تونس: هل تُسرّع الإيقافات في صفوف الإخوان بأفول حركة النهضة؟

تونس... هل تُسرع الإيقافات في صفوف الإخوان بأفول حركة النهضة؟

تونس: هل تُسرّع الإيقافات في صفوف الإخوان بأفول حركة النهضة؟


20/02/2023

وسط تراجع حظوظ الجماعات الإسلاموية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ظهرت في الآونة الأخيرة صعوبات جديدة أخرى أمام حركة النهضة الإخوانية بتونس مع بدء السلطات التحقيق في جرائم الحزب خلال فترة توليه السلطة.

ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل بدأت الملاحقات القضائية ضد نواب من التنظيم وحلفائه، وفتحت تحقيقات ظلت معلقة بأوامر منه للتغطية على ملفات فساد تمس الأمن الاقتصادي وحتى القومي للدولة.

ولم تعد حركة النهضة في وضع يؤهلها للاستمرار كحزب سياسي قائم في تونس، حيث لم يبقَ لرئيسها راشد الغنوشي غير دعم عائلته ودائرته الضيقة؛ إذ تبدو متجهة بخطى حثيثة نحو الوهن، وسط توقعات بخروج مزيد من المجموعات لتكوين أحزاب جديدة، وستحاول القوى المتطرفة داخل الحزب اللجوء إلى ردود فعل عنفية بعد تشظي الحركة.

إيقافات قد تعجّل بزوال النهضة

النهضة التي أنهكتها قرارات 25 تموز (يوليو) 2021، وانفضّ من حولها أغلب قياداتها التاريخيين، وفتحت في وجهها أبواب الجحيم القضائي، التي أوصدتها بأتباعها في كل الإدارات، قد تسرّع بأفولها وخروجها من المشهد السياسي نهائياً الإيقافات الأخيرة.   

والسبت اعتقلت السلطات التونسية الناشط السياسي خيام التركي، وعبد الحميد الجلاصي، القيادي الإخواني والبرلماني السابق عن حركة النهضة، وكمال لطيف رجل الأعمال التونسي، بالإضافة إلى فوزي الفقيه، وهو أكبر مورِّد للقهوة في تونس، وسمير كمون، وهو أحد موردي الزيوت النباتية، والأخيران متهمان بالمضاربة والاحتكار، وسامي الهيشري المدير العام السابق للأمن الوطني.

انفضّ من حولها أغلب قياداتها التاريخيين

ومساء الإثنين الماضي اعتقلت قوات الأمن التونسي المحامي الأزهر العكرمي ووزير العدل السابق الإخواني نور الدين البحيري، الملقب بـ "العقل المدبر لإخوان تونس".

وخيام التركي كان قيادياً بارزاً في حزب التكتل الديمقراطي بين عامي 2011 و2014، وقد رشحه الحزب وزيراً للمالية في حكومة حمّادي الجبالي، لكنّه انسحب إثر تورطه في قضايا فساد مالي، كما رشّحته حركة النهضة مع أحزاب أخرى لمنصب رئاسة الحكومة عام 2020، لكنّ الرئيس قيس سعيد كلف هشام المشيشي بهذه المهمة.

ويُعرف عن كمال لطيف (68) عاماً بأنّه رجل علاقات عامة ولوبيات تأثير، وظهر اسمه بقوة بعد ثورة 2011، بُعيد سقوط نظام زين العابدين بن علي، وقد اتهمه سياسيون وبرلمانيون بالتدخل في القرار السياسي وفي تحريك الأزمات داخلياً وفي تشبيك التحالفات، لامتلاكه شبكة علاقات متشعبة داخل البلاد وخارجها.

فتحت تحقيقات ظلت معلقة بأوامر من التنظيم للتغطية على ملفات فساد تمس الأمن الاقتصادي وحتى القومي للدولة

وعادة ما تنكر النهضة الاتهامات الموجهة إليها، سواء بإنشاء جهاز أمن سري لتنفيذ أجنداتها، أو تلقي تمويلات مشبوهة من الخارج أو غيرها، وتتهم السلطات في البلاد بمحاولة توظيف القضاء لإقصائها من المشهد السياسي.

ومنذ أكثر من عام ونصف العام دخلت المواجهة بين "حركة النهضة" والرئيس قيس سعيد منعرجاً حاسماً عندما أطاح بالبرلمان والحكومة اللذين تسيطر عليهما الحركة، في تطور سارعت الحركة التي تراجعت شعبيتها بشكل كبير إلى وصفه بـ "الانقلاب".

وكشف الرئيس التونسي قيس سعيّد خيوط مؤامرة إخوانية استهدفت النيل من أمن البلاد الداخلي والخارجي، وأوضح أنّ الاعتقالات الأخيرة أظهرت أنّ عدداً ممّن وصفهم بـ "المجرمين"، هم من المتورطين في التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي، مشدداً على أنّ السلطات تملك أدلة إثبات هذه الاتهامات.

وخلال لقاء جمعه بوزيرة التجارة كلثوم بن رجب، أكد قيس سعيد أنّ المعتقلين أطراف مؤامرة تقف وراء الأزمات المتصلة بتوزيع السلع ورفع الأسعار، وتابع قائلاً: "عصابات منظمة تأتمر بأوامر هؤلاء الخونة والمرتزقة...، وهي عصابات لا يهمها لا بائس ولا جائع ولا فقير أو مريض".

قضايا متتالية

والقرارات الأخيرة التي أصدرها القضاء التونسي تأتي بعد قرارات لافتة من بينها توقيف رئيس الحكومة السابق، نائب رئيس "حركة النهضة"، علي العريض، بسبب ملف تسفير التونسيين نحو بؤر التوتر خلال حكم الترويكا في الفترة الممتدة بين 2011 ـ 2013.

وتمّ بعد ذلك أيضاً توقيف القيادي السابق بالحركة عبد الكريم سليمان بتهمة غسيل الأموال، وهي قضية تقدِّر فيها السلطات القضائية الأموال بحوالي (30) مليون دولار.

منذ أشهر توالت جلسات الاستنطاق مع الغنوشي والعديد من القيادات البارزين في حركة النهضة بتهم مختلفة

وكان القضاء التونسي قد جمّد في تموز (يوليو) الماضي أموال الغنوشي ونجله، وبدأت تحقيقات واسعة مع رئيس الحكومة السابق، رئيس مجلس شورى الحركة السابق، حمادي الجبالي، في وقت تواجه فيه النهضة تهمة بتلقي أموال طائلة من الخارج إبّان توليها الحكم إثر انتفاضة 14 كانون الثاني (يناير) 2011.

ومنذ أشهر توالت جلسات الاستنطاق مع الغنوشي والعديد من القيادات البارزين في "حركة النهضة" بتهم مختلفة.

رفض شعبي

وتبين استطلاعات الرأي الأخيرة في تونس رفض الشعب التونسي للتيارات الإسلامية وانهيار شعبيتها وفقدان الشعب ثقته فيها، وإقراره بأنّها تستعمل الخطاب الديني للتغطية على أغراضها السياسية والسلطوية، خاصة بعد أن انكشف تورطها في ملفات الإرهاب والتهريب والاغتيالات السياسية والفساد المالي.

دخلت المواجهة بين "حركة النهضة" والرئيس قيس سعيد منعرجاً حاسماً عندما أطاح بالبرلمان والحكومة اللذين تسيطر عليهما الحركة

كذلك تثبت المظاهرات الحاشدة التي خرجت في 24 تموز (يوليو) 2021 بمختلف محافظات البلاد، التي تخللها حرق مقرات الحزب للمطالبة بإغلاق البرلمان، ومحاسبة الحركة على أعوام الحكم التي أنهكت البلاد وشعبها، تثبت لفظها شعبياً.

هذا الرفض الشعبي سيساهم، بحسب مراقبين، في سرعة زوال الحركة من المشهد السياسي نهائياً  خلال الأعوام القليلة القادمة، دون اعتبار خسارتها لجزء مهم من قواعدها الشعبية وقياداتها ومنخرطيها.

الغنوشي والمسؤولية التاريخية

حركة النهضة التي أصبحت "المؤسسة الإسلاموية" في تونس بعد ثورة 2011، وفشلت في تنفيذ الإصلاحات اللازمة، كان زعيمها الروحي راشد الغنوشي "أكثر اهتماماً بتعزيز حكمه، من تحسين حياة التونسيين"، باتفاق أغلب الدراسات المهتمة بالحركات الإسلامية.

وكان يجري تشجيع الغنوشي على الترشح للبرلمان، وبالتالي رئاسة الوزراء، الأمر الذي ربما دفع الرئيس الحالي قيس سعيّد إلى التدخل، وإقالة حكومة النهضة في عام 2021.

كان زعيم النهضة الروحي راشد الغنوشي أكثر اهتماماً بتعزيز حكمه من تحسين حياة التونسيين

وخلال الأعوام الماضية أجمع مراقبون للشأن التونسي على أنّ مستقبل الإسلام السياسي في البلاد مرتبط بسلوك زعيمه راشد الغنوشي الذي سلك سياسة الهروب إلى الأمام عبر آليتي الحل والتجميد، فقد قام تارة بتهدئة الأصوات الغاضبة وخلق ترضيات جديدة تخضع لإرادته ولا تطالب برحيله من على رأس الحركة، وعمد أحياناً إلى التجميد كآلية عقابية تلجم وتقصي من يخالف توجهات رئيس الحركة.

ويعتبر مؤرخون أنّ الغنوشي تهاوى كشخصية سياسية، ودخل إلى رفوف وثائق التاريخ، ولن يكون له أيّ دور فعلي في المرحلة المقبلة، رغم إصراره على ذلك، وهو ما يدعوه موضوعياً إلى الانسحاب وترك الحياة السياسية.

 

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية