"حوجن"... رحلة رواية سعودية من محاكمة السحرة إلى شاشات السينما

"حوجن"... رحلة رواية سعودية من محاكمة السحرة إلى شاشات السينما

"حوجن"... رحلة رواية سعودية من محاكمة السحرة إلى شاشات السينما


19/03/2024

"طعم الحرية"؛ بتلك الكلمات وجد إبراهيم عباس الطالب السعودي بهندسة الكمبيوتر طريقه إلى عالم الكتابة عام 1997، وسريعاً ما تخرج بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف؛ ليبدأ عالماً من الخيال والحرية، وينتهي به المطاف وهو حديث المجتمع السعودي عام 2013؛ فروايته الأولى استلزمت تقريراً من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ حتى تتاح في المكتبات؛ للتأكد من إشاعة روّجها البعض على السوشيال ميديا؛ قالت: "إنّه ساحر".

وقبل أسابيع من العام الجاري 2024، حضر إبراهيم عباس إلى القاهرة بصحبة ناشر كتابه، الروائي السعودي ياسر بهجت؛ ليشاهدا العمل على شاشة السينما، بعد أن أخرجه من بين دفتي كتاب المخرج العراقي ياسر الياسري، ليبدأ الفيلم على الشاشات بعبارة أخرى لا تقلّ أهمية في حياة إبراهيم عباس عن كلماته الأولى، طعم الحرية. تظهر واحدة من شخصيات الفيلم وهي تحكي، ثم تختم حديثها قائلة: "بيتنا صار مسكوناً بالأنس".

من يقرأ الرواية يتلبسه جن

رواية "حوجن" هي مزيج من الرومانسية والخيال، من خلال قصة حب بين جنّي وإنسيّة؛ تمر برحلة صراع بين الخير والشر، لكن ليس في عالم الإنس، إنّما في عالم الجن، أو بمعنى أدق، بين نفر من الجن المسلم، وآخر باع نفسه للشيطان!

ظهرت الرواية للمرة الأولى على مدونة الكاتب، قبل أن تتحول إلى كتاب مطبوع عام 2012، لتصبح الرواية الأكثر مبيعاً وقراءة في المجتمع السعودي، ولاحقاً منطقة الخليج، ويصل أثرها إلى القارئ العربي عموماً في مصر والشام، ثم تبدأ المواجهة مع العقل المتشدد الذي يصف صاحبها أنّه ساحر، وفي التوقيت نفسه تنتشر رسالة على تطبيق (واتس آب) داخل الكويت وقطر والسعودية أنّ من يقرأ الرواية يتلبسه الجن، فاحذروها!

مؤلف الرواية إبراهيم عباس

رواية وفيلم سينمائي اصطدما بمجتمع هو الأكثر تمسكاً بظاهر الدين في المنطقة العربية، لكنّهما قررا المواجهة بحثاً عن طعم الحرية، من خلال خيال الكاتب الذي خرج عن المألوف، فاليوم ليست قصة حب معتادة بين عالم البشر، إنّما قصة حب غير معتادة، بين جنّي وإنسيّة، نواجه من خلالها آلة الشر وأهله، ونفرض من خلالها أيضاً أواصر الحب بين الناس!

المؤلف إبراهيم عباس يدرك أنّ ثيمتي "الصراع" و"الحب" سائدتان -بداهة- في العديد من الأعمال، لكنّه يرى ما يميز عالم "حوجن" هو مباغتة المتلقي بشقلبة المفاهيم الاستباقية السائدة عن "الآخر" عموماً، وعن الجن على وجه الخصوص، بشكل يذيب الحواجز الأزلية بين عالمينا من الناحية الوجدانية، ويجعل المشاهد للفيلم "والقارئ للرواية" يعيش -لأول مرة ربما- الحالة الشعورية للجن.

المواجهة مع التيار المتشدد

يقول إبراهيم عباس في تصريح لموقع (حفريات): "انطلقت الرواية عام 2012، في ذروة تسلط التيار المتشدد ومزايدته حتى على أجهزة الدولة بما فيها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لقد قام المتزمتون بتكفيري واتهامي بالترويج للشرك والسحر وعبادة الشيطان، بالرغم من أنّني أسست لروايتي على خلفية دينية، بل إنّ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اعتبرتها رواية توعوية بمخاطر السحر والشعوذة. التجييش والتحريض من قبلهم ضدي باستغلال العاطفة الدينية حينها كان مؤذياً، ولكنّه لم يؤثر بتاتاً على كتاباتي، بل بالعكس، نالت "التوعية بخطر التزمت" على الدين والمجتمع حيزاً في أعمالي".

 

رواية "حوجن" مزيج من الرومانسية والخيال، من خلال قصة حب بين جنّي وإنسيّة.

 

رحلة امتدت إلى عقد كامل من الزمان، واجه فيها إبراهيم عباس سحب كتابه من معارض عربية، في مقدّمتها معرضا الدوحة والكويت، بل سحب كتابه من مكتبات وطنه، المملكة العربية السعودية، على إثر تكليف من رئيس هيئة الدمام سعيد المجدوعي لرئيس شعبة مكافحة السحر ومتابعة الرقاة عبد الله التميمي.

العرب سادة أدب الرعب والخيال

"العرب، يا صديقي، هم سادة أدب الرعب والخيال"، يستكمل إبراهيم عباس تصريحاته لموقع (حفريات)، مضيفاً: "منذ ألف ليلة وليلة وحتى حكايا "أم الصبيان" و"سواهي أم الدواهي" التي كانت تحكيها جدتي". 

ينفي إبراهيم عباس بذلك الحديث مسألة أنّ العرب حديثو عهد بكتابة الرعب والخيال: "ما استجد هو أنّ الخيال والرعب والفانتازيا لحقت مؤخراً بالحراك الأدبي الحديث ولاقت قبولاً متعطشاً من القارئ العربي، والأجنبي أيضاً، وذلك بسبب ثراء ثقافاتنا العربية بحكايا وثيمات جديدة بالنسبة إليهم".

يضرب إبراهيم عباس مثلاً برواية "حوجن" :"حيث حازت على تقييمات عالية من قبل القراء الأجانب وأجمعت إشاداتهم بتغيير مفهوم الجن عمّا ألفوه "الجني في كارتون علاء الدين"، إلى التصور العربي والإسلامي عن عالم الجن الذي فاجأهم بواقعيته. أستطيع أن أدّعي أنّه بالوتيرة الحالية لن تقلّ أعمال الخيال والفانتازيا العربية جودة وتأثيراً مقارنة بالأعمال الأبرز على مستوى العالم".

 

ظهرت الرواية للمرة الأولى على مدونة الكاتب قبل أن تتحول إلى كتاب مطبوع عام 2012.

 

رحلة إبراهيم عباس صاحبه فيها الكاتب السعودي ياسر بهجت، الذي تخرج أيضاً من هندسة الكمبيوتر بإحدى جامعات المملكة العربية السعودية، ولديه ملكة الكتابة، لكنّه واجه الرفض من الناشرين في البداية، فأدب الرعب والخيال العلمي لا مكان له على أرفف المكتبة العربية، هكذا رأى النقاد العرب حينها في العام 2012، لكنّ بهجت وعباس قررا تأسيس عملهما الخاص مدافعين عن عالم الخيال".

يقول ياسر بهجت في تصريحات صحفية: "كلما زاد التعرّض للخيال العلمي، ازداد التطور العلمي". تلك هي الحقيقة التي أدركها كلاهما، فكانت بذرة لشركة مشتقة من عالم الخيال، اهتمت بنشر روايات الفانتازيا، والعمل على تقديمها للسينما أيضاً، ليكتمل الثلاثي بالتعرف إلى المخرج العراقي ياسر الياسري".

من الورق إلى شاشات السينما

"آمل أن يكون "حوجن" بداية لتقديم أعمال مختلفة"، عبارة وردت في حوار صحفي منشور مع المخرج ياسر الياسري على صفحات الموقع المصري (في الفن)، مضيفاً: "إذا نجح، فسيكون دافعاً للمنتجين لتقديم نوعية جديدة بعيدة عن الكوميديا والدراما المعتادة، وموروثنا من القصص العربية فيه أعمال تعتبر فانتازيا للعالم الخارجي، نحن نخاف من تقديمها خوفاً من أن تظهر مضحكة، الأشخاص الذين عملوا معي في الفيلم (500) شخص، أغلبهم مصريون، منهم من يعيش في مصر، وآخرون يعيشون في الخارج ويعملون في أفلام عالمية".

بوستر الفيلم

عرف الجمهور المصري ياسر الياسري من خلال فيلم "122"، وهو أول فيلم مصري يعرض بتقنية 4DX، ومن بعده قدّم "حوجن" الذي استخدم فيه مؤثرات بصرية مختلفة، عن ذلك يقول الياسري في تصريحات صحفية منشورة: "أنا أحب التعلم دائماً، وكل شيء فيه جديد ومختلف وتحدٍّ هو رحلة تعلّم لي كإنسان، قد تصادف أنني أقدّم أعمالاً مختلفة لحبّي لتعلم أشياء جديدة، لكن لم أركز على أن تكون أعمالي بها تكنولوجيا".

نهاية الفيلم رغم أنّها رومانسية حالمة، وخالفت نهاية الرواية، إلا أنّها توحي بجزء ثانٍ وربما أجزاء عديدة.

 يوضح إبراهيم عباس: "مشروع عالم "حوجن" السينمائي بدأ في الواقع قبل كتابة الرواية، الحلم في الأساس كان عدة أفلام سينمائية، ولكنّها بدأت كروايات كونها الخيار الوحيد حينها لظهور حكايات ذلك العالم إلى الملأ، لم أكتب كلمة في رواياتي إلا وأنا أتخيلها على الشاشة. وبالطبع باقي الروايات هي مشاريع لأفلام مستقبلية".

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية