جماعات أفغانستان المسلحة بعد سيطرة طالبان: تصادم أم تفاهم؟

جماعات أفغانستان المسلحة بعد سيطرة طالبان: تصادم أم تفاهم؟


26/08/2021

أثار استيلاء حركة طالبان على العاصمة الأفغانية شهية البحث عن وجود جماعات إسلاموية مسلحة أخرى بأفغانستان، ومدى عدائها أو تعاونها مع طالبان، وهل هذا سيسهّل مسعاها في الحكم، أم سيكون عائقاً يمنعها من السيطرة الكاملة على البلاد؟

وللحديث عن طالبان وأفغانستان لا بدّ من التطرق للتكوين العرقي للمجتمع الأفغاني، فالتأثيرات الإثنية تحدد بشكل كبير مسار التحالفات، ويعترف دستور أفغانستان لعام 2004 بـ14 مجموعة عرقية: البشتون، والطاجيك، والهزارة، والأوزبك، والبلوش، والتركمان، والنورستاني، والباميري، والعرب، والغوجار، والبراهوي، وقيزلباش، وأيمق، وباشاي.

وقد لعبت الانقسامات الإثنية دوراً كبيراً في عدم استقرار أفغانستان، فتعدد الجماعات العرقية والإثنية صنع صراعاً تاريخياً لا يمكن تجاوزه بالإيديولوجيا، هذا التعدد في القوميات وفي اللغات والثقافات تسبب في انقسام المجتمع ومنع الوحدة القومية وعدم استكمال الهوية الأفغانية، بسبب سياسة التمييز التي اتبعها البشتون الأكثر تعداداً في المجتمع الأفغاني، فضلاً عن العديد من التناقضات بين القبائل والأعراق المتعددة.

تعود بداية ظهور الحركات الجهادية المسلحة في أفغانستان إلى منتصف سبعينيات القرن العشرين، عندما شجعت الولايات المتحدة الأمريكية وكثير من الدول العربية هذه الحركات لإيقاف المد الشيوعي، فتشكلت 7 تنظيمات مسلحة يساعدها العرب المتطوعون للجهاد، وقام الإعلام الرسمي والشعبي بإطلاق لقب المجاهدين الأفغان عليهم، وتم الترويج لجهادهم ونقائهم عبر خطب وكتيبات، حتى راجت أساطير عن وجود ملائكة تحارب في صفوف المجاهدين، وأنّ آيات الله تنزلت تساندهم في معركتهم.

بعد انسحاب القوات السوفييتية توالت الهزائم على الجيش الأفغاني، وسقطت الحكومة ودخل المجاهدون إلى كابول منتصرين، هنا ظهرت الأحقاد والخلافات التنظيمية والعرقية، فلم يقبل القائد حكمتيار البشتوني أن يكون تحت قيادة برهان الدين رباني الطاجيكي، وتوالت المعارك وسقط كثير من المسلمين المجاهدين قتلى بسبب خلافهم، وظلوا قرابة 4 أعوام يتقاتلون فيما بينهم، إلى أن ظهرت قوة جديدة أنهت وجودهم العسكري، هي حركة طالبان.

 أوّلاً: طالبان

 ظهرت حركة طالبان، وهي حركة بسيطة ليس لها أصول فكرية عميقة، وكانت مجرد رد فعل على فوضى الاشتباكات الإسلامية- الإسلامية، فقامت مجموعة صغيرة بقيادة الملا محمد عمر باقتحام الحدود الباكستانية، حيث كانوا يتمركزون هناك، ونظموا أنفسهم بمعاونة باكستان، ويعتقد أنّ ضابط مخابرات باكستاني اسمه الحركي (السلطان أمير) هو من قام بتدريبهم وتلقينهم فنون القتال، مع تمويل وتسليح أمريكي من أجل القضاء على الفوضى التي أحدثها زعماء المجاهدين، وزحفت طالبان حتى وصلت إلى العاصمة كابول، ولم تتوانَ في قصف المدنيين حسب تقرير منظمة العفو الدولية، ففرّ بعض القادة إلى الشمال الطاجيكي، مثل برهان الدين رباني وأحمد شاه مسعود، وقد احتفظوا بقدر كبير من أسلحتهم ورجالهم، أمّا صبغة الله مجددي ومحمد نبي محمدي، فقد هربا إلى باكستان، وأمّا حكمتيار، فقد هرب إلى إيران، ومنها إلى دولة من دول وسط آسيا، وأمّا تنظيماتهم، فقد تم تفكيكها أو انضمت إلى طالبان، مثل أتباع مولوي محمد نبي محمدي، فقد كان الملا محمد عمر أحد أتباعه ومن جنود منظمته، وكثير من عناصر طالبان كانوا تلاميذه.

   لعبت الانقسامات الإثنية دوراً كبيراً في عدم استقرار أفغانستان لسنوات طويلة

لم يمضِ وقت طويل حتى تمكنت حركة طالبان من فرض سيطرتها على غالبية الأراضي الأفغانية، فسرعان ما سيطرت على ولاية قندهار الحدودية، وأحكمت السيطرة على مناطق نفوذ حكمتيار في كابول، وسيطرت على مناطق نفوذ حزب الوحدة الشيعي غرب كابول، وقتلت زعيم الحزب عبد العلي مزاري، واستولت على مدينة هيرات معقل الرئيس برهان الدين رباني.

ظلت طالبان مسيطرة من العام 1998 حتى العام 2001، إلى أن نشبت الحرب على طالبان على خلفية هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، ففقدت طالبان الحكم والعاصمة والكثير من عناصرها وقادتها الميدانيين، لكنها تمركزت في مناطق الجنوب ذات الأغلبية البشتونية، وناصبت الحكومة الأفغانية وقوات التحالف الدولي العداء، وقامت بشن هجمات متتالية عليهم لإنهاكهم وانتظار اللحظة المناسبة للعودة إلى الحكم مرّة أخرى، وقد ظل ثبات طالبان وعدم ذوبانها كتنظيم مسلح مثيراً للدهشة والتساؤلات، ممّا دفع بدول الجوار لعقد مفاوضات سلام معهم بدأت بالصين ثم إيران ثم موسكو، وانتهت بالولايات المتحدة الأمريكية التي عقدت معهم معاهدة سلام، على إثرها قررت الإدارة الأمريكية الانسحاب من أفغانستان وتركها لطالبان.

 ثانياً: قوات تحالف الشمال

تكونت قوات تحالف الشمال أواخر العام 1996 ضد حكومة طالبان من ميليشيات برهان الدين رباني وأحمد شاه مسعود وحزب الوحدة الشيعي وجنبش ملي ذات الأغلبية السنّية الأوزبكية والتركمانية بقيادة عبد الرشيد دوستم، وتمركزوا في 3 ولايات شمالية، هي بدخشان وكابيسا وتخار، وأعلنوا العداء لطالبان، وفي ظروف مريبة تم اغتيال القائد أحمد شاه مسعود قبيل هجمات 11 أيلول (سبتمبر) بيومين، وعندما قامت قوات التحالف الدولي بشنّ غاراتها على  طالبان، انضم تحالف الشمال إليهم، وكذلك عبد رب الرسول سياف وصبغة الله مجددي، ثم شاركوا في المنظمات السياسية الجديدة، وفككوا تنظيماتهم المسلحة مع بقاء قوات تحالف الشمال قائمة بأسلحتها، وإن أصابهم الوهن.

تعود بداية ظهور هذه الحركات الجهادية إلى منتصف السبعينيات عندما دعمها الغرب لمواجهة المد الشيوعي

نشطت قوات تحالف الشمال مرة أخرى عقب سقوط كابول بيد طالبان في آب (أغسطس) الجاري، وأعلن القيادي الشاب أحمد مسعود نجل القيادي السابق أحمد شاه مسعود رفضه لحكم طالبان، وإصراره على المعارضة المسلحة لها، حسب "سكاي نيوز"، وقد توالت الأخبار حول انضمام أعداد من الجيش الأفغاني إليهم، وكذلك لجوء نائب الرئيس  آمر الله صالح إلى قائد إقليم وادي بنجشير.

 ثالثاً: شبكة حقاني

أنشأها جلال الدين حقاني، وتتخذ من شمال وزيرستان الباكستانية المتاخمة للحدود الأفغانية قاعدة لها، وهم من قبائل البشتون ومن قبيلة "زدران" التي تتواجد في ولاية بكتيكا، وتدير هناك مدارس دينية ومعسكرات لتدريب المقاتلين، وتركز معظم نشاطها العسكري في شرقي أفغانستان، خاصة في ولايات بكتيا وخوست ووردك، وشاركت في الحرب ضد القوات السوفييتية، وبعد سيطرة طالبان على كابول عام 1996 أعلن البيعة والولاء للملا محمد عمر، وشغل منصب وزير في حكومة طالبان، وإثر سقوطها في أواخر العام 2001 حمل السلاح ضد حكومة كابول والرئيس حامد كرزاي وضد قوات التحالف الدولية، وأعلنت الحركة وفاته عام 2018 وتولى ابنه الأكير سراج الدين حقاني قيادة الشبكة، وحالياً نائب زعيم طالبان هبة الله آخوند زاده.

تُعدّ الشبكة قليلة العدد بالمقارنة بأعداد حركة طالبان، ولكنّ عناصرها أكثر تدريباً، وأكثر مهارة، وأكثر رعباً لأعدائهم، ولهم أسلوبهم الخاص في الحركة والقتال، وهم يتسربون من باكستان إلى أفغانستان عبر ممرات جبلية قديمة، وكل فرقة منهم تقاتل لعدة أسابيع، ثم تعود إلى باكستان مرة أخرى، وهم يتنقلون بشكل دائم من قرية إلى قرية، ولا يبيتون في أي مكان أكثر من ليلة واحدة، ونادراً ما يستخدمون الهواتف النقالة، لكي لا يتم رصدهم، بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الشبكة تتبع أسلوب "التنظيم الخيطي"، حيث لا يعلم كل تشكيل أي شيء عن التشكيل الآخر، والمقاتلون لا يعرفون قادتهم في باكستان.

 رابعاً: تنظيم داعش

عندما رفع تنظيم داعش شعار باقية وتتمدد، كان يشغلهم كيفية كسب ولاءات التنظيمات القاعدية المنتشرة، فعمدوا للاتصال بالمنشقين عن الجماعات الجهادية أو الذين لديهم إشكاليات فقهية معهم، وقاموا بدعوتهم للانضمام إلى التنظيم، وفي أفغانستان انضم فلول جماعة طالبان الباكستانية وأعلنوا البيعة لأبي بكر البغدادي خليفة للمسلمين، ويؤدي تنظيم "داعش" أو ولاية خراسان دوراً معادياً لحركة "طالبان"، رغم سعيهما للإطاحة بالحكومة الأفغانية السابقة، وشن هجمات عليها وعلى قوات التحالف الدولي، لكنّ التنظيمين تقاتلا بشكل دوري في شرق أفغانستان حيث يقع مقر تنظيم "الدولة الإسلامية".

  ظهرت طالبان كحركة بسيطة ليس لها أصول فكرية عميقة ومجرد رد فعل على فوضى الاشتباكات الإسلامية- الإسلامية

وفقاً لتقرير "الأمم المتحدة"، يضم تنظيم "داعش"- ولاية خراسان حوالي 2200 مقاتل مسلح، تتركز أعدادهم في محافظة كونار الجبلية قرب حدود باكستان، وتتألف القوة أيضاً من منشقين عن الجيش الأفغاني ومن مقاتلين أوزبكيين، ويُعد تنظيم داعش أكثر فصيل محارب لطالبان، وإن كان أقلّ عدداً، إلا أنه سيستقبل الفترة القادمة أعداداً كبيرة من عناصره من ليبيا والعراق وسوريا، وربما من أفريقيا أيضاً، فحسب "روسيا اليوم" قال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو: "إنّ مسلحي تنظيم داعش ينتقلون من سوريا وليبيا إلى الدولة الأفغانية".

 خامساً: تنظيم القاعدة

تتواجد في أفغانستان أعداد قليلة من تنظيم القاعدة، ولكنها مهمّة في ميزان الحركات الجهادية المسلحة، إلا أنّ التنظيم الموجود ليس هو تنظيم أسامة بن لادن، فقد قتلت الولايات المتحدة الكثير من عناصره وقادته الميدانيين، ويبقى الكثيرون من قادته الآخرين هاربين، وقد أدى غياب أيمن الظواهري إلى تراجع التنظيم وفقدان التمويل، ونتيجة لذلك لم تعُد معسكرات التدريب الواسعة النطاق موجودة، وفقد التنظيم مساندته الحقيقية لطالبان، إلا أنّ وجوده وإعلانه البيعة لطالبان أمر معنوي مهم جداً، سواء لتنظيمات القاعدة المنتشرة في البلاد العربية والإسلامية، أو لإضعاف تنظيم الدولة الإسلامية المنافس للقاعدة.

   تكونت قوات تحالف الشمال العام 1996 ضد حكومة طالبان من معارضين على رأسهم رباني وأحمد شاه مسعود

مع ذلك، يقدّر تقرير صادر عن "الأمم المتحدة" أنّ تنظيم "القاعدة" ما يزال يضم حوالي 400 إلى 600 عضو في البلاد، وهم يقاتلون إلى جانب حركة "طالبان" بشكل دوري، ويشاركون في جمع الأموال وصنع القنابل، وتكثر الروابط الاجتماعية التي تجمع التنظيمين عبر الزيجات بين المجموعتين.

تنطلق هذه التنظيمات المسلحة الجهادية من فكرة واحدة وهي تطبيق الشريعة الإسلامية، لكن هل ستؤدي الخلافات العرقية والمذهبية إلى قتال بعضهم البعض؟ وهل ستتمكن طالبان من حكم أفغانستان وإزاحة هذه التنظيمات؟ أم ستتفاوض لتتقاسم الحكم معها؟ 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية