تونس: هل نجح سعيد في اختبار "السيادة الوطنية"؟

تونس... هل نجح سعيد في اختبار "السيادة الوطنية"؟

تونس: هل نجح سعيد في اختبار "السيادة الوطنية"؟


19/02/2023

"سيادتنا فوق كل اعتبار... لسنا تحت الاستعمار... نحن دولة مستقلة وذات سيادة"، عبارات ردّدها سعيّد في أغلب خطاباته منذ تولى رئاسة البلاد في أعقاب عام 2019، للتعبير عن رفضه للتدخل الأجنبي في القرار التونسي، وهو كان مطلباً رئيسياً للمعارضة التونسية خلال فترة حكم النهضة، خصوصاً لدى الأحزاب القومية.

وقد رفض خلال الأعوام الماضية، التي تولى خلالها الرئاسة، الانتقادات التي تطال سياساته من قوى غربية، خاصة بعد اتخاذه الإجراءات الاستثنائية في 25 تموز (يوليو) 2021، حيث يتهم قوى سياسية معارضة، في إشارة إلى حركة النهضة الإخوانية وحلفائها، بالاستعانة بالأجنبي لانتهاك السيادة الوطنية والتدخل في شؤون تونس.

سعيّد يفعّل الشعارات

وفي أحدث تحركاته لتفعيل شعارات السيادة الوطنية، قرر سعيّد السبت طرد الأمينة العامة للكونفدرالية الأوروبية للنقابات إيستر لينش، بعد مشاركتها في مظاهرة نظّمها الاتحاد العام التونسي للشغل، وألقت خلالها كلمة انتقدت فيها السلطات.

ومنح سعيّد المسؤولة النقابية (24) ساعة لمغادرة تونس من تاريخ إعلامها بأنّها شخص "غير مرغوب فيه"، بحسب ما جاء في بيان نشرته رئاسة الجمهورية على الصفحة الرسمية لها بموقع "فيسبوك".

وحضرت الأمينة العامة في مظاهرة شارك فيها آلاف من أنصار الاتحاد العام التونسي للشغل تم تنظيمها في صفاقس (وسط شرق)، تنديداً بتردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي وبـ "استهدافه" من قبل الرئيس قيس سعيّد. 

 قرر سعيّد السبت طرد الأمينة العامة للكونفدرالية الأوروبية للنقابات إيستر لينش

وقالت في خطاب أمام المتظاهرين: "نقول للحكومات ارفعوا أيديكم عن نقاباتنا العمالية، حرروا قادتنا". وأضافت: "أتيت إلى هنا لإيصال صوت تضامن (45) مليون نقابي ونقابية من أوروبا". وتابعت: "من الخطأ الفادح أن تتم مهاجمة النقابات".

واعتبرت لانش أنّ "أيّ هجمة على اتحاد الشغل التونسي هي بمثابة هجمة على كل نقابات العالم"، مؤكدة "الدعم والتضامن مع المنظمة الشغيلة".

رفض خلال الأعوام الماضية التي تولى خلالها الرئاسة الانتقادات التي تطال سياساته من قوى غربية

واعتبرت الرئاسة التونسية في البيان أنّ "العلاقات الخارجية للاتحاد العام التونسي للشغل أمر يعنيه وحده، ولكن لا مجال للسماح لأيّ جهة كانت من الخارج للاعتداء على سيادة الدولة وسيادة شعبها؛ فالسلطة والسيادة بيد الشعب".

وبرغم المعارضة التي لاقتها الخطوة، فقد دعمها شق واسع من التونسيين الداعمين لسعيّد، بحسب ما أكدته تدوينات فيسبوكية، وتعليقات انتشرت على البيان الرئاسي، دعوه فيه إلى المزيد من تكريس السيادة الوطنية.

"تونس ليست تحت الاستعمار"

وليست هذه المرة الأولى التي يرفض فيها الرئيس التونسي الانتقادات التي تطال سياساته، فقد رفض الخميس الانتقادات الدولية بشأن الإيقافات التي شهدتها بلاده خلال الأيام الماضية، وطالت سياسيين وناشطين، رداً على ما وصفه بالتدخل الأجنبي السافر في شؤون تونس، مشدداً على أنّ الحقائق القادمة بشأن عمليات الإيقاف ستكون مزلزلة.

وقال سعيّد خلال لقائه رئيسة الحكومة نجلاء بودن، وفق فيديو بثته الرئاسة التونسية عبر حسابها الرسمي على "فيسبوك": "لم نبعث ببرقيات، ولن ندلي بتصريحات تعبّر عن انشغالنا بوضع حقوق الإنسان في عدد من العواصم التي تصدر منها هذه البيانات".

والثلاثاء، عبّر المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك عن قلقه إزاء "حملة القمع المتزايدة ضد المعارضين السياسيين والمجتمع المدني في تونس".

برغم المعارضة التي لاقتها الخطوة، فقد دعمها شق واسع من التونسيين الذين دعوه إلى المزيد من تكريس السيادة الوطنية

وأعربت وزارة الخارجية الأمريكية الأربعاء عن احترامها لتطلعات الشعب التونسي إلى سلطة قضائية مستقلة وشفافة قادرة على حماية الحريات الأساسية.

وأكد الرئيس التونسي أنّ السيادة التونسية "فوق كل اعتبار"، وأنّ بلاده استنبطت فكرة الحرية قبل منتقديها، وتابع: "فلينظروا إلى تاريخهم قبل أن ينظروا إلى تاريخنا، ولينظروا إلى واقعهم قبل أن يتحدثوا عن الأوضاع في تونس".

كما شدّد على أنّ تونس "ليست تحت الاستعمار أو الانتداب، بل دولة مستقلة ذات سيادة، ونعلم جيداً ما نقوم به في ظل احترام شامل للقانون".

وتساءل سعيّد: "اليوم يتحدثون عن حرية القلم، هل تم حجب صحيفة واحدة؟ وهل تم منع برنامج واحد؟ وهل تمّت ملاحقة أيّ صحفي من أجل عمل يتعلق بالصحافة؟"، واصفاً المواقف الغربية بـ "الأكاذيب".

"سيادة تونس فوق كل اعتبار"

كذلك، في تموز (يوليو) الماضي شدد سعيّد على أنّ بلاده "دولة حرّة مستقلّة ذات سيادة، وأنّ سيادتها واستقلاليتها فوق كل اعتبار".

وذلك ردّاً على موقف واشنطن التي اعتبرت حينها أنّ استفتاء تونس على الدستور "اتسم بتدني نسب المشاركة"، وقالت إنّها تشاطر التونسيين انشغالهم تجاه مسار صياغة الدستور وإمكانية أن "يضعف" الديمقراطية في البلاد.

وقال سعيّد: "من بين المبادئ التي يقوم عليها القانون الدّولي مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول".

وأكّد على "استقلال القرار الوطني، ورفضه لأيّ شكل من أشكال التدخل في الشأن الوطني، وأنّه لا صوت يعلو في تونس فوق صوت الشعب".

وأضاف أنّ "الدولة التونسية تتساوى في السيادة مع كل الدول كما تنص على ذلك مبادئ القانون الدولي، وأنّ السيادة داخل الدولة هي للشعب التونسي الذي قدّم آلاف الشهداء من أجل الاستقلال والكرامة الوطنية".

وقد ذكر تقرير لمركز كارنيغي للسلام حول السياسة الخارجية التونسية في زمن الرئيس قيس سعيّد أنّ هذا الأخير فشل فشلاً ذريعاً في بناء الدعم الدبلوماسي والمالي، الذي تحتاجه تونس للنجاح على المدى القصير.

"النهضة" وأعوام رهن القرار التونسي

في مقابل ذلك، تتداول أوساط تونسية وتلميحات رئاسية لجوء حركة النهضة الإخوانية إلى الخارج، سواء حين كانت على رأس الحكم، أو بعد فشلها في تحقيق تعبئة شعبية وسياسية داخلية ضد قرارات سعيّد تجميد البرلمان وتجريد أعضائه من الحصانة وإقالة الحكومة.

ويحقق القضاء التونسي في عقد (لوبينغ) وهي -شركة ضغط-، أبرمته الحركة في 2021، للقيام بحملة لصالحها في الولايات المتحدة الأمريكية بغرض تحسين صورتها والتلاعب بالرأي العام، من أجل تشكيل مجموعة ضغط ضد الرئيس قيس سعيّد بعد قراراته الاستثنائية.

كما تداول الإعلام التونسي خلال الفترة الماضية، وثائق حول عقد أبرمته الحركة ووكالة "بورسن كوهن أند وولف" بتاريخ 29 تموز (يوليو) 2020، بقيمة (30) ألف دولار، هدفه تيسير تواصل الحزب مع الفاعلين الرئيسيين بالولايات المتحدة الأمريكية، وتوفير دعم وسائل الإعلام، وتقديم استشارة في الاتصال الاستراتيجي، وهو الأمر الذي يمنعه ويعاقب عليه القانون التونسي الذي يحظر حصول الأحزاب السياسية على دعم أجنبي   وحيازة الأموال من الخارج.

سعيّد: تونس ليست تحت الاستعمار أو الانتداب، بل دولة مستقلة ذات سيادة، ونعلم جيداً ما نقوم به في ظل احترام شامل للقانون

كذلك فتح القطب القضائي الاقتصادي والمالي تحقيقاً ضدّ حركة النهضة وحزب قلب تونس وجمعية عيش تونسي حول عقود اللوبينغ التي تتعلق بالحصول على تمويل أجنبي للحملة الانتخابية وقبول تمويلات مجهولة المصدر، وذلك اعتماداً على ما كشفه التقرير الختامي لدائرة المحاسبات حول نتائج مراقبة تمويل الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها والانتخابات التشريعية لعام 2019.

واُثير الجدل مراراً في تونس حول العلاقات التي تربط حركة النهضة الإسلامية بالدوحة وأنقرة، في إطار أجندة سياسية مرتبطة بالمشروع الإخواني في تونس، خلال العشرية الماضية التي يصفها التونسيون بـ "العشرية السوداء".

وقد حاول زعيم الحركة خلال الأعوام الأخيرة استغلال منصبه كرئيس للبرلمان التونسي لتمرير اتفاقيات مشبوهة تمكن الدول الداعمة لجماعة الإخوان المسلمين من إحكام السيطرة على الاقتصاد المحلي.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية