حافظ على التوازنات السياسية منذ 2011... هل يُعمّق اتحاد الشغل أزمات تونس؟

حافظ على التوازنات السياسية منذ 2011... هل يُعمّق اتحاد الشغل أزمات تونس؟

حافظ على التوازنات السياسية منذ 2011... هل يُعمّق اتحاد الشغل أزمات تونس؟


27/12/2022

تمرّ تونس بأزمة مالية عميقة، أسفرت في الأشهر الأخيرة عن نقص متكرر في بعض المنتجات الأساسية مثل السكر والحليب والأرز وغيرها، في سياق تضخّم متسارع بلغ 9,8% بحسب أحدث معطيات رسمية صدرت في مطلع كانون الأول (ديسمبر) الجاري، وقد عمّقت الخلافات السياسية هذا التأزم المالي.

وفي الوقت الذي عوّل فيه التونسيون على الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، في هذا البلد الذي أنهكته الأزمات المزدوجة السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية، أطلقت المنظمة النقابية تهديدات بتنظيم احتجاجات حاشدة "واحتلال الشوارع" قريباً لإظهار الرفض لموازنة العام المقبل، والعمل على إطلاق حوار لإخراج البلاد من "الأزمة والمأزق".

اتحاد الشغل يُعمّق الأزمة

هدّد اتحاد الشغل بالنزول إلى الشارع احتجاجاً على قانون المالية الذي أقرّته الحكومة، الذي يفرض ضرائب جديدة ويتجه إلى الرفع الجزئي للدعم عن الغذاء والطاقة، فضلاً عن خفض نفقات الدعم بنسبة 26.4% مقارنة بعام 2022، خاصة في قطاعي الطاقة والغذاء، كما خفضت الحكومة، وفقاً لقانون الموازنة الجديد، نفقات التحويلات الاجتماعية لفائدة الطبقات الضعيفة بنسبة 8%.     

واتهم الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي، خلال اجتماع نقابي مساء الإثنين، الحكومة بالتحايل على الشعب واستخدام القانون للزيادة في معاناة التونسيين بسنّ ضرائب إضافية، مضيفاً: "في القريب العاجل سنكون سداً منيعاً للدفاع على استحقاقات الشعب والعاملين بالفكر والساعد، وسنكون في الشوارع من أجل تونس، ومن أجل خياراتنا".

تمرّ تونس بأزمة مالية عميقة

خطوة من شأنها إرباك الخطة الحكومية لإنقاذ العجز المالي للدولة، التي تعيش أزمة اقتصادية ومالية حادّة، تفاقمت جرّاء الحرب الأوكرانية الروسية، ونتيجة التأخر في الاتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل جديد.

موازنة لمعاجلة العجز المالي؟

ومن المتوقع أن تخفض موازنة 2023 العجز المالي إلى 5.2% العام المقبل، من توقعات بلغت 7.7% هذا العام، بدفعة من إصلاحات لا تحظى بشعبية لكنّها يمكن أن تمهد الطريق للتوصل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي بشأن حزمة إنقاذ مالي.

وسترفع تونس الضرائب على شاغلي عدد من الوظائف، مثل المحامين والمهندسين والمحاسبين، من 13% إلى 19%. وقال الطبوبي: "هذه حكومة ضرائب... الحكومة تتحايل على شعبها... وقانون المالية يزيد معاناة التونسيين".

عوّل التونسيون على الاتحاد العام التونسي للشغل لإنقاذ البلد الذي أنهكته الأزمات المزدوجة السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية

وهذا الشهر رفعت الحكومة أسعار مياه الشرب، ومن المتوقع أن ترفع مراراً أسعار الوقود العام المقبل لخفض عجز الطاقة المتزايد.

وأضافت خلال مؤتمر صحفي في تونس العاصمة بحضور جميع وزراء حكومة نجلاء بودن أنّ قانون المالية ينصّ على ميزانية إجمالية تناهز (70) مليار دينار، (21) مليار يورو.

وتبلغ حاجيات التمويل لسدّ عجز الميزانية نحو (23,5) مليار دينار، (7,5) مليارات يورو في عام 2023، الذي وصفه وزير الاقتصاد سمير سعيّد بأنّه "عام صعب للغاية" لتونس، مع تضخّم متوقع بنسبة 10,5%.

وخلال عام 2023، الذي قال عنه وزير الاقتصاد سمير سعيد إنّه سيكون عاماً صعباً جداً، ستخفض الحكومة أيضاً الإنفاق على الدعم بنسبة 26.4%، وذلك بالأساس في مجالي الطاقة والغذاء.

وأكدت وزيرة المالية سهام البوغديري نمصيّة أنّ الإيرادات المتوقعة تبلغ (46,4) مليار دينار، قرابة (14) مليار يورو.

رفعت الحكومة أسعار مياه الشرب

وأضافت خلال مؤتمر صحفي في تونس العاصمة، بحضور جميع وزراء حكومة نجلاء بودن، أنّ قانون المالية ينصّ على ميزانية إجمالية تناهز (70) مليار دينار، (21) مليار يورو.

وتبلغ حاجيات التمويل لسدّ عجز الميزانية نحو (23,5) مليار دينار، (7,5) مليارات يورو في عام 2023، الذي وصفه وزير الاقتصاد سمير سعيّد بأنّه "عام صعب للغاية" لتونس، مع تضخّم متوقع بنسبة 10,5%.

ولتحقيق التوازن المالي، يتعيّن على الدولة اللجوء إلى الاقتراض الخارجي بأكثر من (4) مليارات يورو، وقروض محليّة بنحو (3) مليارات يورو.

ولزيادة عائداتها الضريبية أقرّت الحكومة إجراءات؛ أبرزها ضريبة ثروة جديدة بنسبة 0,5% على العقارات التي يتجاوز صافي قيمتها (3) ملايين دينار (900) ألف يورو.

اتحاد الشغل ودوره في التوازنات السياسية

ويُعدّ الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) لاعباً بارزاً في المشهد التونسي، وصاحب تأثير قوي في السياسات العمومية بالمجالين الاقتصادي والاجتماعي في البلاد عبر تاريخه السياسي منذ الاستقلال إلى اليوم.

تأسست المنظمة في خمسينيات القرن الماضي، ولها شرعية تاريخية، وقاعدة عمالية متينة، وهي تضم حوالي مليون منخرط في القطاعين العام والخاص، وخارطة نقابية تتجاوز (10) آلاف نقابة.

تبلغ حاجيات التمويل لسدّ عجز الميزانية نحو (23,5) مليار دينار، (7,5) مليار يورو، في عام 2023

عملت هذه المنظمة خلال الأعوام الماضية على إحداث التوازن بين السلطة والمعارضة، وعملت أيضاً على ترتيب الحوارات من أجل مساحة مشتركة بين الفرقاء السياسيين، كلما أحكمت الأزمة السياسية قبضتها على البلاد.

وسبق لها أن اضطلعت بدور مهم في إطلاق حوار الوطني عام 2013، وساهمت في تجنيب تونس أزمة خطرة إثر الاغتيالات السياسية وانتشار العمليات الإرهابية في البلاد.

وعند انسداد قنوات التواصل بين مؤسسات الحكم في تونس (البرلمان والحكومة ورئاسة الجمهورية)، ما بين 2019 و2021؛ أي قبل 25 تموز (يوليو) 2021، تقدّمت بمبادرة للحوار من أجل إنقاذ البلاد من الأزمة السياسية ومن الانقسام والصراع على الحكم، إلا أنّها لم تلقَ الآذان الصاغية.

ظلّ يتأرجح بين الدعم والمعارضة

ويأتي موقف الطبوبي بعد أكثر من عام من تأييد "إجراءات سعيّد الاستثنائية" التي أعلنها منذ تموز (يوليو) 2021، لوضع حدّ لتمدّد الطبقة السياسية التي حكمت البلاد منذ 2011 بقيادة حركة النهضة، وأدخلت البلاد في دوامة من الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

يُعدّ الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) لاعباً بارزاً في المشهد التونسي

وقد دعم اتحاد الشغل إجراءات سعيّد، ووصفها بضرورة سياسية أدّى إليها انحدار الأوضاع السياسية والاجتماعية وخاصة الأوضاع الصّحية، واعتبرها استجابة لمطالب شعبية وحلّاً للأزمة الاقتصادية والسياسية التي مرّت بها البلاد خلال تلك الفترة، مطالباً بضمانات للحفاظ على الحقوق والحريات والبقاء ضمن الشرعية الدستورية.

ومنذ 25 تموز (يوليو) 2021 لم يستقر الاتحاد على موقف ثابت، فقد دعم سعيّد وحكومته تارة، وعارضها تارة أخرى، حتى أنّ أغلب المتابعين للشأن التونسي اعتبروا أنّ منظمة الشغيلة ظلّت تناور حتى آخر لحظة من استكمال خارطة طريق سعيّد، بعد أن أعلنت معارضتها للانتخابات التشريعية، واعتبرتها "بلا رائحة ولا لون".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية