حماس في السلطة: أين وصل مسار الجمع بين المقاومة والحكم؟

فلسطين

حماس في السلطة: أين وصل مسار الجمع بين المقاومة والحكم؟


23/05/2020

بين الانتخابات الفلسطينية التشريعية الأولى عام 1996 والثانية عام 2006، حصل التحوّل في موقف حركة حماس من المقاطعة إلى المشاركة، ليبدأ تحدي الجمع بين الخيارات المتناقضة، فهل استطاعت الحركة إدارة التناقض؟ وهل غيرت السلطة من مفهوم وشكل وغاية المقاومة؟

اعتبرت حماس أنّ قرار المشاركة في السلطة جاء كضرورة للمحافظة على سلاح المقاومة، ورفضت لذلك شروط الرباعيّة الدوليّة

جاءت انطلاقة حركة حماس مع اندلاع أحداث الانتفاضة الفلسطينيّة الأولى عام 1987، والتي تزامنت أحداثها مع دخول المنطقة في تحوّلات ما بعد حرب الخليج، ومع إعلان منظمة التحرير قيام "الدولة" الفلسطينيّة من الجزائر عام 1988، ثم دخولها مسار التفاوض من أجل تحقيق السّلام مع الجانب الإسرائيلي استناداً للقرارات الدوليّة وفي مقدمتها القرار "242" القاضي بانسحاب "إسرائيل" إلى حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967. بدأت المفاوضات في مدريد عام 1991، وتُوّجت بتوقيع اتفاقيّة أوسلو عام 1993، وكان موقف حركة حماس آنذاك هو رفض الاتفاقيّة والانضمام لتحالف "الفصائل العشرة" المعارضة لها.
اعتبرت حماس الاتفاق باطلاً ووصفته بـ "الخيانة الكبرى"؛ كونه اعترف بـ "إسرائيل"، ومنحها 78% من أرض فلسطين، وذلك توافقاً مع ما جاء في ميثاق الحركة الصادر عام 1988 والذي نصّت المادة 11 منه على: "حُرمة التفريط بأيّ جزء من فلسطين التي هي وقف لأجيال المسلمين بعامّة، وليست ملكاً لجيل من الأجيال يحقّ له التصرّف فيها". وبناءً عليه، رفضت الحركة ما بُني على الاتفاق من اتفاقيات واستحقاقات لاحقة، بما في ذلك رفضها المشاركة في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 1996.

اقرأ أيضاً: صحفيو غزة يثورون ضدّ حماس
بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينيّة الثانية وقرار حركة فتح الانخراط بالعمل المسلح فيها، واقتحام الجيش الإسرائيلي المناطق (أ) من الضفة الغربية في عملية السور الواقي عام 2002، رأت حماس ذلك بمثابة النهاية الفعليّة لاتفاق أوسلو، ومع الاتفاق على إعلان القاهرة عام 2005 وما تضمنه من موافقة على تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينيّة "وفق أسس يتم التراضي عليها"، رأت فيه حماس تأسيساً لأرضية جديدة تتجاوز اتفاق أوسلو.

رفضت حركة حماس اتفاقية أوسلو واعتبرتها خيانة كبرى

قرار المشاركة.. التناقض والضرورة
وفي هذا السياق الجديد، جاء استحقاق الانتخابات التشريعيّة عام 2006، وجاء معها قرار الحركة بالمشاركة، والذي كان بمثابة انقلاب ونقطة تحوّل عن المسار الذي اتخذته منذ معارضتها اتفاق أوسلو. وهنا، بدت بوادر التناقض؛ حيث إنّ السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة وأجهزتها مرتبطة بالضرورة بالإقرار باتفاق أوسلو المنبثقة عنه، والاقرار تباعاً بما تضمنه من تعهدات أمنيّة تتعارض مع الاستمرار بالعمل المقاوم المسلح، الذي لم تكن حماس مستعدة لإعلان التخلي عنه.

اقرأ أيضاً: "حماس" والعدوان التركي
اعتبرت حماس أنّ قرارها في المشاركة جاء كضرورة للمحافظة على سلاح المقاومة ولتعزيز حصانتها واكتسابها الصفة الشرعيّة. وفي حوار له مع صحيفة "السبيل" الأردنيّة عام 2010 يجيب خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي للحركة، آنذاك، عن سؤال المشاركة فيوضّح بأن "برنامج القيادة الجديدة (والمقصود محمود عباس) كان يبعث على القلق الشديد إزاء مستقبل المقاومة؛ فأنت إن أسلمت لها مقاليد السلطة والقرار السياسي، فإنك تساعدها في السيطرة على كل مفاصل الحياة اليومية للشعب والتحكم في خياراته ومساراته النضاليّة، وتمكّنها من الهيمنة على القرار الفلسطيني، وتصبح أنت محاصراً ومحشوراً في الزاوية. هذا المتغير كان بالغ الخطورة، وفرض على المقاومة أن تعيد النظر في تعاملها مع السلطة وموضوع المشاركة فيها".
تشكيل الحكومة.. ورفض شروط الرباعيّة
شاركت حماس في الانتخابات وفازت بالأغلبية (76 مقعداً من 132)، وشكّلت الحكومة برئاسة إسماعيل هنيّة، وبعد أن باتت جزءاً من السلطة، بدأت الحركة بالإعراب عن إمكانيّة القبول  بدولة فلسطينيّة على حدود 1967، مشترطة إن تكون دولة ذات سيادة، وذلك كحلّ عاجل ومؤقت، دون التخلي عن كامل التراب الفلسطيني.

منذ نهاية حرب 2014 بدأت مساعي حماس تتجه نحو تثبيت هدنة طويلة مع تحصيل مطالب بتحسين ظروف القطاع

وفور إعلان حماس تشكيلها الحكومة الفلسطينيّة، اشترطت اللجنة الرباعيّة الدوليّة، المكلّفة برعاية تنفيذ "خارطة الطريق"، والمتكونة من كل من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، والأمم المتحدة، ثلاثة شروط لقبول الحكومة، وهي: نبذ العنف (المقاومة المسلّحة)، والاعتراف بحق "إسرائيل" بالوجود، والقبول بالاتفاقيات التي وقعتها السلطة الفلسطينيّة في السابق.
رفضت حماس الشروط باعتبارها تخلياً عمليّاً عن نهج "المقاومة"، وعن سبب التمسك بهذا النهج، يجب مشعل (في الحوار ذاته) بأنّ حماس تنظر للمقاومة (المسلحّة) باعتبارها وسيلة لتحقيق مكتسبات في المفاوضات، وأنّه بدونها يكون الموقف للجانب الفلسطينيّ غاية في الضعف أمام الجانب الإسرائيلي الممتلك صاحب الأرجحيّة في ميزان القوّة، تماماً كما هو موقف محمود عباس ومعاونيه، القائم على التمسّك بخيار السلام  دون الاحتفاظ بأيّ أوراق ضغط.

شكّل إسماعيل هنيّة الحكومة بعد فوز حماس بغالبية مقاعد المجلس التشريعي

منعطف الانقسام
مع رفض الحركة الشروط جاء قرار الدول المانحة (أوروبا والولايات المتحدة الأمريكيّة) بالامتناع عن تقديم المساعدات للحكومة الفلسطينيّة بقيادة حماس، والتي تقدّر بحوالي مليار دولار بالسنة، كما امتنعت "إسرائيل" عن تقديم حصيلة الضرائب والجمارك التي تحصّلها على البضائع الفلسطينيّة عند المعابر التي تسيطر عليها، والتي كانت قيمتها في حينه تقدر بحوالي (55) مليون دولار في الشهر.
وكانت النتيجة أن فقدت حماس أهم مصادر التمويل، ما جعلها عاجزة عن دفع مرتّبات الموظفين، وهو ما استغلّته حركة "فتح" عبر دفع موظفيها للتحرك للمطالبة برواتبهم المتأخرة، وهنا بدأ الصراع بين الحركتين يأخذ منحى جديداً.

اقرأ أيضاً: تدوير المناصب الحكومية في غزة.. حماس تعزز الانقسام

واستمر التصعيد مع قرار عباس تشكيل قوّات خاصةّ جديدة بقيادة من حركة فتح ودون موافقة حركة حماس، وتطوّرت الخلافات إلى مناوشات وحالة انفلات أمني في قطاع غزة، تطوّرت إلى اقتتال فلسطيني - فلسطيني مسلح، بلغت ذروته في حزيران (يونيو) عام 2007، إلى أن تمكّنت كوادر حماس من السيطرة عسكرياً على القطاع بشكل تام.
قابل عباس ذلك بالإعلان عن إقالة حكومة إسماعيل هنيّة، وتكليف سلام فيّاض بتشكيل حكومة طوارئ، وهو ما رفضته حركة حماس واعتبرته انقلاباً ضد "الشرعيّة"، وليبدأ بذلك مسار الانقسام والانفصال بين الضفة والقطاع.

بعد الانقسام أصبحت السلطة الفلسطينية سلطتين.. واحدة في الضفة والأخرى في غزة

ثلاثة حروب.. ومسعى للهدنة
تبع ذلك تشديد الحصار على قطاع غزة، وهو ما دفع بحماس لتطوير وسائل مثل حفر الأنفاق، كما تمكّن الجناح العسكري لحركة حماس (كتائب عزّ الدين القسّام) في تلك الفترة من إدخال تطويرات على الصواريخ محليّة الصنع، وجعلها قادرة على ضرب أهداف في عمق "إسرائيل". وفي هذا السياق، ومع انتهاء هدنة الستة أشهر الموقعّة في حزيران (يونيو) عام 2008، نفّذت "إسرائيل" غارات جويّة على قطاع غزة في يوم 27 كانون الأول (ديسمبر) من ذلك العام، ردّت عليها حركتا حماس والجهاد الإسلامي بإطلاق الصواريخ وقذائف الهاون على أهداف في غلاف قطاع غزة وجنوب "إسرائيل"، واستمرّت الحرب حتى 18 كانون الثاني (يناير) من عام 2009.

اقرأ أيضاً: "حماس" و"حزب الله" والجوامع المشتركة
وتكرر مشهد الحرب على غزّة عام 2012، بعد اغتيال أحمد الجعبري، قائد كتائب القسّام، بغارة جويّة إسرائيليّة. وجاءت الحرب الثالثة على القطاع عام 2014، بهدف وقف إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، التي أطلقتها حماس بعد حملة اعتقالات واسعة شنّتها "إسرائيل" ضد المنتسبين لها في الضفّة، في ظل التوتر المتصاعد فيها آنذاك بعد اختطاف وقتل الطفل الفلسطيني محمد أبو خضير على يد مجموعة مستوطنين في تموز (يوليو) من ذلك العام. واستخدمت حماس في حرب 2014 صواريخ جديدة وصلت إلى حيفا وتل أبيب، وانتهت الحرب بالتوصل، بعد خمسين يوماً، إلى اتفاق تهدئة برعاية مصريّة. ومنذ ذلك الحين بدأت مساعي حماس تتجه نحو تثبيت هدنة طويلة المدى مع تحقيق أكبر قدر من المكاسب التي تحسّن من الأوضاع المعيشيّة في قطاع غزة وتؤدي إلى التخفيف من  الحصار وانهائه.
وثيقة معدّلة
وفي عام 2017 أصدرت حركة حماس وثيقتها المعدّلة، لتتماشى مع المرحلة الجديدة، والتي تضمنت النصّ على قبول حركة حماس بـ "المرحليّة" والقبول بإقامة دولة على حدود الـ 67، لكن دون الإقرار بالتنازل عن سائر أرض فلسطين، ودون الإقرار كذلك بالاعتراف بدولة "إسرائيل"، فجاء في الوثيقة: "لا تنازلَ عن أيّ جزء من أرض فلسطين، مهما كانت الأسباب والظروف والضغوط، ومهما طال الاحتلال. وترفض حماس أي بديلٍ عن تحرير فلسطين تحريراً كاملاً، من نهرها إلى بحرها. ومع ذلك - وبما لا يعني إطلاقاً الاعتراف بالكيان الصهيوني، ولا التنازل عن أيٍّ من الحقوق الفلسطينية - فإنّ حماس تعتبر أنّ إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، على خطوط الرابع من حزيران (يونيو) 1967، مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم التي أخرجوا منها، هي صيغة توافقية وطنية مشتركة".
مسيرات العودة.. وتصعيد منضبط
وفي عام 2018 رعت حركة حماس إطلاق "مسيرات العودة" بمناسبة حلول الذكرى السبعين للنكبة، والتي هدفت إلى تحويل الضغوطات واحتمالات الانفجار الداخليّة إلى الخارج، والاستفادة منها بالضغط على "إسرائيل" مع عرض وقف المسيرات مقابل ترتيبات وحلول جزئيّة تتضمن تحسين الأوضاع المعيشيّة لسكان القطاع في إطار مساعي كسر الحصار.

اقرأ أيضاً: حماس في الخطوط الأمامية دفاعاً عن إيران
وفي هذا الإطار أيضاً، أبقت حماس على خيار التصعيد العسكري المنضبط، بحيث لا تدفع الأمور نحو مواجهة عسكريّة شاملة، كما حصل في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2018، بعد ردّها على العملية الإسرائيليّة السريّة في خان يونس، وكذلك في أيار (مايو) وآب (أغسطس) من العام 2019.

حافلة جنود إسرائيليّة محترقة.. بعد استهدافها بصاروخ كورنيت ذاتي التوجيه

واليوم، تتركز مساعي الحركة نحو إرساء هدنة طويلة الأمد مع تحصيل مطالب تتعلق أساساً بتحسين ظروف القطاع، مع التطلع إلى تحقيق مصالح على المستوى الأبعد، من اتفاقيات تبادل الأسرى، إلى بدء عملية الإعمار في القطاع، وصولاً حتى إنشاء ميناء بحريّ، وإعادة بناء مطار ياسر عرفات. ومن جهتها، تبدي "إسرائيل" حرصاً على عدم انهيار حكم الحركة في القطاع، في ظلّ عدم وجود بديل عن سلطتها قادر على ضبط الأوضاع والمحافظة على اتفاق الهدنة الموقعّ عام 2014.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية