حين تحاصر الألغام السياسية الإقليمية الساخنة العام 2021

حين تحاصر الألغام السياسية الإقليمية الساخنة العام 2021


30/12/2020

تمضي الأيام الأخيرة من العام 2020، بينما العالم في حالة ضغط قصوى، ويكاد يدير ظهره لفصوله الصعبة الماضية، جرّاء الأزمات الناجمة عن فيروس كورونا المستجد.

 ويبدو أنّ الملفات السياسيّة والإقليميّة المحتدمة في منطقة الشرق الأوسط، ما تزال تحتفظ بتعقيداتها ومساراتها المتفاوتة، بينما القاسم المشترك في أحوالها المتباينة هو انعدام الحلّ السياسيّ، واستمرار آلة الحرب، والتصعيد الميدانيّ، في اليمن، بواسطة الميليشيات الحوثية، وتفاقم المشهد الإنسانيّ.

اقرأ أيضاً: هل تسلك أمريكا بايدن طريق ترامب في ليبيا؟

والأمر ذاته، في ليبيا، التي تضيق سماؤها من كثرة الوفود والبعثات العربية والأممية، بغرض إيجاد أفق للوضع الأمنيّ المنفلت، في ظلّ تدفّق المرتزقة، وتعبئة الميليشيات بواسطة تركيا، كما هو الحال، في شمال سوريا.

إيران تطوّق الإقليم بميليشياتها

انخرطت إيران، خلال العام الحالي، في مناطق الصراع الإقليمي بالمنطقة، سواء القريبة من جغرافيتها، وكذا التي تقع ضمن أهدافها الجيوسياسية، مثل العراق وسوريا واليمن، أو البعيدة عن حدودها، مثلما هو الحال، في ليبيا؛ إذ ارتبطت مصالحها الأخيرة مع تركيا.

ورغم الخلاف الإيرانيّ الحادّ مع المحور التركيّ القطريّ بخصوص الأزمة السوريّة، ووقوف الأخيريتين في حلف معارض لأهداف الولي الفقيه في دمشق، إلا أنّ ثمّة تقارب حدث داخل المشهد الليبي، في ظلّ التباعد الجغرافي، وعدم وجود أقلية شيعية، تكون بمثابة حامل أيديولوجي وسياسي لأفكار النظام الإيراني، ناهيك عن متانة العلاقات، لمدة أربعة عقود، بين طهران ونظام معمّر القذافي.

اقرأ أيضاً: من عشرات الجنسيات.. الميليشيات في ليبيا تتاجر بالمهاجرين

إذ تحالفت طهران وأنقرة في ليبيا، لاعتبارات أمنية وإقليمية، حيث إنّ هناك خشية من دور الجيش الوطنيّ الليبيّ، بقيادة المشير خليفة حفتر، على خلفية تهديده لنشاط جماعات الإسلام السياسيّ، في شمال أفريقيا، ودول ساحل الصحراء، إضافة إلى الأهداف الاقتصاديّة المتمثّلة في غاز شرق المتوسط، لا سيما أنّ ليبيا تعدّ ثاني مصدر تتكئ عليه إيران، للحصول على الغاز الطبيعيّ بعد موسكو.

تجرّعت طهران "كأس السمّ"، بحسب تعبير الخميني، بعد ثمانية أعوام في حرب الخليج الأولى، لكنّها تعمل على تهيئة الظروف، باستمرار، لتفعيل خططها الإقليمية

وفي النصف الثاني من العام الحالي؛ كشف مستشار المرشد الإيرانيّ العسكريّ، العميد حسين دهقان، عن دعم طهران لحكومة الوفاق الليبية، المدعومة من أنقرة، كما أكّد وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أثناء مؤتمر صحفي مشترك في أنقرة، مع نظيره التركيّ، مولود تشاووش أوغلو، أنّ طهران تدعم "الحكومة الشرعية في ليبيا وهي قادرة على إنهاء الحرب الدائرة؛ حيث إنّ لدينا وجهات مشتركة مع الجانب التركيّ حول سبل إنهاء الأزمة في ليبيا واليمن".

لماذا طهران في ليبيا؟

مطلع تموز (يوليو) العام الحالي، أعلن موقع "شانا" الإخباري، التابع لوزارة النفط الإيرانية، عن استئناف صادرات غاز إيران إلى تركيا، على الرغم من مخالفة ذلك للعقوبات الأمريكية التي تستهدف قطاع النفط والغاز في طهران.

وبحسب محطة "إيران إنترناشونال"، مقرّها لندن؛ فإنّ "إيران تدعم ميليشيات حكومة الوفاق الليبية، بهدف تمرير مصالح تركيا، كما أنّ الأزمة الليبية تكشف عن دور طهران العسكريّ؛ حيث قامت سفينة شحن إيرانيّة، تسمى "جلبن"، بنقل أسلحة من السودان إلى ليبيا، وتحديداً في ميناء مصراتة، وقد غادرت السفينة الإيرانيّة السودان، في 20 آب (أغسطس) العام 2018، ووصلت إلى الميناء الليبيّ، في 3 أيلول (سبتمبر) من العام ذاته.

اقرأ أيضاً: إيران.. صناعة الميليشيات وتفتيت الدول

وفي اليمن؛ يظهر الدّور السياسيّ والعسكريّ المتنامي لإيران، عبر دعم ميليشيات الحوثيّ، بصورة أكثر وضوحاً وعلانية، منذ اللحظة الأولى؛ حيث تشير لجنة خبراء الأمم المتحدة، في تقريرها الأممي، إلى "الدّور التخريبيّ للنظام الإيرانيّ"، و"استمرار حصول ميليشيات الحوثي الانقلابية على منظومات صاروخية، من بينها كروز "برية" وطائرات مسيّرة من طراز دلتا إيرانية الصنع".

اقرأ أيضاً: إيران... عسكرة المرحلة الانتقالية

واتّهمت الناطقة بلسان الخارجية الأمريكية، مورغان أورتاغوس، النظام الإيراني بـ "تهريب حسن إيرلو إلى صنعاء تحت غطاء "السفير" الجديد"؛ حيث جرى تعيينه سفيراً للنظام الإيراني في صنعاء، في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وهو أحد القيادات العسكرية في فيلق القدس.

وقالت أورتاغوس: "هرّب النظام الإيرانيّ، حسن إيرلو، عضو الحرس الثوريّ الإيرانيّ المرتبط بحزب الله اللبناني، إلى اليمن، تحت غطاء "السفير" لدى ميليشيا الحوثي".

سوريا بين احتلالات إيرانية وتركية

وفي ظلّ انزياحات الدور الإيرنيّ، المعلن والخفي، في ليبيا واليمن، والذي يتراوح بين السياسيّ والميدانيّ؛ فإنّ تغوّلها في سوريا والعراق يتجاوز مسألة وجود قوة عسكرية نافذة، تفرض جملة شروطها السياسية ضمن أطر تفاوضيّة مع أطراف مقابلة، بل تكاد تكون الطرف الرئيس والمباشر الذي يظهر في الأزمات القائمة، حيث إنّ الميليشيات والفصائل المحلّية المدعومة من طهران، تبرز في محاور القتال التي يجري تحريرها من الفصائل المسلحة الأخرى، لصالح النظام السوري، مثلاً.

وقد كان قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، يظهر في مواقع ميدانية عديدة، قبل اغتياله، مطلع العام، في مطار بغداد، بواسطة غارة جوية أمريكيّة، كما التقطت للقائد الجديد، إسماعيل قاآني، صوراً في مناطق القتال بريف حلب الغربيّ، مطلع آذار (مارس) الماضي، حيث تتواجد الميليشيات الإيرانية، في محيط بلدتَي نبل والزهراء. 

ومثلما تقوم أنقرة بعملية تغيير ديمغرافيّ واسع في المناطق الخاضعة لسيطرتها، شمال شرق سوريا، بواسطة الفصائل المدعومة منها، فإنّ طهران تفعل الأمر ذاته، حيث عمدت إلى تغيير أسماء الشوارع التي تتخذ تعريفاتها من الرموز الوطنية السورية، التاريخيّة والأدبيّة والفنيّة، ومن ثم، وضعت أسماء النخبة الدينيّة والسياسيّة الإيرانيّة، وذلك باللغتين؛ العربيّة والفارسيّة.

مثلما تقوم أنقرة بعملية تغيير ديمغرافيّ واسع في المناطق الخاضعة لسيطرتها، شمال شرق سوريا، بواسطة الفصائل المدعومة منها، فإنّ طهران تفعل الأمر ذاته

وبحسب المرصد السوريّ لحقوق الإنسان، مقرّه لندن، قامت "الميليشيات الإيرانية بتغيير اسم شارع "أنس بن مالك" ووضعت لافتة كُتب عليها "شارع الإمام الخميني"، كما غيّرت اسم شارع "الجيش"، ووضعت لافتة كبيرة كتب عليها "شارع الإمام العباس"، في إشارة للواء العباس التابع لها، الموجود في المدينة.

كذلك غيّرت اسم شارع "أبو غروب"، ووضعت بدلاً منه لافتة باسم شارع "الشهيد قاسم سليماني"، كما غيّرت اسم شارع "ساقية الري"، بوضع لافتة تحمل اسم "شارع فاطميون"، حيث يتواجد لواء يحمل الاسم ذاته، في العاصمة دمشق".

العراق و"كأس السمّ"

وإثر الضربات المتلاحقة التي تعرضت لها مواقع الوجود العسكري الإيراني، خلال العام، من جانب إسرائيل، قال الناطق الرسمي بلسان الخارجية الإيرانيّة، سعيد خطيب زادة: إنّ "وجود إيران في سوريا استشاريّ، بالطبع إذا عرقل أحد هذا الوجود الاستشاريّ، فسيكون ردّنا ساحقاً".

تمتدّ سياسات الهيمنة الإيرانية، في العراق، منذ سقوط بغداد، عام 2003، وبينما تجرّعت طهران "كأس السمّ"، بحسب تعبير الإمام الخميني، بعد ثمانية أعوام في حرب الخليج الأولى، فإنّها تعمل على تهيئة الظروف والعوامل، باستمرار، لتفعيل خططها الإقليمية، وتحديد الأدوار، وتعيين الأدوات.

وبحسب معهد واشنطن؛ فقد شكّلت الإطاحة بالرئيس العراقي السابق، صدام حسين، فرصة تاريخية لطهران لتحويل عدوّها الإقليميّ الأكبر إلى دولة تابعة، وعضو في ما تسمّيه "محور المقاومة" الخاص بها.

بيد أنّ رئيس المجلس الاستشاري العراقي، فرهاد علاء الدين، يشير إلى أنّه، خلال العام الحالي، مثّل غياب قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، والقيادي في الحشد الشعبي، أبي مهدي المهندس، تأثيرات جمّة على نفوذ طهران في بغداد، وتسبّب في أزمات عنيفة، لا سيما مع تصاعد الاحتجاجات التي حدثت، منذ نهايات العام الماضي، وندّدت بالفساد السياسيّ، وطالبت بخروج الميليشيات الإيرانية من العراق.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون وإيران وتجليات الانتهازية السياسية

وكتب علاء الدين، في مقاله بصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية: "بلغت تداعيات الحدث الأول (احتجاجات تشرين) حدّ سماع صرخات عالية من الشباب العراقي في المدن الشيعية، وفي مقدمتها النجف وكربلاء، تندّد بالوجود الإيراني، وتطالب بالتخلص منه: "إيران برا برا"، وهذه الهتافات ردّدتها شريحة من شباب المكوّن الشيعيّ، العاطلين عن العمل والفاقدين لأبسط الخدمات، ويرون تأثير إيران السلبيّ، ودعمها الأحزاب التي تصدّرت المشهد السياسيّ رغم فشلها في تقديم الخدمات، وتأمين فرص العمل، وإعادة بناء مدن العراق المدمّرة جراء سلسلة الحروب والإهمال واستشراء الفساد".

ويلفت رئيس المجلس الاستشاريّ العراقيّ؛ إلى أنّ "غياب سليماني والمهندس أثّر بشكل كبير في قوّة الحضور الإيراني داخل الساحة العراقية، وبدا من الصعوبة شغل مكانهما وتعويض ما كانا يتمتعان به من نفوذ لا يستهان به في الوسطَين السياسيّ، الشيعيّ والشعبيّ، على حدّ سواء، كما أنّهما يعدان من أعمدة تخطيط وتنفيذ السياسية الإيرانية في العراق والشرق الأوسط.

اقرأ أيضاً: هل يتجه الحرس الثوري إلى عسكرة الرئاسة الإيرانية؟

ولعلّ غياب المهندس، بحسب المصدر ذاته، له تأثير أكبر في المشهد العراقي، وليس من السهل إيجاد بديل مناسب يعوض غيابه، وقد عرف بقدرته على جمع الفصائل المسلّحة تحت سقف واحد والاتفاق على كلمة واحدة، إلى جانب تأثيره في القرار الحكوميّ؛ لأنه نائب رئيس "هيئة الحشد الشعبي"، وأحد أركان مجلس الأمن والدفاع، وهو أعلى سلطة تتحكم في القرارين الأمني والعسكري في البلاد، فضلاً عن قوة حضوره السياسي، بحكم صلاته القوية بقيادات "تحالف البناء" والقوى المنضوية تحت لوائه، حتى أنّ تلك القوى والفصائل لم تجد، حتى الآن، من يشغل مكانه.

لبنان.. الانسداد السياسيّ مستمرّ

وإلى ذلك، بعثت تصريحات الأمين العام لحزب الله، في لبنان، حسن نصر الله، قبل أيام، التي اتهم من خلالها أطرافاً إقليمية بالسعي وراء اغتياله، الحوادث التي شهدتها بيروت، خلال العام، والمتمثلة في انفجارَي مرفأ بيروت وعين قانا، إضافة للاحتجاجات المستمرة بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية المأزومة، خاصة في ظلّ اتهام "الحزب" بالمسؤولية السياسية والأمنية عمّا آلت إليه أحوال البلاد.

وبحسب وكالة "رويترز"؛ فإنّ انفجار عين قانا قد وقع في أحد البيوت التابعة لحزب الله، والتي يستخدمها مخزناً للسلاح.

وقال حزب الله، في بيان صادر عنه، يوم الجمعة الماضي: إنّ الإجراءات الأخيرة التي اتّخذها المحقّق العدلي اللبناني، في ملفّ انفجار مرفأ بيروت، تمثّل استهدافاً سياسياً، طال أشخاصاً، وتجاهل آخرين، كما هدّد قياديو الحزب بمقاضاة الشخصيات الذين اتّهمتهم بالتسبّب في الانفجار.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية