مترجم
يعتبر أستاذ علم النفس والتسويق في جامعة رايس الأمريكية “أوتبال دولاكيا” أن التباهي يعبّر عن “غرور مكبوت” داخل النفس، يؤدي إلى عواقب وخيمة، خصوصًا عند سرد سلسلة من الإنجازات أمام الناس.
ويتحدث “دولاكيا” في مقالة نشرها في مجلة “سيكولوجي توديه” الأمريكية، عن “تبعات التفاخر” وآثاره السلبية على “سمعة” المتفاخرين على الإنترنت، ويشدد على ضرورة الفصل ما بين “الإنجاز” و”التفاخر”، حين بدأ بعبارة الفيلسوف الصينيّ القديم “لاوتزه”، الذي قال “عليك بالإنجاز، ولا تتفاخر”.
ويضرب “دولاكيا” مثالًا على التفاخر السلبيّ الأقرب للتبجح، ويعبر عن صدمته لرؤية منشورات أحد الأكاديميين المعروفين، كتب فيه “لدي أكثر من ألف اقتباس منتشر على الصفحات العلمية في غوغل، أنا واحدٌ من أكثر الأكاديميين الذين يُستشهد بهم في هذا المجال”.
هذا النوع من التباهي لا يقدّم أي جوهر ولا يعبر عن أيّ بصيرة، بل يمثّل نصًّا ضمنيًا مفاده “عليكم الإعجاب بي، إنني مدهش، إنهم يستشهدون بأبحاثي أكثر من أي شخص آخر”. وبالطبع، النتيجة الحتمية هي الحطّ من قيمة الشخص المتباهي بهذه الطريقة. ولسوء الحظ، فإن غالبية المنشورات تنمّ عن تفاخر صارخ، ومواقع التواصل الاجتماعي تعج بأناس يتباهون بشكل متكرر.
المشكلة لا تكمن في نشر الأحداث الإيجابية والإنجازات التي تعزز سعادتنا وسعادة الآخرين، لا سيما عندما نتحدث بها لعائلاتنا أو أصدقائنا ومعارفنا المقربين، حول مواضيع مثل ترقية وظيفية أو ميلاد طفل جديد أو خطوبة؛ فجميع هذه المناسبات تقدّم معرفة إيجابية مفيدة لأنفسنا وتساهم في إسعاد الجميع. تتمحور المشكلة حول المشاركات التي تهدف إلى إثارة الغيرة والحسد والمشاعر السلبية الأخرى، وليس السعادة. ولهذا، من المهم أن ندرك نوعية الكتابات التي ننشرها، ومع من نتشارك بها.
وفي السياق المهني، ليس من الخطأ أن ينشر أحد العلماء شيئًا حول بحثه المقبل على حسابه الشخصي، على سبيل المثال؛ فهذا مفيد جدًا للقرّاء والمتتبعين، للأقرباء والغرباء على حدّ سواء. بل تبرز الخطيئة عندما يكتب أحد ما “لدي آلاف الاقتباسات المنتشرة في باحث غوغل العلمي”، فما الذي سيشعر به القارئ تجاهك في هذه الحالة؟
من شأن التفاخر أن ينقل سمةً سلبية قوية حول المرسِل، ونحن لسنا بحاجة إلى علم النفس الحديث لإثبات هذه المسألة. وقد تحدث الكاتب المسرحي الإنجليزي وليام شكسبير قبل 4 قرون مضت حول هذه الظاهرة، وصوّر المتباهين في أعماله الأدبية بـ”الحمير” الذين لا يدركون ولا يعقِلون، ويواصلون الثرثرة حول أنفسهم بشكل متبجح.
العديد من الدراسات العلمية الحديثة تثبت ما يقوله شكسبير حول المتفاخرين، وتؤكد أن الناس يجدون المتباهين “مزعجين”، وهو أمر يرتبط علميًا بظاهرة تُدعى “فرضية الغطرسة”. ووفقًا لهذه النظرية، فإن المتباهي لديه نظرة سلبية حول الناس من حوله، ويكنّ لهم الاحتقار والازدراء وعدم الاحترام، ويحاول إثبات أنه أفضل من الجميع.
وقد أجرت عالمة النفس البارزة “كارا بالمر” وزملاؤها بحثًا عميقًا حول هذه الظاهرة، ووجدوا نتائج مذهلة بالفعل. ووفقًا لبحثها، فإن الناس لا يغيرون آراءهم حول المتفاخرين بشكل إيجابي، بل يأخذون انطباعات غير حميدة حولهم. وخلُص البحث إلى أن “المتباهين لديهم سمات غير مرغوب بها على الإطلاق”.
ومن الجوانب المظلمة كذلك هو أن التفاخر عبر مواقع التواصل الاجتماعي يجذب “ماسحي الجوخ”، الذين يعانون من مستويات اجتماعية أقلّ، ولديهم دوافع خفية للحفاظ على علاقات مع المتفاخرين. ولذلك، إن كنت ترغب بتجميع “حاشية” من حولك، فإن التباهي أفضل وسيلة لتحقيق ذلك! ولكن، ليس هنالك وسيلة لمعرفة مقدار الضرر الذي سيصيب سمعتك عند إفراطك في التباهي.
عن "كيوبوست"