شبّان متطوّعون يطلقون مشروع "ساحات" للحفاظ على تاريخ الخليل

شبّان متطوّعون يطلقون مشروع "ساحات" للحفاظ على تاريخ الخليل


09/11/2020

منذ عام 2000 لم يتمكّن المواطن الفلسطيني، أبو محمد حسين، وغيره من سكان مدينة الخليل، والسياح، من زيارة أماكن تاريخية وتراثية كثيرة داخل البلدة القديمة بالمدينة، ذلك نتيجة إهمالها وعدم الاهتمام بها، بعد إغلاق السلطات الإسرائيلية شارع الشهداء الذي يعدّ مدخلاً لغالبية المعالم الأثرية، وعدم السماح للمواطنين بالمرور منه والوصول إلى تلك الأماكن.

يهدف المشروع إلى ربط  سكان المدينة بتاريخهم الثقافي

اختلف الأمر كليّاً اليوم، وأصبح بإمكان أبو محمد، وغيره، زيارة بعض المعالم التاريخية بالبلدة القديمة، والتمتّع برؤية التراث الفلسطيني العريق، بعد  انطلاق مشروع مساحات الثقافي؛ الذي سلّط الضوء على أهمية تلك الأماكن وأعاد الحياة إليها بعد عقدين من الزمن.

ويقول لـ "حفريات": "تضمّ مدينة الخليل معالم أثرية، لكنّ ممارسات الاحتلال الإسرائيلي كانت تمنعنا من زيارتها؛ فهناك أماكن كثيرة داخل البلدة القديمة لا تعرفها سوى الأجيال القديمة، والأجيال الشابة لا تعرف عنها شيئاً، وهذا ما تسعى إليه السلطات الإسرائيلية، لطمس معالم المدينة وتاريخها".

مشروع مساحات يعزز الوجود الفلسطيني في البلدة القديمة ويشكّل جداراً أمام محاولات إسرائيل تزييف هوية مدينة الخليل وتشويه موروثها الثقافي، وتعيد للبلدة القديمة حيويتها

"مساحات"؛ مشروع ثقافي أسّسه عدد من الشبّان المتطوعين بمدينة الخليل، يعملون على ترميم الأماكن الأثرية والتاريخية في البلدة القديمة بالمدينة، وتعريف الناس بتاريخها وعراقتها، وأهميتها، من خلال تنفيذ أنشطة ثقافية بداخلها، وذلك للحفاظ على تاريخ البلدة القديمة وتراثها، لعدم تهميش الأماكن التاريخية، وكي لا تصبح مجرّد ذكرى للأجيال السابقة.

إنعاش الثقافة

ويقول مؤسس مشروع مساحات، عز الجعبري، في حديثه لـ "حفريات": "هناك أماكن تاريخية كثيرة في البلدة القديمة بمدينة الخليل مغلقة بفعل الإهمال، وإغلاق الاحتلال الإسرائيلي شارع الشهداء، لذلك قرّرنا إعادة إنعاش الثقافة داخل البلدة، واستكشاف الأماكن المهملة، وإعادة ترميمها وترتيبها وتنظيم عروض لها علاقة بالفنّ والثقافة المستمدّة من تاريخ المدينة".

بعض المعالم التاريخية بالبلدة القديمة

ويهدف المشروع إلى ربط  سكان المدينة بتاريخهم الثقافي، والفكر الخاص بهم، من خلال أدوات ومحددات مختلفة، خاصة أنّ المواطنين داخل البلدة القديمة بدأوا ينفصلون عن تراثهم، وتراجعت العلاقة بين الجيل الحديث، والبلدات القديمة، وباتت ذكرى للكبار بالسنّ، وهذا المشروع يهدف لربط الأجيال الشابة بتراثهم وثقافتهم للحفاظ على الأماكن التراثية وعدم سرقتها.

اقرأ أيضاً: لماذا لا تعرض التلفزيونات العربية الأعمال الدرامية الفلسطينية؟

لذا يتابع الجعبري: "نحاول إظهار السردية الحقيقة لمدينة الخليل، لنتحدّى سرديّة الاحتلال الذي يحاول تنفيذ مخططاته بشتى الطرق؛ إذ إنّه في  حال العودة إلى تاريخنا القديم، وربط الشباب والفتيات والمجتمع بالهوية الثقافية  القديمة، نتمكن من الحفاظ على تراثنا ونواجه الاحتلال به".

 شكل مختلف

وبحسب الجعبري؛ فإنّ المواقع التي يستهدفها مشروع مساحات في مدينة الخليل، "كان لها اتّصال أساسي بتاريخ الناس وحياتهم سابقاً، واليوم تغيّر شكلها لتصبح مختلفة عن صورتها الأصلية"، لافتاً إلى أنّهم حاولوا إعادة ربطها بأساس إنشائها من البداية.

وينوّه إلى أنّ المشروع "مساحات" يعمل بشكل أساسي على تكامل الجهود؛ بين ترميم البناء وترميم الذاكرة لإعادة مدينة الخليل إلى بعدها التاريخي.

المشروع "مساحات" يعمل بشكل أساسي على تكامل الجهود؛ بين ترميم البناء وترميم الذاكرة

وتؤكّد حكمت القواسمي، إحدى اعضاء الفريق القائمين على مشروع مساحات، أنّ جوهر المشروع قائم على المشاركة المجتمعية؛ إذ إنّه يأخذ  الهوية والقصّة الشخصية للمجتمع وعلاقتة بالمكان، ويعيد إنتاجها وصياغتها بأشكال فنية وثقافية معاصرة، وهو الأمر الذي يخاطب شرائح واسعة من المجتمع المحلي، ويمهد لبناء جسور التواصل معهم.

رئيس قسم الدراسات والتخطيط في بلدية الخليل، علاء شاهين، لـ "حفريات": الثقافة والفنون من أهم سبل التنمية والتطوير، إذا ما بُنيت على أسس ثابتة وقوية

وتقول لـ "حفريات": "المشروع يعمل على اكتشاف مجموعة من الأماكن التاريخية، لإعادة إحيائها و الترويج لها، وعمل أنشطة فنية تفاعلية فيها، تحمل جزءاً من هويتها الفنية والتراثية، وسيتمّ تنفيذ عدد من الأنشطة المتنوعة في أماكن مختلفة في البلدة القديمة، سيتمّ اكتشافها؛ فنحن نعمل على إبراز الأماكن المخفيّة، و إحيائها بالفنون والثقافة".

قبل وبعد أعمال الترميم

وتعدّ مدينة الخليل من أقدم المدن المأهولة في العالم، منذ أكثر من 6000 عام، وقد شهدت أحداثاً عظيمة، وتعاقبت عليها حضارات عديدة، وكانت مسرحاً لأحداث مهمّة في تاريخ البشرية؛ فمنذ أن سكنها الكنعانيون العرب توالت فيها الأحداث التي زادت من أهميتها، خاصة بعد أن سكنها النبي إبراهيم، عليه السلام، إضافة إلى ارتباطها بمدينة القدس، الذي أكسبها أهمية وقدسية عالية، فامتلكت موروثاً ثقافياً غنياً، وعالي الأهمية، على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.

اقرأ أيضاً: هل ينجح الأخوة الأعداء في ترسيم المستقبل الفلسطيني؟

واحتضنت المدينة تفاعلاً ما بين قدسية المكان وإبداع الإنسان وقيمه، وعاداته الأصلية. وامتلكت مقومات أهّلتها للحصول على لقب "مدينة حرف عالمية"، عام 2016، لتميّزها بالحرف التقليدية، وأهمها الخزف والزجاج والفخار، كما تمّ تسجيلها على قائمة التراث العالمي في اليونسكو، عام 2017، لتميّز عمارتها وأصالة تكوينها.

لماذا يسعى الاحتلال للسيطرة على الخليل؟

في هذا السياق، يقول رئيس قسم الدراسات والتخطيط في بلدية الخليل، علاء شاهين، لـ "حفريات": "مدينة الخليل من أقدم مدن المنطقة، إضافة إلى أهميتها الإستراتيجية، من حيث الموقع والمكانة الاقتصادية والاجتماعية؛ لذلك فإنّ الاحتلال يدرك أهمية السيطرة عليها وتفكيك مقوماتها، وتعيش البلدة القديمة اليوم ظروفاً خاصة، نتيجة واقع سياسي فرضه الاحتلال، سعياً إلى إخفاء ملامح هويتها الثقافية".

اقرأ أيضاً: 3 أعياد يهودية تخنق المقدسيين وتشلّ حركة الحياة اليومية

ويضيف: "الثقافة والفنون من أهم سبل التنمية والتطوير، إذا ما بُنيت على أسس ثابتة وقوية، وهنا تكمن أهمية مشروع مساحات الذي يعمل على الربط ما بين موروث المدينة الثقافي، وواقع البلدة القديمة، ويسعى إلى التغيير من خلال تعزيز انتماء سكان البلدة القديمة إلى هويتهم ودمجهم في الحياة الثقافية، وتفعيل دورهم في تشخيص مشاكل البلدة  بصور فنية وإبداعية".

الثقافة والفنون من أهم سبل التنمية والتطوير

وفي نظر شاهين، فإنّ مشروع مساحات، وغيره من المبادرات، التي تعزز الوجود الفلسطيني في البلدة القديمة، وتثبت هويتها الأصيلة، "تشكّل جداراً أمام محاولات تزييف هوية مدينة الخليل وتشويه موروثها الثقافي، وتعيد للبلدة القديمة حيويتها من خلال سلسلة الأنشطة والفعاليات التي تقوم بها وتنفّذها، بحلّة فنية وثقافية تعيد مكانتها إلى أذهان المواطنين، وتساهم في تجديد الذاكرة الفلسطينية، وتوثيقها من أجل نقلها للأجيال القادمة".

إحياء البلدة القديمة

ويبيّن شاهين؛ أنّ "الحراك الثقافيّ والفنيّ يتقاطع مع الكثير من طموح أهل مدينة الخليل في إحياء البلدة القديمة، ومعالجة مشاكلها القائمة، وتنشيط الحراك الثقافي والاجتماعي والاقتصادي فيها بشكل جماعي".

أحمد النتشة (24 عاماً)، من سكان مدينة الخليل، لم يعرف معالم تاريخية داخل مدينته، وذلك نظراً لإغلاقها، وعدم الاهتمام بها خلال السنوات الماضية.

العمل على إبراز الأماكن المخفيّة، و إحيائها بالفنون والثقافة

وبعد تنفيذ مشروع مساحات؛ تمكّن الشاب الخليلي من زيارة عدد من المعالم الأثرية داخل البلدة القديمة، للمرة الأولى، منها: خان شاهين، وهو من أقدم الأماكن التاريخية في مدينة الخليل، وحمام النعيم التراثي، حيث يشير في حديثه لـ" حفريات"، إلى أنّ "ترميم الأماكن الأثرية في البلدة القديمة، وتنظيفها، وبثّ الحياة فيها من جديد، بعد عقدين من إغلاقها، يفصح عن تاريخ المدينة وإرثها الحضاري، ويعيد الحياة لها من جديد".

ويضيف: "إذا لم نحافظ، نحن الشباب، على تاريخ مدينة الخليل العريق، والاهتمام بهويتها الثقافية، وزيارة الأماكن التاريخية بشكل مستمر، فإنّ الاحتلال الإسرائيلي سوف يُنفّذ مخططاته، ويسيطر على مدينة الخليل بكل سهولة"، يقول النتشة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية