رغم رصد مخاطره.. الوشم: صرعة تطغى على كل التحذيرات

رغم رصد مخاطره.. الوشم: صرعة تطغى على كل التحذيرات


31/08/2022

كالنار في الهشيم تنتشر ظاهرة الوشم على الجسد في كافة دول العالم، إلى درجة أنّ الأمر لم يعد مستغرباً بالنسبة إلى غالبية المجتمعات التي كانت ترفضه من قبل، على تعدد أشكاله، وبالرغم من التحذيرات المتتالية من المخاطر البالغة التي تتسبب بها الأحبار المستخدمة في كتابة تلك النقوش، إلا أنّ الوشم يبدو لمحبيه كسحر جاذب، دون اهتمام لهذه التحذيرات.

ومؤخراً كشفت عدة دراسات عن تسبب الأحبار المستخدمة في كتابة الوشوم في الإصابة بمرض السرطان، ووجد علماء في جامعة ولاية نيويورك، في دراسة حديثة نشرتها شبكة "سكاي نيوز" الأسبوع الماضي أنّ نصف عينات أحبار الوشوم التي فحصوها (56 عينة)، احتوت على مركبات "آزو"، التي تتحلل تحت الضوء فوق البنفسجي -المنبعث من ضوء الشمس- إلى مواد كيميائية مسببة للسرطان.

وأوضح العلماء أنّ العديد من الأحبار احتوت على جسيمات يقلّ حجمها عن (100) نانومتر، بمقدورها أن تدخل في نواة الخلية، وتسبب طفرات سرطانية.

ليس السرطان فقط...

في نيسان (أبريل) الماضي أصدر الاتحاد الأوروبي قانوناً بحظر (4) آلاف مكوّن كيميائي يدخل في إنتاج الألوان المستخدمة في الوشم، ممّا يعني تقريباً منع بيع واستخدام جميع ألوان الوشم في بلدان الاتحاد ابتداء من بداية هذا العام.

ووفقاً للوكالة الأوروبية للمواد الكيميائية، فإنّ هذه المواد إمّا خطرة على الصحة، وإمّا أنّه لم يتم بحث آثارها بشكل كافٍ حتى الآن، بحسب "دويتشه فيليه".

حذّر المعهد الاتحادي الألماني لتقييم المخاطر من خطورة الوشم على الصحة

وفي السياق، حذّر المعهد الاتحادي الألماني لتقييم المخاطر من خطورة الوشم على الصحة، وقال في بيان نشرته وكالة الأنباء الألمانية في حزيران (يونيو) الماضي: إنّ "بعض ألوان الوشم تحتوي على مواد مسببة للحساسية مثل النيكل أو مواد مسرطنة مثل الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات".

ونوّه المعهد إلى أنّ "أصباغ اللون لا تبقى في الجلد فحسب، بل تتوغل في الجسم أيضاً، وتترسب في العقد اللمفاوية والكبد، مشيراً إلى أنّ عدم الالتزام بالاشتراطات الصحية عند إجراء الوشم يرفع خطر الإصابة بأمراض خطيرة مثل التهاب الكبد الوبائي أو فيروس نقص المناعة البشري (HIV)".

 

ليلى شلبي: من أخطر عواقب الوشم الحالة النفسية التي قد تلازم الإنسان مدى حياته

 

وبشكل عام أوصى المعهد بعدم إجراء الوشم، لا سيّما بالنسبة إلى النساء الحوامل، والمرضى الذين يتناولون المضادات الحيوية أو الأدوية المثبطة للمناعة بسبب خطر الإصابة بالعدوى، وكذلك الأشخاص الذين يعانون من أمراض القلب أو داء السكري أو اضطرابات تخثر الدم أو حساسية النيكل أو الإكزيما أو الجروح المفتوحة.

ولا تُعدّ التحذيرات العلمية من مخاطر الوشوم جديدة، فهي مستمرة منذ أعوام، لكنّ اللافت في الأمر هو تمدد الظاهرة وتزايد أعداد محترفيها بشكل مستمر حول العالم، ممّا يثير تساؤلات عديدة حول الحقيقة والخرافة في عالم الوشوم المليء بالغرائب. 

الجانب النفسي مظلم

بالرغم من أنّ غالبية التقارير تتحدث عن دوافع حب الوشوم لأسباب نفسية، مثل محاولة السيطرة على الذات أو محاولة إخفاء بعض العيوب في الجسد، إلا أنّ الدكتورة ليلى شلبي أستاذة الطب بمصر ترى أنّ المتاعب النفسية المترتبة على رسم الوشوم تتجاوز في خطورتها تلك الدوافع، وتُعدّ من أخطر الآثار الجانبية المترتبة عليها.

وتقول شلبي في مقال نشره موقع "الشروق" تحت عنوان "من الوشم ما قتل": إنّ "أهم ما يمكن أن ينسب إلى الوشم من أخطار هو تأثيره على الحالة النفسية التي قد تلازم الإنسان بعد أن يمهر جلده بتلك الوشوم التي حتى إن فعلها بإرادته، فإنّه سيظل أسيراً لها مدى حياته، ولن يجدي إلا الليزر في محوها بصعوبة شديدة ومضاعفات قد تبدو أكثر خطورة وأنكى أثراً".

 

دراسة حديثة: الأحبار المستخدمة في رسم الوشوم تحوي مركبات تتحول إلى مواد سرطانية بمجرد تفاعلها مع أشعة الشمس

 

ووفق الطبيبة المصرية "قد يبدو الأمر في وقت الشباب محاولة لإثبات الذات، أو تخليداً لمشاعر شغف من إنسان تجاه شخص آخر، لكنّ الأمر يتحول مع الزمن الذي سيتغير بينما يظل الوشم على حاله، فيبدو كما لو كان عبئاً اجتماعياً يؤخذ على الإنسان ليخجل منه، أو يجعل المحيطين به يطلقون عليه أحكاماً سلبية تؤثر في النظرة إليه، إذا تعلق الأمر بعمل أو وظيفة أو ربما بارتباط، فالمجتمع دون شك ينظر إليهم كما لو كانوا في منزلة أقل".

لماذا تجذب الوشوم البشر؟

عُرفت الوشوم منذ العصر الحجري، كتقليد عقائدي أو قبلي يرتبط بالشعوب البدائية إلى حدٍّ كبير، لكنّه ارتبط أيضاً بمعتقدات اجتماعية، مثل معالجة الحسد والعقم وتعزيز القدرة الجنسية، وتعتبر شعوب جزر "بولينيزيا" الممتدة على المحيط الهادي أكثر شعوب العالم اهتماماً بقيمة الوشم، حيث يعتقد بعض سكانها من قبائل "الماوري" أنّ كتابة الوشم جزء من المقدسات والطقوس الدينية التي قد تجلب الضرر إذا تم تجاهلها.

 غالبية التقارير تتحدث عن دوافع حب الوشوم لأسباب نفسية

أمّا وشم "اليانترا"، المعروف لدى شعوب جنوب آسيا، فهو يحمل الكثير من الأسرار، باعتباره وشماً سحرياً، تُستخدم في كتابته ونقشه طقوس خاصة تتعلق بالمعتقدات البوذية، ويُعتقد أنّه يمنح حامليه قوة خارقة، ويدفع عنهم الشرور والأذى، لذلك يحظى بمكانة خاصة، ولا يكتبه إلا أشخاص بأعينهم.

وعلى النقيض من حالة التقديس تلك، هناك شعوب أخرى تعتقد أنّ الوشم مجرد "وصمة عار"، فمثلاً استخدم الإغريق الوشم لتمييز الأسرى والعبيد، أمّا الرومان، فقد استخدموه على أجساد العبيد إشارة إلى دفع الضريبة المقررة عليهم، وبالتالي اكتسب الوشم سمعة سيئة لدى تلك الشعوب انتقلت إلى عدة حضارات أخرى على مدار التاريخ.

 

الاتحاد الأوروبي أصدر قانوناً بحظر (4) آلاف مكوّن كيميائي يدخل في إنتاج الألوان المستخدمة في الوشم

 

أمّا في المنطقة العربية، فقد استخدمت "الحناء"، كبديل عن الوشم لأسباب دينية، وكانت الوشوم موجودة قديماً بحسب بعض الدراسات، واستخدمت في منطقة الشرق الأوسط كنوع من العلاج، أبرزها كان وشم الرأس لمعالجة نوبات الصداع، وخلال العقود الماضية اختفت ظاهرة استخدام الوشوم بسبب تحريمها، لكنّ الظاهرة ومع انتشارها في المجتمع الغربي وولع المشاهير بها، على مدار العقود الـ3 الماضية، بدأت تجذب ملايين الشباب العرب إليها سواء من المشاهير أو غيرهم.

كيف يمكن تجنب مخاطر الوشوم؟

يتفق الأطباء والباحثون حول مجموعة من النصائح التي من شأنها تقليل المخاطر المحتملة لرسم الوشم على الجسم، في حالة رغبة الأشخاص بالأمر، أهمها إجراء العملية على أيدي محترفين في هذا المجال، واستخدام أدوات وأحبار جيدة، وأيضاً عدم التعرض لأشعة الشمس لأوقات طويلة، لتجنّب تفاعل الأحبار مع الأشعة الضارة.

وبوجه عام، تختلف أدوات رسم الوشم، وأماكن وضعه على جسم الإنسان من بلد إلى آخر حسب الطبيعة الاجتماعية والمناخية والعادات والتقاليد التى تسود البلد، لكنّ القاسم المشترك في طريقة الرسم واحدة، وتتم بوساطة إبر حديدية مدببة أو قطع نحاسية ذات رؤوس حادة محروقة تغمس بمواد الوشم سواء الحبر أو الرماد وأيضاً أنواع من كحل العيون، وبالرغم من صعوبتها وشعور الإنسان بالألم الشديد خلال تلك العملية إلا أنّها تستهوي الآلاف وربما الملايين حول العالم باعتبارها جزءاً من ثقافتهم أو أنّها تقليد جديد.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية