
ما تزال حركة (النهضة) في تونس، الذراع السياسية للإخوان، تواصل تحريضها السياسي والمجتمعي في محاولة لبعث استقطاب حاد يعيد تموضعها بعد إنهاء "العشرية السوداء"، وبدء مسار 25 تموز (يوليو) من خلال الإجراءات الاستثنائية التي قام بها الرئيس التونسي قيس سعيّد.
العدالة السياسية والجنائية لـ (النهضة)
إخوان تونس الآن ليسوا فقط خارج السلطة، وإنّما أيضاً فقدوا أيّ حماية مجتمعية، لا سيّما مع تآكل حواضنهم، وكذلك تحت طائلة مسار العدالة الجنائية ومواجهة القضاء للبت في عدة ملفات، منها الإرهاب والاغتيالات السياسية، وتسفير الشباب لمناطق التوتر، فضلاً عن الفساد وتدفق الأموال الخارجية بغطاء دعم المجتمع المدني. ولذلك تشن عناصرهم المشبوهة حملات دعائية لإحداث انقسامات وشروخ جمة في ظل المسار القضائي الذي انتهى مؤخراً إلى الحكم على زعيم الحركة الإسلاموية راشد الغنوشي وصهره وزير الخارجية السابق رفيق بوشلاكة، بالسجن نحو (3) أعوام في القضية المتعلقة بتلقي (النهضة) التمويل الأجنبي.
ونقل راديو (موزاييك) المحلي عن الناطق بلسان محكمة الاستئناف بتونس قوله: إنّ "الدائرة الجناحية بالمحكمة الابتدائية بتونس كانت قد قضت في شباط (فبراير) الماضي بسجن الغنوشي وبوشلاكة (3) أعوام مع النفاذ العاجل وتغريم حركة (النهضة) بغرامة تساوي قيمة التمويل الأجنبي المتحصل عليه وقدرها (1) مليون و(170) ألفاً و(478) دولاراً أمريكياً و(35) سنتاً". موضحاً أنّ "النيابة العمومية استأنفت ذلك الحكم الابتدائي، وأصدرت الدائرة الجناحية لدى محكمة الاستئناف بتونس يوم الجمعة الماضي قرارها بإقرار الحكم الابتدائي".
وفي هذا الإطار، زعمت الحركة الإخوانية، المصنفة على قوائم الإرهاب في عدد من البلدان العربية، أنّ الغنوشي الموقوف في سجن المرناقية بعث برسالة إلى أحد القضاة، ليقول إنّه يمتنع عن المثول أمام المحكمة، لجهة أنّ القضاء يتم توظيفه "لأغراض وغايات سياسية". مشيرة إلى أنّ الغنوشي "دوّن الرسالة أخيراً من سجنه على ورقة الاستدعاء التي وصلته من القاضي، في واحدة من القضايا الكثيرة التي حركتها السلطات التونسية ضده".
هذه المحاولات التلفيقية التي تقوم بها (النهضة)، وتعمد إلى ترويجها، هي وسائط انتهازية لكسب الوقت والتحايل على الفضائح والجرائم العديدة المتورطة فيها، بداية من الأموال التي تدفقت من جهات خارجية وأجنبية لتمويل أنشطتها المؤدية لزعزعة الأمن القومي في تونس، وفق ما تقول المصادر القضائية، وإضعاف الاقتصاد الذي شهد تراجعاً لافتاً ثم تضخم لمستويات غير مسبوقة، وتراجع القدرات الشرائية للمواطنين بدرجة انحسار مستوى الفئات الاجتماعية والمتوسطة نفسها وارتفاع البطالة، والاغتيالات الانتقامية كما هو الحال مع القياديين اليساريين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.
محاولات مفضوحة وانتهازية لإخوان تونس
عادة ما يكون الاستقطاب السياسي استراتيجية واضحة للقوى السياسية الناشئة، والتي تكون لها رؤية ومصداقية أو أحزاب ومكونات سياسية ناجحة تستقطب خاصة فئة الشباب، ولا شيء يساهم في إنجاح هذا الاستقطاب سوى عامل الثقة، وفق ما يقول رئيس حزب التحالف من أجل تونس الكاتب السياسي سرحان الناصري، موضحاً لـ (حفريات) أنّ ما تقوم به حركة (النهضة) من خلال نشر الشائعات لا تعتبر عملية استقطاب فقط، بل هي "رقصة الديك المذبوح ولعبة الكل في الكل؛ لأنّها تأكدت من نهايتها سياسياً وأخلاقياً ومجتمعياً".
ويشير الناصري إلى أنّ المحاولات من طرف الإخوان وشركائهم من الأطراف السياسية الانتهازية تعددت بغرض التأثير في المشهد السياسي، وذلك لإحداث توترات آخرها كان احتجاج المحامين والزج بهم في "معركة سياسية رخيصة أو تطويع الإعلام والصحافة بكل مكوناتها لبسط فكرة العودة إلى النشاط السياسي من خلال فتح المجال الاتصالي والإعلامي...، ونحن في تونس متأكدون من فشل كل هذه المحاولات، لأنّ الإخوان أصبحوا جزءاً من الماضي الأسود في فترة من أحلك الفترات التي مرت بها تونس خلال عشرية الفساد".
ويردف: "لا توجد للنهضة حواضن سوى جبهة الخلاص، وهي حاضنة مفضوحة ومعروفة بانتهازيتها. وهذه العلاقة سوف تنتهي بمجرد التنكر لرئيس الجبهة أحمد نجيب الشابي وعدم دعمه في الانتخابات الرئاسية القادمة، أو حاضنة الإرهاب من خلال الخلايا النائمة، وهنا يتعين القول إنّ هناك ثقة تامة في يقظة قواتنا العسكرية والأمنية للتصدي لهم".
وفق صحيفة (مكة) السعودية، فقد أكدت الجماعة خلال وقفة احتجاجية نظمتها (جبهة الخلاص) مطلع الأسبوع الماضي رفضها ترحيل موعد الانتخابات إلى العام المقبل، وطالبت بعزل الرئيس الإصلاحي قيس سعيّد، وإطلاق سراح مساجين التنظيم، وعلى رأسهم زعيمهم راشد الغنوشي، وزعم رئيس الجبهة أحمد نجيب الشابي أنّ المناخ السياسي الحالي "لا يضمن أيّ شروط ديمقراطية لإجراء انتخابات نزيهة بسبب الزج بقياداتهم في السجون".
ردّ الاعتبار لمؤسسات الدولة
وقد سبق للناطق الرسمي بلسان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات محمد التليلي المنصري أن تحدث عن الموعد المرجح لإجراء الاقتراع في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، على ألّا تتجاوز الآجال القانونية والدستورية الـ 23 من الشهر ذاته. موضحاً أنّه إذا تم الأخذ بعين الاعتبار 23 تشرين الأول (أكتوبر)، أي التصويت في هذا الموعد، فإنّ دعوة الناخبين يجب ألّا تتجاوز 23 تموز (يوليو) المقبل، وأشار إلى أنّه في شروط الترشح للانتخابات الرئاسية ستتم إضافة البطاقة رقم (3)، التي تثبت خلو سجل المرشح من أيّ سوابق أو ملاحقات قضائية.
وفي حديثه لـ (حفريات)، يوضح الكاتب والباحث التونسي الجمعي قاسمي أنّ مسار العدالة السياسية والجنائية في تونس من خلال القضاء أو النبذ المجتمعي لن يتوقف، بينما تظل القوى المجتمعية والسياسية تتصدى لمحاولاتهم المشبوهة عبر الشائعات لتصدر المشهد مجدداً أو بعث الاستقطابات التي قد تمنحهم فرصة لاسترداد مواقعهم، غير أنّ فساد وزراء حركة (النهضة) ومسار العشرية السوداء في إهدار المال العام سوف يلاحقهم إلى جانب ملفات أخرى "موصومة".
ويشير الكاتب والباحث التونسي إلى أنّ "الإجماع الوطني التونسي إنّما يتجه نحو ضرورة محاسبة الحركة الإخوانية على العشرية السوداء، وعدم التغاضي عمّا تورطوا فيه ونجم عنه هذا السجل الأسود من دعم العناصر المتشددة وتسفير الشباب إلى ليبيا وسوريا، فضلاً عن الفساد المالي الذي ارتبط بشخصيات في مواقع قيادية بـ (النهضة). ولم يكن لهذا الفساد المالي والسياسي المستشري سوى جزء من عملية أوسع تخفي محاولات إضعاف الدولة والتأثير على التوازنات الداخلية لحساب التمكين الإخواني سياسياً ومجتمعياً والهيمنة على مفاصل الحكم".
ويضيف الجمعي القاسمي: وبالتالي، فإنّ القوى الوطنية والمجتمعية في تونس تشكل "جبهة صامدة" في وجه "العدوان الإخواني" لجهة "منع أيّ محاولات "للتحرش بمؤسسات الدولة ورموزها في القضاء أو الرئاسة لبعث الثقة في تلك الأجهزة الوطنية التي لطالما حاول الإخوان زعزعة استقرارها وتشويه أدوارها".