حماسة أردوغان للإخوان تظهره كقائد جديد للجماعة

الإخوان المسلمون

حماسة أردوغان للإخوان تظهره كقائد جديد للجماعة


09/01/2020

"أنا عندي حلمٌ ولديّ رؤية"، قالها نجم الدين أربكان؛ الأب الروحي للإسلام السياسي في تركيا، المنتمي للإخوان روحاً وجسداً، وكان يقصد حلم الخلافة العثمانية، والرؤية المتمثلة في الوصول إليها، عن طريق العمل الحزبي.
أطلق أربكان أحزاب "النظام الوطني" ثم "الرفاه"، و"الفضيلة"، و"السعادة"، وصولاً إلى "العدالة والتنمية" الذي أنشأه تلميذه أردوغان، فوصل من خلاله إلى السلطة عام 2002، وما يزال فيها. وخلال هذه الانعطافات جرت مياهٌ كثيرة، إلا أنّها لم تنه ذلك الحلم وتلك الرؤية، وذاك الارتباط بين الأستاذ وتلميذه مع الجماعة الأم "الإخوان"، التي شكلت وصاغت وعي تيار حركة الأمة (ملي جورش) التركي.
مرتكزات واحدة
لم تختلف المرتكزات الفكرية لجماعة الإخوان عن أفكار وإستراتيجيات التيار الذي أسسه أربكان، والذي أصبح أردوغان امتداداً له فيما بعد، طامحاً إلى إعادة السلطنة العثمانية، والتحايل على أنظمة الدولة التركية للوصول إلى تحقيق هذا الهدف من خلال أستاذية العالم.

عن الرؤية الفكرية لحزب العدالة والتنمية، تقول "تركيا بوست": يبدو أردوغان إسلامياً عثمانياً يطرح نفسه كنقيض للحقبة الجمهورية العلمانية

يقول الكاتب التركي، محمد زاهد غل، وهو يؤرخ لنشأة الحركة: في السبعينيات تُرجم كتابا "معالم في الطريق"، وتفسير "في ظلال القرآن"، ومؤلفات سيد قطب الأخرى، ورغم ما فيهما من أفكار متميزة، خاصة بقطب، إلا أنّ أثرهما في الثقافية الدينية الإسلامية في تركيا، لم يكن الأثر نفسه في الحركات والتنظيمات الدينية في الوطن العربي؛ بل إنّ شخصية قطب بين المثقفين الأتراك غيرها عند المثقفين والإسلاميين العرب، بينما أخذت كتب قادة الإخوان المسلمين اهتماماً آخر، بوصفها كتباً ذات توجهات دعوية تنتمي إلى تنظيمات حركية، وترجمت كتب حسن البنا، مثل: كتاب "مجموع الرسائل"، وكذلك كتابات عبد القادر عودة، وكتب أخرى مشابهة لقيادات العمل الإسلامي في العالم العربي والإسلامي.

 


وعن الرؤية الفكرية لحزب العدالة والتنمية، تقول "تركيا بوست": يبدو أردوغان إسلامياً عثمانياً، يطرح نفسه كنقيض للحقبة الجمهورية العلمانية، حين يقول في خطاب تأسيس الحزب (14 آب/ أغسطس 2001): "تركيا لنا جميعاً، إنها منذ عام 1299 إلى عام 1923 كانت دائماً تتولد منا نحن"، لكن يبدو مُنَظِّر الحزب، أحمد أوزجان، متناقضاً، حين يقول في مرحلة التأسيس: "تركيا يجب أن تتخطى صراع الهيمنة والسيطرة الموجود بين الكتلة المسالمة والكتلة الكمالية، وعلى إنسان الأناضول أيضاً أن يفرض على الساحة كادره الذي يُمَكّنه من أن يحتوي كلا الطرفين بداخله، والذي يخاطب الشعب بأكمله، وله هويته الإسلامية الخالصة، والذي ينتج ويعلن تجلياته الحقيقية"، وهنا يبدو ثمة تناقض واضح بين قوله "يحتوي كلا الطرفين"، وقوله: "هويته الإسلامية الخالصة"، ومثل ذلك ما أورده مؤلف "قصة زعيم"، عن رسالة من رجل أعمال إلى صديق له في الحزب كان يسعى بالصلح بين أردوغان وأربكان، جاء فيها: "ما يلزمنا من الآن فصاعداً هو تشكيل حركة كتلة جامعة توافقية، الكتلة الحقيقية، وليس مجرد حركة زمرة فقط"، وهو يقصد بالكتلة الحقيقية؛ أي كتلة الشعب كله، المسلم وغير المسلم، المتدين وغير المتدين، ويقصد بالزمرة: الزمرة الدينية.

 

أردوغان رهن جماعة الإخوان بالكامل للمصالح التركية عبر تعويض إحباطات أعضاء الجماعة إثر هزائمها ونكساتها المحلية

من هذه المنطلقات؛ شارك الإخوان في احتفالات الأحزاب الدينية التركية، ففي عام 1998 شارك مصطفى مشهور ومحمد مهدي عاكف وأحمد سيف الإسلام حسن البنا والجزائري محفوظ النحناح في احتفالات حزب الرفاه الإسلامي.
وفي حزيران (يونيو) 2006؛ حرص الإخوان على المشاركة في الاحتفال بمرور 553 عاماً على فتح القسطنطينية، وهو الاحتفال الذي نظمه حزب السعادة التركي؛ حيث شارك فيه الدكتور حسن هويدي، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان، كما شارك عبد المنعم أبو الفتوح، عضو مكتب الإرشاد للجماعة، والدكتور محمد سعد الكتاتني، رئيس الكتلة البرلمانية لنواب الإخوان، في مصر، آنذاك.

اقرأ أيضاً: 3 أساليب يستخدمها أردوغان لقمع الصحافة
كما شارك أمير الجماعة الإسلامية في باكستان، القاضي حسين آيت أحمد، ورئيس الحزب الإسلامي في ماليزيا، ورؤساء وممثلو الحركات الإسلامية في إندونيسيا والكويت والسعودية وإيران والعراق ولبنان وروسيا والمغرب وكازاخستان والبلقان والهند ودول أفريقية عدة.
وتعدّ الزيارة التي قام بها رجب طيب أردوغان، في أيلول (سبتمبر) 2011، أول زيارة له بعد ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني (يناير) بمصر، لمكتب إرشاد الجماعة، مؤكدة علاقة الحزب بجماعة الإخوان، دون أدنى مبالغة.

 

مسيرة زعيم إخواني
يقول الكاتب التركي، بسلي أوزباي، في كتابه "قصة زعيم"، ص33: ولد أردوغان (26 فبراير 1954)، في أسرة فقيرة، تسكن حي قاسم باشا، وهو من أفقر أحياء إسطنبول، وكان والده قبطاناً بحرياً قد استقر به المقام في هذا الحي مهاجراً من قريته ريزه في الشمال التركي على ساحل البحر الأسود، وظلّ في الحي، حتى أتم دراسته الثانوية التي قضاها في مدارس الأئمة والخطباء؛ إذ كانت تلك رغبة أبيه المعروف بالتدين. وتشير بعض المصادر إلى انضمامه لطريقة إسماعيل آغا النقشبندية الصوفية، في البداية، قبل دخوله مجال العمل الحزبي، وباختصار: فإنّ نشأته وبيئته تدلان على أنه نقيض للنظام التركي السائد؛ حيث بدأ مسيرة نشاطه منذ الخامسة عشرة من عمره، فقد التحق وقتها باتحاد الطلبة الأتراك بمدارس الأئمة والخطباء، وكان حينئذ في أخصب فتراته الثقافية والتربوية، لقد كان وفيّاً لتخرجه من مدارس الأئمة والخطباء حتى أنه ألحق أبناءه الأربعة بها.

اقرأ أيضاً: "الأردوغانية" بدأت في إسطنبول فهل تنتهي فيها؟
يضيف أوزباي: تسفر كثير من عبارات أردوغان في خطابات مختلفة عن أنّه يطرح نفسه، أو حزبه، كامتداد للحقبة والأبطال العثمانيين، وكخصم للحقبة العلمانية، وحين تفتّح وعيه السياسي كانت الساحة التركية تشهد صولات المحاولة الإسلامية الأقوى ورجلها الأشهر: نجم الدين أربكان؛ فحين كان أردوغان في السادسة عشرة من عمره كان أربكان يؤسس حزب النظام الوطني، وحين كان في السابعة عشرة أُغلق الحزب، ثم حين كان في الثامنة عشرة كان أربكان يعود إلى الساحة السياسية بحزبه الجديد "السلامة" (1972)، وهو الحزب الذي التحق به أردوغان وشهد تطور مسيرته السياسية، ولم تمض أربعة أعوام حتى كان أردوغان رئيس جناح الشباب لحزب السلامة في إسطنبول (1976) بفوزه في الانتخابات الداخلية لشُعَب حزب الشباب، وفي (1994) كان أقوى شخصية في حزب الرفاه بعد أربكان، وجاء بعده إلى سدة الحكم في تركيا عام 2002، كجناح تجديدي في حزب الفضيلة سابقاً، على دولةٍ تركيةٍ لها كافة مقومات الدولة، وفي حالة حزبيةٍ وسياسيةٍ، فضلاً عن أنها تمتلك دستوراً مدنياً علمانياً أتاتوركياً، يؤكد استقلالية الجيش ورقابته على الدولة والملكية العامة، وهو الوضع الذي لا يمكّنهم من الانقلاب على مدنية الدولة.
توظيف الإخوان
في يوم الجمعة 17 شباط (فبراير) 2017؛ ألقى رجب طيب أردوغان خطاباً، قال فيه: إنّه "لا يعدّ الإخوان المسلمون منظمة إرهابية، لأنها ليست منظمة مسلحة؛ بل هي منظمة فكرية!".
لم يستطع أردوغان إخفاء قناعاته الأيديولوجية، وحاول الظهور كقائد جديد لجماعة الإخوان ينتشلها من إخفاقاتها وصراعاتها الداخلية، ويجمع قادتها في المنطقة، لبدء مسار جديد لتحقيق أهداف واضحة ومحددة.

اقرأ أيضاً: هل يمكن للمقاطعة أن توقف تدخلات أردوغان في الوطن العربي؟
يقول الكاتب هشام النجار، في مجلة "أحوال" التركية، عدد 11 نيسان (أبريل) 2018، استغل الرئيس التركي أزمة جماعة الإخوان في الدول العربية، بعد فشلها وعزلها عن السلطة في مصر، وتصنيفها كمنظمة إرهابية في عدد من الدول العربية، كما استغل إحباطات الجماعة بشأن انهيار ما كانت متعلقة به عبر تبني الغرب والولايات المتحدة لمشروع تصعيد الإسلام السياسي للحكم، تحت عنوان "الإسلام المعتدل" أو "الإسلام الديمقراطي"، وذلك من أجل توظيفها في مسارين، وراثة النظام العربي التقليدي القائم أساساً، وإطلاق مشروع خلافة إسلامي وقوده جماعة الإخوان لضرب المشروع العربي وإضعافه، والمسار الثاني توظيفها في مسارات صراعاته مع دول الغرب، استغلالاً لرغبة الإخوان في الانتقام بعد التخلي عن دعم مشروعهم السياسي في السلطة.

اقرأ أيضاً: أردوغان والإعلام والأنا المتضخمة
يقول النجار أيضاً: يدرك أردوغان أنّ احتلال تركيا لأراضٍ عربية  لن يتقبله الداخل العربي إذا تلقاه من أردوغان والقيادات التركية، بينما من الممكن تسويقه إذا روجته وباركته قيادات حركات إسلامية عربية، وأخرى مرتبطة بالحالة الفلسطينية، ويتطلب نجاح خطة ضمّ الأراضي العربية المستهدفة أولاً في سوريا والعراق تغيير وجه الجماعة، والإيحاء بأنها مختلفة تحت القيادة التركية عما كانت عليه بقيادة إخوان مصر، كما يتطلب تصوير مهمة ودور الجماعة في مرحلتها الجديدة تحت القيادة التركية، كونها مهمة مقدسة، يقودها قائد إسلامي، ما يتيح للجماعة وللرئيس التركي ليس فقط الحصول على قبول قطاع من الجمهور العربي بتحركات وممارسات الجيش التركي في العمق العربي، إنما أيضاً الحصول على مجهودات بعض العرب في مساندة الجيش لاحتلال أراضيهم.

 

حين ربط أردوغان الإخوان بحلم الخلافة
في هذا السياق، كتب أحمد تشاراي، الكاتب في مجلة "ذا ناشيونال إنترست": إنّه من غير المرجح أن يتخلّى أردوغان عن دعمه لجماعة الإخوان التي يساعدها في الحفاظ على نفوذها الإقليمي.

اقرأ أيضاً: لماذا يكره أردوغان فتح الله غولن؟
أردوغان رهن جماعة الإخوان بالكامل للمصالح التركية، عبر تعويض إحباطات أعضاء الجماعة إثر هزائمها ونكساتها المحلية بربطهم بحلم الخلافة، وحاول نقلها إلى الحالة التركية، ومن خدمة مشاريع محلية إلى مشروعه الخاص، وكان هذا واضحاً في خطابه أثناء الاحتفال بمرور 90 عاماً على نشأة التنظيم؛ حيث دعا فيه لنسيان جرائم الجماعة التي ارتكبتها طوال الأعوام الماضية، في مسعى لإقناع الشعب التركي بقبولها بالداخل تحت القيادة التركية، باعتبارها قيادة استثنائية ستقود المسلمين في نهاية المطاف للنصر المبين في العالم، وليست مجرد قيادة تدفع أعضاء الجماعة للقيام بأعمال إرهابية من أجل استعادة سلطة محلية.
يتبين، في إطار السياقات السابقة، أنّ العلاقة الأردوغانية الإخوانية ليست علاقة سياسية فقط، لكنّها أكبر من ذلك بكثير؛ إنها علاقة أيديولوجية في المقام الأول، فكرية تنظيرية، تتبعها إستراتيجيات عمل تحاول، لفرط حماستها، إظهار أردوغان كقائد جديد لجماعة الإخوان.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية