
يبدو أنّه لا توجد حدود لدعم هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) للإخوان المسلمين، وتيار الإسلام السياسي بشكل عام، الأمر الذي يؤكد اختراق المؤسسة الإعلامية البريطانية العريقة، ووجود مخطط لدفعها إلى تقديم مواد إعلامية تخدم الجماعة وحلفاءها.
موقع (Spiked) سلّط الضوء، في تقرير له باللغة الإنجليزية، على حادثة ربما تمثل سقطة مهنية جديدة لهيئة الإذاعة البريطانية، ففي نهاية الأسبوع الماضي طلب أسد أحمد، مقدم البرامج في إذاعة (بي بي سي) في لندن، مداخلة من هيثم الحداد، رئيس مؤسسة البحوث والتنمية الإسلامية، التي تتبع التنظيم الدولي للإخوان، بشأن أعمال الشغب التي اندلعت في مختلف أنحاء إنجلترا. والحداد هو من أشد أتباع اليمين الإسلامي المتطرف.
مقدم البرنامج أشار إلى الحداد، في غرابة، بأنّه رجل دين، وعالم قدير، تلقى تعليمه في السعودية. وقال: إنّه "إمام يحظى باحترام كبير". الأمر الذي يتعارض مع قيم العلمانية أو الديمقراطية أو حقوق الإنسان التي تنادي بها بريطانيا. بعد كل شيء، فإنّ الحداد من أنصار إيديولوجية الخلافة، وهو يعتقد أنّ المملكة المتحدة مجتمع غير ورع، ويجب استبداله بدولة إسلامية بنظام حكم الشريعة، بحسب موقع (Spiked).
ظهور الحداد في هيئة الإذاعة البريطانية أثار حالة من الجدل، فالرجل أحد مُنظّري منهج الخلافة، وسبق له أن قام بنشر مقالات ودراسات ممولة من قطر وإيران حول ضرورة التمسك بالمفهوم من قبل مسلمي الغرب، وتضمين مبدأ السعي لإقامة الدولة الإسلامية العالمية، في كل الخطب والمواعظ والكتب والمواقع الإلكترونية وندوات الجمعيات الخيرية.
ويقدم تقرير "تبشير الكراهية" الصادر في العام 2014 في بريطانيا صورة كاشفة عن كراهية النساء والتعصب ضدهن، وعدم التسامح والاستبداد لدى هيثم الحداد وأمثاله. ووفقاً للتقرير، يعتقد الحداد أنّه "لا ينبغي استجواب الرجل" من قبل السلطات، إذا ثبت أنّه اعتدى على زوجته؛ لأنّه "يمكن للزوجين حل أمورهما فيما بينهما". ونقل تحقيق أجرته صحيفة (التايمز) عام 2018 عن هيثم الحداد قوله إنّ النساء من الدول الغربية اللاتي ارتكبن الزنا، يتوسلن إليه أن يأخذهنّ إلى دولة إسلامية لرجمهنّ حتى الموت.
وعلاوة على ذلك، ووفقاً لتقرير "تبشير الكراهية"، يعتقد هيثم الحداد أنّ انتقاد التفجيرات الانتحارية أمر خاطئ؛ لأنّ القيام بذلك من شأنه أن يبطل الجهاد الدفاعي. ويقول إنّه من واجب المسلمين الانخراط في الجهاد، و"قتال الجميع حتى يقيموا شريعة الله".
أخطر الرجال في بريطانيا
يقول الدكتور الإمام تاج هارجي، مؤسس معهد أكسفورد للإسلام البريطاني: إنّ الجبهة الديمقراطية للإصلاح التي يرأسها الحداد، وغيرها من المنظمات الإخوانية المماثلة، "تريد في نهاية المطاف الإطاحة بالديمقراطية العلمانية في هذا البلد، وتثبيت شكل من أشكال الدكتاتورية التي تبنت الشريعة الإسلامية بالمفهوم الإخواني"، مؤكداً أنّ هيثم الحداد هو أحد أخطر الرجال في بريطانيا.
تاج هارجي، مؤسس معهد أكسفورد للإسلام البريطاني: الجبهة الديمقراطية للإصلاح التي يرأسها الحداد وغيرها من المنظمات الإخوانية المماثلة تريد في نهاية المطاف الإطاحة بالديمقراطية العلمانية في هذا البلد
وعلى صعيد الأنشطة المريبة، قام هيثم الحداد مؤخراً برحلة وصفت بأنّها تأتي ضمن العلاقات العامة إلى أفغانستان، للقاء مسؤولين من حركة طالبان. وما زال يروج لمفهومه العنصري والجهادي حول الخلافة على قناة (الإسلام) وغيرها من القنوات الناطقة باللغة العربية، التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها. وهو كذلك مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمنظمة المشاركة والتنمية الإسلامية (MEND)، التي اتُهمت بإيواء إرهابيين إسلاميين متنكرين في هيئة دعاة الحريات المدنية، وجمعية المسلمين في بريطانيا التي أسسها نشطاء من جماعة الإخوان المسلمين.
تساؤلات بلا أجوبة
ويطرح تقرير موقع (Spiked)، من خلال هانا بالدوك، الصحفية والباحثة في مجال التطرف والإرهاب، علامات استفهام متعددة، وتساؤلات مشروعة، لافتاً إلى أنّه من غير المعقول أن تدعو هيئة الإذاعة البريطانية هيثم الحداد على الهواء لتحدي آرائه. ومن غير المعقول أن تقدمه باعتباره إماماً يحظى بالاحترام الكبير، أو الرجل المثالي لتهدئة الأمور بعد أيام من أعمال الشغب العنيفة. حتى أنّ المذيع سأله: "ما نصيحتك لوسائل الإعلام، وما نصيحتك للسياسيين، وماذا ينبغي لهم أن يفعلوا؟
وتبقى التساؤلات مفتوحة بلا أجوبة، لكنّ ما يحدث يتجاوز مبدأ إدارة التنوع، وفتح منبر هيئة الإذاعة البريطانية أمام الجميع، ذلك أنّ التطرف يصبح أشد خطراً، إن هو وجد منبراً بحجم هيئة الإذاعة البريطانية، للترويج لأفكاره ومفاهيمه الخاصة بالعنف والعنصرية والإقصاء، في قالب ديني يصبح فيما بعد لغماً موقوتاً.