ركلة في عشّ النمل الجهادي

ركلة في عشّ النمل الجهادي


كاتب ومترجم جزائري
10/06/2020

ترجمة: مدني قصري


تحت أيّة ظروف مات الجزائري عبد المالك دروكدال (1) الذي قُتل يوم الخميس الماضي على يد القوات الفرنسية في مالي؟ وما هي العواقب؟
صحيفة  "L'Express" الفرنسية تلقي الضوء على هذا الحدث المهمّ.
لم يكن عبد المالك دروكدال معروفاً بالنسبة إلى عامة الناس؛ فقد كان أحد القادة الرئيسين للسديم الإسلامي الساحلي الصحراوي لمدة عشرين عاماً، وفاة زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي (2) (Aqmi)، الجزائري عبد المالك دروكدال، "ركلة في عشّ النمل الجهادي" لم يتم تحديد آثارها بعد.
ماذا حدث؟
كلّ شيء كان سريعاً جداً، مساء الأربعاء 3 حزيران (يونيو) الجاري، في منطقة الواد في أوردجان، على بعد كيلو مترين اثنين جنوب قرية تالهاندك (Talhandak)، في مساحة الصحراء الشاسعة أقصى شمال مالي، يقع الوادي على بعد 80 كيلو متراً جواً شرق تيساليت، وعلى مسار 20 كيلومتراً من الحدود الجزائرية، كان الوادي يستضيف "اجتماعاً" لقادة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وفق ما أفاد مصدر محلي لوكالة "فرانس برس".

 

 

هذا الوادي، الذي يقع بعيداً عن المساكن، هو المكان الذي تشرب منه حيوانات مربي المنطقة، وفق المصدر نفسه.

 

 

في المنطقة بين النيجر وبوركينا فاسو ومالي، هناك مجموعة أخرى حاضرة ونشطة جداً هي الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى

في وقت مبكر من ذلك المساء، بين الساعة الـ 6 والـ 9 مساءً"، وفق شهادة أحد السكان؛ "كان هناك هجوم وقتال" في هذا الوادي، وأضاف هذا الشاهد: "حدثت غارة على سيارة، أعقبها تدخّل ست طائرات مروحية، وتدخّل رجال على الأرض".
وبحسب المتحدث باسم القيادة العسكرية الفرنسية الدولية، الرائد العقيد فريديريك باربي، فإنّ العملية التي قادتها القوات الفرنسية قد "نفِّذت بواسطة وحدة تدخل تتكون من طائرات هليكوبتر وقوات برية مدعومة بالطيران".
كان من بين الجهاديين القتلى: عبد المالك دروكدال، تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، لكن أيضاً، وفق هيئة الأركان العامة الفرنسية، توفيق شايب، ضابط كبير في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، مكلف بالتنسيق والدعاية لهذه المنظمة الإرهابية".

اقرأ أيضاً: مقتل زعيم "القاعدة في المغرب الإسلامي".. من هو عبد المالك دروكدال؟
وقال العقيد باربي: "فضّل جهادي آخر الاستسلام دون قتال، وتمّ اعتقاله، وكانت الحصيلة، بحسب هذه المصادر، قتيلين وسجيناً".
وبحسب أحد أعضاء مجموعة الخبراء التابعة للأمم المتحدة في مالي، وفق تقرير وكالة "فرانس برس"؛ فإنّ منطقة تالانداك تمثل مفترق طرق لشركات النقل البري التي تضطر أحياناً لانتظار فتح الحدود مع الجزائر، لمدة أسابيع، و"هي مرتع لتهريب المهاجرين في الصحراء".
ما تأثير هذه العملية؟
تمثّل هذه العملية، التي جرت بناء على معلومات وكالة استخبارات الولايات المتحدة، وفق الجيش الأمريكي؛ "ركلة في عشّ النمل الجهادي"، كما وضح ذلك لوكالة "فرانس برس"، دينيس تول، الاختصاصي في شؤون غرب أفريقيا في معهد البحث الإستراتيجي للمدرسة العسكرية (IRSEM) في باريس، لكنّ هذا الخبير أضاف: "لن تُحلّ المشكلات من خلال قطع الرؤوس وحدها، من الجيد جداً تحييد بعض القادة والقضاء عليهم، وهو ما سيُضعِف الهياكل الجهادية إلى حدٍّ ما، ولكننا رأينا في أراض أخرى أنّ قطع رؤوس الزعماء لم يكن كافياً على الإطلاق".

 

 

لأنّ عبد المالك دروكدال أبعد ما يكون عن كونه الزعيم الجهادي الوحيد في منطقة الساحل: المنطقة الثكلى منذ عام 2012؛ بسبب العنف الذي يستمر في التفاقم، منطقة عمليات العديد من الجماعات الجهادية أوّلاً.
هناك مجموعة دعم الإسلام والمسلمين (GSIM، أو JNIM، وفق أحرفها الأولى باللغة العربية)، المرتبطة بتنظيم القاعدة، والتي ينتمي إليها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ويضمّ هذا التحالف، الذي تمّ تشكيله عام 2017، مجموعات أخرى أيضاً، من بينها المجموعة الرئيسة "أنصار الدين"؛ التي يقودها في شمال مالي إياد آغ غالي، وكتيبة ماسينا، التي أسسها أمادو كوفا في وسط البلاد.

 

 

تمثّل العملية، التي جرت بناء على معلومات وكالة استخبارات الولايات المتحدة، وفق الجيش الأمريكي؛ "ركلة في عشّ النمل الجهادي"

في المنطقة التي تُسمَّى "الحدود الثلاثة"، بين النيجر وبوركينا فاسو ومالي، هناك مجموعة أخرى حاضرة ونشطة جداً: الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى (EIGS، التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية)، بقيادة عدنان "أبو وليد صحراوي"؛ فمنذ عدة شهور، يتركز العنف ويشتدّ في منطقة "الحدود الثلاثة" هذه، في وسط مالي وشرق بوركينا فاسو، وفي هذا الشأن يقول إبراهيم معيجة، من معهد الدراسات الأمنية (ISS): "على الأرض، اليوم، لم تعد هذه المجموعات، التي تنشط أكثر فأكثر (مجموعة كوفة والصحراوي)، تابعة لدروكدال") في باماكو.
وأضاف إبراهيم معيجة: "ستبقى هذه التمردات متمسكة بهذه المجموعات، حتى إن أظهرت وفاة دروكدال أنّ لا أحد في أمان، وأنّ عملية برخان(3) الفرنسية العسكرية يمكن أن يُضرب في صفوفها"، وفي مقابلة أجرتها وكالة "فرانس برس" مع أحد الخبراء في مكافحة الإرهاب في فرنسا، لم تكشف هويته، لخّص الوضع قائلاً: "إنها نتيجة طيبة لكنّها لا تحلّ مشكلة الساحل".
لأنّ هذه المشاكل تعدّدت وكثرت وتفاقمت: هناك هجمات متكررة تحدث في كثير من الأحيان، ذات البعد الطائفي، 26 قروياً، على الأقل، قُتِلوا يوم الجمعة وسط مالي، وهناك مشكلات سياسية؛ شكوك حول اختلاسات مالية في النيجر، وتزايد التنافس على السلطة في مالي، وهناك اتهامات بارتكاب فظائع موجهة ضدّ الجيوش الوطنية المتنامية.
ويلاحظ إبراهيم مايغا في الختام؛ أنّ "كلّ هذا يمكن أن يحجب عملية مقتل عبد المالك دروكدال".


الهوامش:
(1) بعد مشاركته في الحرب الأهلية الجزائرية في التسعينيات من القرن الماضي، وانضمامه إلى الجماعة الإسلامية المسلحة (الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي كان يرأسها الراحل عباسي المدني)، أصبح دروكدال عام 2004 أميراً للجماعة السلفية للدعوة والقتال، وفي كانون الثاني (يناير) 2007؛ تعهّد بالولاء لتنظيم لقاعدة، واتّخذت منظمته اسم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ثمّ انخرط دروكدال في التمرد الجهادي في منطقة الساحل، وفي حرب مالي التي قُتِل فيها مؤخراً على يد الجيش الفرنسي.
(2) القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي تنظيم تصنفه دول عديدة بالتنظيم الإرهابي، نشأ التنظيم عن الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية، التي وُلدت بدورها من رحم الجماعة الإسلامية المسلحة.
عام 2006 أعلنت القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، المنبثقة عن الجماعة السلفية، انضمامها إلى تنظيم القاعدة الذي كان يرأسه أسامة بن لادن، قبل أن تطلق على نفسها في العام التالي، رسمياً، اسم "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي".
ويدّعي التنظيم في بياناته أنّه يسعى لتحرير المغرب الإسلامي من الوجود الغربي، الفرنسي والأمريكي، والموالين لهذا الوجود من الأنظمة التي يصفها بالمرتدة، وحماية المنطقة من الأطماع الخارجية، وإقامة دولة كبرى تسودها الشريعة الإسلامية.
(3) عملية برخان "Berkhane" عملية عسكرية فرنسية، وهي جزء من إستراتيجية القوات المتواجدة في منطقة الساحل الإفريقي، وهدفها مكافحة التمرد الجهادي.
بدأت هذه العملية الواسعة في 1 آب (أغسطس) 2014، وهي تحشد عدة آلاف من الجنود؛ حيث تتألف من 3000 إلى 4500 جندي فرنسي، ومن المتوقع أن تستمر لفترة طويلة، ومقرها في نجامينا، عاصمة تشاد، وقد تمّ تشكيل هذه العملية بالاشتراك مع دول المنطقة، مع خمسة بلدان من المستعمرات الفرنسية السابقة، والتي تمتدّ في منطقة الساحل الإفريقي: بوركينا فاسو، تشاد، مالي، موريتانيا، والنيجر. 
وهي جزء من إستراتيجية القوات الجاهزة في المنطقة.


مصدر الترجمة عن الفرنسية:
lexpress.fr



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية