"رزما": الولي الفقيه ينجب ميليشيا جديدة من قدامى "الدفاع المقدس"

"رزما": الولي الفقيه ينجب ميليشيا جديدة من قدامى "الدفاع المقدس"

"رزما": الولي الفقيه ينجب ميليشيا جديدة من قدامى "الدفاع المقدس"


27/12/2023

رغم الأزمات الاقتصادية التي تقع تحت وطأتها إيران، وارتفاع نسب التضخم لحدود غير مسبوقة، حيث انحسر حجم الاقتصاد لنحو 40 بالمئة، وفق تقديرات رسمية، إلا أنّ النظام يواصل، بنفس درجة تخفيض رواتب الموظفين وتقليل هامش الخدمات التي توفره الدولة للمواطن عبر الدعم، مضاعفة نفقاته بشأن تدشين الميليشيات المسلحة لتأمين النظام وقمع الخصوم والمعارضة السياسية. 

الاقتصاد الصعب وتوحش "المرشد"

وفي ما يبدو أنّ إعلان السلطات الإيرانية، مؤخراً، عن ميليشيات حزبية جديدة لا يبدو مباغتاً بل أمراً متوقعاً في ظل استراتيجية النظام السياسية والأمنية. كما أنّ ميزانيته الجديدة تولي اهتماماً كبيراً للنفقات العسكرية والجوانب الأمنية والدفاعية على حساب باقي القطاعات، سواء التعليم أو الصحة. 

ووفق صحيفة "أترك" الإيرانية، فإنّ العقوبات الأمريكية وخصوصاً التي استهدفت قطاع النفط، لها آثار وتداعيات صعبة على الاقتصاد الإيراني، موضحة في تقريرها المعنون بـ"العقوبات كارثة على الاقتصاد" بأنّه في "خلال 12 عاماً تقلص الإنتاج في إيران من 600 مليار دولار إلى 370 ملياراً فقط". كما تقلص حجم الاقتصاد لنحو "40 في المئة من حجمه السابق، وهو ما انعكس على حياة المواطن التي تزداد سوءاً عاماً بعد عام في ظل فقدان رؤية مستقبلية واعدة. التضخم المرتفع قد قلص كذلك نسبة الطبقة المتوسطة في إيران، إذ أصبح الكثير ممن ينتمون إلى هذه الطبقة ضمن الفقراء الذين يعجزون عن توفير حاجاتهم الأساسية".

ويكاد لا يختلف التقرير الصحفي الإيراني عن ما أصدره تقرير البنك الدولي، والذي أشار إلى وجود "10 ملايين إيراني هم فقراء، وأنّ 40 في المائة مهددون بالفقر". ووفق وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية، فإنّ التقرير الأخير يعد أول تقييم رسمي من قبل البنك الدولي للفقر في إيران التي يبلغ عدد سكانها 85 مليون نسمة، منذ ثورة عام 1979. فيما صدر التقرير الذي لم يتم الإعلان عنه، وفق موقع "الحرة" منتصف الشهر الماضي تشرين الثاني (نوفمبر)، من دون أن يتمكن باحثو البنك الدولي من السفر لإيران، بحسب "بلومبيرغ".

صلاح أبو شريف: النظام يريد عسكرة كل شيء

اللافت أنّ صحيفة "ستارة صبح" الإيرانية عرضت تقرير البنك الدولي بالتزامن مع نشره نهاية الشهر الماضي، بل إنّها أضافت عليه بعض الأرقام الموثقة من نواب ومسؤولين بالحكومة الإيرانية، وقد أكدوا للصحيفة أنّ النسب أكبر مما ورد في التقرير الأممي. ونقلت الصحيفة عن عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام علي أقا محمدي، قوله إنّ "19 مليون إيراني محرومون من أساسيات الحياة"، كما قال النائب في البرلمان، معين الله سعيدي، إنّ "ثلث الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر".

"الدفاع المقدس"

وأمام هذه المعضلات الاقتصادية والتحديات الاجتماعية والسياسية والأمنية التي تواجه حكومة إبراهيم رئيسي، انبعث اسم حسين الله كرم القيادي في جماعة أنصار حزب الله ليعلن عن تأسيس حزب جديد له دور ميداني وعسكري "ثوري". اسم الحزب هو "رزما" والذي يعني "جماعة المقاتلين المدافعين عن الثورة الإسلامية". ووفق وكالة الأنباء الإيرانية "إرنا"، جاء الإعلان عن تدشين الحزب "بحضور مجموعة من المحاربين القدامى في مرحلة الدفاع المقدس (الحرب العراقية الإيرانية) ومنهم حسين الله كرم".

 

إعلان السلطات الإيرانية عن ميليشيات حزبية جديدة لا يبدو مباغتاً بل أمراً متوقعاً في ظل استراتيجية النظام السياسية والأمنية التي تسعى لتكريس العسكرة

 

وفي البيان التأسيسي لهذا الكيان التنظيمي الجديد، الذي يبدو أنّه سيضطلع بمهام عسكرية أمنية لقمع الاحتجاجات التي تطوق البلاد، عرف المؤسسون أنفسهم بـ"قدامى المحاربين في الدفاع المقدس، ومن المدافعين عن الأضرحة (العتبات الشيعية المقدسة) والأمن (من خلال التضحية بالنفس)"، وزعموا أنّهم مستمرون في "طريق ومنطق التضحية بالنفس". وهي نفسها الحجج التي يتكيء عليها النظام لشن هجمومه على المعارضة والخصوم في الداخل كما في الخارج، وقد برز بوضوح في دوره المشبوه بسوريا الذي بدأ بزعم "حماية العتبات المقدسة"، وانتهى بعمليات قتل وتغيير ديمغرافي وانخراط ميداني كامل بساحة الحرب. وأما المبادئ الأساسية لهذه المجموعة، بحسب ما نشرته صحيفة "إندبندنت عربية"، فهي "الإيمان بولاية الفقيه ومكافحة الفساد والعدالة والبساطة والعمل الخيري والكفاءة والتضحية الثورية".

وتابعت: "مؤسسو حزب (رزما) أعلنوا أنّ أهدافهم الاستراتيجية تتمحور حول الأمور التالية؛ القضايا الجهادية وتعزيز البصيرة السياسية والثقافية ومكافحة الشيخوخة ونمط الحياة الإسلامي وتأهيل كوادر الثورة ودعمها في الانتخابات، مؤكدين أنّهم بدأوا نشاطهم السياسي بهدف تنفيذ "بيان الخطوة الثانية للثورة" التي أعلنها المرشد الأعلى علي خامنئي بتاريخ الـ11 من شباط (فبراير) 2019 بالتزامن مع ذكرى الثورة الإسلامية في إيران، إذ دعا من خلال هذا البيان إلى "مواصلة ثورة 1979 في الخطوة الثانية".

مزيد من العنف 

 وشدد خامنئي في هذا البيان على تغيير الرؤية السياسية لدى الإيرانيين بما يتماشى مع مصالح النظام واستمرار العداء مع الغرب والأنشطة الجهادية. وأصحاب "الزي المدني"، أو "أنصار حزب الله"، هم أولئك الذين هاجموا الطلاب في الحرم الجامعي في حزيران (يونيو) 1999، واعتدوا على المتظاهرين في شوارع المدن عام 2009، وفق "اندبندنت عربية"، لافتة إلى أنّ "هذه الميليشيات هي المسؤولة عن أيّ مواجهات عنيفة مع المواطنين خلال الاحتجاجات التي تستهدف النظام، وكانت وراء إضرام النار في مكتبة "مرغ آمين" والهجوم على سينما قدس والاعتداء على المثقفين ومنع إقامة المحاضرات الثقافية ومنع الحفلات الموسيقية في مختلف المدن، ومنع إقامة مناسبات لإحياء ذكرى الشخصيات البارزة، وهم متهمون كذلك بارتكاب جرائم خطرة، ومنها رش الأسيد على الفتيات والنساء في مدينة أصفهان".

إذاً، يأتي تأسيس هذا الحزب "الميليشياوي في ظروف بالغة الخطورة والدقة وربما التعقيد، حيث  فشل النظام سياسياً واقتصادياً وأيدولوجياً وثقافياً، بل أصبح واضحاً للجميع أنّ السلطات في ايران لن تتمكن كما في الأربعة عقود الماضية أن تتقدم خطوة واحدة نحو الحريات المدنية أو احترام حقوق الإنسان في عموم جغرافية ايران السياسية"، وفق ما يقول أمين عام الجبهة الديمقراطية الشعبية الأحوازية، صلاح أبو شريف.

ويوضح أبو شريف لـ"حفريات"، أنّ النظام يصر على "عسكرة" كافة الملفات و"أمننة" السياسة والاجتماع ومنع أيّ صوت معارض. لهذا يرجح أن تتشكل "المزيد من الميلشيات وجماعات العنف في ظل موجات مستمرة ومتزايدة من الاعتقالات العشوائية والممنهجة والإعدامات والمحاكمات الصورية، فضلاً عن الخطف القسري، وقد بدا واضحاً أنّ نهج النظام ليس فيه تراجع؛ إذ إنّ مهسا أميني كحالة همجية قصوى انفجرت على إثرها الاحتجاجات قد تكررت والأوضاع مرشحة للانفجار أكثر فأكثر على كل المستويات. الصدام وشيك وحتمي". 

وبحسب أمين عام الجبهة الديمقراطية الشعبية الأحوازية، فإنّ النظام يعاني اليوم "من أزمات اقتصادية لا تتوقف عند حدود التباين الشديد بين الدولار والعملة المحلية وأزمة سعر الصرف، أو التضخم، إنّما الفساد البنيوي في هياكل الدولة ومؤسسات الحكم، الأمر الذي يتم التكتم عليه لارتباطه باقتصاديات الحرس الثوري، وتهريب قادة الحرس للأموال، وسيطرتهم على قطاع تهريب النفط والغاز، والمواد الأساسية، من دون أدنى رقابة أو محاسبة ومساءلة حكومية، بل حماية تامة من المرشد الإيراني". 

يرجح أبو شريف أن تكون هناك "زيادة في وتيرة مثل هذه الجماعات الميليشياوية نظراً للمخاوف التي باتت تهدد النظام، محلياً وإقليمياً، خصوصاً في ظل الانتفاضات العنيفة التي شهدتها عدة بلدان، مثل العراق ولبنان، وفي مدن تعتبر حواضن شيعية أو بالأحرى تحت الحماية الإيرانية. وقد كان حراك تشرين في المدن الجنوبية العراقية، مثلاً، الرصاصة الأخيرة في مزاعم إيران الفارغة والعبثية بخصوص تمثيلهم للشيعة والفئات المضطهدة والمظلومة".

 

أمين عام الجبهة الديمقراطية الشعبية الأحوازية صلاح أبو شريف لـ"حفريات": هدف جماعة "رزما" الاستعداد لتأمين عملية انتقال الخلافة بعد وفاة المرشد الإيراني خامنئي

 

"الولي الفقيه" اليوم هو إطار سياسي مؤدلج يخدم جماعة في الحكم، ولم يعد له هذا "البريق المقدس" كما في السابق، بل فقد "قدرته على تخويف وإسكات المعارضين"، كما يشير المصدر ذاته الذي سبق وتعرض للاعتقال في سجون النظام، مؤكداً أنّ "الجماعات المتنوعة في إيران تطالب بحقوقها السياسية والمواطنية والمدنية، بينما ترفض التهميش وتواصل فضح جرائم النظام سواء كانت إبادة أو إفقار مناطقهم وعدم التنمية لحساب المركزية القومية "الفارسية" والطائفية "الشيعية الاثني عشرية"". 

ويختتم أبو شريف حديثه قائلاً إنّ هدف هذه الجماعة "رزما" على ما يبدو هو "الاستعداد لتأمين عملية انتقال الخلافة بعد وفاة المرشد الإيراني علي خامنئي، مما يجعلنا نؤكد أنّ الجغرافية السياسية لإيران متجهة نحو المزيد من التشدد الأمني والاضطرابات، وبطبيعة الحال المزيد من عنف الدولة بحجج عديدة".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية