سياسات أردوغان العبثية إذ توحّد المعارضة وتشقّ الحزب الحاكم

سياسات أردوغان العبثية إذ توحّد المعارضة وتشقّ الحزب الحاكم


14/09/2020

مع احتدام الصراع في شرق المتوسط، مع الرئيس التركي الذي يبدو أنّه قد عقد العزم على معاداة كافة الأطراف الإقليمية، تعالت عدة أصوات من أطياف المعارضة التي يبدو أنّها استجمعت قواها أخيراً، وأدركت أنّ الرئيس يقود الجميع إلى حافة الهاوية.

اقرأ أيضاً: العالم ينظر بقلق إلى جهود أردوغان لإحياء أمجاد الإمبراطورية العثمانية

من الواضح أنّ المعارضة التركية، تقدّر الموقف حقّ قدره، وتعرف جيداً أنّ تصاعد الصراع أكثر مما هو عليه الآن، يمكن أن يتحوّل لحرب كبرى، تبتلع أوروبا بأكملها، وكافة الأطراف في غنى عنها، فهل تكون المعارضة التركية القشة التي تنقذ الغريق؟
شبح الخلافة يبتلع الجميع

يبدو أنّ المعركة الجيوسياسية التي يقودها أردوغان في شرق المتوسط، ما تزال قيد التخمّر، وتتوسع  إلى صراع متعدد الجنسيات، خاصة بعد دخول روسيا على خطّ الأزمة، وطلبها التوسط بين تركيا، واليونان وقبرص من جهة أخرى،  لكنّ هذا الصراع تختل قواه؛ فعلى جانب تتّحد اليونان وقبرص وفرنسا ضدّ تركيا، التي تقف في معركتها وحيدة منبوذة، ومتشحة برداء الخلافة العثمانية، الذي تتخذ منه دعاية لبضاعتها الفاسدة، وعلى مدار الأشهر الماضية، بدأت الجبهات المتضاربة في الاصطفاف، وتوضيح وجهتها؛ ففي العشرين من الشهر الماضي، بدأت تركيا التصعيد في استعراض قوتها البحرية، خاصة بعد أن صُدمت بإبرام اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان، الأمر الذي دفعها إلى إطلاق سفينتها "Oruc Reis"، التي أعلن أردوغان أنّها في رحلة للتنقيب عن النفط والغاز، وستعود أدراجها في 23 من الشهر نفسه، وهدّد بأنّ أيّة محاولات لمنعها من قبل البحرية اليونانية، فإنّ تركيا ستردّ عليها بقوة.

 وبناء على هذا؛ طلبت اليونان من الاتحاد الأوروبي الردّ على العدوان التركي،  وقالت اليونان إنّ تصرفات تركيا غير قانونية ولديها حقوق اقتصادية حصرية في المياه المتنازع عليها، وتقول قبرص الشيء نفسه، وتزعم أنّ تركيا تريد زعزعة استقرار منطقة البحر الأبيض المتوسط، ​​وأنّها تحاول ابتزاز الدول الأوروبية وتهديدها للخضوع وعدم فرض عقوبات على انتهاكاتها القانونية، وهو ما دفع المعارضة التركية إلى الجهر بصوتها عالياً، والتنديد بسياسات الرئيس وحزبه، التي تُدخِل البلاد في مأزق سياسي لا تدرك مدى خطورته؛ إذ دعا النائب السابق في البرلمان التركي، آيكان أردمير، الرئيس أردوغان إلى التوقف عن السياسات العدوانية تجاه اليونان، وأنّ ما تفعله أنقرة ليس إلّا خروجاً عن القانون الدولي.

يتوقع اشتعال الأوضاع السياسية التركية؛ بسبب انحياز قيادات وأعضاء حزب العدالة والتنمية إلى جانب حزب المستقبل، الذي أسّسه أحمد داود أوغلو، وحزب الديمقراطية، الذي أسّسه علي بابا جان

ويوضح الباحث في شوؤن تيارات الإسلام السياسي، عمرو فاروق، أنّ تنكيل أردوغان بالمعارضين لسياسته على مدار الأعوام الماضية، فضلاً عن انشقاق عدد من قيادات وعناصر حزب العدالة والتنمية، في ظلّ انهيار الأوضاع الاقتصادية والتراجع السياسي للمشهد الديمقراطي في الداخل التركي، عمل على توحيد صفوف المعارضة في مواجهات تحركات أردوغان وطموحه في شرق المتوسط، وتهديداته بالعمل العسكري.

اقرأ أيضاً: السرّاج يحجّ لأنقرة لتقديم فروض الولاء لأردوغان

ومع ذلك، ما يزال الاتحاد الأوروبي منقسماً بشأن كيفية التعامل مع تركيا، تنقسم الدول الأوروبية الستة المتمركزة في البحر الأبيض المتوسط ​​بالتساوي؛ تريد اليونان وقبرص وفرنسا اتخاذ إجراءات قوية ضدّ تركيا، بينما لا تريد إيطاليا ومالطا وإسبانيا التدخل على الأرجح؛ فجميعها تشارك مع تركيا في مصالح تجارية.

السير إلى المجهول

كلّ الأنظار تتجه الآن إلى ألمانيا، التي تتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي، حتى تموز (يوليو) من العام المقبل، والتي يمكن أن تقود الطريق وتكسر الجمود، لكن يبدو أنّ  برلين تفضّل أن تبقي أنقرة على مقربة من الاتحاد الأوروبي، وتتطلع الآن إلى الاتجاه الآخر، أيضاً تمّ اتهام المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، باسترضاء أردوغان لمصالح ألمانيا في مجال الطاقة؛ لأنّها تعتمد على مصادر خارجية للحصول على الغاز الطبيعي والعلاقات مع تركيا أصبحت أفضل، خوفاً من ورقة اللاجئين الذين لا يتورع الرئيس عن تهديد أوروبا بأكملها، وخاصة ألمانيا واليونان، بهم، وهو ما دفع المعارض،  كمال كليجدار، إلى الجهر علناً والتنديد بحماقات الرئيس الذي جعل بلاده في حرب كلامية مع كافة الأطراف الإقليمية، من أجل أطماعه في المتوسط تارة، ومن أجل حمايته لجماعة الإخوان الإرهابية في بلاده، وخسارته الصديقة مصر من أجلهم.

الانخفاض الملحوظ في شعبية أرودغان، وحزب العدالة والتنمية، ربما يشير، كما يرى فاروق، إلى "قرب خروجهم من المشهد تماماً خلال المرحلة السياسية المقبلة، تزامناً مع رفض مختلف التعديلات الدستورية التي فرضها أردوغان بهدف تعزيز قبضته الحديدية على مفاصل الدولة التركية؛ إذ إنّ 64% من الأتراك يؤيدون نظاماً برلمانياً قوياً، وليس رئاسياً، فضلاً عن تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية 10%، وفق مجموعة من استطلاعات الرأي الحديثة".

الباحث عمرو فاروق لـ"حفريات": 64% من الأتراك يؤيدون نظاماً برلمانياً قوياً، وليس رئاسياً، فضلاً عن تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية 10%، وفق مجموعة من استطلاعات الرأي الحديثة

ويضيف بأنّ "تهديدات المعارضة، إلى جانب وجود أجنحة أمنية وعسكرية ترغب في تهدئة الأوضاع مع مصر واليونان وقبرص، ربما يحجم تحركات أردوغان بشكل كبير، ويجبره على التراجع عن قراراته ومواقفه المتهورة، لا سيما في ظلّ تخلي عدد كبير من دول المحور السياسي الكبرى عنه، وانزعاج تلك الدول من تدخلاته في شرق المتوسط، ورفضها الدخول في شراكات سياسية تدعم مطامعه، كما أنّ أردوغان يعلم تماماً أنّ المعارضة التركية بإمكانها أن توظّف الشارع ضدّه، لا سيما أنّ تنظيم الدولة العميقة، أو تنظيم أرجنكون، المعروف بحامي التوجه العلماني، لن يدعم مواقفه، نتيجة توافقه المستمر مع جماعة الإخوان والتنظيم الدولي على حساب المصالح التركية ومقدراتها، وهو ما دفعه لتقديم بعض الرسائل التطمينية والتوددية مؤخراً بهدف تهدئة الأجواء الداخلية والخارجية".

طريق الخلاص

يبدو أنّ المعارضة بدأت توحد صفوفها؛ حيث انتقد الدبلوماسي السابق، ونائب رئيس حزب الشعب الجمهوري للشؤون الخارجية، أونال تشيفيكوز، منتصف الشهر الماضي، التصعيد الفجّ الذي انتهجه الرئيس، وأوضح أنّ هذا التصعيد محزن وخطير، وتتحمّل مسؤوليته وزارة الخارجية التركية، التي تترك الرئيس يعبث بسلطاتها، ويبدو أنّ المعارضة بدأت في توحيد خطابها الذي يدين السياسات الخارجية للبلاد، إذ بدأت بالتخلي عن خلافاتها الداخلية، مقابل وقف الجنون الذي يقود الرئيس به بلاده إلى أزمة خانقة.

ويتوقع فاروق اشتعال الأوضاع السياسية خلال المرحلة الراهنة في الداخل التركي؛ بسبب انحياز عدد كبير من قيادات وأعضاء حزب العدالة والتنمية إلى جانب حزب المستقبل، الذي أسّسه أحمد داود أوغلو، وحزب الديمقراطية، الذي أسّسه علي بابا جان، فضلاً عن زيادة الضغوط من قبل أتباع منظمة فتح الله غولن الصوفية، وعناصرها المنتشرين في مختلف مؤسسات الدولة؛ إذ سعى أردوغان للخلاص منهم عن طريق الملاحقات الأمنية، والزجّ بكثيرين منهم في السجون.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية