "طالبان أدلت بعدد من التصريحات التي تبدو مطمئنة على السطح. لكن أفعالهم تتحدث بشكل أعمق من الكلمات، ومن المبكر جداً الآن الحكم عليها لأنها تصريحات مائعة".

 حرية مقيدة

 المتأمل في تصريحات مجاهد يخلص إلى أنّ الاستدراك طغى على خطابه بشكل فرض قيوداً لغوية على كلامه، واستبطن قيوداً أشد صرامة على المعنى؛ إذ إنّ هامش "الحرية" الذي تعد به طالبان ينضح قيوداً يجعل التطبيق شبه مستحيل بالنسبة لحركة لا تؤمن بالتغيير في فكرها ولا ترى له بديلاً.

 

هامش "الحرية" الذي تعد به طالبان ينضح قيوداً يجعل التطبيق شبه مستحيل بالنسبة لحركة لا تؤمن بالتغيير في فكرها ولا ترى له بديلاً

 

 كما أنّ تأكيد مجاهد على حق الأفغان في أن يكون لهم "دستور وقوانين تتماشى مع قيمهم" يختزل فخاً لغوياً هائلاً قد يمتد إلى الواقع بفرض "قوانين" تتماشى مع فكر الحركة تكون بمثابة قيود تضبط إيقاع الحياة بشكل مخيف، تماماً كما كان عليه الوضع في أفغانستان قبل عام 2001.

 أما دور المرأة الذي لخصه مجاهد في حقوقها "التي أقرها الإسلام"، فإنّ هذا الوعد وإن بعث برسالة إيجابية للغرب، لكن المرجح أنه سيرفع منسوب الخوف لدى الأفغانيات ممن خبرن معنى "الحق" حين يكون مصدره حركة تفسر القرآن بمنطق متشدد يتعارض مع سماحة ويسر الدين الإسلامي.

 وبخصوص حرية الإعلام، اشترطت الحركة حصول وسائل الإعلام على هذا الهامش بـ"مراعاة القيم الدينية والوطنية" مع ضمير يعود على المتحدث الجمع أي على الحركة نفسها، ما يعني أنّ "الحرية" ستكون من وجهة نظر الحركة وعلى مقاس مصالحها وأهدافها.

 تطمينات للغرب

 المتمعّن في خطاب مجاهد يرى أيضاً أنه يدور حول محور واحد، وهو بعث جملة من الرسائل إلى الغرب، فحواها أنّ طالبان لم تعد تلك الحركة المتطرفة التي تحقق مكاسبها عبر الدم، وإنما غدت حركة أشبه ما تكون بالسياسية القادرة على جمع الأفغان حولها بلا دماء.

 ويظهر ذلك جلياً في طمأنة العالم أن الحركة لن تحول البلاد إلى ساحة للانتقام من مناوئيها سيما من أنصار الحكومة والتدخل الأجنبي لما بعد 2001، وإنما ستجعل أفغانستان بلداً للجميع، وفق الناطق باسم الحركة.

 ويرى مراقبون أنّ تصريحات مجاهد مجرد رسائل للخارج فقط، في حين أغفلت الحركة أن تدعم رسائلها للداخل باجتثاث ظلال أعوام حكمها من الذاكرة الجماعية للأفغان، وهي التي استولت على السلطة في 1996، وفرضت قيوداً مشددة على الشعب، واستهدفت النساء وسلبتهن حقوقهن، وحولت البلاد إلى سجن مفتوح.

 فالرعب لا يزال يسيطر على الأفغان لأنهم أكثر من يدرك معنى عودة طالبان للحكم، ومعنى رجوعهم إلى ما قبل 2001، مع استثناء وحيد قد يتحقق وهو أنّ طالبان لن تسمح بأن تتحول أفغانستان إلى ظهير للجماعات الإرهابية بالمنطقة، تطبيقاً لاتفاقها مع واشنطن في شباط (فبراير) 2020.

 حبر على ورق

 ما تغير اليوم ليس طالبان وإنما المعادلة على الأرض، لذلك يكاد يجزم محللون بأنّ باقة الوعود التي وشّحت خطاب مجاهد لن تخرج عن حيز الورقة المدونة عليها، وبالتالي فإنّ الحيثيات على الأرض لن تخرج بدورها عن إيديولوجيا الحركة.

 وهو ما يثبته أفعال مقاتلي الحركة على الأرض، فقد أظهرت مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي أن الواقع قد يكون مختلفاً، وظهر في الفيديو الذي نشر أمس الثلاثاء مسلحين من طالبان في مكان، قيل إنه وسط كابول، يعتدون على شخص اتهموه بالسرقة، وعلق البعض على تويتر بأن المقطع تذكير مؤلم بحكم طالبان الوحشي السابق.

 

يكاد يجزم محللون بأنّ باقة الوعود التي وشحت خطاب مجاهد لن تخرج عن حيز الورقة المدونة عليها، وبالتالي فإنّ الحيثيات على الأرض لن تخرج بدورها عن إيديولوجيا الحركة

 

 وبدأت الأنباء تتوارد فعلاً عن السلوكيات التي تنتهجها الحركة تجاه المجتمعات في مناطق سيطرتها، بالذات النساء؛ إذ إنّ مقاتلي الحركة أمروا النساء في المناطق التي تم احتلالها، بالبقاء في المنزل وعدم الظهور في الأماكن العامة إلا إذا ارتدين "البرقع" ويرافقهم قريب ذكر، مما يشير إلى أنّ الجماعة لم تعدل عن تفسيرها المتشدد للدين الذي أدى بها في السابق إلى حظر تعليم الفتيات والموسيقى، وفق ما أورد موقع "بي بي سي".

 كما أنّ الحركة منعت العديد من النساء من ممارسة أعمالهن ووظائفهن، ما دفع بمجموعة صغيرة من النساء اللواتي يرتدين الزي الإسلامي التقليدي الذي تفرضه طالبان، إلى تنظيم احتجاج للمطالبة بحقهن بالعودة إلى وظائفهن، بينما وقف مقاتلو طالبان يراقبون.

 وتوالت تقارير تفيد أنّ سجناء يتعرضون للإعدام لتضفي جواً من الذعر الأعمى على المشهد في مدينة تلو أخرى إلى أن سقطت العاصمة كابول وأخذ مسؤولون وجنود يشقون طريقهم باتجاه المطار للخروج من المدينة هرباً من طالبان التي زرعت الرعب والذعر في قلوبهم إبان حكمها قبل التدخل الأمريكي.

 ولعل المشهد المذهل لهروب آلاف الأفغان إلى مطار كابول وتأبطهم بالطائرة الأمريكية الأخيرة المغادرة بعد سيطرة طالبان على المدينة، خير دليل على خوف الأفغان المدركين أن كل شيء سيعود إلى سابق عهده قبل 20 عاماً.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية