حركة النهضة التونسية: تغيير الاسم لا يَجُبُّ ما قبله

حركة النهضة التونسية: تغيير الاسم لا يَجُبُّ ما قبله

حركة النهضة التونسية: تغيير الاسم لا يَجُبُّ ما قبله


11/01/2024

مختار الدبابي

ألقى العجمي الوريمي، الأمين العام الجديد لحركة النهضة، بفكرة تغيير اسم الحركة أمام وسائل الإعلام كبالونة اختبار بهدف تهيئة المناخ لتغيير الاسم كما حصل في 1989 حين تخلت الحركة عن اسم “الاتجاه الإسلامي” الذي يشير إلى هويتها التاريخية، كحركة إسلامية، واختارت اسما عاما فضفاضا لا يشير إلى شيء لها به علاقة كحزب وتنظيم تقليديين.

في 1989 اختارت الحركة تغيير جلدها ضمن سياق إقناع نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي بأنها يمكن أن تصبح حزبا مدنيا يجري عليها قانون الأحزاب من دون أن تقدم قراءة أو مراجعة أو مقاربة جديدة تقول إنها تغيرت كليا بالشكل الذي يجعل الاسم القديم غير معبّر عنها وعن منتسبيها.

احتكم التغيير وقتها إلى منطق استرضاء الخصم وتبديد هواجسه وإسكات المحرضين على “الاتجاه الإسلامي”، والذين يقولون إنها حركة تقليدية إخوانية تتلون لخداع السلطة وتتبنى العنف. لم تبدد الحركة لاحقا هذا الاتهام.

وعلى العكس أعطت خصومها مبررات كافية ليستمروا بالتخويف منها من خلال المشاركة بقوة في انتخابات أبريل 1989 من وراء لوائح مستقلة، وكان الهدف هو السيطرة على البرلمان بقوة الصندوق، ما يتنافى مع تصريحات قادتها التي توحي بالرغبة في أن تكون الحركة جزءا من المشهد، وأن تدخل العمل السياسي العلني ويكفيها من المواجهة مع السلطة.

كشفت انتخابات 1989 أن انتقال الحركة إلى اسم جديد لم يغير نزوعها إلى السيطرة على السلطة ثم مرت سريعا إلى مواجهة دموية مع النظام أفضت إلى اعتقال الآلاف من أنصارها وعودتها إلى السرية في الداخل واكتفاء قادتها الذين غادروا إلى الخارج بشعارات أثبتت أن “النهضة” لا تحمل من اسمها شيئا في وقت كان بعض أنصارها يحلمون بمشروع فكري يخرج الحركة من وطأة السياسي اليومي إلى فضاء التفكير الإستراتيجي.

يتحجج البعض بأن الظروف لم تكن تسمح للحركة بتنزيل اسمها إلى مشروع فكري بسبب الظروف الصعبة، وخاصة إكراهات واقع السرية والأزمة الداخلية التي خلفها اعتقال أعداد كبيرة من الأنصار. لكن الظروف هدأت بعد ثورة 2011 وسمحت للحركة أن تتحرك بحرية تامة ولم تظهر بأي شكل رغبتها في أن تتحول إلى مشروع تغيير إستراتيجي، وظلت كما هي حزبا يطارد السلطة.

لو أن حركة النهضة أرادت تغيير طبيعتها لتكون حزبا مدنيا فعليا لفعلت ذلك بعد الثورة سواء من بوابة اسمها الحالي أو لعملت على تغيير الاسم في ظروف ملائمة وأدارت حوله نقاشات كبيرة ولغيرت شكلها وأسماء مؤسساتها، خاصة اسم مجلس الشورى الذي يريد الأمين العام الحالي تبديله لأنه يحيل إلى هويتها الإسلامية ويشير إلى محاميل تاريخية تفيد بأن الحزب لا يزال جماعة إسلامية، وأن رئيسه لا يزال في ثوب “أمير الحركة” الذي يحكم بمفرده وهو الآمر الناهي، وأن مهمة مجلس الشورى، الذي تقول أدبيات الحركة إنه هو من يحدد التوجهات العامة والسياسات الكبرى، ليست سوى تزكية ما يسطره الأمير/ الرئيس.

ولم تطرح الحركة تغيير الاسم ولا التوجهات الكبرى بالرغم من أنها عقدت مؤتمرين بعد الثورة، الأول في يوليو 2012 بعد ثورة 2011 وفوزها في انتخابات أكتوبر وتسلمها للحكم، وآخر في مايو 2016 فيما تم تأجيل المؤتمر الحادي عشر إلى موعد مفتوح بسبب الخلاف على التجديد لرئيس الحركة راشد الغنوشي بين موقفين لتيارين متصارعين: الأول تقوده الأغلبية المعارضة التي تطالب بإنهاء رئاسة الغنوشي الذي استنفد حقه في دورتين متتاليتين، والثاني يتمسك به المحيطون برئيس الحركة من بوابة “المؤتمر سيد نفسه”، وهو الذي يقرر التجديد أم لا.

وضمن مناورات إبقاء الغنوشي في منصبه عرض البعض صيغة قيادية تقوم على الفصل بين الرئيس كمنصب تنفيذي ومنصب الزعيم كقيادة دائمة تمتلك لوحدها أولوية الترشح للمهمات السياسية الكبرى (رئاسة الجمهورية، رئاسة الحكومة، ورئاسة البرلمان).

وتكشف تجربتها السابقة محدودية خيار التغيير عند الإسلاميين، خاصة لدى حركة سعت للترويج لنفسها كحزب مدني ليبرالي بعد أن قالت إنها فصلت بين الدعوي والسياسي وقبلت بالشراكة في الحكم خلال السنوات العشر الماضية.

وخلاصة هذا الجرد التاريخي أن الحديث عن تغيير الاسم الذي يطرح حاليا من داخل حركة النهضة، وعن طريق الأمين العام الجديد، لا يشير إلى تغيير حقيقي والأمر لا يتعلق فقط بالنوايا، وإنما بوضع الحركة المتراجعة التي اختارت الصمت والمراقبة خاصة بعد توقيف قادتها التاريخيين في الأشهر الماضية، ما يجعل الدعوة إلى التغيير غير ملزمة داخليا، وغير مبررة سياسيا.

يقول الوريمي إن فكرة تغيير الاسم “تبدو اليوم أكثر تلاؤما مع التوجهات الجديدة للحزب كحزب يبحث عن مشتركات مع القوى الديمقراطية والمدنية”.

واضح أن الهدف تكتيكي، وأن ما تطلبه الحركة حاليا هو الاقتراب أكثر من القوى العلمانية المعارضة للرئيس قيس سعيد، وتشكيل حزام معارضة لا تبدو فيه الحركة وحيدة ويسهل مواجهتها وتفكيكها.

ورغم أن الهدف الذي يسعى إليه الوريمي براغماتي بدرجه أولى لكنه لا يستدعي تغيير الاسم في غياب قيادات تاريخية يمكن أن تحتج لاحقا وتطالب باستعادة الميراث القديم. كما أن الفكرة لا تختلف عما طالبت به مجموعة المئة من القيادات الكبرى والمتوسطة التي انسحبت من الحركة ولحقها عشرات آخرون، والتي طالبت بتغيير سياسات الحزب وإنشاء حزب وطني مدني يعنى بشؤون الناس.

إن الأهم ليس تغيير الاسم، ولكن بناء المحتوى الذي يفرض تغيير الاسم أو إعطاءه دلالة واقعية تقطع مع الماضي الحزبي لحركة النهضة وتتفاعل إيجابا مع الانتقادات الموجهة إليها من الخصوم السياسيين ومن السلطة ومن عامة الناس.

هل يمكن أن يقود الوريمي، أستاذ الفلسفة والقيادي الطلابي التاريخي الذي يحظى بالقبول الواسع في المشهد، إلى إجراء مراجعة عميقة لتاريخ الحركة، وخاصة تجربة ما بعد 2011 وأخطائها، تكون مدخلا لحراك داخلي بين شقوق النهضة وقياداتها الحالية أو المستقيلة.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية