كشف تقرير عن تصاعد خطاب الكراهية بوتيرة سريعة، مع اندلاع أزمة الروهينغا، عبر موقع "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي، ويحمّل عدد من الخبراء الشبكة الاجتماعية مسؤولية خلق "فوضى" في البلاد.
وظهرت الأدلة على ذلك، عندما اُتهم "فيسبوك" بلعب دور كبير في تداول خطاب الكراهية بميانمار، حين تسببت ملاحقة الروهينغا، في اضطرار 650 ألف شخص للفرار إلى بنغلاديش.
فحص خبير التحقيقات الرقمية والمحلل رايموند سيراتو، 15 ألف منشور عبر "فيسبوك" لمؤيدي مجموعة (ما با ثا) القومية المتشددة، تعود أقدمها إلى عام 2016، وبلغت ذروتها يومي 24 و25 آب (أغسطس) 2017، حينما هاجم أفراد من عرق الروهينغا ينتمون لمجموعة (جيش إنقاذ روهيغا أراكان) القوات الحكومية، تسبب الهجوم المذكور في "عملية تطهير" شنّتها قوات الأمن في ميانمار، التي أجبرت مئات الآلاف من الروهينغا على عبور الحدود.
يكشف تحليل سيراتو تصاعداً في الحراك المعادي للروهينغا على "فيسبوك"؛ حيث تمتلك مجموعة (ما با ثا) 55 ألف حساب، وارتفاعاً في حجم التفاعل مع منشوراتها قدّر بـ 200%.
وأضاف: "لا شكّ في أنّ "فيسبوك" أسهم في تعرف قطاعات من المجتمع على معرفة خطاب الصدام في ميانمار"، موضحاً "ورغم أنّ "فيسبوك" استخدم سابقاً في نشر الكراهية والتشويه، إلّا أنّه (هذا التوجه) اكتسب مزيداً من الزخم إثر الهجمات"، في تصريحات أدلى بها لصحيفة "غارديان" البريطانية.
تمتلك مجموعة ما با ثا 55 ألف حساب فيسبوك وحجم التفاعل مع منشوراتها قدّر بـ 200%
ويتزامن هذا الكشف مع محاولات "فيسبوك" في الوقت الحالي، للتعامل مع الانتقادات الموجهة له على خلفية تسريب معلومات خاصة بمستخدميه، والتخوفات من تداول أخبار كاذبة، وخطابات الكراهية عبر هذه المنصة.
من جانبه، يشير آلان ديفيز من (معهد تقارير الحرب والسلام)، الذي أجرى دراسة على مدار عامين حول خطاب الكراهية في ميانمار، إلى أنّ الأشهر السابقة لآب (أغسطس)، لوحظ فيها أنّ المنشورات عبر الشبكة الاجتماعية بدأت تصبح "أكثر تنظيماً ومحمّلة بالكراهية والعسكرة".
ووقّع فريق البحث التابع لديفيز على قصص زائفة، تؤكّد أنّ "المساجد في رانغون تستغل كمخازن أسلحة بنيّة تفجير عدة معابد بوذية، من بينها شويداغون، وهو المعبد الأكثر قدسية بالنسبة للبوذيين في رانغون، ضمن حملة إهانة للمسلمين". تضمنت هذه الصفحات أيضاً منشورات تحقّر من الروهينغا، وتطلق عليهم صفات مثل لفظة "كلار"، التي تحمل مدلولاً مهيناً للمسلمين و"الإرهابيين البنغال"، فضلاً عن صور تشير لـ "مناطق خالية من المسلمين"، تناقلها مستخدمون 11 ألف مرة.
وعندما أبلغ زملاء ديفي الحكومة بهذه المؤشرات، قيل لهم إنّ الحكومة ليس لديها علم بشأنها، وحينما حاولت تمويل فريق من الصحفيين المحليين لتقصي وتغطية هذا الأمر، رفض جميع الصحفيين العمل لأسباب أمنية، يؤكد ديفيز أنّ هذه كانت اللحظة الحاسمة، قائلاً: "اعتقد الناس: حسناً، يمكننا مواصلة القيام بالأمر ذاته".
فيسبوك كمصدر وحيد للمعلومات
كان 1% فحسب من مواطني ميانمار يمتلكون اتصالاً بالإنترنت، عام 2014، لكن عام 2016 بدا أنّ هناك المزيد من مستخدمي "فيسبوك" في ميانمار، أكثر من أي دولة أخرى في جنوب آسيا، وهناك اليوم 14 مليون مواطن على الأقل، لديهم حسابات على الشبكة الاجتماعية.
وقد كشف تقرير أعدته الهيئة العالمية التي تمثل الشركات المشغّلة للخدمات الهاتفية (جي إس إم إيه)، في 2016، أنّ عدداً كبيراً من الأشخاص في ميانمار، لديهم حسابات على "فيسبوك"، يعتمدون عليها كمصدر وحيد للمعلومات؛ حيث يعدّ كثيرون منهم المنشورات المتداولة كمعلومات.
بينما يؤكد خبير في الأمن السيبراني من رانغون، فضّل عدم الكشف عن هويته خشية تعرضه للهجوم على الإنترنت، أنّه "ربما يكون؛ فيسبوك، المصدر الوحيد للمعلومات عبر الشبكة الإلكترونية بالنسبة إلى الغالبية في ميانمار".
قبلت ميانمار زيارة مجلس الأمن الدولي لكن من غير الواضح إذا كان بوسع السفراء دخول ولاية راخين
وفي مطلع آذار (مارس) الماضي، حذّر محقق الأمم المتحدة لميانمار، يانغي لي، من أنّ "فيسبوك" "تحوّل إلى وحش. يستخدم في بثّ رسائل عامة، لكنّنا نعلم أنّ البوذيين من القوميين المتشددين لديهم حساباتهم الخاصة في "فيسبوك"، ويحرّضون على العنف وينشرون الكراهية ضدّ الروهينغا أو الأقليات العرقية الأخرى".
وبعد ثلاثة أشهر من الرفض، قبلت ميانمار استقبال زيارة من مجلس الأمن الدولي، لكن ما يزال من غير الواضح ما إذا كان بوسع السفراء دخول ولاية راخين، وفق ما كشف عنه مؤخراً رئيس المجلس.
وتوضح متحدثة باسم "فيسبوك"، أنّ الشركة تبذل مزيداً من الجهود للقضاء على الكراهية، وحذف الحسابات التي تنشرها؛ حيث صرّحت "نأخذ هذا الأمر على محمل الجدّ، وقد عملنا مع خبراء في ميانمار على مدار أعوام، لتطوير إجراءات الأمن ومواجهة هذه الحملات".
وكان الرئيس التنفيذي لـ"فيسبوك"، مارك زوكربرغ، قد أكّد مؤخراً أنّ نشر خطاب الكراهية عبر الشبكة الاجتماعية في ميانمار يمثل "مشكلة حقيقية".
وطلب سيراتو إلى "فيسبوك" قدراً أكبر من الشفافية فيما يتعلق بالمعلومات؛ حيث استدلّ "ليس لدينا وسيلة لمعرفة أيّ نوع من المنشورات يروق للناس ويتداولونه؛ لذا لا يمكننا رؤية كيف تتناقل المعلومات الكاذبة وخطاب الكراهية عبر الشبكة الاجتماعية".
بيد أنّ ديفيز يؤكد أنّ الضرر قد وقع بالفعل؛ حيث قال: "أعتقد أنّ الأمور ذهبت لمدى أبعد مما يعتقد بالفعل في ميانمار، لا أعلم كيف يستطيع زوكربرغ وشركته النوم، إذا كان لديهم شيء من الوعي، ينبغي أن يستثمروا نسبة معقولة من ثرواتهم في معالجة الفوضى التي خلقوها".
كما وجهت الاتهامات لـ"فيسبوك" بتسهيل العنف في دول أخرى من المنطقة؛ ففي آذار (مارس) الماضي، شهد حيّ كاندي في سريلانكا أعمال شغب واسعة النطاق وحرائق أضرمها قوميون بوذيون متطرفون.
وصرّح وزير الاتصالات في سريلانكا، هارين فرناندو، لجريدة "غارديان"، بأنّ الحكومة أمرت بإغلاق "فيسبوك"، وشبكات اجتماعية أخرى، عندما وصل العنف لقمّته، مشدداً "قد تحترق هذه البلاد بالكامل في غضون ساعات".
لكنّ تحليلاً لـ 63 ألف و842 منشور عبر "فيسبوك"، أجراه يودهانغايا ويغراتني، الكاتب ومحلل البيانات، توصّل إلى أنّ حظر الموقع الاجتماعي أبعد نصف المستخدمين في البلاد، ولجأ كثيرون منهم إلى اتصالات خاصة افتراضية (في بي إن)، كي يتمكنوا من الدخول إلى الشبكة الاجتماعية.
تحليل عن استخدام "فيسبوك" في إذكاء العنف بميانمار تجاه أقلية الروهينغا، نُشر بصحيفة "الدياريو" الإسبانية.
//0x87h