سنغافورة في مواجهة التطرف الديني.. من هو عبد الصمد باتوبارا؟

سنغافورة في مواجهة التطرف الديني.. من هو عبد الصمد باتوبارا؟


19/07/2022

تمتاز سنغافورة بمزيج عرقي وديني متنوع، يمثل فيه المسلمون نحو 14.3% من مجموع سكان البلد الذي تُعد فيه البوذية هي الديانة الرئيسية، بالإضافة إلى المسيحية والطاوية والهندوسية، وتبدو خطوط التماس العرقية والدينية في سنغافورة شديدة الحدة، ما يعني ضرورة التعامل بحزم مع أيّ تجاوزات طائفية، من شأنها إرباك وضع الدولة ذات الأغلبية العرقية الصينية.

وربما جاء ترحيل الداعية الإندونيسي، عبد الصمد باتوبارا، في نهاية شهر أيّار (مايو) الماضي، دلالة على إستراتيجية الدولة، القائمة على عدم التساهل مع أيّ نوع من التطرف.

توظيف مخرجات إسلام السوق

يُعد عبد الصمد باتوبارا، من أبرز الدعاة الذين منحتهم مواقع التواصل الاجتماعي شهرة واسعة، حيث أصبح المدرس في جامعة السلطان سياريف قاسم الإسلاميّة في رياو، واعظاً رقمياً رائداً، من خلال تفسيراته الحرفية لكيفية ممارسة الإسلام في إندونيسيا وخارجها، ويتمتع بشخصية جذابة للغاية، مع وجود مهارات خطابة قوية لديه، بالإضافة إلى قدرته على كسب أتباع جدد باستمرار، من الشباب قليل الخبرة والمعرفة الدينية، وانتشرت آراؤه بفضل مهارته التبسيطية وقدرته على ربط رؤيته المتطرفة للدين، بواقع المسلمين في إندونيسيا والعالم لا سيما في سياق نهج الأسلمة المتزايد في إندونيسيا، الذي تقوم به الأذرع الإخوانية والسلفية.

ومن الملاحظ أنّ الداعية الذي تلقى تعليمه العالي في مصر والمغرب، وتجمعه روابط قوية بالإخوان المسلمين، يشارك بفاعلية في المناسبات السياسيّة المختلفة، كما أنّه يجيد اللغة العربية بطلاقة، ما عزز موقفه في مواجهة الدعاة الآخرين، في السوق التنافسية للإسلام في إندونيسيا.

 الداعية الإندونيسي، عبد الصمد باتوبارا

أعلن باتوبارا جملة من الآراء شديدة التطرف، حيث طالب المسلمين بعدم التعامل مع المحلات التجارية العالمية، وطالب بقتل المثليين، ومعاقبة مغايري الهوية الجنسانية، كما أنّه أجاز التفجيرات الانتحارية كوسيلة لتحقيق أهداف سياسيّة معينة، وحرّم ارتياد المستشفيات التي تعرض صلباناً، أو أيّ مبنى أو منفذ، يعرض رموزاً غير إسلاميّة، ودافع بشدّة عن إقامة دولة إسلامية، حتى لو أقيمت بالعنف.

 

مُنع باتوبارا من دخول عدد من البلدان منها: المملكة المتحدة وألمانيا وهونغ كونغ وهولندا وسويسرا وغيرها

 

وبفضل شخصيتة وما يتمتع به من مهارات خطابية هائلة، نجح في كسب أتباع لأفكاره المتطرفة، ليس فقط في إندونيسيا، ولكن أيضاً في الخارج. فوفقاً للسلطات السنغافورية، تمّ اعتقال سنغافوري يبلغ من العمر 17 عاماً في كانون الثاني (يناير) العام 2020، بتهمة التطرف، الذي اعتنقه بفضل محاضرات باتوبارا، على موقع يوتيوب، ويمتلك الداعية المتطرف متابعين بالملايين، على وسائل التواصل الاجتماعي، فلديه حوالي 9.6 مليون متابع على انستجرام، و 2.7 مليون مشترك في قناته على يوتيوب، بالإضافة إلى أكثر من 700000 متابع لصفحته على موقع فيسبوك.

مفهوم وحدة الملايو

بسبب آرائه المتطرفة التي تتماهى وأفكار حزب التحرير، تم منع باتوبارا من دخول عدد من البلدان، منها: المملكة المتحدة، وألمانيا، وهونغ كونغ، وهولندا، وسويسرا وغيرها. وتهدف أفكاره بشكل عام إلى إقامة خلافة إسلاميّة، على أساس الشريعة، كما أنّه يعارض مفاهيم الديمقراطية ونظام الحكم الغربي، ويرفض الدولة الوطنية، ويدعم العنف كوسيلة لتحقيق غاياته.

في 16 (أيّار) مايو الماضي، وصل باتوبارا، بحراً إلى الساحل الجنوبي لسنغافورة من جزيرة باتام الإندونيسيّة، بداعي قضاء عطلة، فتمّ استجوابه وستة آخرين كانوا بصحبته، من قبل سلطات الهجرة، وترحيلهم إلى باتام، بسبب آرائهم المتطرفة، ودعوته لاستخدام العنف.

 

أنصار الداعية المتطرف، لجأوا إلى وسائل التواصل  لإدانة السلطات السنغافورية، بما في ذلك التدوين في مختلف المنصات، ومن ضمنها الصفحة الرسمية لرئيسة سنغافورة حليمة يعقوب

 

من جهته، شنّ باتوبارا وأتباعه حملة عنيفة على سنغافورة، التي وصفها بالدولة التي تمّ تأسيسها من قبل القوة الاستعمارية الغربية، على أرض تنتمي إلى الملايو، زاعماً أنّ معظم السنغافوريين عبارة عن مهاجرين، وليسوا من السكان الأصليين، وأنّ الملايو سيعيدون احتلال سنغافورة، واستعادة ما كان لهم، وأضاف: "ينبغي جعل سنغافورة تشعر بالألم الذي ألحقته بالآخرين، وخاصّة المسلمين الملايو الأصليين، سنغافورة يمكن أن تغرق بسهولة بسبب تبول 270 مليون مسلم إندونيسي عليها".

لماذا سنغافورة؟

يُعد باتوبارا من أنصار نظرية سياسية مفادها أنّ المسلمين الملايو في المنطقة، هم المالكون الحقيقيون لسنغافورة، وأنه يجب طرد غير الماليزيين وغير المسلمين منها، بكل الطرق بما في ذلك استخدام القوة؛ داعياً إلى إقامة دولة خلافة إثنية مسلمة في الشرق الأقصى.

من جهة أخرى، توعّد أنصاره بالانتقام، مؤكدين أنّ سنغافورة تستحق هجوماً عليها، على غرار ما حدث في 11 أيلول (سبتمبر)؛ بسبب سياساتها المعادية للملايو المسلمين.

إستراتيجية الدولة قائمة على عدم التساهل مع أيّ نوع من التطرف

أنصار الداعية المتطرف، لجأوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي، لإدانة السلطات السنغافورية، بما في ذلك التدوين في مختلف المنصات، ومن ضمنها الصفحة الرسمية لرئيسة سنغافورة، حليمة يعقوب، وهي بالمناسبة مسلمة. كما تظاهر أنصاره أمام قنصلية سنغافورة في سومطرة، وأمام سفارتها في جاكرتا، بزعم أنّها تنتهج سياسات معادية للإسلام.

ولكن لماذا اختار الداعية المتطرف، سنغافورة وجهة له؟ على ما يبدو، فقد أراد باتوبارا استغلال الانتشار الذي حققه بين المسلمين هناك، وحاول حشد المزيد من الأتباع، كنقطة ارتكاز للترويج لنظرية الدولة الإسلامية في الشرق الأقصى، انطلاقاً من رؤيته الفاشية، القائمة على التعالي بالدين، وبوصف سنغافورة الحلقة الأضعف من حيث التركيبة العرقية والدينية، أراد الداعية اختبار قدرته في بيئة يراها رخوة، من ناحية المرونة الدينية.

 

الداعية الإندونيسي بات يمتلك شعبية واسعة في الشرق الأوسط، حيث نجح في استغلال وتوظيف القضية الفلسطينية من أجل الترويج لأفكاره

 

ويبدو أنّه أراد كذلك إحراج الحكومة الإندونيسية، واختبار ردّة فعلها، في حال حصول مواجهة مع السلطات السنغافورية، لكنّ ردّة الفعل ظلّت شعبوية، وفي حدود أنصاره فقط.

ومن المثير للاهتمام أنّ الداعية الإندونيسي بات يمتلك شعبية واسعة في الشرق الأوسط، حيث نجح في استغلال وتوظيف القضية الفلسطينية، من أجل الترويج لأفكاره، ساعده على ذلك إجادته للغة العربية، وهو دائم الانتقاد للحكومات العربية، ويتهمها دوماً بالعمالة ومعاداة الإسلام.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية