شكّل خبر إلقاء السلطات التركية القبض على عناصر من الإخوان المسلمين الفارّين إليها صدمة في أوساط الجماعة وحلفائها، فتركيا التي لطالما اعتُبرت ملاذاً آمناً لجماعة الإخوان، وتحميهم وتمنع تسليمهم للسلطات المصرية لبدء محاكمتهم على ما نُسب إليهم من جرائم، ها هي ذي، حسب الخبر الذي أوردته قناة العربية، تحتجز 23 عضواً منهم.
شكّل خبر إلقاء السلطات التركية القبض على عناصر من الإخوان المسلمين الفارّين إليها صدمة في أوساط الجماعة
وأشار الخبر إلى وجود تقارير أمنية تتحدث عن أنّ السبب هو تورطهم في العمل لصالح أجهزة مخابراتية غربية بهدف توفير ملاذات آمنة لعناصر إخوانية، وهو تفسير يثير الدهشة، فالإخوان في تركيا أصلاً من جنسيات مختلفة، وهم يتواصلون مع المخابرات التركية ضد أوطانهم، فهل كان يتوقع الأتراك أن يكون الإخوان أكثر ولاء لتركيا!
أثار هذا الخبر العديد من الأسئلة؛ مثل: لماذا لم تكشف السلطات التركية عن هوية وأسماء المقبوض عليهم؟ وهل هم من الصف الأول، أم مجرد عناصر متمردة على تنظيم الإخوان التابع لإبراهيم منير؟ ولماذا لم تطلب منهم الرحيل ومغادرتها دون إحداث ضجة إعلامية؟ وهل هذا الإجراء يمثل تحولاً في موقف تركيا ضد الإخوان، وأنّ السلطات هناك أدركت أخيراً خطورة اتخاذ جماعة الإخوان أراضيها نقطة ارتكاز لتحركاتها في أوروبا وآسيا، وهذه التحركات قد تعقد العلاقات الأوروبية التركية أكثر ممّا هي عليه حالياً؟
خبراء: علاقة تركيا بالجماعة مازالت قوية وهذه الإجراءات قد تكون محاولة لامتصاص الضغوط الداخلية والخارجية
وهل يشير ذلك أن ثمّة محاولة من تركيا للتقرّب من مصر، وأنّ هؤلاء الـ23 إخوانياً قرابين لمصالحة مشتركة سيتبعها إجراءات أخرى؟ ومعلوم أنّ الدولة المصرية ترفض أي تقارب تركي دون تسليم المطلوبين وإغلاق المنصات الإعلامية التي تهاجمها من الأراضي التركية.
أم أنّ الأمر ليس تحولاً حقيقياً، بل مجرّد رسالة طمأنة للمجتمع الأوروبي مفادها أنّ أنقرة يمكنها التخلي عن حماية الإخوان مقابل مصالحة أوروبية معها، تضمن توقف الهجوم عليها باعتبارها دولة راعية للإرهاب؟
اقرأ أيضاً: الإخوان في قطر: تيار سياسي أم أكثر من ذلك؟
يقول الباحث في العلاقات الدولية، مصطفى صلاح إنّ "توقيت إلقاء القبض على بعض عناصر جماعة الإخوان في تركيا ذو دلالة مهمّة، وهو أنه تزامن مع الإعلان عن إمكانية المصالحة العربية مع قطر، وبالتالي خروج تركيا من المعادلة، وبالتالي جاءت هذه الخطوة رسالة بأنّ تركيا لن تتحمل الإخوان بمفردها، فقد كانت على خط الأزمة منذ بداياتها".
وأوضح صلاح، في حديثه لـ"حفريات" أنّ "وجود الإخوان داخل تركيا، والسياسات التي يتبناها حزب العدالة والتنمية بالاستثمار في الإسلام السياسي، كان لهما تأثير سلبي على الأوضاع الداخلية، ممثلة بانهيار الليرة أمام الدولار وارتفاع نسبة البطالة، وخارجياً ممثلة بتوتر علاقات تركيا الإقليمية والدولية، سواء مع الدول العربية أو دول الاتحاد الأوروبي، ممّا ساهم في زيادة نصيب المعارضة في الانتخابات البلدية الأخيرة، وفقدان شعبية حزب العدالة والتنمية، والاستقالات التي قدّمها أحمد داود أوغلو وعلي باباجان، وآخرهم بولنت أرينج، ومن ثمّ فإنّ تنامي هذه الضغوط على أنقرة يمكن أن يكون محرّكاً لإبداء بعض السياسات التحفظية والأمنية تجاه الجماعة، وإن كانت بصورة غير كاملة".
اقرأ أيضاً: ماذا قال نائب مرشد الإخوان عن بايدن؟ وما علاقة مصر؟
ويستدرك صلاح أنّ علاقة تركيا بجماعة الإخوان ما زالت قوية، وأنّ هذه الإجراءات قد تكون محاولة لامتصاص الضغوط الداخلية والخارجية عليها، "ولا ننسى أنّ جماعة الإخوان إحدى وسائل السياسة الخارجية التركية في تنفيذ أجندتها الإقليمية والدولية، سواء في الدول العربية أو في الدول الأوروبية، ويمكن إرجاع ذلك إلى الركيزة الإيديولوجية المشتركة بين الحزب والجماعة بالصورة التي أصبحت فيها تركيا هي الجماعة، والإخوان مجرّد عاملين بداخلها".
الديهي: تركيا لو كانت جادة في نيتها تسليم الإخوان لأغلقت منابرهم الإعلامية التي تبث من أراضيها
من جهته، يرى الباحث في العلاقات الدولية، الدكتور محمد ربيع الديهي، أنّ علاقة تركيا بالإخوان أكثر قوة من أن تنهار لمجرّد إعلان أنقرة القبض على عدد من جماعة الإخوان، مشككاً في تصريحه لـ"حفريات" بجدية هذه الخطوة وفاعليتها قائلاً: "إنّ الحديث التركي المتكرر عن رغبته في التصالح مع القاهرة واستعداده لتسليم العناصر الإخوانية مجرّد وهم كبير، فالعلاقة بين الإخوان وتركيا علاقة مصيرية، وليست مجرد تحالف طارئ، فنظرة النظام الحاكم لجماعة الإخوان على أنها المنبع الأول لكل الحركات الإسلامية في العالم، وكذلك المصدر الأول للفكر التكفيري والإرهابي".
وتابع: "لهذا تستخدم تركيا الإخوان في تيسير الكثير من الأمور؛ كالاتصال بين أردوغان والجماعات المتطرّفة لتنفيذ مخطط تركيا لخلق صراعات داخل الدول وإنهاكها بحرب العصابات أو بالحرب ضد الإرهاب. ومن هنا يمكنني القول إنّ تركيا لا يمكنها أن تتخلى عن جماعة الإخوان، على الأقل في الوقت الراهن، وإنها ليست جادّة في تسليم الإخوان أو القبض عليهم، وربما يكون قد تم القبض على هؤلاء الشباب وفقاً لتنسيق بين الحكومة التركية وقيادات الجماعة، لكونهم يمثلون تمرداً على تلك القيادات، وسوف يتضح ذلك عقب الإعلان عن أسماء العناصر المقبوض عليهم".
اقرأ أيضاً: قطر والإخوان المسلمون... علاقات قديمة ودائمة
ويدلل الديهي على ما ذهب إليه بقوله: "تركيا لو كانت جادة في نيتها لتسليم الإخوان، كان يجب عليها إغلاق المنابر الإعلامية التي تبث من أرضيها وتعمل على أجندة تخريبية للدول العربية، وعلى رأسها مصر، وتكفّ عن نشر الإشاعات والأكاذيب عن الدول العربية فضلاً عن التدخل في شؤون الدول".
وألمح الديهي إلى أنّ "عملية القبض على العناصر الإخوانية قد تكون مناورة تركية للمجتمع الدولي والعربي لتوهمهم بأنها ستغير سياستها الخارجية، وطمأنة المجتمع الدولي، وعلى رأسه الاتحاد الأوروبي الذي من المتوقع أن يفرض عقوبات على أنقرة خلال القمّة الأوروبية المقرر عقدها خلال هذا الشهر كانون الأول (ديسمبر) 2020"، مضيفاً: "وأحد الدوافع لفرض هذه عقوبات هو علاقتها بالإرهاب، ويبدو أنّ تركيا تريد تكرار السناريو السابق نفسه عندما خدعت الاتحاد الأوروبي قبل القمة السابقة، وقامت بسحب سفن التنقيب وأعلنت نيتها للتفاوض، وبعد أسبوع من الانتهاء من القمة وتفويت الفرصة لفرض عقوبات ضدها، أعادت السفن مرّة أخرى للتنقيب".
اقرأ أيضاً: العلاقة القطرية الإخوانية: منصّات إعلامية ومراكز بحثية تخدم سياسات الدوحة
ويختتم الديهي بالتأكيد على أنّ "شباب الإخوان تعرّضوا لخيبات أمل بعد الهزائم المتتالية للنظام التركي، وتأكدهم من أنّ طموح وهم الخلافة وغيرها من الأوهام لم تعد واقعية، وما هي إلا سلعة ليتم المتاجرة بهم، فضلاً عن أنّ قيادتهم تتقاضى مقابلاً مادياً من تركيا نظير الزجّ بهؤلاء الشباب في الحروب والصراعات لتحقيق مكاسب شخصية".
اقرأ أيضاً: بيان هيئة كبار العلماء بشأن الإخوان: رسالة في أكثر من اتجاه
من جهة أخرى، يشكّك اللواء فؤاد علام في صحة هذا الخبر "نظراً لافتقاده المعلومات الكافية، مثل أسماء الملقى القبض عليهم وهوياتهم وجنسياتهم، وكذلك قائمة الاتهامات"، مضيفاً في تصريحه لـ"حفريات": "مثل هذا الخبر لا يمكن نفيه أو تأكيده، في ظل افتقاره للمعلومات الأساسية، أو تأكيد أي من الطرفين، فحتى الآن لم تنفِ جماعة الإخوان هذا الخبر ولم تؤكده، كما لم تنفِ تركيا هذا الخبر أو تؤكده، وإن كنت لا أستبعد قيام تركيا بهذه الخطوة".
وأكد علام أنّ العلاقة بين الإخوان والنظام التركي الحاكم يحكمها المصلحة المتبادلة بين الطرفين، و"طالما أنّ على رأس السلطة في تركيا شخصاً مثل رجب طيب أردوغان فنتوقع منه أي تصرف، فهو رجل متقلب، وليس لديه أي قيم أو مبادئ، ولا يستهدف غير الحفاظ على مصالحة الشخصية ومصالح أسرته وعائلته، ولا يضع الدولة ومصالحها أو الشعب واحتياجاته ضمن أهدافه وأولوياته".
اقرأ أيضاً: الدوحة وأنقرة والخرطوم.. لماذا اختارها الإخوان؟
وتابع علام: "أمّا ما أنا متأكد منه، فهو حتمية انفصال العلاقة بين الإخوان وتركيا؛ سواء الآن أو في وقت لاحق، فالعالم كله بكل اتجاهاته ضد السياسة التركية، ومن ركائز السياسة التركية مساندتها للإخوان وما تقوم به من نشاط إرهابي في الدول العربية والإسلامية، وعلى وجه الخصوص في مصر، لأنّ أوروبا، وبالتحديد فرنسا وألمانيا، لديهم موقف متشدّد من سياسيات تركيا في المتوسط، وهم بصدد اتخاذ عقوبات صارمة يمكن أن تزعزع استقرار النظام التركي من الأساس، وأعتقد أنّ الوضع في تركيا لا يتحمل مثل هذه الضربات".
علام: انفصال العلاقة بين الإخوان وتركيا حتمية سواء الآن أو في وقت لاحق
وأوضح أن الشواهد على تغير سياسة تركيا مع الإخوان هي "استقالات قادة كبار ومؤسسين لحزب العدالة والتنمية، إضافة إلى انخفاض شعبية أردوغان، كما أنّ هناك احتقاناً شعبياً يتزايد، وهو مرشّح للانفجار، نظراً لقيام أردوغان ببيع بعض الأصول التركية لقطر، صحيح أنّ هذا البيع كان لإنقاذ الاقتصاد التركي من الانهيار، لكنه سبّب جرحاً في كرامة الشعب التركي، وعلى وجه الخصوص أنها لم تكن المرّة الأولى".
اقرأ أيضاً: مخططات تقسيم اليمن بين إيران وتركيا وقطر والإخوان
ويرى علام أنّه "في حال تغير السياسة التركية للإخوان، سيهرب الإخوان إلى قطر، نظراً لأنهم جميعاً ليس لديهم جوازات سفر، وتركيا استخرجت لهم بطاقات خاصة للإقامة لديها، ولن تستقبلهم أي دولة سوى قطر بهذه البطاقات، وبالمناسبة الدوحة لن تكون مستعدة لاستقبال أعداد كبيرة، فهي مكتظة أصلاً بالإخوان حالياً، فبعض قيادات الإخوان من الصف الثاني منذ أكثر من عام ونظراً للضغوط الدولية على تركيا، انتقلت مبكراً إلى قطر خوفاً من تقلبات تركيا أو تخفيفاً من الضغوط عليها، ومع تزايد هؤلاء الوافدين أتوقع أنها ستغيّر سياستها المفتوحة مع الإخوان إلى شكل أكثر تحفظاً".