جودت سعيد: اللاعنف أقوى رياح التغيير.. ماذا تعرف عن "غاندي العرب"؟

جودت سعيد: اللاعنف أقوى رياح التغيير.. ماذا تعرف عن "غاندي العرب"؟

جودت سعيد: اللاعنف أقوى رياح التغيير.. ماذا تعرف عن "غاندي العرب"؟


09/04/2024

قضى الداعية والمُفكر السوري، جودت سعيد حياته داعياً إلى "اللاعنف"، وعمل على نشر دعوته لعقود في العالم الإسلامي، مشكلاً امتداداً لمدرسة المفكرين الإسلاميين البارزين، أمثال؛ مالك بن نبي في الجزائر، ومحمد إقبال في باكستان، قبل أن يرحل عن عالمنا صباح أمس، في منفاه بإسطنبول، عن عمر يناهز الـ91 عاماً.

وأعلنت صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" تحمل اسم جودت سعيد -باللغات العربية والتركية والإنجليزية- خبر وفاته فجر الأحد، مضيفة أنه "لم يتم تحديد موعد الجنازة ومكانها بعد".

اقرأ أيضاً: المقرئ الشيخ محمد رفعت: قيثارة السماء

ومع انتشار الخبر، نعى عدد من المفكرين والعلماء المسلمين والسوريين المفكر سعيد، بينهم الأمين العام للاتحاد العالمي للعلماء المسلمين علي القره داغي، الذي غرد عبر حسابه في موقع "تويتر" قائلاً: "المفكر الأستاذ جودت سعيد رحل عن دنيانا فجر اليوم، كان من أعظم تلاميذ المفكر الجزائري مالك بن نبي (1905-1973) رحمهما الله تعالى".

غلاف كتاب (حتى يغيروا ما بأنفسهم)

كما ونعاه رئيس هيئة التفاوض السورية المعارضة أنس العبدة، الذي غرد عبر "تويتر"، قائلاً: "رحم الله الشيخ والمفكر جودت سعيد رحمة واسعة، كان فريداً في أفكاره ومواقفه واستنهاض ما في العقل والإنسان من قدرة وطاقة".

وأضاف العبدة معدّداً مناقب الراحل "دعم السلام واللاعنف، وواجه الظلم بقوة الحرية ودفع ثمن ذلك غالياً، لم تُغيره المِحَن، كسب احترام الناس وثقتهم، ففكره مساحة حرة للناس بكل توجهاتهم ومعتقداتهم".

الميلاد والنشأة

ولد جودت سعيد، في قرية بئر عجم، التابعة لمحافظة القنيطرة جنوب سوريا عام 1931 وهو من أصول شركسية، ويتحدث لغتها إلى جانب العربيةدرس الابتدائية في القنيطرة، ثم أرسله والده إلى مصر لاستكمال تعليمه في "الأزهر الشريف" بالقاهرة العام 1946، وهناك أتم المرحلة الثانوية، ثم التحق بكلية اللغة العربية ليحصل على إجازة في الأدب العربي منها.

قضى جودت سعيد حياته داعياً إلى "اللاعنف" وعمل على نشر دعوته لعقود في العالم الإسلامي

ثم عاد ليكمل حياته في دمشق عقب احتلال إسرائيل للجولان السوري العام 1967، وهناك نشط بشكل أكبر وذاع صيته. وبعد زوال الاحتلال الإسرائيلي عن قريته بموجب اتفاقية فصل القوات بين النظام السوري وإسرائيل العام 1974، عاد إليها وظل هناك يمارس نشاطه في الزراعة وتربية النحل إلى جانب نشاطه الفكري، حتى قيام الثورة السورية في آذار (مارس) 2011.

ولد جودت سعيد، في قرية بئر عجم، التابعة لمحافظة القنيطرة جنوب سوريا عام 1931

 مع بداية الثورة شارك سعيد في مظاهرات سلمية ضد النظام السوري، وكان يؤكد في كلماته باستمرار على أولوية "السلمية والديمقراطية في التغيير"، وعقب تصاعد الحرب ومقتل شقيقه في القصف، انتقل سعيد للعيش في إسطنبول حيث واصل نشاطه الدعوي ومعارضته للنظام السوري لكن مع الإصرار على "المنهج السلمي ونبذ السلاح والعنف".

شارك في الثورة السورية منذ بداياتها وكان يؤكد في كلماته باستمرار على أولوية "السلمية والديمقراطية في التغيير"

وبرزت أولى معالم تأثر جودت سعيد باللاعنف أثناء تأديته الخدمة العسكرية خلال فترة الوحدة بين سوريا ومصر (1958- 1961)، وخلال وجوده في صفوف الجيش حدثت واقعة الانفصال، وفي الوقت الذي امتثل فيه الجميع لأوامر القادة، فإنّه أعلن رفضه ومعارضته المشاركة في أي تحرك عسكري، ما دفع القادة المسؤولين عنه إلى حجزه في الإقامة الجبرية، ولم يغادرها إلا بعد انقضاء الأمر.

اقرأ أيضاً: زكريا تامر: حدّاد شرس في وطن من الفخار

عُين سعيد بعد انتهاء خدمته العسكرية أستاذاً في ثانويات دمشق حيث درّس للغة العربية، وما لبث أن اعتقل لنشاطه الفكري منذ تسلّم حزب البعث للسلطة بعد انقلاب آذار (مارس) العام 1963، وتكررت الاعتقالات أكثر من مرة، ورغم صدور قرارات بنقله إلى مختلف مناطق سوريا فإنه لم يترك مجال التدريس إلا بعد أن تم اتخاذ قرار بصرفه من عمله في نهاية الستينيات.

اقرأ أيضاً: جابر عصفور.. المعادلة الصعبة للمثقف والمسؤول

تأثر جودت سعيد في بداياته بالإخوان المسلمين والتيار السلفي في الوقت نفسه، باعتبارهما التيارين الإسلاميين الصاعدين في تلك الفترة، إلا أنّه تأثر بشكل أكبر بكتابات المفكر الباكستاني الشهير محمد إقبال، وعلى نحو متزايد بالمفكر الجزائري مالك بن نبي (1907- 1973) أحد أبرز مفكري العالم الإسلامي في القرن العشرين، من خلال بعض كتبه مثل "شروط النهضة" و"الظاهرة القرآنية"، وحظي بلقائه قبل مغادرته مصر في نهاية الخمسينيات.

 نبذ العنف

يُعرف جودت سعيد بأنه داعية اللاعنف في العالم الإسلامي أو "غاندي" العالم العربي كما يُطلق عليه، وقد عبر عن سعادته بهذا الوصف في مناسبات عدة، وكان أول ما كتبه في مطلع الستينيات كتابه "مذهب ابن آدم الأول، أو مشكلة العنف في العمل الإسلامي"، وهو يناقش مبدأ اللاعنف وعلاقته الجذرية بالإسلام، وكانت دعوته إلى اللاعنف دعوة للعقل في أساسها.

ويرى المفكر العراقي عبد الجبار الرفاعي، أنّ هذا الكتاب "كان خطاباً صريحاً ودعوةً مباشرة للذين يتبنون العنفَ منهجاً في الدعوة. وعلى الرغم من أنّ صفحات هذا الكتاب محدودة إلا أنّه كان بياناً نظرياً ووثيقةً ثمينة لبناء رؤية إنسانية لمبدأ اللاعنف في القرآن الكريم"، وفق ما كتبه على صفحته الشخصية في موقع "فيسبوك".

وفي كلمات سابقة له أكد المفكر الراحل أنه "لا توجد قوة على وجه الأرض تستطيع تغيير قناعات وأفكار أحد باستخدام الضغط والقوة، وأن القرآن يوصينا بعدم استخدام الإكراه في الإقناع"، مشيراً إلى أن "الضغط يولد ردود فعل قوية".

تنطلق أفكار سعيد من باب التوحيد فهو يرى أنّه "مسألة سياسة اجتماعية وليست ميتافيزيقية إلهية"

وأفاد أنه "يجب حل المشاكل والصعاب بالطرق الحضارية، وليس باستخدام القوة، المسلمون هم ليسوا الوحيدين الذين تركوا سوريا، بل اضطر العديد من شعوب الطوائف والمذاهب الأخرى إلى ترك قراهم ومغادرة البلاد، ويعانون من أزمة كبيرة بسبب الضغط الذي وقع عليهم لتغيير قناعاتهم وأفكارهم"، ومن مقولاته أيضاً: "المجتمعات المظلومة والمقهورة تعرف معنى كلمة العدالة أكثر من غيرها، وإن عصر انتهاك الأنظمة لحقوق الشعوب انتهى".

وتنطلق أفكار سعيد من باب التوحيد، فهو يرى أنّ "التوحيد مسألة سياسة اجتماعية وليست مسألة ميتافيزيقية إلهية"، بمعنى أن توحيد الله في السماء يعني المساواة بين البشر على الأرض، فيساوي بين العبارات الثلاث في الآية القرآنية الكريمة: (ألا نعبد إلا الله، ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله).

 مؤلفاته وأبحاثه

 وكان أول ما كتبه سعيد في مطلع الستينيات "مذهب ابن آدم الأول" وهو يناقش مبدأ عدم العنف وعلاقته الجذرية بالإسلام، ولم يكتب سعيد كتابه إلا بعد أن اعتقل على خلفية نشاطه الفكري، وبعد تجربة الاعتقال شعر بأنه من الضروري توثيق بعض الأفكار التي كانت تلوح له، خاصة المتعلقة بعدم العنف.

كان أول ما كتبه "مذهب ابن آدم الأول" مطلع الستينيات وهو يناقش مبدأ عدم العنف وعلاقته الجذرية بالإسلام

كما وحاول سعيد مخاطبة الشباب المسلم من خلال مجموعة من الكتب الإرشادية التي نشرها في سلسلة بعنوان "سنن تغيير النفس والمجتمع"، تعالج الحياة الشخصية والاجتماعية مع التركيز على أن اللاعنف هو سبيل إسلامي أصيل لا بديل عنهوفي العام 1988، نشر كتابه "اقرأ وربك الأكرم"، الذي طور فيه مفهوماً جديداً لتفسير القرآن مكنه من تدعيم فكرة اللاعنف الإسلامي بشكل أفضل.

غلاف كتاب (اقرأ وربك الأكرم)

ويخلص جودت سعيد في كتابه إلى أنّ القرآن الكريم لا يطلب من المؤمنين البحث عن المعرفة في صفحاته، وإنما في الوجود المادي، وينفرد سعيد بين المفكرين الإسلاميين في فهمه لآيات القرآن الكريم مبتعداً عن التفسيرات المتداولة، حيث يرى أنّ الله يريد في القرآن أن يبعد الإنسان عن الفكر الغيبي ويجعله معتمداً على النظر العقلي في الكون من أجل التوصل إلى السعادة.

حاول سعيد مخاطبة الشباب المسلم من خلال مجموعة من الكتب الإرشادية التي نشرها في سلسلة بعنوان "سنن تغيير النفس والمجتمع

وللراحل العديد من المؤلفات الأخرى أبرزها؛ كتاب "حتى يغيروا ما بأنفسهم"، الذي يؤكد فيه على أنّ السنة الموجودة في الآية القرآنية، سنّة عامة تنطبق على كل البشر، وليست خاصة بالمسلمين. وأنها سنّة اجتماعية لا سنّة فرديةوبينها أيضاً كتاب "فقدان التوازن الاجتماعي"، والذي يدرس الانفصام الاجتماعي الذي يعانيه مسلم اليوم، مشيراً إلى أنه هو الذي يفقده توازنه ويحمله على الانسحاب من المجتمع أو الذوبان فيه.

وصدر لجودت سعيد قبل رحيله كتب أخرى؛ منها "العمل قدرة وإرادة"، و"الإنسان حين يكون كلاً وحين يكون عدلاً"، و"رياح التغيير"، وغيرها.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية