تهديد الملاحة في باب المندب

تهديد الملاحة في باب المندب


31/07/2018

د. أحمد يوسف أحمد


أكد الهجوم الذي تعرضت له ناقلتا نفط سعوديتان يوم الخميس الماضي التهديد الذي يمثله استمرار السيطرة غير الشرعية لــ«الحوثيين» على جزء من اليمن للملاحة عبر مضيق باب المندب، وليس هذا التهديد بجديد فقد سبق لبيان «حوثي» في يوليو 2017 أن هدد بتحويل البحر الأحمر لساحة حرب بعد يوم من استهدافهم ميناء المخا بواسطة قارب محمل بالمتفجرات، ومجدداً هدد الناطق باسم «الحوثيين» في نوفمبر الماضي بضرب الملاحة الدولية في البحر الأحمر وبالفعل أعلن التحالف العربي في الشهر نفسه إحباط عمل وشيك كان «الحوثيون» يعدونه لاستهداف هذه الملاحة، فالتهديد ليس جديداً إذن، وهو متأصل في طبيعة اغتصاب الحوثيين السلطة الشرعية منذ سبتمبر 2014، ولقد لفتني في هذا التهديد الخطير الذي أفضى بالسعودية إلى تعليق شحناتها النفطية مؤقتاً عبر باب المندب الضعف البادي لردود الفعل الدولية، وتذكرت على الفور «المناحة» التي أطلقتها دوائر سياسية وإعلامية غربية بدور بريطاني بارز ودعوة مجلس الأمن للانعقاد عندما بدا أن قوات التحالف بسبيلها إلى تحرير «الحديدة»، وأنها استولت على مطارها بالفعل بحجة «الاعتبارات الإنسانية» وكأن اليمن لم يشهد منذ انقلاب «الحوثيين» كوارث إنسانية متنوعة الأبعاد، وفي الواقع أنني اتهمت نفسى في البداية بضعف المتابعة عندما لم أجد من ردود الفعل ما يتناسب مع هذا الحادث الخطير على الأقل من منظور أمن التجارة العالمية التي يُعَد البحر الأحمر شرياناً أساسياً لها، وكان أقصى ما وجدته من قبيل تحصيل الحاصل، فالمتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة يصف ما حدث بأنه «أمر يبعث على القلق الشديد وتنجم عنه تداعيات خطيرة على الملاحة البحرية» أو الينبغيات كقوله «لا ينبغي تهديد السفن التجارية أو استهدافها»، وكذلك فعل الاتحاد الأوروبي بالقول بأن استهداف ناقلات النفط تهديد للتجارة العالمية والملاحة البحرية، وزاد أنه «يراقب عن كثب تطور الأحداث»، ولقد كنت أتوقع مثلاً أن يقيم الرئيس الأميركي وإدارته الدنيا ولا يقعدها خاصة أن توقيت الحدث لا يخفي على أحد إذ تزامن مع التهديد الإيراني بمنع صادرات النفط الخليجية إنْ توقفت الصادرات الإيرانية.

كما إن ردود الفعل العربية نفسها لم تخرج عن دائرة الإدانة اللفظية، وهو أمر لا يتناسب وخطورة التهديد، والواقع أنني أستغرب أن المجموعة العربية في الأمم المتحدة لم تطلب عقد جلسة لمجلس الأمن لمناقشة هذا التهديد، وقد صرحت مصادر الجامعة العربية بأن الأمر يتطلب موقفاً موحداً من جانب المجتمع الدولي لشجب هذا السلوك الخطير وردعه، فلماذا لا نبادر بالعمل على بلورة هذا الموقف بالدعوة لمناقشته في مجلس الأمن؟ وسوف يُقال بطبيعة الحال وما جدوى المجلس أصلاً طالما لن يحدث اتفاق فيه كما يحدث في معظم القضايا التي يناقشها؟ والواقع أن مثل هذا القول يبدو غريباً في هذه الواقعة بالذات لأنه لا خلاف على خطورة دلالاتها بالنسبة لأمن التجارة العالمية اللهم إلا إذا كان الكل بات يخشى اتخاذ موقف كي لا يُعَرض مصالحه للخطر، ولو كان هذا الاستنتاج صحيحاً فإنه لا يدل على سقوط أخلاقي فحسب وإنما الأهم أنه مؤشر على قصر نظر بالغ في فهم طبيعة التهديد «الحوثي»، وحتى إذا لم يتمكن مجلس الأمن من تبني قرار أو موقف فاعل يكفي أن يكون منبراً لمزيد من فضح «الحوثيين» وإثبات خطورة ممارساتهم ليس داخل اليمن فحسب وإنما بالنسبة للأمن الإقليمي وأمن التجارة العالمية. وإذا انتقلنا من المستوى الدولي إلى العربي، أتساءل أما آن الأوان لبعث الحياة في آليات نملكها ولا نفعلها كمجلس الدفاع العربي المشترك؟ وقد تُثار فكرة غياب الإجماع العربي، وهي فكرة في غير محلها لأن معاهدة الدفاع العربي المشترك تسمح بأن يتخذ المجلس قرارات ملزمة بأغلبية الثلثين، فإذا استحال هذا أما آن الأوان للتفكير في منظومة أمنية عربية تجمع الدول العربية المطلة على البحر الأحمر وتتحمل مسئوليتها في صيانة أمنه الذي تتبجح إيران بالحديث عن تهديده وهي أحد المصادر الرئيسية الآن لهذا التهديد من خلال الوجود الحوثي على ساحله؟ والمهم أن ردود فعل حادثة الاعتداء على ناقلتي النفط السعوديتين لا يمكن أن تقف عند الإدانات اللفظية أو ردود الفعل الدولية الفاترة.


عن "الاتحاد"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية