حداثوي يشرب العرق طَرِباً بأصوات البراميل المتفجرة

حداثوي يشرب العرق طَرِباً بأصوات البراميل المتفجرة


08/07/2018

أظهر "الربيع العربي"، ويظهر نمطاً من أغرب الحداثويين في التاريخ، وأقل ما يقال عنهم بأنهم حداثويون بلا حداثة. حداثويون يَرَوْن التناقض والصراع بين الجامع والخمّارة، يقفون وراء دكتاتورية بكل عنفها والأمان الزائف الذي تستحسنه الأغنام، ويذمون الفوضى التي تطيح بالبنية الهمجية للسلطة. حداثويون يكتبون الشعر الحر متمردين على الوزن والقافية والقصيدة الجاهلية، ويصطفون وراء أشهر صور الطغاة على وجه الأرض وقوانينهم الجائرة وجاهليتهم المتخلفة.

حداثوي يشرب العرق طَرِباً بأصوات البراميل المتفجرة، ويصفق لها متشفياً بالأجساد المتناثرة، والبيوت المتهدمة .

حداثوي يرى الهاربين من بيوتهم وأرض وطنهم، ويرى في ذلك انتصاراً لجيشه العربي الباسل .

كل خطاب للحداثة لا تشع منه مفاهيم الإنسان والحق والعقل والحرية والتحرر والديمقراطية والعلم خطاب زائف

حداثوي يصفق لعساكر ولي الفقيه وميليشياته التي شوهت واقع البلد وتاريخها، ويستقبل الغازي المدافع عنه بالورود، ويذم الغازي الذي لا يروق له  .

حداثوي يدين جرائم داعش والنصرة، ولا تهزه  صور آلاف الشباب الذين قضوا في السجون بذنب ارتكبته حناجرهم.

حداثوي لا يكف عن الدفاع عن مقاصل الطاغية الأشر نبّاحاً على النبلاء والقلوب الرقيقة .

حداثوي يستهزئ بالحرية ويسخر منها باسم الخوف من المؤامرة على الوطن. ويصرعنا بخطاب حرية الوطن.

اقرأ أيضاً: ‫نريد عالماً ينتصر فيه قلب الأم لا قلب المجرم

حداثوي ينتمي إلى الآسن من الراهن، رافضاً منطق السيرورة غارقاً في المبتذل من الحياة والمستقر.

حداثوي يتطفل على الأبجدية، معتدياً على روحها وجماليتها ووظيفتها التواصلية، ويحول اللغة إلى وسيلة شتائم وخطاب أكاذيب وإعلانات خداع .

حداثوي مايزال يفكر بعقل الغنيمة والإستفراد بها، ويصب جام حقده على الاختلاف والاعتراف بالآخر والتوزيع العادل للقوة والحياة.

هذا أنموذج للحداثوي الذي فضحته ثورة الحرية، وفضحت تمرده الزائف، والمتخفي وراء هوية مستنقعية  .

الحداثة هي الدفاع عن الحرية والعقلانية وهي التنوير الذي يبدّد الظلام السائد من كل أنواع الظلام بلغة غير مواربة

الحداثة يا حداثوي الطاغية: دفاع عن الإنسان؛ غاية الغايات ومركزه الخاص في هذا العالم، وصاحب الحق على هذه الأرض بلا منازع. الحداثة استخدام العقل المتحرر من الدوغمائيات، ودفاع عن العقلانية نظرة إلى الحياة. الحداثة انتماء للحرية نمط وجود، وللتحرر مبدأ حياة وللديمقراطية نظام حكم. الحداثة  دفاع عن المواطنة مساواةً في الحق والواجب دون لبس. الحداثة إيمان بمنطق الزمن التاريخي بوصفه تغيراً وتحولاً وتقدماً وتبدلاً وسيرورة وصيرورة لا ضفاف لها.

الحداثة هي التنوير الذي يبدّد الظلام السائد من كل أنواع الظلام بلغة غير مواربة.

اقرأ أيضاً: الجنوب السوري يغلي على وقع مساومات سياسية لتقاسم النفوذ

الحداثوي الزائف، المعادي للإنسانية، والمتنكر بربطة عنق، وكأس عرق، ونجوم صدئة على كتفيه، وشعارات النخوة القومية والعداء لإسرائيل، أدرك بتاريخ خبثه واستبداده، بأنّ عدوه الحقيقي هو الحداثة الأصيلة وأصحابها من الشباب الواعد الذي خرج في الشوارع والساحات يهتف للحرية، فسلب سيده مئات الشباب أرواحهم، واخترع العدو الأصولي لتبدو معركته جزءاً من معقولية التاريخ. الحداثوي الزائف والأصولي الحقيقي استلا خنجراً واحداً لطعن الحداثوي الأصيل، ثم اختلفا على الغنائم.

كل خطاب للحداثة لا تشع منه مفاهيم الإنسان والحق والعقل والحرية والتحرر والديمقراطية والعلم خطاب زائف؛ فالحداثة ليست أيديولوجيا زائفة، بل هي موقف من الحياة يظهر في الممارسة العملية والسلوك. فمن لم يعش الحداثة موقفاً ونمط حياة، أقل ما يقال عنه كائن مخادع بامتياز.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية