صعود داعش في أفغانستان.. ما علاقة الانسحاب الأمريكي؟

صعود داعش في أفغانستان.. ما علاقة الانسحاب الأمريكي؟


30/05/2021

أثار تصريح الموفد الأمريكي إلى كابول، روس ويلسون، أنّ تنظيم "داعش" مازال قوياً في أفغانستان، الانتباه، فقد صرح لوكالة "فرانس برس" أنّ سبب استمرار دعم بلاده لحكومة أفغانستان هو مكافحة الإرهاب المتصاعد وحمّل داعش مسؤولية تفجير مدرسة ومسجد في العاصمة الأفغانية في وقت سابق من الشهر الحالي.

اقرأ أيضاً: طالبان تقترب.. الرعب يخيم على أفغانستان على وقع الانسحاب الأمريكي

العديد من التساؤلات تفجرت عقب التصريح، هل هناك علاقة بين ظهور قدرات عسكرية مفاجئة لداعش وإعلان سحب الولايات المتحدة قواتها من أفغانستان في 11 أيلول (سبتمبر) 2021، مع عدم توقيع معاهدة سلام مع طالبان؟ هل يستعد تنظيم داعش ليحل بديلاً عن طالبان؟ هل تملك طالبان قدرات لابتلاع داعش أو تحطيمه؟ إن ظهور داعش مرة أخرى على سطح الأحداث يؤكد أنّ ثمة عودة قوية متوقعة، تستدعي تقصياً تاريخياً لوجودها في أفغانستان، والعوامل السياسية والعسكرية التي دعمتها.

أثار الانتباه تصريح الموفد الأمريكي إلى كابول أنّ تنظيم داعش مازال قوياً في أفغانستان

يعود تواجد تنظيم داعش في أفغانستان إلى العام 2015 وقت ذروة انتشاره، وبعد إعلان أبو بكر البغدادي قيام "الدولة الإسلامية"، وتنصيب نفسه خليفة للمسلمين في كافة بقاع الأرض، واعتبر أنّ التنظيمات التي تؤيد دولة الخلافة هي ولايات تابعة له، حينها قام حافظ سعيد خان، القيادي السابق في تنظيم طالبان الباكستاني، بجمع عدد من الجهاديين الخارجين عن طالبان والقاعدة أمثال أبو عمر(شاهد الله شاهد) وأبو طلحة (عبد الرؤوف خادم) وأعلن بيعته للبغدادي، وبهذا حمل تنظيمه اسم "ولاية خراسان".

الموفد الأمريكي إلى كابول، روس ويلسون

في البداية تواجد التنظيم بشكل محدود للغاية، لم يتعد بعض المناطق الحدودية في ولاية ننكرهار الشرقية القريبة من باكستان، ثم تمكن من ضم العديد من الجهاديين والتنظيمات الصغيرة التي لا تتوافق مع طالبان، مثل مجموعة سعد بن أبي وقاص في ولاية لوجر بأفغانستان ومجموعة التوحيد والجهاد في بيشاور باكستان، ومجموعة أبطال الإسلام في إقليم هلمند، وكذلك المجموعة المسلحة في ولاية كونر الأفغانية، وجماعة مسلحة منشقة عن طالبان في منطقة "مروت" القريبة من منطقة وزيرستان بباكستان، كما نجح بضم عدد من أمراء الجماعات الصغيرة الباكستانية مثل الملا حافظ دولت أمير مجموعة مسلحة في منطقة "كرم" القبلية في باكستان، وخالد منصور أمير جماعة مسلحة في منطقة "هنكو" في باكستان.

رغم خسارة داعش لمناطق تمركزه إلا أنّ عوامل بقائه قائمة ومايزال قادراً على مناطحة طالبان والحكومة الأفغانية

افتتح داعش عملياته في أفغانستان يوم 18 نيسان (أبريل) 2015 في مدينة "جلال أباد" عاصمة ولاية "ننكرهار" عندما أقدم انتحاري بتفجير نفسه وسط تجمع موظفين حكوميين ومدنيين أمام الفرع المحلي لمصرف كابول لقبض رواتبهم الشهرية، فقتل 33 شخصاً وأصاب أكثر من مئة آخرين، ثم توالت عمليات السيطرة على أحياء الولاية، فانتزعوا من طالبان ستة أحياء على الأقل من الواحد والعشرين حياً تتكون منهم الولاية، هي كوت وأتشين وديه بالا ونازيان ورودات وتشابرهار، كما سيطر التنظيم على مناطق في ولاية "هلمند" تحديداً في شرق الولاية، وقدرت قوة ولاية خرسان بثلاثة آلاف عنصر على الأقل.

اقرأ أيضاً: تنظيم داعش يواصل إرهابه في أفغانستان.. هذا ما أعلنه

لم يتقبل قادة طالبان الأفغانية وجود فرع لتنظيم داعش؛ فذلك يشتت شرعية تواجد أي منهما، وقد نشرت جريدة "نون أسيا nunn.asia" المختصة بالشأن الأفغاني نص رسالة زعمت أنها من الملا أختر محمد منصور زعيم طالبان إلى أبو بكر البغدادي مؤرخة في 16/6/2015 يحذره من تكوين تنظيم له في أفغانستان، وأنّ عليه ترك الساحة الأفغانية وإلّا ستضطر طالبان للوقوف في وجهه.

حافظ سعيد خان، القيادي السابق في تنظيم طالبان الباكستاني

تعرض التنظيم للاهتزاز بعد اغتيال قادته بشكل سريع عقب إعلان بيعتهم لداعش، فقد قُتل أبو طلحة (عبد الرؤوف خادم) نائب أمير ولاية خرسان بعد أقل من شهر من وجوده في أفغانستان بهجوم طائرة من غير طيار يوم 11 من شباط (فبراير) 2015، ثم قُتل أبو عمر (شاهد الله شاهد) في 9 من تموز (يوليو) 2015 بهجوم لطائرة بدون طيار في ولاية ننكرهار، ثم جاء قيام القوات الأمريكية بقصف أماكن التنظيم في أفغانستان؛ وقد صرح الجنرال تشارلز كليفلاند الناطق باسم القوات الأمريكية في أفغانستان أنّ الجيش الأمريكي شن "أقل بقليل" من مئة ضربة في عمليات لمكافحة الإرهاب في أفغانستان في نيسان (إبريل)  2016 استهدفت 70 أو 80 منها تنظيم "داعش"، تُوجت هذه العمليات بقتل أمير التنظيم "حافظ سعيد خان" في يوم 13 آب (أغسطس) 2016 في غارة شنتها طائرة بدون طيار.

يعود تواجد داعش بأفغانستان إلى العام 2015 إبان ذروة انتشاره بعد إعلان البغدادي قيام "الدولة الإسلامية"

تولى القيادة بعده "أبو عمر الخراساني" أو" أبو سعيد باجوري" الذي دفع بالقائد الميداني "إسلام الفاروقي" أو" عبد الله أوراكزاي" لتولي موقع متميز في التنظيم، سمح له بقيادة عدد من العمليات ضد الحكومة الأفغانية، وبعدها توالت هجماته وامتدت في حيز جغرافي كبير تستهدف إيقاع أعداد كبيرة من القتلى والمصابين، ولأسباب عقائدية ينفرد بها داعش استهدفوا مساجد الشيعة الأفغان ومعابد السيخ في كابول.

اقرأ أيضاً: ما هي خطط الرئيس الأمريكي لدعم حلفائه في أفغانستان؟

وأمام قوة داعش المتصاعدة قامت الحكومة الأفغانية والقوات الامريكية بشن عمليات مكثفة على التنظيم، وقد استسلم قرابة 600 عنصر للسلطات الأفغانية، التي قامت، حسب "سكاي نيوز"، بإلقاء القبض على إسلام الفاروقي ومعه 19 قيادياً آخرين في 4 نيسان (أبريل) 2020، مما شكل ضربة قوية للتنظيم، كما ألقت السلطات الأفغانية القبض على أبو عمر الخراساني أمير ولاية خرسان في أيلار (مايو) 2020 حسب ما أوردته صحيفة العين ومعه ثمانية من قادة التنظيم، كما قامت باغتيال رئيس استخبارت الولاية، أسد الله أوروكازاي، في جلال آباد.

رد التنظيم ممثلاً بولاية خرسان بعملية انتقامية بالهجوم على سجن جلال آباد في شهر آب (أغسطس) 2020، بتفجير سيارة مفخخة، ثم إطلاق النار على رجال السلطة لفترة امتدت أكثر من 17 ساعة، وحسب شبكة putniknews  تمكن 1793 سجيناً من الهرب، وقال مسؤولون إن ما لا يقل عن 5 مدنيين لقوا حتفهم، كما أصيب نحو 40 آخرون.

داعش لن يتخلى عن وجوده بأفغانستان بسهولة لأنّ كثيراً من العوامل السياسية والجغرافية والاجتماعية تساعده

وعلى الرغم من خسارة داعش لمناطق تمركزها في أفغانستان، إلا أنّ عوامل بقاء التنظيم قائمة ومايزال قادراً على مناطحة طالبان والحكومة الأفغانية، فقدراتهم العسكرية وتغلغلهم في مناطق قبلية وقدرتهم على ضم المنشقين، أعطتهم القدرة على منافسة طالبان أو تقديم أنفسهم كبديل عند التفاوض، ظهرت هذه القوة في عملياتهم الأخيرة في كابل العاصمة، فقد قتل ثمانية أشخاص على الأقل وأُصيب أكثر من 30 آخرين جراء سقوط صواريخ في مناطق سكنية في العاصمة الأفغانية، ثم قيامهم بتفجيرات أمام مدرسة للبنات في كابول أودت بأكثر من خمسين شخصاً وإصابة حوالي 100 بجروح في الثامن من أيار (مايو) الجاري، كما استهدف التنظيم مسجداً في ضواحي كابول الجمعة الماضي مما أسفر عن 12 قتيلاً على الأقل.

أمام قوة داعش المتصاعدة قامت الحكومة الأفغانية والقوات الامريكية بشن عمليات مكثفة على التنظيم

من الواضح أنّ تنظيم داعش لن يتخلى عن وجوده في أفغانستان بسهولة، فكثير من العوامل السياسية والجغرافية والاجتماعية تساعده على البقاء والتمدد، فأي تنظيم يحتاج إلى ثلاث أركان: الأول القدرة على التجنيد، أي تدفق العنصر البشري وملء الفراغات التنظيمية الناتجة عن القتل أو الاغتيال، وداعش يمتلك قدرة أعلى من طالبان في ذلك؛ إذ خلال الفترة السابقة تمكنت من استقطاب أعداد من المقاتلين الأجانب الذين انتقلوا من المناطق التي سبق أن سيطر عليها وفقدها بسبب الهزائم العسكرية التي مني بها مثل سوريا والعراق وسيناء وليبيا، ومن المتوقع تزايد وتيرة انتقالهم بعد خروج الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان.

 الركن الثاني التمويل: يمتلك داعش قدرة كبيرة على الإنفاق على تنظيماته، عبر الأموال التي جمعها من بيع البترول العراقي والسوري، ولعل إحدى دعائم قبول داعش في أفغانستان أنهم لم يجبروا المواطنين على تقديم الطعام لمقاتليهم، أو فرض ضرائب باهظة على المصانع كما فعلت طالبان حسب وكالة "بلومبرغ"، بل كانوا يمدون يد العون المالي لكل منطقة تواجدوا فيها.

الركن الثالث شرعية الجهاد العالمي، ففي حين يتبنى "داعش" نظرية الجهاد العالمي وضم مسلمين من كل مكان، تظل طالبان في نظر العديد من التنظيمات المسلحة حركة إسلامية أفغانية لا تتبنى قضايا إقليمية سوى تحرير أفغانستان وحكمها بما يتوافق مع رؤيتهم للشريعة الإسلامية.

داعش وطالبان لا يملكان مقومات الانفراد بالساحة الأفغانية ولا يقوى طرف منهما على هزيمة الآخر

لكن تواجه داعش تحديات قد تسهم في هزيمته في أفغانستان، منها صراعات الإسلاميين، فإصرار التنظيم على الدخول في صراع مع كافة التنظيمات الإسلامية التي لا تتوافق معه والتي لا تبايعه على الجهاد، يدفع التنظيم للدخول في معارك على أكثر من جبهة مما يضعف قدراتها كثيراً. كذلك قيم القبلية الأفغانية: التي لن تسمح بغير الأفغانيين بحكم البلاد، وداعش يقودها في الغالب قياديون من غير الأفغان. وهناك جغرافية المكان: فوعورة التضاريس تعيق الحركة الثقيلة لداعش، أما التحدي الأخير فيتمثل في تفوق طالبان في المجال العسكري والسياسي، فطالبان خلال العقود الماضية طورت من نفسها وحاولت أن تتسم بسمات الدولة المنضبطة لا الحركة العشوائية، فدخلت ضمن تكتلات وتحالفات، متعددة وأدركت أنّ القوة العسكرية وحدها لن تحسم صراعاتها وحروبها.

 من الواضح أنّ كلا القوتين لا تملكان مقومات الانفراد بالساحة الأفغانية، ولا يقوى طرف منهما على هزيمة الآخر، وكل ما يمكنهما هو القيام بعمليات ضد بعضهما البعض، وكأنّ التاريخ يعيد نفسه عندما انهمك المجاهدون الأفغان الأوائل في قتال ضد بعضهم، فظهرت طالبان لتحل محلهم في منتصف تسعينيات القرن الماضي، واليوم هل أفغانستان ستكون على موعد مع قوة ثالثة تزيح طالبان وداعش، وتملك إدارة الدولة وتحظى بقبول قبلي ورضا إسلامي؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية