شبكة الحصار الإسرائيلي تصطاد المراكب في غزة

شبكة الحصار الإسرائيلي تصطاد المراكب في غزة


18/08/2021

داخل ميناء غزة البحري، وتحت مظلّة قماشية تقيه من أشعة الشمس الحارقة، يواصل المسنّ عبد الله النجار (63 عاماً)، ونجله، صيانة عدد من مراكب الصيد، والتي تعرض بعضها للاستهداف المباشر من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي أثناء ممارسة أصحابها مهنتهم في عرض البحر، بعد أن توقفت صناعة المراكب الكبيرة، بسبب العقوبات الإسرائيلية على القطاع المحاصر منذ عام 2006.

والنجار، الذي يعيش في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، يعدّ صانع القوارب الوحيد الذي يعمل في هذه المهنة منذ ما يزيد عن 40 عاماً، بعد أن هجرها العديد من ممتهنيها، نتيجة تراجع مهنة الصيد، وصعوبة شراء مراكب جديدة لارتفاع ثمنها، حتى باتت هذه المهنة على شفا الانتهاء، وأصبح الصيادون حالياً يعتمدون على صيانة مراكبهم فقط، على الرغم من الأعطال الكبيرة التي تتعرض لها.

عبد الله النجار

وتنصّ "الاتفاقية المرحلية"، التي تمّ توقيعها بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، في إطار اتفاقية أوسلو، على أن تسمح إسرائيل لسفن الصيد من غزة بالإبحار حتى مسافة تقارب العشرين ميلاً بحرياً (حوالي 37 كيلومتراً)، عن خطّ شاطئ قطاع غزة، واستثنيت من الاتفاقية المناطق الفاصلة على الحدود مع كلّ من إسرائيل ومصر، والتي حُظرَ دخولها بشكل قاطع، غير أنه وعلى أرض الواقع، سمحت إسرائيل بالإبحار فقط حتى مسافة 12 ميلاً بحرياً.

ووفق إحصائية صادرة عن المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار والديمقراطية، عام 2021، بلغ عدد العاملين في قطاع الصيد البحري عام 1997 ما يزيد عن 10 آلاف عامل فلسطيني، وانخفض هذا العدد إلى 5 لآلاف و606 عاملاً، من بينهم 3 آلاف و606 صياد، عام 2019، كما يبلغ عدد مراكب الصيد في قطاع غزة ألفاً و261 مركب صيد فقط.

مطالبات بالضغط على الاحتلال الإسرائيلي لإدخال المعدات اللازمة لصناعة مراكب الصيد وصيانتها، وتوسيع مساحة الصيد إلى 20 ميلاً بحرياً، على طول ساحل قطاع غزة

وبحسب الإحصائية أعلاه؛ فقد أدّت الانتهاكات الإسرائيلية، المتمثلة في تقليص مساحات الصيد، ومنع إدخال المعدات والأجهزة المخصصة للصيد إلى داخل قطاع غزة، إلى آثار سلبية على هذا القطاع؛ إذ انخفض عدد الصيادين الفلسطينيين بنسبة 73% خلال 20 عام.

ويبلغ إجمالي إنتاج غزة من الصيد حالياً أقل من 1500 طن سنوياً، بعد أن كان يتجاوز 5 آلاف طن سنوياً قبل فرض الحصار الإسرائيلي على غزة، مع فروق في الجودة، بحسب وزارة الزراعة في القطاع.

مراكب الصيد الكبيرة

الصياد عبد الله النجار، أبلغ "حفريات": "الخيمة التي أتواجد فيها كانت شاهدة على صناعة العديد من مراكب الصيد الكبيرة، إلا أنّه، ومنذ عام 2012، لم أصنع أيّ مركب جديد، ويقتصر عملي حالياً على إجراء بعض التصليحات للمراكب التي تتعرض للتلف، إما بفعل ارتطامها بالصخور أو تعرضها للقصف من قبل البحرية الإسرائيلية، وهذه تعني صعوبة كبيرة في إصلاحها أيضاً، لشحّ المواد المستخدمة في أعمال الصيانة، كمادة "الفيبر جلاس" والمحركات وغيرها، والتي يمنع الاحتلال الإسرائيلي إحضارها للقطاع منذ عدة سنوات، بحجة الاستخدام المزدوج".

ولفت النجار إلى "أنواع متعددة من المراكب، والتي كانت تصنَع سابقاً، منها الصغيرة والمسماة محلياً (الفلوكة)، والكبيرة الحجم التي تعرف بـ (اللنشات)؛ حيث يتم استخدام خشب (الكينا) في صناعة الهيكل الداخلي الرئيس لها، كالأعمدة وغيرها، لمتانته وقوته وعدم تأثّره بالمياه والرياح، بينما يتم استخدام خشب (السوّيد) في تغطية الهيكل الخارجي للمركب"، مبيناً "صناعة المركب الواحد كانت تستغرق معي من شهرين إلى ثلاثة أشهر، بحسب حجمه ومدى توافر المواد الخام اللازمة، وهي مهنتي التي لا أتخيل يوماً ما تركها أو التخلي عنها".

تضييقات إسرائيلية مستمرة

تكلفة صناعة المركب الذي يتراوح طوله بين سبعة وثمانية أمتار تصل، بحسب النجار، إلى قرابة 13 ألف دولار أمريكي، أما حالياً، مع تضاعف أسعار المواد الخام وندرتها، فقد يزيد هذا العدد إلى الضعف، "وهو ما جعل إقبال الصيادين على شراء المراكب الجديدة أمراً مستحيلاً، في ظلّ التضييقات الإسرائيلية المستمرة، والتي تقوم بتقليص مساحات الصيد، والصيد في المياه الضحلة التي تفتقر للثروة السمكية، الأمر الذي دفع بالعديد منهم لترك هذه المهنة، واللجوء نحو المهن الأخرى، تدرّ عليهم دخلاً مالياً لإعالة أسرهم".

وأكّد النجار؛ أنّ "صناعة المراكب الكبيرة كانت في أوج ازدهارها قبل عام 2006، وكان هناك إقبال متزايد من قبل الصيادين على امتلاك المراكب الجديدة بشكل مستمر، حيث كان صيد الأسماك في تلك الفترة مجدياً لهم، وكان يعود بالدخل المالي الوفير عليهم، أما الآن فلا يتعدى متوسط الدخل الشهري لغالبية الصيادين 600 شيكل إسرائيلي (180 دولاراً أمريكياً)".

أحمد أبو حمادة

ومنذ ما يزيد عن أربعة أعوام، تصطف ثلاثة مراكب صغيرة تعود ملكيتها للصياد أحمد أبو حمادة، على شاطئ ميناء غزة، لحاجتها للصيانة وبعض المعدات اللازمة لعودتها للعمل من جديد، بعد تعرضها لأضرار كبيرة بهياكلها الخارجية، نتيجة إطلاق النار المباشر عليها من قبل الجيش الإسرائيلي، وكذلك بفعل ارتطامها بالصخور، نتيجة شدة الرياح، خاصة في فصل الشتاء.

ترك مهنة الصيد قسراً

ويقول أبو حمادة (33 عاماً)، لـ "حفريات": "مراكبي الثلاثة في حاجة إلى مادة "الفيبر جلاس"، وكذلك إلى محركَين اثنين، يمنع الاحتلال الإسرائيلي دخولهما إلى قطاع غزة منذ عدة سنوات، تحت ذرائع وحجج وهمية، وذلك بهدف التضييق على الصيادين بغزة، ودفعهم للعزوف عن هذه المهنة وتركها قسراً، لينضموا لصفوف العاطلين عن العمل بغزة، وبالتالي تدمير الأوضاع الإنسانية والحياتية في القطاع المنهك اقتصادياً".

الصياد الفلسطيني عبد الله النجار لـ"حفريات": صناعة المركب الواحد كانت تستغرق معي من شهرين إلى ثلاثة أشهر، بحسب حجمه ومدى توافر المواد الخام اللازمة

ويتابع: "لا أستطيع صيانة أيّ مركب من هذه المراكب الثلاثة، لارتفاع أسعار قطع الغيار اللازمة لها، والتي نجلب بعضها عن طريق جمهورية مصر العربية، أيضاً في ظلّ الإغلاقات المستمرة لمساحة الصيد البحري، وانحسارها لمسافات قليلة، جميعها أمور تجعلني لا أستطيع شراء مراكب جديدة أو صيانة القديمة، في ظلّ متوسط دخل يومي لا يتعدى 20 شيكلاً (6 دولارات أمريكية)".

وأكّد الصياد الفلسطيني أن "سعر المحرك يتجاوز حالياً 8 آلاف دولار أمريكي، في حين يصل سعر جالون "الفيبر جلاس" سعة 20 لتراً إلى ما يقارب 1500 شيكل إسرائيلي (460 دولاراً امريكياً)، وهي أسعار تجعل من مواصلة الصياد لمهنته أمراً مستحيلاً".

عقاب جماعي

وعن هذه التحديات والعقبات، يتحدث زكريا بكر، مسؤول لجان الصيادين في اتحاد لجان العمل الزراعي، لـ "حفريات"، قائلاً إن "قطاع غزة كان يضمّ ثلاث ورش فقط لتصنيع مراكب الصيد، أغلقت اثنتان منها بشكل كامل، فيما ما تزال واحدة فقط تعمل بشكل جزئي لصيانة بعض المراكب، حيث يمنع الاحتلال الإسرائيلي، منذ عام 2006، إدخال المعدات اللازمة لصيانة المراكب وتصنيعها، حتى بات أكثر من 280 مركباً في حاجة إلى صيانة شاملة".

 زكريا بكر

ويبيّن بكر، لـ "حفريات"، أنّ "صناعة القوارب متوقفة في قطاع غزة، منذ عام 2012، بعد منع السلطات الإسرائيلية إدخال الحديد والأخشاب والمواد اللازمة لصناعة المراكب، في سياسة عقاب جماعي ينتهجها الاحتلال، لمعاقبة الصيادين في مصدر رزقهم الوحيد"، مبيناً أنّه "للتغلب على إجراءات الاحتلال حاول أحد المصانع في غزة صناعة قوارب صغيرة من البلاستيك، إلا أنّ هذه القوارب لا تصلح عملياً لممارسة الصيادين لمهنتهم بشكل مستمر".

ويتابع: "إسرائيل تستمرّ في سياستها العقابية، رغم مطالبة العديد من المؤسسات الحقوقية المحلية والدولية للاحتلال برفع الحصار عن إدخال المواد الخام اللازمة لصناعة مراكب الصيد، وكذلك صيانتها، لغزة، حيث لم تفلح جميع تلك المحاولات بالضغط على الاحتلال للرضوخ للمطالب، وكأنّ إسرائيل تتلاعب بالمجتمع الدولي، حتى تتفاقم معاناة الصيادين يوماً بعد يوم".

وحول ما هو المطلوب لتعزيز صمود الصيادين، طالب بكر بـ"فرض الحماية الدولية للصيادين من بطش الاحتلال وعدوانه المتواصل بحقّهم، وكذلك ضرورة الضغط على الاحتلال لإدخال المعدات اللازمة لصناعة مراكب الصيد وصيانتها، إضافة إلى توسيع مساحة الصيد إلى 20 ميلاً بحرياً، على طول ساحل قطاع غزة من شماله حتى جنوبه".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية