شم النسيم في رمضان... غاب الجدل وحضرت الذكرى

شم النسيم في رمضان... غاب الجدل وحضرت الذكرى


03/05/2021

للمرّة الأولى، تمرّ ذكرى عيد الربيع أو "شم النسيم" دون جدل يتكرر كل عام حول الاحتفال بها، وسط آراء تحرّم إحياء ذلك اليوم، وغالبية عظمى من الناس تتجاهل تلك الفتاوى وتقيم الطقوس المتوارثة في هذه المناسبة. 

وفي تزامن، حلّ شم النسيم خلال شهر رمضان، ما حرم الكثيرين من إحياء طقوسه على الوجه المعتاد، سواء بالتنزه في الحدائق العامة المغلقة للعام الثاني على التوالي في تلك الذكرى بسبب جائحة كورونا، أو تناول الأسماك المملحة. 

تزامن شم النسيم مع شهر رمضان وجائحة كورونا حرم الكثيرين من إحياء طقوسه على الوجه المعتاد

اعتاد عاطف محمد (59 عاماً) إحياء هذه الذكرى بإعداد وليمة غداء لأسرته وأقاربه، من الأسماك المملحة، وتناولها على سطح منزله، تعقبها جلسات السمر والكثير من تناول السوائل، غير أنّ محمد لم يتمكن هذا العام من إحياء الذكرى التي حلت في شهر رمضان، يقول لـ"حفريات": الصيام والأسماك المملحة التي تحتاج إلى كثير من السوائل لا يلتقيان. 

اقرأ أيضاً: شم النسيم: قصة أقدم عيد شعبي في مصر

ورغم مرور اليوم مرور الكرام على محمد وأسرته، غير أنّ ذلك لم يمنع من استعادة ذكريات وطقوس اليوم، ولو ذهنياً، وإرجاء الاحتفال إلى ما بعد شهر رمضان

محمد، وهو موظف حكومي في المحليات، لا يعنى بالآراء المحرّمة لإحياء ذكرى شم النسيم، ويعتبرها متشددة، وهو يقتنع بالجذور الفرعونية لذلك الطقس، لكنه لاحظ رغم ذلك غياب الجدل على الفيسبوك حوله. 

وقد اختفى الجدل مؤقتاً، وكان طيف القضية الأعمق حيث التجديد حاضراً، عبر البرنامج الرمضاني لشيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب، وتحديداً الحلقات التي  تزامنت مع احتفالات المسيحيين بعيد القيامة واحتفالات الربيع في مصر، مع توضيح حول رؤيته للتجديد.

شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب

ففي الحلقة الـ18 من برنامجه، قال الطيب: "إنّ الدعوة لتقديس التراث الفقهي، ومساواته في ذلك بالشريعة تؤدي إلى جمود الفقه الإسلامي المعاصر، نتيجة تمسك البعض بالتقيد -الحرفي- بما ورد من فتاوى أو أحكام فقهية قديمة كانت تمثل تجديداً ومواكبة لقضاياها في عصرها"، بحسب ما أورده موقع "بي بي سي".

 

باحث أثري: هذا اليوم يرجع إلى عصر الفراعنة، وعُرف بموعد الانقلاب الربيعي، وكان يعني عندهم موعد حصاد المحاصيل، ويستعدون للاحتفال به عبر رحلات نيلية

 

وأضاف بحسب تدوينات على صفحته الرسمية على تويتر: التجديد الدائم في التراث هو المنوط به بقاء الإسلام ديناً حياً متحركاً ينشر العدل والمساواة بين الناس، والتراث حين يتخذ من التجديد أداة أو أسلوباً يعبِّر به عن نفسه يشبه التيار الدافق، والنهر السيال الذي لا يكفّ لحظة عن الجريان، وإلا تحول إلى ما يشبه ماء راكداً آسناً يضر أكثر ممّا يفيد.

ويعتبر البعض أنّ الجدل الذي يتجدد كل عام حول أمر هامشي كتناول مأكولات معينة في يوم شم النسيم، أو الفتاوى التي تحرّم الاحتفال به على اعتبار أنه تشبّه بالكافرين، مرآة تعكس الجمود الفكري والعقائدي لدى البعض، ومن ثم فإطلاق دعوات التجديد في هذا الوقت يحمل دلالة.

طقوس فرعونية

تعود طقوس عيد الربيع أو شمّ النسيم إلى مصر الفرعونية، ويوضح الباحث بوزارة الآثار المصرية أحمد عامر أبعاده التاريخية قائلاً: إنّ اختيار هذا اليوم يرجع إلى عصر الفراعنة، وعُرف بموعد الانقلاب الربيعي، وكان يعني عندهم موعد حصاد المحاصيل، ويستعدون للاحتفال بهذا اليوم عبر رحلات نيلية، أو الذهاب إلى باحات المعابد، ويبدؤون الاحتفال منذ بزوغ فجر هذا اليوم. 

وأضاف عامر، بحسب ما أورده موقع العربية، إنّ ثقافة الاحتفال بهذا اليوم ظلت متوارثة حتى الآن، ربما ظهر عليها بعض التجديد في الطقوس والعادات، لكنّ الفكرة واحدة، والأطعمة المتناولة فيها كما هي دون تغيير.

تعود طقوس عيد الربيع أو شمّ النسيم إلى مصر الفرعونية

وأوضح أنّ  سرّ تناول قدماء المصريين للبيض في هذا اليوم، كمظهر من مظاهر الاحتفال به، يرجع إلى نظرتهم الفلسفية للبيض، فهو يرمز لديهم للحياة، والاحتفال بيوم شم النسيم هو احتفال بالحياة، وبداية دخول الربيع الذي كان يعني لديهم بداية الحياة، مضيفاً أنّ البيض كان أحد أهم مكونات الرمز المصري الأشهر عنخ ـ Ankh"، ويعني مفتاح الحياة.

ويشير إلى أنّ قدماء المصريين كانت لهم طرائف في التعامل مع البيض، فكان يطلب من الأبناء تدوين أحلامهم وأمنياتهم المستقبلية على البيضة، ثم يضربونها بأخرى، وإذا لم تتحطم أو تتأثر، يعتقدون أنه فأل طيب، وأنّ السماء ستحقق للابن طموحاته وأحلامه التي كتبها.

بين الأطعمة التي يتناولها المصريون في هذا اليوم البصل، وكان له مدلول كبير عند الفراعنة وقدماء المصريين

ويضيف الباحث، بحسب المصدر ذاته: من بين الأطعمة التي يتناولها المصريون في هذا اليوم البصل، وكان له مدلول كبير عند الفراعنة وقدماء المصريين، فقد كانوا يعتبرونه، كما يقول عامر، طارد الأرواح الشريرة، وذات مرّة سقط أحد الحكام في البلاد من على حصانه وارتطم رأسه بحجر، ففقد وعيه، وجاء الطبيب ببصلة ووضعها قرب أنفه، فاستفاق وعاد إليه وعيه، ومن وقتها اعتقدوا أنّ البصل طرد الأرواح الشريرة التي لبست جسد الحاكم، مضيفاً أنه لذلك يتناول قدماء المصريين البصل في شم النسيم اعتقاداً منهم أنه يطرد الأرواح الشريرة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية