سيد قطب بين الماسونية والمايوه وقمع المخالفين

سيد قطب بين الماسونية والمايوه وقمع المخالفين

سيد قطب بين الماسونية والمايوه وقمع المخالفين


14/02/2024

لسيد قطب ثلاث مقالات، تكشف الكثير عن حياته الخاصة، ونزعاته الدفينة، ولا يطيق كثير من الإخوان المسلمين والسلفيين، أن تتمّ الإشارة إليها عند دراسة فكر هذا الرجل شديد التقلب، وذي الانعطافات الفكرية الحادة.

هذه المقالات الثلاثة، تميط اللثام عن انتماء سيد قطب للماسونية، ولمحفلها الأكبر في زمن الملكية المصرية؛ بل كان قطب من كتّاب افتتاحيات مجلة "التاج المصري"، لسان حال الماسونيين في مصر حينذاك.

وثاني تلك المقالات: مقال عن شواطئ مصر "الميتة"، التي يريد لها سيد قطب أن تضجّ بالحياة، وبالفتيات المصريات اللواتي يجمّلن الشطآن بملابس السباحة "المايوه"، وينتقد فيها العقليات "المتخلفة" التي ترى في المايوه عرياً وقلة أدب.

يظهر اعتناقه لعقيدة الماسون في قوله: الماسونية هي الوحدة التي تجمع بين مختلف الأديان ولا تعرف للتحزب معنى

أما المقال الثالث فكتبه قطب عندما كان العضو المدني الوحيد في مجلس قيادة ثورة يوليو المصرية عام 1952، حثّ فيه زملاءه من القادة العسكريين، على أن لا يتورعوا عن إبادة العمال المتظاهرين في مدينة كفر الدوار، وأنّ الثورات يجب أن تحرِق خصومها، وتصفّي كلّ من يقف في طريقها.

وإذا شرعنا بمقال قطب "لماذا صرت ماسونياً"؛ الذي نشره كافتتاحية في مجلة "التاج المصري"، عام 1943، يتبدّى لنا جزء مهمّ من انتماءات قطب السرية، قبل أن يسافر في المنحة التعليمية إلى أمريكا، عام 1948، التي تحوّل بعدها من ناقد أدبي إلى سياسي طامح، وكذلك قبل أن ينتظم في صفوف الإخوان المسلمين، عام 1953.

اقرأ أيضاً: صفحات مجهولة من حياة سيد قطب

يقول قطب في مقاله هذا، معتزاً بانتمائه للمحفل الماسوني المصري: "صرت ماسونياً لأنني أحسست أنّ الماسونية بلسماً لجراح الإنسانية، طرقت أبواب الماسونية لأغذّي الروح الظمآى بالمزيد من الفلسفة والحكمة، لأقتبس من النور شعلة؛ بل شعلات تضيء لي طريق الحياة المظلم، ولأستمد قوة أحطم بها ما في الطريق من عراقيل وأشواك، لقد صرت ماسونياً؛ لأنني كنت ماسونيا، لكن في حاجة إلى صقل وتهذيب، فاخترت الطريق السوي، لأترك البناية الحرة مهمة التهذيب والصقل، فنعمت اليد ونعم البناؤون الأحرار".

وأتبع سيد قطب كلامه هذا بمدح كبير للحركة الماسونية، حيث يقول: "عرفت أن الماسونية هي المثل الأعلى لكل من ينشد كمالاً، أو يبغي رفعة ومجداً، هي الفضيلة التي تنطوي على أسمى المعاني، وأشرف المقاصد وأنبلها، هي مبدأ الكمال ومنتهاه".

ويظهر اعتناق سيد قطب لعقيدة الماسون، في قوله: "الماسونية هي الوحدة التي تجمع بين مختلف الأديان ولا تعرف للتحزب معنى، ولن تجد لكلمة التعصب مكاناً في شرعها، هي التعويذة السحرية التي تؤلف بين القلوب جميعها في أقصى الشرق أو أدنى الغرب، هي المكان الوحيد الذي يستطيع فيه الجميع، الصغير منهم والكبير أن يتصافحوا مصافحة الأخ لأخيه، ويجلسوا جنباً إلى جنب، دون نظر إلى فارق اجتماعي أو مركز أدبي، ولا غرو في ذلك؛ إذ إنّ دعائمها وأسسها مشيدة على الحرية والإخاء والمساواة، فما أعظمها من دعائم، وما أقواها من أسس، وما أبذلها من مبادئ".

اقرأ أيضاً: سيد قطب: معالم في طريق مضطرب

ونعرج على مقالة قطب الثانية "الشواطئ الميتة"، التي نشرها في "الأهرام"، عام 1938، وهنا يستغرب قطب ويستهجن من كلّ المعارضين لارتداء نساء مصر ملابس السباحة، التي تسمى "المايوه"، وأن تلك العقول ضيقة الأفق، تسبّبت بجعل شواطئ مصر ميتة، وبلا حياة؛ لأنّ المرأة تحضر للسباحة بملابس تغطي كامل جسمها بشكل فجّ، وإنّ نظرة هؤلاء للمايوه حيوانية جنسية لا أكثر.

ويقول هنا: إنّ المرأة التي تحضر بالفستان للسباحة تثير الشهوات والغرائز، بخلاف المرأة التي تحضر بلباس "المايوه"، فتزيد الشواطئ جمالاً.

وقال قطب مقولة مشهورة هنا للمصلحين في مصر، بضرورة لبس النساء لـ"المايوه" عند الحضور للسباحة: "أطلقوا الشواطئ عارية لاعبة، أيها المصلحون الغيورون على الأخلاق، فذلك خير ضمان لتهدئة الشهوات الجامحة، وخير ضمان للأخلاق".

مقال سيد قطب عن لبس المايوه والشواطئ:

"الشواطئ الميتة".. مقال لسيد قطب يدعو فيه إلى"التعري على الشواطئ"

وفي المقال الثالث؛ يفتضح أمر الطاغية المختبئ في نفسية وعقلية قطب، وهو الجانب الذي حجبته "البروباغاندا" السلفية والإخوانية عن بصيرة قرّائه، ويشي المقال بطبيعة فكر وتوجهات الرجل الحقيقية.

وكان سيد قطب، عام 1952، من أقوى الشخصيات السياسية في مصر؛ حيث كان العضو المدني الوحيد في مجلس قيادة ثورة يوليو، التي قضت على الملكية في ذلك العام، وكان يحظى بدعم العسكريين من أمثال؛ محمد نجيب وعبد الناصر ورفاقهم، وكذلك من جماعة الإخوان المسلمين المتحالفة مع الجيش في ثورته على الملك فاروق.

اقرأ أيضاً: سيد قطب.. بشّر بنجيب محفوظ ثم أمر بقتله!

لكنّ دكتاتورية سيد قطب ظهرت جلية عندما قامت مظاهرات وإضرابات عمّال المصانع، خاصة في مدينة "كفر الدوّار" بعد قيام الثورة، وهنا كتب مقالاً موجّهاً إلى زملائه العسكريين، بعنوان "حركات لا تخيفنا"، في العدد 15، من جريدة "الأخبار"، آب (أغسطس) 1952؛ قال مقرعاً المتظاهرين، وطالباً من زملائه العسكر ضربهم بيد من حديد: إنّ "عهداً عفناً بأكمله يلفظ أنفاسه الأخيرة في قبضة طاهرة، لكنّها قويّة مكينة، فلا بأس أن يرفس برجليه، لكنه عهد انتهى، عهد قد مات، لكنّ المهمّ هو أن نشرع في الإجهاز عليه، وأن تكون المدية حامية فلا يطول الصراع، ولا تطول السكرات. لقد أطلع الشيطان قرنيه في كفر الدوّار، فلنضرب بقوّة، ولنضرب بسرعة، وليس على الشعب سوى أن يرقبنا ونحن نحفر القبر ونهيل التراب على الرجعيّة والغوغائيّة، بعد أن نجعلها تشهد مصرعها قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة".

بعد تحريض سيد قطب على العمال المتظاهرين قامت قيادة الثورة بإطلاق النار على العمال وقتل أحدهم

وبعد تحريض سيد قطب على العمال المتظاهرين، قامت قيادة الثورة بإطلاق النار على العمال، وقتل أحدهم، وتمت اعتقالات طالت أعداداً كبيرة منهم، وأجريت بعض الإعدامات الصورية، ومنها: إعدام العاملَين الشابَّين (محمد مصطفى خميس 19 عاماً، ومحمد عبد الرحمن البقري 17 عاماً)، بعد إقامة محكمة هزلية للمتظاهرين. ويعدّ إعدام القياديَّين العماليَّين "خميس والبقري"، وصمة عار على جبين أعضاء مجلس قيادة الثورة عام 1952، ومن ضمنهم سيد قطب؛ وذلك لصغر سنّ المتهمَين ولأنه فعل يناقض مبادئ الثورة المعلنة، وقد ترك خبر إعدامهما هلعاً، وحدّ من نشاطات الحركة العمالية لعدة أعوام تلت.

اقرأ أيضاً: كيف نظر سيد قطب إلى المرأة؟

تكشف هذه المقالات الثلاثة جوانب كثيرة من شخصية سيد قطب المتناقضة، وتفشي أسراراً كثيرة من أسراره، وأهم تلك الاكتشافات: أنّ الرجل كان يتخبط في آرائه بين الدعوة للبس "المايوه"، ومن ثم الدعوة لقيام مجتمع الحاكمية. وكذلك التحاقه بالحركة الماسونية المصرية والدفاع عن عقيدتها، ومن ثم الانخراط في صفوف تنظيم الإخوان المسلمين السري والتنظير للتطرف الديني. وكذلك يظهر مقاله الخاص بقمع المخالفين كيف كانت كلمات قطب تحريضية، وهو يطالب بقمع المتظاهرين، ونعرف كلماته التكفيرية بعد ذاك لأصدقاء الأمس من العسكريين، عندما كان يئنّ وجعاً من سياطهم، ومن ثم ذاق طعم الإعدام عام 1966، كما ذاقه العاملَين الشابَّين "البقري وخميس"، بعد أنّ حرّض على سحق العمال عام 1952.

 

 

الصفحة الرئيسية