لم تكن مفاجئةً، الزيارةُ التي قام بها للأراضي الفلسطينية، الوزير العُماني المكلف بالشؤون الخارجية، يوسف بن علوي. فقد تحدثتْ مصادر قبل نحو أسبوع عن نيته القيام بها، لكنّ ذلك لم يمنع من وصف الزيارة بـ"النادرة" من جانب وزير عربي، لا تقيم بلاده علاقات رسمية مع إسرائيل. وقد زار يوسف بن علوي، الخميس الماضي، كلاً من المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة وكنيسة القيامة بالقدس الشرقية المحتلة، وهو ما لم يكن ممكناً إلا بموافقة إسرائيل، برغم أنّ متحدثاً باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية أكد لـ"وكالة الصحافة الفرنسية" أنه لم يكن على علم بهذه الزيارة. وقد ثار جدل حول الزيارة بين مؤيد ومعارض لها.
تطبيع أم دعم للفلسطينيين؟
وقد جرت العادة أنْ تنقسم ردود الأفعال الفلسطينية والعربية تجاه هذا النوع من الزيارات إلى فريقين:
الأول، يراها تطبيعاً مع الاحتلال الإسرائيلي، وتفريطاً في الحقوق الثابتة للفلسطينيين، وتشريعاً للاحتلال وفك العزلة السياسية عنه؛ من خلال الاعتراف به، عبر التنسيق معه لإتمام أي زيارة إلى الأماكن الفلسطينية. وقد عبّر هذا الفريق عن نفسه بقوة من خلال الاستقبال السلبي الذي حظي به وفدٌ بحريني أراد قبل أسابيع زيارة البلدة القديمة، فلقي رفضاً من قبل فلسطينيي القدس، الذين منعوه من دخول الحرم القدسي الشريف. وفي سياق ذي صلة، يُذكر أنّ وزير الخارجية المصري الأسبق والراحل، أحمد ماهر، قد زار القدس في عام 2003، وتعرّض لاعتداء من جانب المصلين الغاضبين على الزيارة، برغم أن مصر تقيم علاقات رسمية مع إسرائيل.
لقي الوزير العُماني حفاوة من المسؤولين السياسيين والدينيين الفلسطينيين والتقى الرئيس محمود عباس، وأجرى مشاورات مع رئيس الوزراء
أما الفريق الثاني فإنه يرى أن هذه الزيارات تدعم الشعب الفلسطيني، وتُقوّي موقفه، ولا تتركه وحيداً في معركته العادلة في مواجهة إسرائيل وفي تآمرها على عزله عن محيطه العربي والإسلامي. ويميل هذا الفريق إلى أن المسؤولين العرب الذين يتواصلون مع أهلهم في فلسطين يطّلعون عن كثب على حجم المأساة التي يعانيها الفلسطينيون، وخصوصاً المقدسيون، جرّاء سياسات الاحتلال الغاشمة، ويرون بأعينهم جريمة تقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية بفعل الاستيطان الإسرائيلي والحواجز والإجراءات العنصرية بحق سكان الأرض الأصليين، ما من شأنه إبراز الجريمة الأخلاقية والإنسانية التي تمارسها إسرائيل بحق الفلسطينيين.
تيار قوي
والحقيقة أنه منذ إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في السادس من كانون الأول (ديسمبر) الماضي عن اعتبار بلاده القدس عاصمة لإسرائيل، ورغبته بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، عاد تيار قوي في الأوساط الفلسطينية وفي أوساط عربية يدعو لوقف مقاطعة العرب والمسلمين للفلسطينيين في القدس والضفة الغربية، واعتبار زيارتهم جزءاً من رسالة نضالية لإثبات الحقوق العربية في القدس، وإعلان رفض تهويدها، ومناصرة السكان الفلسطينيين في القدس الشرقية، ودعم حقهم في أرضهم ونضالهم ضد الاحتلال. وقد نُقل عن الوزير العُماني، يوسف بن علوي، لدى وصوله القدس قوله:"علينا أنْ نشجّع إخواننا العرب أينما كانوا للقدوم إلى فلسطين؛ لأنه كما قلتُ من يسمع ليس كمن يرى. مطلوب الآن أن يروا الفلسطينيين". ولقد لقي الوزير العُماني حفاوة من المسؤولين السياسيين والدينيين الفلسطينيين، والتقى الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، وأجرى مشاورات ومحادثات معه ومع رئيس الوزراء الفلسطيني، رامي الحمد الله.
وكان مفتي القدس، الشيخ محمد حسين، قال مؤخراً إن زيارة العرب والمسلمين للأقصى واجبة، كما دعا الرئيس عباس قبل أسابيع في مؤتمر الأزهر الخاص بنصرة القدس، العرب والمسلمين لزيارة الأقصى، وإظهار التحدي لقرار ترامب الخاص بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، ورأى عباس أن الزيارات تؤكد القدس عاصمة للفلسطينيين، وتدعم عدم تهويدها.
زيارات عربية
وفي أيلول (سبتمبر) 2014 قام وزير الخارجية الكويتي، الشيخ صباح الخالد الصباح، بزيارة القدس بصحبة مفتي القدس، محمد حسين. وكان مفتي مصر، الشيخ علي جمعة، قام في نيسان(أبريل) 2012 بزيارة المسجد الأقصى، برفقة أمير أردني، وأثارت زيارته وقتها جدلاً كبيراً، وفق "فرانس 24". وتزامناً مع دخول المستوطنين الإسرائيليين باحات الحرم القدسي، قام وزير الداخلية الأردني، غالب الزعبي، في السابع من الشهر الماضي بزيارة الأقصى، وذلك بحكم إشراف الأردن على مرافق المسجد والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وهو ما قننته أيضاً اتفاقية وادي عربة في العام 1994.
من جانبه، كتب عبد الرحمن الراشد في "الشرق الأوسط" أن "واحداً من أعظم أخطاء السياسة العربية مقاطعة الفلسطينيين دبلوماسياً واقتصادياً وإنسانياً بدعوى أنها مقاطعة لإسرائيل".
السلطنة ودور الوساطة
وترى سلطنة عمان أن بمقدورها أنْ تلعب دور الوسيط في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، لا سيما وأنها تحظى بترحيب من قبل الفسطينيين، وهي برغم عدم امتلاكها علاقات رسمية مع إسرائيل، فإنها افتتحت مكتباً تمثيلياً لإسرائيل على أراضيها في عام 1996، وعندما اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، تمّ إغلاق المكتب، وهو مغلق حتى الآن.
الصحفي العماني، المعمري: دبلوماسية عُمان تنأى عن التحالفات والاصطفافات الإقليمية، وتسعى لتقريب وجهات النظر
وقد نقلت "العرب" اللندنية عن مراقبين للشؤون الفلسطينية رجّحوا أن يكون الوزير العُماني قد حمل مبادرة لإعادة تصويب العلاقة الفلسطينية-الأمريكية التي تدهورت إثر إعلان الرئيس ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وتصديقه على قرار بنقل السفارة الأمريكية إلى المدينة.
واعتبر هؤلاء أن لسلطنة عُمان تجارب سابقة في لعب دور الوساطة بين أطراف في الشرق الأوسط والإدارة الأمريكية، كان أبرزها ما يتعلق بمفاوضات البرنامج النووي الإيراني، والتي تم التمهيد لها من خلال قناة تواصل أمريكية-إيرانية جرت في العاصمة العُمانية (مسقط)، قبل التوصل إلى الاتفاق الشهير مع مجموعة 5+1 عام 2015.
وفي حديث لـ"بي بي سي" أكد الصحفي العُماني، سليمان المعمري، هذا الدور لبلاده، مضيفاً أن "دبلوماسية عُمان تنأى عن التحالفات والاصطفافات الإقليمية، وتسعى لتقريب وجهات النظر".
ومع أن معلومات الزيارة قد صدرت قبل أسبوع عن أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، جبريل الرجوب، وفق ما نقلت عنه وكالة الأنباء الفسطينية، فإن ضعف التغطية الإعلامية قبل بدء زيارة المسؤول العماني أسهم في المرور الهادئ لهذه الزيارة؛ بخلاف ماجرى مع الوفد البحريني.