رحيل اسماعيل فهد اسماعيل عن عمر ناهز آلاف الحكايات

رحيل اسماعيل فهد اسماعيل عن عمر ناهز آلاف الحكايات


26/09/2018

تاركاً شخصياته الجميلة تتجول في شوارع الكويت والوطن العربي، حيةً لا تموت، غادر أمس على نحو مفاجئ، "الأب الروحي للرواية الكويتية والخليجية"، الروائي الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل، عن عمرٍ ناهز 78 عاماً، أنجز خلالها الكثير من حكاياته التي مهدت لسطوع شمس السرد الكويتي خصوصاً، والعربي عموماً بعد منتصف القرن العشرين.
إسماعيل، واحدٌ من الكتاب العرب غزيري الإنتاج؛ إذ تجاوز نتاجه الـ 35 عملاً روائياً وقصصياً، ويعده النقاد، حكاءً من الدرجة الأولى، تمكن من التلاعب بالواقع والخيال معاً؛ حيث كان يرى دوماً، أنّ تجربته تعتمد على منح مفاتيح التخيل والتأويل والإحالات المعرفية إلى القارئ، وتركه حراً خارج هذا الواقع؛ لأنّ "القارئ يبقى أوسع أفقاً من الكاتب". كما أنه ظل مخلصاً للأدب والرواية حتى آخر يومٍ من حياته؛ إذ شارك قبل وفاته بـ 24 ساعة، في الملتقى الأدبي والثقافي في موسمه الثامن، الذي يقام في الكويت بإشرافٍ من الروائي الكويتي طالب الرفاعي.

اقرأ أيضاً: وفاة شيخ الرواية السورية..حنا مينه
صاحب الوجه البشوش، الداعم للشباب، والكاتب عن آلام الحروب والفقراء والمهمشين، كما وصفه نقاد وكتاب أردنيون، يبقى برأيهم، علامةً فارقةً في سماء الرواية العربية.

الصايغ: كان إسماعيل فهد إسماعيل الشجرة الوارفة التي يستظل بها الروائيون وكان نجماً يهتدون به

الروائي والكاتب الأردني إلياس فركوح قال إنّ "جيلاً عربياً تفتح على رواية (حين كانت السماء زرقاء)، التي شكلت علامةً فارقةً في تاريخ الرواية العربية، كما أنها مهدت ليكون إسماعيل، عراباً للرواية الكويتية، ومعلماً أدبياً للأجيال اللاحقة من الكتاب الكويتيين".
ولفت فركوح  في تصريحه لـ "حفريات" إلى أنّ "تجربة إسماعيل تنوعت، وذهبت في اتجاهاتٍ عديدة، لأنه كما يبدو، كان روائياً مولعاً بالتجريب، ولا يمكن له أن يركن إلى أسلوبٍ واحد، وهذا ليس بعملٍ سهل، ولا مضمون النتائج، لكن الإخلاص للكتابة ربما كان هاجسه الأهم من أي نتيجةٍ تتمخض عن هذه الكتابة". وأضاف "بوفاته، تكون الساحة الروائية خسرت أحد روادها الكبار".

اقرأ أيضاً: الروائي إبراهيم نصرالله يحصد جائزة البوكر... فلسطينياً
من ناحيتها، استذكرت الناقدة الأردنية وأستاذة الأدب العربي والنقد في جامعة البتراء د. رزان إبراهيم التجربة الأدبية والإنسانية لإسماعيل، حيث كتبت على صفحتها في "فيسبوك": "في يوم تغيب عن السماء زرقتها، يغيب عنا روائي قضى عمره وهو يكتب بجد وكفاءة ومسؤولية منقطعة النظير. كان من خيرة من طرح أكثر الأسئلة أهمية في تاريخنا الحديث؛ حرب ال67، مأساة ثوار أكلتهم ثوراتهم، معاناة الشعب الكويتي بعد غزو 1990، موضوع الأسرى وقضية البدون. بكل حق وأمانة كان إسماعيل فهد إسماعيل من أفضل من واكب مجموع التحولات المجتمعية في عالمنا العربي. أُكْبِره وأُكْبِر فيه قلما انشغل بالكتابة بسخاء عن طبقة البسطاء بمن فيهم خدم البيوت الذين تقصى أحلامهم وأحزانهم ومشاكلهم التي لا يكترث لها كثيرون".

يعد الراحل أحد مؤسسي الرواية الكويتية وممن ساهموا في سطوع شمس السرد العربي بعد منتصف القرن العشرين

وربما تؤكد آراء إسماعيل في الأدب، رأي الناقدة رزان إبراهيم، حيث كان الراحل يؤكد دوماً، أنّ "الأدب وظيفة اجتماعية" وأن الثقافة أداة اجتماعية، وكان قال في مقابلةٍ إذاعيةٍ له على "راديو الكويت" في 2016، إنّ على الأديب والروائي، أن يعرف متى "يلعب دوره كاملاً في المجتمع، مقدماً المعرفة والقيمة في إطارٍ جمالي عميق، لأنّ الأدب يبني كذلك حقائق اجتماعية، واليوم ربما تتنوع وتتغير وظائف الأدب، لكن الإنسان يبقى إنساناً، وكذلك تبقى همومه موضوعاُ أدبياً وروائياً لا ينضب".
وكان الروائي الأردني جلال برجس، أضاء بدوره هذا الجانب من حياة الراحل، حيث كتب عن الجانب الإنساني للروائي الكبير، وذلك في منشورٍ على صفحته في "فيسبوك": "صوتك الحميمي، ووجهك البشوش، ورواياتك المهمة، وابتهاجك بالجيل الجديد من كتاب الرواية، ومحبتك للجميع، كل ذلك سيبقى في القلب، بينما روحك تحلق في سماء الأبدية".
شجرة الروائيين
في بيانٍ لاتحاد الكتاب والأدباء العرب، ظهر اسم اسماعيل متوهجاً، لا يطاله شحوب الموت، إذ قال الأديب الإماراتي حبيب الصايغ، رئيس الاتحاد إنّ الراحل كان "الشجرة الوارفة التي يستظل بظلها الروائيون الخليجيون والعرب".

اقرأ أيضاً: "ليلة المعاطف الرئاسية".. رواية عراقية جديدة
ولا يكبح الموت جماح مع من ترك إرثاً للحياة، وعن الحياة، لأنه يظل موجوداً طالما وجد قارئ في هذا العالم، وهو ما أكد عليه كذلك الصايغ بقوله إنّ إسماعيل "أبٌ روحي للرواية الكويتية خصوصاً، ونجم في السماء يهتدي به الروائيون عموماً". كما نعاه الموقع الرسمي لجائزة "العويس الثقافية". وتبادلت المواقع الإخبارية خبر وفاته مؤكدةً أنه "رائد من رواد الرواية الكويتية والعربية". كما نعته "رابطة الكتاب الكويتيين" في بيانٍ مقتضب.

مرتدياً قبعة آخر صورة في الملتقى الثقافي لإسماعيل قبل يومٍ من وفاته

"كانت السماء زرقاء"
إسماعيل المولود في مدينة البصرة العراقية عام 1940، راوح في دراسته وشبابه بين العراق والكويت، إلى أن حصل على شهادةٍ في الأدب والنقد من المعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت. ليبدأ خلال الستينيات بكتابة القصص القصيرة في مجلة "الرائد" الكويتية، ويقوم لاحقاً بجمع قصصه هذه في مجموعةٍ بعنوان "البقعة الداكنة"، صدرت عام 1965 عن مكتبة النهضة في بغداد.

كان الراحل يرى أن الصمت ضروريٌ من أجل خلق محاولة للفهم والكتابة يمكن توجيهها إلى العالم والقارئ

أما بدايته الحقيقية، فكانت في العام 1970، حين أصدر روايته الأولى "كانت السماء زرقاء" التي ضمنت له شهرة واسعة، وقادته لاحقاً ليصبح نجماً في سماء الرواية العربية، وكانت الرواية علامةً فارقة، من خلال شخصية بطلها، الذي تكون حياته عبارةً عن سلسلةٍ من الركض المتواصل، ويبقى القارئ لاهثاً في الصفحات خلف البطل، إلى أن يتنبه أنه يهرب في النهاية من نفسه، من الحياة، من كل شيء، إنّ الحياة في الأصل "سلسلةٌ من الهروب المتواصل" كما تقول الرواية، التي تؤكد أنّ الإنسان لا يمكن سجنه داخل فكرةٍ واحدةٍ أو مكانٍ أو عالمٍ محدد واحد.
بعد ذلك، يدخل إسماعيل في تأملاته المختلفة، وينتج عدداً من الأعمال النقدية، خصوصاً بعد تفرغه للكتابة منذ العام 1985، فيكتب "الفعل الدرامي ونقيضه"، و"الكلمة-الفعل في مسرح سعد الله ونوس" و"شعر في الهواء الطلق". وكان قبل ذلك كتب رواية "خطوة في الحلم" و "النيل يجري شمالاً".


اقرأ أيضاً: غسان كنفاني: رواية لم تكتمل

وتتوسع أعمال إسماعيل، التي تشمل المجتمع الكويتي والخليجي عموماً، وكذلك التحولات السياسية والفكرية المهمة فيه، كما إنه ينوع في الرواية بين التاريخ والفكر والحاضر، وتعد روايته "السبيليات" ووصلت للقائمة القصيرة في جائزة "البوكر" للرواية العربية عام 2017، من أهم الأعمال التاريخية والسياسية له، وفيها يدخل في عمق الحرب العراقية الإيرانية، وآثارها اللاحقة على الإنسان والمكان والعلاقات البشرية.

تعد "السبيليات" من أهم أعمال إسماعيل وهي عن الحرب العراقية الإيرانية

وكان إسماعيل فهد إسماعيل، قبل أن يصعد إلى السماء أخيراً، يرى أن الالتزام بالإنسان والتعبير عنه هو ضرورة روائية، بغض النظر عن الفوارق بينه وبين الآخرين، وظل يشدّد على أنّ الأدب ليس بوقاً للسلطة ولا للأيديولوجيا، فهو من الإنسان، وإلى الإنسان وحده.
لقد آثر صاحب رواية "في حضرة العنقاء والخل الوفي" الرحيل بعد الاحتفاء الأخير بحضوره في الملتقى الثقافي الثامن في الكويت، فيما حافظ معظم الوقت على صمته المعتاد، إذ لا بد من التذكير دوماً، بأنّ إسماعيل فهد إسماعيل يكتب "من أجل الإنصات والفهم والتعلم" كما كان يقول في مناسباتٍ عديدة.

اقرأ أيضاً: رواية آلموت.. رحلة أدبية في مجاهل الإرهاب المقدس
ويبدو أنّ هذا الإنصات، استغرق منه حياةً كاملة، حاول فيها تنقية المعرفي والجمالي والسردي من ضجيج الحياة وسرعتها، فهو بوجهه المجعد، وشفتيه المغلقتين وغير المستعدتين للكلام، يصر على صمته، وبطئه في البدء بالكتابة؛ فالرواية تتطلب الصبر، والصبر أخذ من إسماعيل عمره، وهو يحيك أسلوبه السردي الخاص. وبرحيله يخسر الأدب العربي أحد الأساتذة المميزين في عالم الرواية، وواحد من دعاة بناء المجتمعات من خلال بناء سردياتٍ روائية وفكرية إنسانية تعبر عن حاضرها ومستقبلها.

الصفحة الرئيسية