صراع الإطار التنسيقي والتيار الصدري: كسر الإرادات

صراع الإطار التنسيقي والتيار الصدري: كسر الإرادات


14/08/2022

كان يوم الجمعة الماضية مشهوداً في تاريخ المواجهة بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري؛ إذ شهدت العاصمة العراقية بغداد تظاهرتين متنافستين تعكسان استمرار الخلاف بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وخصومه حول إجراء انتخابات مبكرة في ظل استمرار أزمة سياسية في العراق.

وأدى الآلاف من أتباع مقتدى الصدر صلاة الجمعة خارج البرلمان في بغداد، في استعراض لدعم رجل الدين الشيعي القوي الذي دعا القضاء العراقي إلى حل البرلمان بحلول نهاية الأسبوع المقبل.

 في المقابل، رصدت وكالات الأنباء استعداد الخصوم من أنصار الإطار التنسيقي لتظاهرة عند أحد مداخل المنطقة الخضراء، مماثلة لتظاهرة خرجت مطلع الشهر الحالي.

وتدعو الاحتجاجات الجديدة إلى "تشكيل حكومة" من أجل "تخفيف معاناة الناس من نار الغلاء وشح الماء وانقطاع الكهرباء" بحسب بيان صادر من اللجنة المنظمة.

في ظلّ تباعد الرؤى والمصالح بين القوى السياسية العراقية، وتنامي الخلافات، فإنّ هذه الجولة التصعيدية، الجمعة، تحتاج إلى مقاربة سياسية عملية لجهة تخفيض حدة الصراع، وحلّ أزمة الانسداد السياسي، منذ حوالي عشرة شهور، ومن ثم، البحث عن آليات للحوار، الأمر الذي طرحه رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، وكذا القوى المستقلة، ومنهم "التشرينيون".

تفاقم الخلافات بين القوى السياسية

ويواصل أنصار التيار الصدري اعتصامهم في محيط البرلمان، الأمر الذي حدا برئيس الوزراء العراقي إلى التأكيد على ضرورة الحلّ السياسي بواسطة الحوار، وأن تتحمّل الكتل السياسية، على اختلاف مرجعياتها وتوجهاتها، الوضع الحالي المأزوم. وقال الكاظمي: "أتمنى من الجميع العمل بكلّ قوة لحلّ الانسداد السياسي واللجوء إلى الحوار لحلّ الخلافات". وتابع: "ليس لدينا خيار غير الحوار؛ الحوار لألف سنة، أفضل من لحظة نصطدم بها كعراقيين".

الآلاف من أتباع الصدر يؤدون صلاة الجمعة خارج البرلمان في بغداد

وبينما شدّد زعيم التيار الصدري على أنّ حلّ البرلمان أضحى مطلباً شعبياً وسياسياً ونخبوياً، على حدّ تعبيره؛ فإنّ رئيس ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، الخصم السياسي اللدود للصدر، قال إنّه "لا حلّ للبرلمان ولا انتخابات مبكرة إلا بعودة مجلس النواب إلى الانعقاد". وفي تغريدة على حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي "تـويتر"، قال الصدر؛ إنّ حراك تياره سوف يستمر حتى تحقيق كافة المطالب، كما دعا إلى وقفة جادة لحماية العراق من الفساد والتبعية، وتابع: "العراق يحتاج إلى أفعال بعيدة عن الحوارات الهزيلة".

وفيما يبدو؛ فإنّ الحوار بين الأطراف السياسية المتنازعة، الذي سبق أن حظي بموافقة مشروطة من قبل بعضهم، يشهد تعقيدات جمّة في ظلّ عزوف القوى الرئيسة، ورغبتهم في مواصلة التصعيد والتأكيد على مطالبهم، وأكّد الصدر على أنّه "لا فائدة ترتجى من الحوار".

وصرّح الصدر، في أول خطاب له منذ اقتحام أنصاره البرلمان والاعتصام في محيطه: "أنا على يقين أنّ أغلب الشعب قد سئم الطبقة الحاكمة برمتها، بمن فيهم بعض المنتمين للتيار".

رفض الحوار وغياب التوافق

وكان الإطار التنسيقي، الذي يضمّ مجموعة من القوى السياسية التابعة لإيران، قد أوضح، في بيان، موقفه من الانتخابات المبكرة التي دعا إليها الصدر، حيث أكّد "دعمه لأيّ مسار دستوري لمعالجة الأزمات السياسية وتحقيق مصالح الشعب، بما في ذلك الانتخابات المبكرة بعد تحقيق الإجماع الوطني حولها". وتابع: "إتاحة الأجواء الآمنة لإجرائها، ويسبق كلّ ذلك العمل على احترام المؤسسات الدستورية وعدم تعطيل عملها، ويبقى سقفنا القانون والدستور ومصلحة الشعب".

الحوار بين الأطراف السياسية المتنازعة، الذي سبق أن حظي بموافقة مشروطة من قبل بعضهم، يشهد تعقيدات جمّة في ظلّ عزوف القوى الرئيسة، ورغبتهم في مواصلة التصعيد

ويؤشر موقف المالكي، زعيم ائتلاف دولة القانون، والذي يتناقض مع موقف الإطار التنسيقي، بخصوص رفضه التام لحلّ البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، إلى وجود بوادر انقسام محتمل داخل "الإطار". وفي كلمة بمناسبة ذكرى عاشوراء، أكّد المالكي رفضه مطالب زعيم التيار الصدري، إضافة إلى عدم حدوث أيّ "تغيير للنظام إلا بعودة المجلس إلى الانعقاد، وهو الذي يناقش هذه المطالب، وما يقرّره نمضي به".

وقال المالكي: "العراق ونظامه أمانة في أعناقنا جميعاً، والعراق لا يخدمه إلا الالتزام بالقانون والدستور".

وفي حديثه لـ "حفريات"، يقول مدير المرصد النيابي العراقي، الدكتور مزهر الساعدي؛ إنّ محور الصراع وتمركزاته في العراق يدور في فلك كسر الإرادات بين الرموز والقادة، وكذا الكيفية التي يتم بموجبها فرض النفوذ للاستحواذ على مقدرات الدولة ومواردها، مع الوضع في الاعتبار أنّ الرفض الشعبي للغالبية العظمى من أبناء الشعب العراقي لتلك الطبقة السياسية اضطر الأحزاب إلى تغيير أساليبها لاستمالة الغالبية الرافضة، بغية تمثيلها وتحقيق أهدافها، وقد خرجت فئات وقطاعات متفاوتة للاحتجاج في الشوارع.

هذا الصراع الممتدّ، على مدار السنوات الفائتة، نشأ معه جيل أصبح في الثلاثين من عمره، الآن، وهذا الجيل لم يسجل في ذاكرته إلا الخوف والاقتتال الطائفي والفساد وانعدام الخدمات، فضلاً عن تراجع واضح في قطاعات الصحة والتعليم والكهرباء، وفق الساعدي، لذلك؛ فإنّ الرفض السائد لأطراف الصراع التقليدي بالعراق، لا يعدو كونه أمراً مستغرباً.

معادلة الحكم الجديدة

ويرى مدير المرصد النيابي العراقي؛ أنّ الاحتجاجات الشعبية تحتاج إلى "تنسيق وخطوات مدروسة حتى يصبح بمقدورها أن تقدّم للعراق سيناريو آخر غير السيناريوهات التقليدية، وتنجح في إحداث مزايحات لأفكار وسياسات القوى القديمة. ولعلّ كثيراً من تحركات القوى الشبابية والمستقلين تأتي باعتبارها ردود فعل مشحونة بالعواطف والغضب المؤقت. ورغم مخاوف الأحزاب التقليدية الحاكمة من هذا الحراك الشعبي، المهم والمؤثر، إلا أنّها لا تشعر بالتهديد الوجودي منه؛ إذ إنّها ما تزال تعتقد أنّها الوحيدة القادرة على التحكم بزمام الأمور في لحظات التصعيد القصوى، ومن ثم، جني ثمار هذا التحرك بمقاعد إضافية في مجلس النواب تمكّنها من تحقيق ما خططت له".

مدير المرصد النيابي العراقي الدكتور مزهر الساعدي: إنه صراع كسر الإرادات

ويتابع: "في تقديري، لا يمكن إحداث تغيير حقيقي وجادّ للدستور، ومن ثم، إيجاد معادلة حكم جديدة ما لم تأكل الأحزاب نفسها من الداخل، فضلاً عن ظهور قوى مدنية لها أسس راسخة، وتنسيق على مستوى فعّال، بحيث تكون قادرة على إيجاد المعادل الموضوعي على الأرض الذي من خلاله تخشى أطراف الحكم التقليدية من التهديد الوجودي الذي قد تتعرض له".

ويلفت المصدر ذاته إلى أنّ جميع التحركات الشعبية والتظاهرات التي تنطلق، من هذا الطرف أو ذاك، عاجزة عن تغيير معادلة الحكم القائم، بالتالي، فإنّ نتائجها محدودة، وتتمثّل في "إضافة أو خسارة مقعد من هذا الحزب أو ذاك، بينما سيظلّ المواطن هو الخاسر الأكبر من جراء صمته وعدم القيام بدوره السياسي المؤثر".

ويختتم: "ستفضي نتائج هذا الصراع الراهن إلى جلوس الخصوم السياسيين، مرة أخرى، ليقتسموا نصيبهم من السلطة المتنازع عليها. وستتولى الحكومة، لاحقاً، كيل المدائح بحقّ الجرحى والشهداء عبر لقاءات متلفزة ينتهي أثرها بانتهاء وقت اللقاء".

أفق الحل

وحول مقاربة قوى تشرين المستقلة لحلّ الأزمة السياسية، يقول عضو المكتب التنفيذي لحركة امتداد، وسام الجبوري؛ إنّه من الضروري "الذهاب باتجاه حكومة انتقالية تصحيحية مصغرة من وزراء مستقلين لمدة عام واحد، ثم حلّ البرلمان وإجراء انتخابات جديدة، وفق المادة 64 من الدستور، على أن يذهب البرلمان لحلّ نفسه قبل 60 يوماً من موعد الانتخابات، وتكون مهمة الحكومة الرئيسة التحضير للانتخابات العامة".

مدير المرصد النيابي العراقي، الدكتور مزهر الساعدي لـ "حفريات": الاحتجاجات الشعبية تحتاج إلى تنسيق وخطوات مدروسة حتى يضحى بمقدورها أن تقدّم للعراق سيناريو آخر غير السيناريوهات التقليدية

 ويشير الجبوري، في حديثه لـ "حفريات"، إلى أنّ مبادرة الحركة، التي تشكّلت داخل احتجاجات تشرين بينما تهدف إلى إنهاء المحاصصة الطائفية والتمايزات على أساس القومية والهوية الدينية، تتضمن "تشكيل لجنة عليا لتعديل الدستور بما يتلاءم وطموحات الشعب وروح المرحلة الحالية، على أن ينتهي عملها خلال عمر الحكومة الانتقالية، وتُعرض التعديلات على الشعب، للاستفتاء بالتزامن مع إجراء الانتخابات العامة".

ويتابع: "تمارس الأمم المتحدة دورها الإشرافي والرقابي على الانتخابات بأخذ ضمانات من كلّ الأحزاب المشاركة فيها بقبول النتائج، وتطبيق العدالة من خلال محاسبة الفاسدين والقتلة وإعادة الأموال المسروقة، وتفعيل قانون الأحزاب وتحديد مصادر التمويل، بما يتيح  للدولة مراقبة مصادر تمويل الأحزاب بشكل دقيق. وجمع السلاح المتفلّت ضمن آلية تضعها الحكومة، ومحاسبة كلّ جهة ترفض تسليم أسلحتها للحكومة، كما يخضع الحشد الشعبي ضمن المؤسسات العسكرية لقانون الانضباط العسكري، وتحويل من لا قدرة له على حمل السلاح إلى الوظائف المدنية أو التقاعد، والأمر نفسه بالنسبة إلى القوات الأمنية في الإقليم، وجمعهم داخل المؤسسات الحكومية في الإقليم، بدلاً من مؤسسات حزبية".

 

مواضيع ذات صلة:

تسريبات المالكي.. إلى أين تقود المشهد السياسي المرتبك في العراق؟

انسحاب التيار الصدري في العراق: مناورة أم علامة على انسداد سياسي؟

هل يتجاوز العراق معضلة الانفجار السياسي؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية