سجن إيفين الإيراني: شهادات متواصلة عن محارق الملالي

سجن إيفين الإيراني: شهادات متواصلة عن محارق الملالي

سجن إيفين الإيراني: شهادات متواصلة عن محارق الملالي


05/02/2023

ما يزال سجن إيفين، في إيران، يبعث بصورة وحشية دقيقة بقدر ما هي مريرة عن نظام الملالي. فالجرائم بحق المعتقلين، وبخاصة النساء، لا تتوقف داخل هذا السجن الواقع على سفوح جبال ألبرز شمال طهران، إذ ينفرد عن غيره من المنشآت العقابية الإيرانية بأنّه الأسوأ. فيما توثق العديد من الشهادات خروقات حقوقية جمّة في منتهى القساوة. وقد شهد سجن إيفين، على مدار تاريخ حكم الملالي، محطات غير مسبوقة من العنف والقمع الدموي، منها حملة الإعدامات التي نفذتها الحكومة في ثمانينات القرن الماضي بتحريض مباشر أو بالأحرى بناء على فتوى من الإمام الخميني. وطاولت الإعدامات آلاف السجناء السياسيين، وقتذاك.

ماكينة تعذيب ممنهجة

ومع اندلاع التظاهرات على خلفية مقتل الشابة الكردية الإيرانية، مهسا إيران، برز سجن إيفين من خلال عدة حوادث، منها الانتهاكات الحقوقية والتعذيب الممنهج بحق الموقوفين، فضلاً عن العنف الجنسي والتحرش بحق النساء، ثم منع الدواء عن المسجونين. وقد ذكرت الناشطة الحقوقية، نرجس محمدي، مجموعة شهادات جديدة من العنبر المخصص للنساء بسجن إيفين، قبل أيام. 

وبالتزامن مع الشهادات المسربة، جرى توقيف الصحفية بوكالة أنباء "شهر"، مليكا هاشمي، واعتقلت في سجن إيفين. وأفادت صحيفة "اعتماد" الإصلاحية أنّه قد تم اعتقال ثلاث صحفيات أخريات، وقد تم نقلهن إلى سجن "إيفين"، سيئ السمعة، في العاصمة طهران. بينما لم ترد تفاصيل أخرى بشأن الاعتقالات.

ووفق لجنة حماية الصحفيين، في نيويورك، فقد تم إلقاء القبض على أكثر من 90 من العاملين في وسائل الإعلام، خلال موجة الاحتجاجات التي انتشرت في أنحاء البلاد، والتي كانت قد بدأت في أيلول (سبتمبر) العام الماضي. وقد تم الإفراج بكفالة عن نصف المعتقلين منذ ذلك الحين. فيما تشير التقارير المحلية، إلى أنّ هاشمي حضرت إلى "المحكمة للإدلاء ببعض الإيضاحات"، حيث تم اعتقالها هناك.

المعارض الإيراني مهيم سرخوس: المسؤولون عن سجن إيفين متورطون في إحراقه

وتردف: "كانت نيلوفر حامدي، الصحفية بجريدة "شرق"، المحسوبة على التيار الإصلاحي، والصحفية الأخرى إلهة محمدي، اللتان نشرتا طريقة قتل الشابة مهسا أميني على يد "شرطة الأخلاق"، قد تم اعتقالهما منذ بداية الاحتجاجات في البلاد".

وبالعودة إلى الناشطة الحقوقية الإيرانية، نرجس محمدي، فقد ذكرت في تقريرها أسماء ثلاث نساء من سجن إيفين هن: "ويدا رباني (30 عاماً)، وسبيده قليان (28 عاماً)، ومجكان إيلانلو (52 عاماً)". وقالت محمدي إنّ "ويدا رباني تم اعتقالها منذ 4 أشهر، وتم احتجازها 70 يوماً في الانفرادي. كما أنّ الناشطة قليان أيضاً قضت 80 يوماً في الانفرادي، وهي تقضي عقوبة سجنها لمدة 4 سنوات".

الجرائم بحق المعتقلين، وبخاصة النساء، لا تتوقف داخل سجن إيفين الواقع على سفوح جبال ألبرز شمال طهران، إذ ينفرد عن غيره من المنشآت العقابية الإيرانية بأنّه الأسوأ

وتابعت: "هناك 58 من أصل 61 سجينة في العنبر العام بسجن إيفين، جرى إدانتهن وزجهن في الانفرادي والاستجوابات، وتشكيل الملفات القضائية لهن"، لافتة إلى سوء أوضاعهن بالسجن والذي وصفته بـ" "التعذيب الرهيب غير الإنساني".

ولمّحت محمدي في تقريرها إلى أنّ 10 من السجينات تجاوزن الستين من العمر، وجميعهن محكوم عليهن بالسجن لمدد تتراوح بين 5 و10 سنوات، وأكثر من نصفهن أمهات. وفي ظل حرمان المعتقلات من الدواء والخدمات العلاجية، تعاني السجينات من أمراض خطيرة تجعل من الصعب عليهن تحمل السجن.

لا حقوق للمعارض الإيراني

إذاً، يعد سجن إيفين بمثابة "متحف تعذيب لم يتوقف بعد تاريخه ليتحول إلى ذكرى مريرة" على حد تعبير المعارض الإيراني مهيم سرخوس، موضحاً في حديثه لـ"حفريات" أنّ هذا السجن، سيء السمعة، يتجاوز كونه "مؤسسة عقابية بدأ تاريخها في عهد الشاه، ثم تضاعفت مساحته في عهد الخميني، بحيث أضحى بإمكانه احتجاز 15 ألف سجن، بل إنّه ماكينة تعذيب ممنهجة تعمد إلى إداراتها حكومة الملالي، وفق رؤيتها الأيديولوجية والعقائدية، بينما تنفي عن المواطن (أو الفرد) أي صفة وتلغي أي حقوق طالما يقف على النقيض من سياساتها. وهنا يأخذ العنف والقمع صفة مغايرة عن الأنماط التقليدية في أي بلد لديه الحد الأدنى من القانون وحقوق الإنسان والالتزام بالمبادئ الدستورية. فسجون الملالي لا تشبه حتى مثيلاتها في أوروبا الشرقية إنّما تسقط لدرجة أكثر انحطاطاً وتصل إلى النماذج البدائية في القرون الوسطى وأبعد".

وبحسب شهادات حقوقية أممية، فإنّ أنماط القمع بسجن إيفين، تبدأ بالتعذيب الجسدي، والإيهام بالغرق، والحقن بمواد كيميائية، مروراً بالإهانات اللفظية والانتهاكات الجنسية، فضلاً عن غياب الرعاية الطبية، حتى تصل إلى الإعدام.

المعارض الإيراني مهيم سرخوس لـ"حفريات": سردية النظام بخصوص حريق سجن إيفين لا تمثل أي حقيقة، بل إنّها تكشف عن محاولات النظام المحمومة للتعتيم والتشويش على الحقائق

ويوضح سرخوس أنّ حريق سجن إيفين الغامض في ذورة الاحتجاجات بعد مقتل مهسا أميني على يد أفراد دورية شرطة الاخلاق، يكشف عن نوع جديد من الانتهاكات؛ حيث إنّ الحريق قد يبدو متعمداً من قبل السلطات "لتأديب المحتجين بعد محاولتهم التضامن مع التظاهرات وتنظيم احتجاجات وإحداث اضطرابات داخل السجن".

وإثر تسريب فيديوهات من داخل سجن إيفين تفضح الانتهاكات الوحشية بحق المحتجزين، الأمر الذي اضطر المسؤولون في طهران إلى الاعتراف به وعدم إنكاره، قالت مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، هبة مرايف، إنّ "اللقطات المريبة تقدم لمحة نادرة عن القسوة التي يتعرض لها السجناء في إيران بانتظام". وأردفت: "من المروع أن نرى ما يحدث داخل جدران سجن إيفين. ولكن للأسف، فإنّ الإساءة الموضحة في مقاطع الفيديو المسربة هذه ليست سوى غيض من فيض لوباء التعذيب في إيران".    

ولذلك، طالبت المنظمة الأممية المعنية بحقوق الإنسان بعد حريق سجن إيفين، بضرورة السماح للمفتشين الدوليين المستقلين فوراً بدخول السجون الإيرانية، للتحقيق في الجرائم المرتكبة بحق المعتقلين، وقد شددت على أهمية "الحفاظ على السجناء ضد عمليات القتل غير القانونية والتعذيب، وغيرها من ضروب المعاملة السيئة".

ووفق بيان العفو الدولية، فإنّ "هناك مخاوف جدية حول مساعي المسؤولين في إيران إلى تبرير القمع الدموي للسجناء تحت عناوين احتواء الحرائق ومنع هروب السجناء".

وبالعودة إلى المعارض الإيراني مهيم سرخوس، فقد ألمّح إلى أنّ سردية النظام بخصوص حريق سجن إيفين لا تمثل أي حقيقة، بل إنّها تكشف عن محاولات النظام المحمومة تجاه التعتيم والتشويش على الحقائق، مؤكداً أنّ "الحريق تسببت فيه القوات الإيرانية المسؤولة عن السجن، وذلك بعد قيام السجناء بالاحتجاج على أوضاعهم الصعبة، والتضامن مع التظاهرات المندلعة في غالبة مدن وأقاليم إيران. ومن ثم، نفذت قوات مكافحة الشغب حملة تأديب داخل السجن باستخدام السلاح وإطلاق النار بشكل كثيف، الأمر الذي أسفر عن النتيجة المأساوية والنهائية بخصوص الحريق".

تتفق والرأي ذاته، الشهادات الميدانية التي نقلتها منظمة العفو الدولية، وقد ذكرت أن "القوات الأمنية صوبت فوهة أسلحتها نحو رأس عدة سجينات، وأطلقت رصاصاً حياً نحو سجناء آخرين".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية