تضامن عربي مع السعودية: قرار أوبك بلس تقني وليس سياسياً

تضامن عربي مع السعودية: قرار أوبك بلس تقني وليس سياسياً

تضامن عربي مع السعودية: قرار أوبك بلس تقني وليس سياسياً


19/10/2022

أشعل قرار "أوبك بلس"، منظمة البلدان المصدرة للبترول، والتي تتكون من 13 دولة، بالإضافة إلى حلفائهم بقيادة روسيا، بخفض إنتاجها بمقدار مليوني برميل يومياً، اعتباراً من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، سجالات عنيفة بين الولايات المتحدة والسعودية، ما جعل النقاش يحتدم من جديد حول الخلفيات السياسية لهذا القرار، أو اعتباره مجرد إجراء اقتصادي.

وأعربت مصر والإمارات والبحرين، أول من أمس، عن "التأييد والتضامن الكامل" مع السعودية، ورفضها القاطع لـ"تسييس" قرار مجموعة أوبك بلس بشأن خفض إنتاج النفط. وشدّدت وزارة الخارجية والتعاون الدولي في الإمارات على أن "دولة الإمارات وكعضو في المجموعة وشريك للسعودية تؤكد على الطبيعة التقنية للقرار، وترفض التصريحات التي تدفع باتجاه تسييسه"، وفق "سي إن إن عربية".

وقالت وزارة الخارجية المصرية إنّ "مصر تدعم الموقف الذي عبرت عنه السعودية في شرح الاعتبارات الفنية لقرار أوبك بلس، باعتباره يهدف في المقام الأول لتحقيق انضباط سوق النفط، وبما يكفل تعزيز قدرة المجتمع الدولي على التعامل مع التحديات الاقتصادية الراهنة".

وأشادت وزارة الخارجية البحرينية بـ"الدور المحوري للسعودية في ضمان أمن الطاقة واستقرار السوق النفطية بما يحقق التوازن بين مصالح المنتجين والمستهلكين، ويعزز الرخاء والازدهار لشعوب المنطقة والعالم".

الرياض وواشنطن.. نحو طريق آخر

وفي ما يبدو أنّ لقرار "أوبك بلس" تداعيات جمّة على مستوى العلاقات بين المملكة والولايات المتحدة، والتي ظلت، على مدار ثمانية عقود، تقوم على ثنائية الأمن مقابل الطاقة. كما أنّه يثير جدالاً حول مستقبل العلاقات بين واشنطن والرياض، إذ أوضح الأكاديمي الأمريكي بجامعة واشنطن، جورج لينتش، أنّ "السعودية قررت الوقوف على الجانب الآخر من الخط الفاصل الذي تعتبره واشنطن الأهم في السياسة الدولية"ـ وتابع: "السعودية قررت الانحياز لموسكو، وأدارت ظهرها للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين".

وفي المقابل، ألمحت عضو المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أولريكه فرانكه، إلى أنّ السعودية بهذا القرار تصنع "تحولاً جيوسياسياً" في علاقاتها مع الولايات المتحدة.

يحيى الشبرقي: العلاقات السعودية الأمريكية "لن تتأثر بمثل هذه التصريحات العرضية والمؤقتة"

ورغم الهجوم الأمريكي على القرار ثم بيان السعودية الحاد، وكذا الاصطفاف الخليجي مع الأخيرة، فإنّ العلاقات السعودية الأمريكية "لن تتأثر بمثل هذه التصريحات العرضية والمؤقتة"، حسبما يوضح المحلل السياسي السعودي، يحيى الشبرقي، موضحاً لـ"حفريات" أنّ العلاقات بين البلدين متينة "بحكم العلاقات الإستراتيجية التاريخية الممتدة لقرابة 90 عاماً".

كما أنّ واشنطن والرياض بينهما أكثر من 720 شركة، تتخطى استثماراتها أرقاماً هائلة بمليارات الدولارات، وفق الشبرقي، ولذلك "دائماً ما نسمع أنّ واشنطن الشريك الأول للرياض اقتصادياً والعكس صحيح. وفي أعراف السياسة، فإنّ التصريحات والتعليقات لا تقدم أو تؤخر كثيراً، بحكم أنّ أساس العلاقات يكون قائماً على شراكات اقتصادية مليارية أو ترليونية ضخمة ومتنامية. وهذا ما يتم التركيز عليه من الجانبين، ثم، من وجهة نظري، أنّ رئيس الولايات المتحدة لا يدير البلاد، بصورة منفردة، إنّما هو مرتبط بمؤسسات قوية وراسخة. والثابت أنّ العلاقات الإستراتيجية تقوم على عدة أمور براغماتية، أهمها أو من بينها المصالح الاقتصادية التي لو تسبب بايدن في مشكلات أو نتائج سلبية بشأنها سوف يكون خارج منظومة الإدارة الأمريكية، وبخاصة لدولة اقتصادها يتقدم على سياستها وعلى كل اعتبار".

الطاقة ليست سلاحاً سياسياً أو عسكرياً

ويردف الشبرقي: "صحيح هناك أصوات متشددة، وتصريحات لاذعة ومفخخة تخرج من اليمين واليسار القابع خلف كواليس الإدارة الأمريكية، بل إنّ بعضهم من النواب أو من أعضاء الكونغرس، ولكنّ السعودية صاحبة خبرات سياسية تراكمية مع حليفها الإستراتيجي، ولذلك؛ لم تنشغل الرياض بمجاراة الحملة العنيفة ضد قرار المنظمة، بينما أصدرت فقط بياناً رسمياً واحداً. وعليه، فإنّ بايدن يسعى لمصالحه الشخصية المرتبطة بأوضاعه المهتزة وغير المستقرة في الانتخابات القادمة، حيث يشعر بأنّه قد يخسر الجولة القادمة، فضلاً عن خسارة الديمقراطيين المتوقعة في انتخابات التجديد النصفي، المزمع إجراؤها، الشهر المقبل، مع الأخذ في الاعتبار أنّ هذه الإدارة الديمقراطية قد تكبدت خسائر هائلة في عدد من الملفات السياسية، محلياً وخارجياً".

يبدو أنّ لقرار "أوبك بلس" تداعيات جمّة على مستوى العلاقات بين المملكة والولايات المتحدة، والتي ظلت، على مدار ثمانية عقود، تقوم على ثنائية الأمن مقابل الطاقة

ويؤكد المحلل السياسي السعودي على أنّ السعودية "لم تستخدم مطلقاً الطاقة باعتبارها سلاحاً عسكرياً أو سياسياً، بل إنّ الطاقة حق تنموي لكل شعوب الأرض. ولذلك ليس من المنطقي أن يخلط بايدن هذا القرار بالأمور السياسية".

 وقال الأمين العام للمنظمة هيثم الغيص إنّ "أسواق النفط تمر بمرحلة من التقلبات الشديدة"، ولذلك فإنّ "هدف أوبك والمنتجين من خارجها هو الحفاظ على استقرار السوق". غير أنّ الرئيس الأمريكي جو بايدن شدد على أنّ هناك "عواقب" حيال هذه الخطوة التي قد تتسبب في ارتفاع أسعار النفط، وبالتالي ملء خزائن روسيا من عائداتها النفطية لتمويل حربها في أوكرانيا.

وأضاف الغيص: "نحن لا نتحكم في الأسعار.. والمنظمة لا تستهدف سعراً معيناً ولكن تستهدف التوازن بين العرض والطلب". وأوضح أنّ استقرار أسواق النفط العالمية مهم للمستقبل ونحن لا ننظر فقط إلى اليوم.

وأجاب الغيص عن احتمالية مراجعة قرار أوبك بلس، فقال: "في أوبك دائماً القرارات فيها متسع من المرونة.. قراراتنا المتخذة فنية بحتة". وأكد على أنّ هناك رغبة من بعض الدول للدخول في منظمة أوبك. كما شدد على أنّ المنظمة "لا تنحاز لطرف مقابل آخر، وليست منظمة سياسية". وتابع: "أوبك تقوم بتحليل بيانات تتعلق بالاقتصاد العالمي والتطورات الاقتصادية والمؤشرات والتوقعات، والتي يكون لها تأثير مباشر على الطلب على النفط ومستقبل الطاقة، وهذا دور أوبك منذ تأسيسها".

الجميع سيخرج منها خاسراً!

وإلى ذلك، اتهم البيت الأبيض الرياض بـ"الإلتفاف" على الحقائق بغية "حرف مسارها"، وذلك بعد توضيح الرياض المبررات الاقتصادية لقرار المنظمة. وقال منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي، في بيان، إنّه "يمكن لوزارة الخارجية السعودية أن تلتف وتحرف المسار، لكنّ الحقائق واضحة وبسيطة".

وأردف: "يحشد العالم نفسه من أجل الوقوف خلف أوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي". وتابع: "لقد لعبت الولايات المتحدة دوراً محورياً في تشكيل هذا التحالف، ودعت القيادة السعودية للانخراط فيه".

بايدن يسعى لمصالحه الشخصية المرتبطة بأوضاعه المهتزة وغير المستقرة في الانتخابات القادمة

وذكر كيربي في بيانه أنّ "دولاً أخرى من أوبك تواصلت معنا بشكل خاص وقالت إنّها اختفلت مع القرار السعودي، لكنها دعمت توجه الرياض مكرهة".

وعاود كيربي التأكيد على أنّ الولايات المتحدة "تعيد تقييم علاقاتها مع السعودية على ضوء هذه الخطوات".

وفي حديثه لـ"حفريات" يقول عبد الله أحمد الزهراني، رئيس تحرير صحيفة مكة الإلكترونية، إنّ الموقف الأمريكي "غير المتزن" من قرار أوبك بلس قد "صدم حتى الحكماء من الأمريكيين؛ لأنّه جانبَ الموضوعية وعمد إلى تسييس القرار".

ويرى الزهراني أنّ الإدارة الأمريكية الحالية تتعامل مع الأمر وكأنها تقول للجميع "من ليس معي فهو ضدي. وهذا الاستقطاب سوف يجعل الإدارة الحالية تخسر الكثير من حلفائها، وسيعزلها عن شركائها التاريخيين".

رئيس تحرير صحيفة مكة الإلكترونية، عبد الله أحمد الزهراني لـ"حفريات": الموقف الأمريكي غير المتزن من قرار أوبك بلس قد صدم حتى الحكماء من الأمريكيين

ويتابع: "لقد أعلنت المملكة موقفها من قرار أوبك بلس الذي اتخذ بتوافق أعضائها، كما أنّه انحاز إلى المصلحة الاقتصادية، بعكس أمريكا عندما رفعت سعر الغاز أربعة أضعاف على حلفائها في أوروبا. ولذلك؛ على الساسة في واشنطن إدراك التغير النوعي في سياسة المملكة، والمتمثل في وجود قيادة شابة تتسم بالذكاء والشجاعة في اتخاذ القرارات المصيرية في الوقت المناسب. كما أنّ محاولة فرض التبعية على السعودية لم يكن مقبولاً في الماضي واليوم أصبح مستحيلاً".

السعودية ودول أوبك بلس لديهم الكثير من الخيارات واستمرار "العنجهية الأمريكية" قد يدفعهم إلى إعادة النظر في ربط النفط بالدولار، وفق رئيس تحرير صحيفة مكة الإلكترونية، متسائلاً: "لو أنّ السعودية منحازة لروسيا هل كانت ستقدم مساعدات لأوكرانيا؟ أو تربط الريال بالدولار منذ عام 1986 حتى اليوم".

ويختم: "موقف السعودية يبدو متوازناً مع مصالحها الاقتصادية، والأزمة الدولية هي التي تسببت في هذا الاستقطاب، وقسمت العالم إلى معسكرين، لكنّ السعودية تقف على مسافة واحدة من سائر الأطراف والقوى، وتدفع باتجاه إنهاء الحرب؛ لأنّ الجميع سيخرج منها خاسراً".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية