حوار أمني بين السعودية وإيران في عمّان: معضلة بناء الثقة

حوار أمني بين السعودية وإيران في عمّان: معضلة بناء الثقة


15/12/2021

في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 22 أيلول (سبتمبر) الماضي، قال العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، إنّ إيران دولة مجاورة، معرباً عن أمله في أن تؤدي "المحادثات الأولية" بين البلدين إلى "نتائج ملموسة لبناء الثقة" تمهد الطريق لإقامة "علاقات تعاون مبنية على الالتزام بالمبادئ والقرارات الشرعية الدولية واحترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية".

ودعا العاهل السعودي إيران إلى "وقف دعمها للجماعات الإرهابية والمليشيات الطائفية التي لم تجلب إلا الحرب والدمار والمعاناة لجميع شعوب المنطقة"، مشدداً على أنّ بلاده "تحتفظ بحقها الشرعي في الدفاع عن نفسها في مواجهة ما تتعرض له من هجمات بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة والقوارب المفخخة"، مذكّراً بأنّ "ميليشيات الحوثي الإرهابية" تواصل رفض الحلول السلمية وتراهن على الخيار العسكري للسيطرة على المزيد من الأراضي في اليمن.

"المحادثات الأولية"

واسترعت عبارة "المحادثات الأولية" انتباه معلقين سياسيين ألمحوا إلى جولة حوار سعودي إيراني جرت في العاصمة العراقية بغداد في أيلول (سبتمبر) الماضي، بعد سلسلة لقاءات حصلت في الأشهر الأخيرة بين الطرفين، وفق ما ذكرت ثلاثة مصادر عراقية لوكالة فرانس برس، هي الأولى منذ تسلم المحافظ المتشدد إبراهيم رئيسي الرئاسة في إيران. وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده كشف أنّ المباحثات حققت "تقدماً جاداً" بشأن أمن الخليج.

العاهل السعودي: ميليشيات الحوثي الإرهابية تواصل رفض الحلول السلمية

وتعد هذه المحادثات أبرز تواصل بين القوتين الإقليميتين منذ قطع الرياض علاقاتها مع طهران في كانون الثاني (يناير) 2016.

وقال الرئيس العراقي برهم صالح في أيار (مايو) إنّ بلاده استضافت محادثات بين الطرفين "أكثر من مرة"، فيما ذكرت مصادر دبلوماسية في وقت لاحق أنه يفترض بهذه المحادثات أن تتواصل.

دعا العاهل السعودي الملك سلمان إيران إلى "وقف دعمها للجماعات الإرهابية والمليشيات الطائفية التي لم تجلب إلا الحرب والدمار والمعاناة لجميع شعوب المنطقة"

آخر جولة في الحوار السعودي الإيراني احتضنتها العاصمة الأردنية عمّان، حيث قالت وكالة الأنباء الأردنية (بترا) أول من أمس، الاثنين، إنّ جلسة حوار أمني بين السعودية وإيران بمشاركة خبراء من الجانبين، اختتمت في عمّان.

ماذا ناقش حوار عمّان؟

وناقشت الجلسة، التي استضافها المعهد العربي لدراسات الأمن ومقره عمّان، عدداً من القضايا الأمنية والتقنية ركزت على الحد من تهديد الصواريخ وآليات الإطلاق، والإجراءات الفنية لبناء الثقة بين الطرفين، وتحديداً فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي، والتعاون في مجال الوقود النووي، ومحاور آخرى.

اقرأ أيضاً: قائد إيراني: نتواصل مع السعودية والإمارات... وهذه النتيجة

وقال الأمين العام للمعهد العربي لدراسات الأمن الدكتور أيمن خليل إنّ "أجواء من الاحترام المتبادل سادت الجلسة، التي أظهرت رغبة متبادلة من الطرفين في تطوير العلاقات وتعزيز الاستقرار الاقليمي، بما ينعكس على ازدهار شعوب المنطقة". وأضاف أنّ "مزيداً من الجلسات بين الطرفين سيتم عقدها في وقت قريب، لمتابعة توصيات الحوار الأمني والتقني وصياغة تفاصيله".

ويُعد المعهد العربي لدراسات الأمن من المؤسسات المتخصصة في منطقة الشرق الأوسط بما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل وحظر الانتشار النووي وقضايا الأمن النووي.

حوار عمّان: رغبة متبادلة في تطوير العلاقات وتعزيز الاستقرار الاقليمي

وترغب السعودية في إجراء محادثات أكثر موضوعية مع إيران، كما قال مندوب المملكة لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي، لكنّ "طهران تنتهج إلى الآن موقفاً يتسم بالمماطلة وليست جادة بشأن المحادثات".

وقال المعلمي في حديث لصحيفة "عرب نيوز" السعودية نشر أول من أمس، إنّ "المحادثات لم تحقق أي نتائج مهمة". وأضاف "نود دفع هذه المناقشات نحو القضايا الجوهرية التي تتعلق بسلوك الحكومة الإيرانية في المنطقة".

وتابع: "لكن ما دام الإيرانيون يستمرون في عدم الجدية تجاه هذه المحادثات فلن يتحقق أي شيء. الإيرانيون يتخذون موقفاً يعتمد على الأمد البعيد، لسنا مهتمين بالمحادثات من أجل المحادثات". وقال: "قضية اليمن أثبتت أنها عسيرة الحل لمجرد استمرار الحوثيين في تلقي إمدادات متواصلة من الأسلحة والذخيرة من الجهات التي تساعدهم خاصة إيران".

تقرير: هل إيران جاهزة بالفعل لتجاوز الماضي، والانخراط في المنظومة الإقليمية، بعيداً عن المشاريع التوسعية، والتخلي عن مشروع تصدير الثورة، وتقويض الأنظمة السياسية في المنطقة؟

وسبق تصريحات المعلمي، تصريحٌ أدلى به وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان آل سعود لصحيفة "فايننشال تايمز"، منتصف تشرين الأول (أكتوبر)، أكد فيه أنّ المملكة "جادة" بشأن محادثاتها مع إيران، واصفاً إياها بـ"الودية"، و"الاستكشافية" في الوقت ذاته.

طهران: نحن جادون

على الطرف الآخر، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة إنّ عودة فتح السفارات بين السعودية وإيران ما زالت مبكرة، وإنّ نتائج الحوار الإيراني السعودي تتوقف على سياسة الرياض، مؤكداً في تصريحات أطلقها مطلع الشهر الماضي، أنّ المفاوضات التي تجريها طهران مع السعودية "جديّة وتتم مناقشة الملفات بصورة شفافة".

اقرأ أيضاً: العراق يعلن عن فحوى مباحثات شراء الطاقة الكهربائية من السعودية

ولكن هل إيران جادة حقاً في الحوار، كما يؤكد سعيد خطيب جادة؟ أضف إلى ذلك سؤالاً طرحه "المعهد الدولي للدراسات الإيرانية": لماذا قبلت السعودية بالحوار مع إيران بعد انقطاع للعلاقات تجاوَز خمس سنوات؟

هل سينعكس الانفراج السعودي الإيراني على لبنان؟

يبدو واضحاً أنّ اللقاءات التي وصفها وزير الخارجية السعودي مؤخراً بـ"الاستكشافية" جاءت بعد أسبوع من زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي للسعودية مطلع شهر نيسان (أبريل)، إذ إنّ هناك قناعة بأنّ الكاظمي قدّم وعوداً للمملكة بجاهزية طهران للوصول إلى تسوية مع السعودية، وحلّ الملفات العالقة بين البلدين. ويبدو أن السعودية قد شرحت للضيف العراقي أنّ التجارب السابقة مع إيران غير مشجعة على الحوار، وفي ظل التصعيد الإيراني المستمر ضد المملكة، وبخاصة أنّ التجارب السابقة مع الحكومات الإيرانية المتعاقبة لم تقُد إلى حلول حقيقية مع طهران سوى التصريحات الإعلامية، التي سرعان ما يجري العمل بعكسها من قِبل النظام الثوري ومؤسساته، مثل الحرس الثوري ومكتب المرشد الإيراني علي خامنئي ومجلس الأمن القومي الإيراني.

لماذا الحوار مع المؤسسات الأمنية؟

 ومن هنا، يتابع المعهد في تقريره المنشور في 23 تشرين الأول (أكتوبر) بقلم د. محمد بن صقر السلمي، يمكن فهم بدء الحوار مع المؤسسات الأمنية لا الحكومة، لأسباب كثيرة، أبرزها أنّ تلك المؤسسات هي صاحبة القرار في السياسة الخارجية الإيرانية أو قريبة من صُنع القرار، على عكس الحكومات الإيرانية. كما أنّ الإلحاح العراقي جعل السعودية تقبل بطلب الضيف العراقي، مما يتوافق مع الثقافة العربية التي لا يمكنها في الغالب رفض طلب ضيوفها. لا شك أنّ الجانب العراقي يريد أيضاً تحقيق مكتسبات داخلية وخارجية، وبخاصة أنّ ذلك الطلب جاء قُبيل الانتخابات المبكرة في العراق، وطمع الكاظمي في الاستمرار في منصب رئاسة الوزراء. كما أنّ مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة الذي نظمته بغداد نهاية شهر أيلول (سبتمبر) الماضي يأتي في هذا الإطار أيضاً.

اقرأ أيضاً: لماذا على أردوغان الإذعان لمطالب مصر والسعودية؟

ويردف التقرير: لا شك أنّ السعودية تسعى للوصول إلى منطقة إقليمية مستقرة أمنياً وعسكرياً وسياسياً، لا سيما في ظل رؤية المملكة الطموحة القائمة على النموّ الاقتصادي، والمشاركة، وتصفير المشكلات في المحيط الجغرافي، ونقل المنطقة بأكملها إلى مرحلة تاريخية جديدة.

لكن، يستدرك الكاتب، متسائلاً: كيف ستقوم طهران بذلك؟ وهل بالفعل هي جاهزة لتجاوز الماضي، والانخراط في المنظومة الإقليمية، بعيداً عن المشاريع التوسعية، والتخلي عن مشروع تصدير الثورة، وهدف تقويض الأنظمة السياسية في المنطقة وإشعال الصراعات المذهبية والإرهابية، والتخلّي تبعاً لذلك عن دعم الفاعلين من غير الدول، الذين خرجوا من العباءة الإيرانية؟ وهل طهران ستعمل حقيقةً على خفض التوتر القادم من جانبها دون غيرها؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية