تركيا والغرب من صراع المصالح إلى العمى الأيديولوجي

تركيا والغرب من صراع المصالح إلى العمى الأيديولوجي


13/11/2021

هل أن تركيا والولايات المتحدة مستعدتان حقًا لتخفيف التوتر؟

بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002 ، حدث تحول ملحوظ في توجه السياسة الخارجية لأنقرة. بعد التطورات الهائلة في الشرق الأوسط في أعقاب الربيع العربي، خضعت السياسة الخارجية التركية لتوجهات جديدة منها مد اذرع السلطة باتجاه جماعات الاخوان المسلمين والبحث عن فرص ومواطئ قدم في عدد من بلدان الربيع العربي.

ووجد حزب العدالة والتنمية ملزما بالوفاء بالتزامات لابد منها على صعيد السياسة الخارجية الموالية للغرب خلال العقد الأول من حكمه كرد فعل على التطورات العالمية والإقليمية وتغيير ميزان القوى الإقليمي.

وفي هذا الصدد وجد الحزب الحاكم نفسه ملزما امام الرأي العام  باتخاذ العديد من الخطوات ومنها السعي لتحقيق العضوية في الاتحاد الأوروبي واتباع سياسة خارجية تحاول ارضاء الغرب ثم ما لبث اردوغان بعدما امن دعم الغرب ان انقلب باتجاه اخر رافعا شعار الاستقلالية والتنوع خلال العقد الثاني من حكمه، والذي تزامن مع الربيع العربي.

لم يمر وقت طويل حتى فسرت الدول الغربية التوجه الجديد في السياسة الخارجية التركية على أنه تحول في المحور وأن أنقرة تنأى بنفسها عن الغرب.

لكنهم جميعًا يدركون أن تركيا ليست حليفًا لإيران في المنطقة ولا عدوًا طبيعيًا لإسرائيل لكنها تناور في علاقاتها معهما وتمارس اشكالا شتى من المناورات السياسية المصحوبة بشعاراتية لابد منها.

 انقرة مثلا  ترفض تارة وتسكت اخرى على  التوسع الإقليمي الإيراني والتوسع الإسرائيلي وانتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، والهدف الرئيسي المعلن لأنقرة هو تطوير سياسة إقليمية شاملة وشاملة بينما الهدف الحقيقي هو عدم التفريط بالمصالح مع جميع الاطراف وبما فيها ايران واسرائيل.

هذا التحول تنظر اليه انقرة على انه  ليس فقط نتيجة مباشرة للتغييرات داخل تركيا ولكن أيضًا التغييرات داخل العالم الغربي، أي الولايات المتحدة والدول الأوروبية.

بينما أجبرت الظروف الجديدة تركيا على التركيز بشكل أكبر على شؤون الشرق الأوسط وذلك في سياق سياسة ملء الفراغ، بدأت الدول الغربية نهجًا جديدًا للسياسة الخارجية فيما يتعلق بتركيا والمنطقة. وبدأوا في التشكيك في عضوية تركيا في التحالف الغربي وطوّروا مواقف سياسية واقتصادية وثقافية تتعارض مع المصالح الوطنية لتركيا وكل ذلك له اسبابه المتراكمة ومنها الغزو التركي لأراض سورية والبقاء فيها حتى الساعة فضلا عن دعم جماعات متطرفة وخاصة جبهة النصرة وقبل ذلك السماح لالاف الارهابيين بالمرور عبر الاراضي التركية للالتحاق بتنظيم داعش الارهابي.

لا بد من الأخذ في الاعتبار أن الظروف البيئية ومواقف الطرفين وموقف الدول الغربية وتركيا والمخاوف الأمنية المتغيرة في المنطقة قد أثرت على مسار العلاقات بين تركيا والغرب.

أدت الموجة الجديدة من العنف وانعدام الأمن في الشرق الأوسط في أعقاب الربيع العربي إلى قيام تركيا بتعزيز تركيزها على الأمن في سياستها الخارجية والتدخل في سوريا والعراق وليبيا عسكريا ومخابراتيا وامنيا ضاربة بعرض الحائط ارادة الغرب ومواقفه.

بعبارة أخرى، كانت السياسة الخارجية البراغماتية في جانب منها والمتخبطة في جانب اخر بحسب مزاج اردوغان  سببا فب تقاطع الرؤى مع الدول الغربية وهي التي أحدثت تحولًا جذريا في نهجها تجاه السياسات الخارجية مع تركيا قوامها عنصرين هما الحذر والاحتواء.

اتبعت الدول الغربية سياسة ندية للحد من تهور الحكم في  تركيا على مدار العقد الماضي.

كان الشرق الاوسط غارقا في الفوضى وتركيا ورطت نفسها في الصراعات بكل اشكالها بحجة ان هنالك من يستهدف تركيا، واتهمت تركيا الموقف الغربي بأنه أعمى أيديولوجيا. وانه لا يريد تبني موقف يأخذ في الاعتبار مصالح تركيا وأولوياتها، هذا التفسير الأحادي، اكتسب المزيد من الدعم عبر الغرب.

تطلبت المطالب الداخلية لتركيا وانعدام الأمن الإقليمي والديناميكيات العالمية التحول إلى سياسة خارجية أكثر مثقلة بالمشاكل.

الحلفاء الغربيون توقفوا عند تفسير التغيير على أنه سعي تركي وراء هويات جديدة، إمبريالية عثمانية جديدة ودينية اخوانية.

 وفقًا لهذا الخط الفكري، افترضت الدول الغربية أن تركيا في ظل حكم حزب العدالة والتنمية تركت هويتها الحداثية ذات التوجه الغربي وراءها حتى يثبت العكس.

وقد ساهم ذلك في ظهور نظرة الدول الغربية الحذرة للغاية إلى تركيا وفي اتباع سياسة خارجية قائمة على فهم اشكالي مع أنقرة.

على الرغم من أن تركيا تدعي انها تهدف  إلى تطوير علاقة بناءة ومتساوية مع الدول الأوروبية، إلا أن واقع الحال يقول غير ذلك. أثارت مواقف تركيا الإقليمية في أزمات إقليمية مختلفة مثل سوريا وليبيا والصومال القلق في معظم العواصم الغربية.

 إن تصريحات المسؤولين الغربيين حول استخدام الطائرات التركية بدون طيار في ناغورنو كاراباخ من قبل أذربيجان وفي منطقة دونباس من قبل أوكرانيا ليست سوى أحدث التحركات لكبح جماح تركيا.

وعلى الرغم من تحذيرات الدول الغربية لأنقرة الا انها تواصل التعامل مع القوى الغربية مثل الولايات المتحدة وفرنسا بطريقة انتهازية تعتمد على فرض الامر الواقع والقبول بإملاءات اردوغات ومعاملته بمزيد من الرضا والقبول.

في المقابل كنت هنالك ازمات تركية في العلاقة مع  اليونان ومصر وإسرائيل في شرق البحر المتوسط وكانت الحملات الدعائية التركية تدعي ان الهدف هو ​​لعزل تركيا في المنطقة.

ثم جاءت القضية الكردية الشائكة والمعقدة والدعوى التركية بأن الغربيون يدعمون من يسمون الأجنحة السورية لحزب العمال الكردستاني، قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب، في الأزمة السورية لتزيد تلك العلاات تعقيدا.

انقرة ليس في حساباتها إقامة علاقات عقلانية مع الغرب في وقت يمر فيه النظام العالمي بمرحلة انتقالية وفي بيئة عولمت فيها العديد من الأزمات الإقليمية في المنطقة، بل ان انقرة تريد إضفاء طابع آخر خلاصته ان  تركيا هي ند للغرب وانها باستقلايلتها تستطيع ان تمد اذرعها العسكرية والمخابراتية في كل الساحات دونما رادع وفي حال اعتراض الغرب على ذلك فسرعان ما سوف تتهمه تركيا بأنه مصاب بعمى أيديولوجي.

ومن الطبيعي أن يكون لهذا التحول إلى الآخر تأثير سلبي على تركيا ؛ ومع ذلك، فإنه سوف يؤثر على الدول الغربية ايضا وهو ما لا تريده بل تريد علاقة مصالح متوازنة مع انقرة.

عن "أحوال" تركية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية