منذ بداية الحديث عنها، في منتصف كانون الثاني (يناير) الماضي، أثار مصطلح "المنطقة الآمنة" الكثير من اللغط والتساؤلات في مناطق شمال سوريا، الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (المُشكّلة من فصائل كردية وعربية أبرزها وحدات حماية الشعب الكردية)، فبعد أن تأمل الكُرد بفرض التحالف الدولي حظراً جوياً على مناطقهم، ليتمكنوا من صدّ الهجوم التركي، في كانون الثاني (يناير) عام 2018، خاب ظنهم فيمن قاتلوا الى جانبهم بمُقارعة الإرهاب، لتتمكن معه تركيا، عبر دعمها لـ 25 ألف مسلح سوري، يقاتلون تحت إمرتها ضمن تشكيلات عسكرية عدة، تعرف بـ "الجيش الحر والجيش الوطني"، من السيطرة على عفرين الكردية السورية، في آذار (مارس) العام 2018.
مواطن كردي: تركيا أدخلت ميليشيات في عفرين وعاثت فيها خراباً ودماراً ولم تسمح لأبنائها بالعودة حتى الآن لأراضيهم
السيطرة التركية على عفرين كانت بحجة "مُقارعة الإرهاب"، رغم أنّ من كان يحكم عفرين هي "قسد"؛ أي القوة العسكرية المحلية التي تقاتل جنباً إلى جنب مع التحالف الدولي لمقارعة الإرهاب، منذ عام 2015، فرغم أنّ الجميع متفقون على أنّ داعش هو التنظيم الإرهابي الأكثر تطرفاً، لكن اختلاف تعريف الإرهاب بين تركيا والأكراد السوريين، خلق للأمريكيين مُعضلة لا يستهان بها؛ ففي حين ترى تركيا أنّه يتمثل في القوى العسكرية الكردية التي تسعى لتثبيت حقوق الكُرد ضمن الدستور السوري القادم، يرى الكُرد أنّه (أيّ الإرهاب) يتمثل في الفصائل التي تدعمها تركيا، مؤكدة أنّها لن تقبل بخضوع المنطقة الآمنة لسيطرة تلك الفصائل.
المواقف من المنطقة الآمنة..
لا تشكل المنطقة الآمنة في حدّ ذاتها المُشكلة بين تركيا والأكراد السوريين؛ فكلاهما لا يعترضان عليها، من حيث المبدأ، لكن الخلاف هو على القوة التي يمكن لها أن تنتشر في تلك المنطقة المزمع إنشاؤها؛ ففي حين تريد تركيا أن تخضع لسيطرتها، وتعمل ما بوسعها للحصول على موافقة دولية لشنّ عمل عسكري شمال سوريا، لإبعاد القوات الكردية عن الحدود، يُصر الأكراد السوريون على حقهم في الدفاع عن أنفسهم وإدارة مناطقهم، ضمن نظام حكم لامركزي، وسوريا واحدة، وبالتالي يشددون على رفض انتشار القوات التركية داخل الأراضي السورية عموماً، ويرونه "احتلالاً"؛ حيث تطالب القوى السياسية الكُردية، المُشكلة لـ "الإدارة الذاتية" أو الداعمة لها، بانتشار قوات فصل دولية على الحدود السورية التركية، مُعتبرين تركيا خطراً يهدّد وجودهم، ومذكرين بـ "التهجير القسري"، الذي تعرض له الكُرد من عفرين، خلال آذار (مارس) 2018، وما عقبها من عمليات تغيير ديموغرافي (وفق المصادر الكُردية).
صحفي كردي: لا يمكن تصديق الحجج التركية بمحاربتها فصيلاً كردياً والمقصود به (وحدات حماية الشعب) دون عموم الشعب الكُردي
وصدرت مواقف عديدة حول الجهة التي يمكن لها أن تنتشر في المنطقة الآمنة، والتي من المفترض أن تمتد على طول الحدود السورية التركية، بعمق 20 ميلاً، أو ما يعادل الـ 30 كم؛ حيث طالب نواب فرنسيون من مختلف الأحزاب السياسية، الرئيس إيمانويل ماكرون، بأن تعزز فرنسا دعمها للقوات الكردية في سوريا وحلفائها من غير الأكراد، المنضوين في إطار قوات سوريا الديموقراطية، ورأى هؤلاء، وفق ما أوردت وكالة "فرانس برس"، أنّ "دعم فرنسا للقوات الكردية ليس مجرّد واجب أخلاقي إنّما هو يصب في صالح الأمن الفرنسي"، وحذّر النواب من أنّ "هجوماً للجيش التركي على الأكراد قد يمكّن تنظيم داعش من استعادة قوته"، وفي الثامن عشر من كانون الثاني (يناير)، قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون: إنّ فرنسا ستحتفظ بقواتها في سوريا، وتبقى "عسكرياً" في الشرق الأوسط، رغم خطط الولايات المتحدة للانسحاب، وأضاف "المعركة في سوريا لم تنتهِ"، و"أيّ تسرّع في الانسحاب سيكون خطأً".
اقرأ أيضاً : تركيا ترحّل لاجئين سوريين لإثبات روايتها بمحاربة الإرهاب!
أما "قوات سوريا الديمقراطية/ قسد"، فقد قالت إنّها ستقدم كلّ الدعم والمساعدة اللازمين لتشكيل المنطقة الآمنة، بشرط أن تكون بضمانات دولية، لـ "حماية كلّ الإثنيات والأعراق المتعايشة من مخاطر الإبادة"، وأضافت أنها تتطلع وتأمل للوصول إلى تفاهمات وحلول مع تركيا، تفضي إلى تأمين "استمرار الاستقرار والأمن في المناطق الحدودية معها"، مشيرة إلى أنّ مناطق سيطرتها تعدّ المنطقة الوحيدة التي تتعايش فيها كلّ مكونات سوريا، وقال القائد العام لوحدات حماية الشعب، سيبان حمو، في تصريحات صحفية: "لأنّ الشعب الكردي فقير، وليس لديه موارد يساوم بها، فإنّ كفة تركيا هي الأرجح لهم، ومن ثم نجد الدول الكبرى تتبنى مزاعمها بضرورة تأمين حدودها من الخطر الكردي، في تناقض بشع للواقع على الأرض"، وشدّد حمو "لو كان بهذا العالم أبسط قواعد النزاهة، لكان يتعين أن تقام المنطقة العازلة بعمق 20 ميلاً داخل الأراضي التركية، حفاظاً على الشعب الكردي".
وقال: "نحن كقيادة عسكرية لا علاقة لنا بالتفاهمات التركية- الأمريكية، هذا نتركه للإدارة السياسية، وسنلتزم بما تقرره، وسنظل من جانبنا نحصّن مناطقنا استعداداً لمواجهة أي خطر"، فيما وصف القيادي الكردي البارز، صالح مسلم، الحديث عن تولي تركيا إقامة المنطقة العازلة بأنه "أشبه بتسليم الخروف للذئب"، وقال في تصريحات صحفية: "حينما يتكلمون عن حماية مناطق بشمال سوريا بتسليمها لتركيا، فالأمر أشبه بتسليم الخروف للذئب، وقد أكدنا رفضنا القاطع لذلك، وأبدينا تعاطياً إيجابياً مع فكرة المنطقة الآمنة شريطة دعمها بقوات دولية: تحمي الأكراد وفي الوقت نفسه تثبت زيف الادعاءات التركية بأننا كأكراد سوريين نستهدف حدودهم وأمنهم.
اقرأ أيضاً: كيف استخدمت تركيا المريدية والإخوان في اختراق المجتمعات الكردية؟
من جانبه، قال مصدر في وزارة الخارجية السورية لشبكة "سي إن إن" منتصف الشهر الماضي: إنّ "التصريحات التي أطلقها رئيس النظام التركي تؤكد مرة جديدة أن هذا النظام راعٍ للإرهابيين، في حوارات أستانة، لا يتعامل إلا بلغة الاحتلال والعدوان"، وذلك في أول ردّ رسمي على حديث "الاحتلال التركي" حول إقامة منطقة آمنة شمالي سوريا، بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية.
الروس من طرفهم، قالوا: إنّهم سيقيمون المبادرة التركية بشأن إنشاء "منطقة آمنة" شمال سوريا على ضوء تطورات الوضع في سوريا عموماً، لكنهم أكدوا أنّ الأولوية في المسار السوري تكمن في الحفاظ على وحدة واستقلال وسيادة سوريا، مشيرين إلى أنّ تركيا والولايات المتحدة وغيرهما من أعضاء الأمم المتحدة وافقوا على هذا الهدف، وقال وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، للصحفيين في موسكو: "نحن على قناعة بأنّ الحلّ الوحيد والأمثل هو نقل هذه المناطق لسيطرة الحكومة السورية وقوات الأمن السورية والهياكل الإدارية".
اقرأ أيضاً: "الغوطة وعفرين": أحلام المهجرين بالعودة إلى منازل تهدّمت وجغرافيا سُرقت
أما القيادة التركية، فأكدت على الدوام وجوب أن تكون هذه المنطقة مُدارة من قبلهم، ونشر أردوغان مقالاً في "نيويورك تايمز"، لحشد مجموعة من الادعاءات حول دوره المزعوم في محاربة "داعش" والإرهاب في سوريا، كما كتب مقالة أخرى، نشرتها صحيفة "كوميرسانت الروسية"، مكرراً اللعبة ذاتها، زاعماً من خلال المساحة التي حصل عليها في الصحيفة الروسية أنّ هدفه من غزو شمال سوريا هو محاربة تنظيم داعش الإرهابي، فيما أسماه "شرق الفرات"، وقد انتقد الكاتب، بريان غلين ويليامز، مقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في "نيويورك تايمز"، وعدّه "تحريفاً تاريخياً يتناسب بشكل أفضل مع وسائل الإعلام التركية الخاضعة لسيطرة الدولة"، ورغم ادعاءات أردوغان بأيدي تركيا البيضاء في سوريا؛ فإنه توعد بتحويل موطن الأكراد (حلفاء الولايات المتحدة) إلى مقبرة وقال ويليامز، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة "ماساتشوستس دارتموث"، ومؤلف كتاب "مكافحة الجهاد: التجربة العسكرية الأمريكية في أفغانستان والعراق وسوريا": إنّ أردوغان تعمد تقديم ادعاءات جريئة وأكاذيب صريحة في المقال الذي نشر في 7 كانون الثاني (يناير) الماضي، اعتماداً على افتقار معظم الأمريكيين للمعرفة بالوضع الراهن في سوريا.
وقّع اتفاق أضنة بين سوريا وتركيا، في 20 تشرين الأول (أكتوبر) عام 1998، في ظلّ عهدَي حافظ الأسد، والتركي سليمان ديميريل. إثر اندلاع أزمة سياسية وأمنية بين أنقرة ودمشق، سببها اتهام تركيا لسوريا بدعم وإيواء (حزب العمال الكردستاني) واستضافة زعيمه عبد الله أوجلان، الذي يقضي الآن، حكماً بالسجن المؤبد، في تركيا، إثر اعتقاله بعملية استخبارية، في كينيا، وبعد إبعاده من سوريا لإرضاء الطرف التركي، في 15 شباط (فبراير) عام 1999، أي بعد قرابة 4 شهور من اتفاق (أضنة).
صحافي كردي: نحتاج منطقة آمنة لشعوب المنطقة من التهديدات التركية وفصائل المعارضة التابعة لها
وفي الرابع والعشرين من كانون الثاني (يناير) الماضي؛ صرّح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال مؤتمر صحفي مع أردوغان في موسكو، بأنّ روسيا تؤيد إجراء حوار بين الحكومة السورية وممثلي الأكراد، وأوضح أنه: "في هذا السياق نؤيد إقامة حوار بين دمشق الرسمية وممثلي الأكراد"، وأكّد أنّ "هذا الحوار سيساهم في توحيد المجتمع السوري والمصالحة الوطنية، وسيكون مفيداً ليس بالنسبة إلى سوريا فحسب؛ بل إلى جميع دول الجوار".
وفي إشارة ضمنية إلى تحفّظ موسكو عن اقتراح تركيا إنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كيلومتراً في شمال سوريا، عقب الانسحاب الأمريكي المقرر من هناك، لفت بوتين إلى أنّ اتفاق مكافحة الإرهاب، الموقَّع عام 1998، بين دمشق وأنقرة، ما يزال صالحاً. ليفسر ذلك على أنّه فشل تركيا بإقناع الروس بإنشاء المنطقة الآمنة في شمال سوريا، ورأى مراقبون أنّ أنقرة تريد اتخاذ هذا الاتفاق مسوّغا لشرعنة التدخل القائم أساساً في سوريا، ليكون بذلك ليس خطراً فقط لجهة استهداف مكوّن سوري وهم "الأكراد"؛ بل وأيضاً لجهة مساعيها في ضمّ أراضي سوريا، ويتعارض بالتالي الطموح التركي مع موقف روسيا، الساعي لاستعادة النظام السوري السيطرة على كامل تراب البلاد.
تركيا لا تريد أن يحصل الكرد على حقوقهم
من مكان عمله في مدينة "ديريك\المالكية"، في أقصى الشمال الشرقي من سوريا، ما يزال الطبيب البيطري، بانكين حمزة، يواصل عمله، رغم ما يعتريه كسائر أهالي المنطقة من هواجس تؤرق باله على مستقبل اطفاله الثلاثة، الذين لم يعايشوا فترة سوى الحرب، لتزيد التأويلات عن "المنطقة الآمنة"، و"اتفاق أضنة"، الشكوك في نفسه، فيقول في حديثه لـ "حفريات": "أعتقد أننا نعيش في مناطق شرق الفرات، كما تحلو للبعض تسميتها، في أمان وسلام نسبيين، حيث تحمينا قوات مسلحة من أبناء المنطقة نفسها من كردها وسريانييها وعربها، إنّ تركيا تعاني من الفوبيا الكردية، وثمة أمور عالقة في داخلها تستوجب الحل، لا أن تتدخل في شؤون جيرانها لمنع الكُرد في الدول الجارة لها من الحصول على بعض حقوقهم المشروعة كبشر".
قيادي كردي: ما نطمح إليه؛ هو إبعاد شبح الاجتياح التركي والفصائل المتطرفة التابعة له لمناطقنا، وإخراجها من المناطق التي احتلتها
مضيفاً: "ونحن على أعتاب الألفية الثالثة، ما يهمنا، نحن السوريين، وبعد هذه السنين العجاف أن نعيش بسلام مع بعضنا، علاقاتنا طيبة مع جيراننا وتركيا أحد الجيران المهمين في المستقبل"، ويتابع حمزة: "تركيا أفشلت المعارضة السورية، وبالتالي ساهمت في إفشال الدولة السورية؛ لأنّ لها غايات في الداخل السوري، فهي لا يروق لها حصول كُرد سوريا على حقوقهم المشروعة كثاني أكبر قومية فيها، وبالتالي ستبقى سوريا تعاني؛ حيث خرج أبناؤها قبل ثمانية أعوام ينادون بالحرية والعدالة، فكيف لهما أن تتحققا بحرمان ثاني أكبر قومية فيها من حقوقها؟".
ويرى حمزة أنّ "تركيا عاجزة عن تحقيق الأمان في مناطقنا"، قائلاً: "ما تزال جراحاتنا هناك تنزف، تركيا التي أدخلت ميليشيات مختلفة في عفرين وأطلقت أعنتها تعيث فيها الخراب والدمار، لم تسمح لأبنائها بالعودة حتى الآن إلى أراضيهم وملاعب صباهم، تركيا لم تعط ضمانات على أنها دولة احتلال وستحافظ على البشر والشجر والحجر هناك، بل ساهمت في تعقيد المشهد أكثر، إنها تزرع الأحقاد بين أبناء الوطن الواحد".
اقرأ أيضاً: تركيا تحرم 38 ألف طالب كُردي من التعلم بلغتهم الأم
ويختتم حمزة حديثه لـ "حفريات" بالقول: "لا يخف الأمر أنّ اللعبة خرجت من أيدي السوريين، على المجتمع الدولي، وعلى رأسه التحالف، القيام بواجبه الأخلاقي اتجاه هذه القوات (في إشارة إلى قسد) التي واجهت أعتى قوة إرهابية من جهة، ومن جهة أخرى إنقاذ الأهالي القاطنين في هذه المنطقة من كارثة بشرية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، أو تعرض المنطقة لهجرة مليونية".
تركيا تدعي الفصل بين الكرد وفصيل منهم لتخفيف ردود الفعل
يواصل الصحفي، أحمد البرو، عمله في القامشلي، لكنه هو الآخر لا يخفي مخاوفه من القادم، يخشى كغيره من الكُرد السوريين أن يُسمح لتركيا بالدخول إلى مناطقهم، وعليه فإنه يتحضر منذ الآن للأسوأ، ويحاول أن يتواصل مع السفارات الأجنبية تحضيراً لطلب اللجوء!
يقول البرو لـ "حفريات": "لا يمكن، في طبيعة الحال، تصديق الحجج التركية في محاربتها تنظيماً أو فصيلاً كردياً والمقصود به (وحدات حماية الشعب) دون عموم الشعب الكُردي، ومن حيث المبدأ؛ تركيا تعادي أيّ مشروع كردي في المنطقة، سواء في سوريا أو تركيا أو العراق، وحتى في إيران، على الرغم من الاختلاف العقائدي والأيديولوجي بين الدولتين".
اقرأ أيضاً: الكُرد يتخلون عن حلمهم بالفيدرالية استجابة للأسد ودرءاً لأردوغان
ويضيف "محاولتها للفصل بين الشعب الكردي وفصيل منه؛ هي لتخفيف تبعات وردود الأفعال الدولية تجاه تركيا؛ حيث يظهر من التصريحات التركية مدى رفضها لأيّ مشروع حقوقي كردي في المنطقة، وأظهرت تجربة إقليم كردستان العراق، عام 2017، مدى العداء التركي للمشروع الكُردي عموماً، وعدم تقبلها لنيل الأكراد لأية حقوق، ويُظهر أيضاً من خلال اعتماد الساسة الأتراك ووسائل إعلام تركيا، الرسمية وغير الرسمية، لمصطلح (شمال العراق) بدلاً من إقليم كُردستان، مدى التعصب التركي لكلّ ما هو كُردي، رغم تمتع قادة الإقليم بعلاقات ممتازة اقتصادياً وسياسياً مع الأتراك قبيل استفتاء الاستقلال"، مُستطرداً: "كما أنّ تجربة احتلال عفرين وما استجلبته من اقتلاع وتهجير للأكراد من المنطقة، هي جزء من الحرب التركية على الشعب الكُردي، وليس ضدّ فصيل سياسي وعسكري كُردي، الحال هذه فإنّ ما تدعيه تركيا ليس إلا حجة وتغطية لنواياها العدائية تجاه الأكراد وحقوقهم الوطنية والقومية".
الكُرد لا يرغبون في تكرار تجربة عفرين
وحول أكثر السيناريوهات التي تثقل كاهل الكُرد السوريين، قال البرو لـ "حفريات": "في الحقيقة أكثر ما يخشاه الشعب الكردي، وأبناء المنطقة هو تكرار سيناريو عفرين، بمعنى آخر حصول تركيا بطريقة ما على الضوء الأخضر لشن عملية عسكرية بمساعدة مجموعات المعارضة الموالية لتركيا على مناطق شرق الفرات، ما سيجعل مصير الشعب الكُردي، في سوريا عموماً، على المحك، يعد هذا السيناريو الأخطر وجودياً على الشعب الكردي".
اقرأ أيضاً: العودة إلى عفرين: الأكراد أمام مُقاومة بيضاء أو استسلام بطعم الهزيمة
ويضيف البرو حول اتفاق أضنة والمنطقة الآمنة: "لا أعتقد أنّ اتفاق أضنة صالح للعمل، خاصة أنه وقع منذ زمن ضمن ظروف مختلفة وغير سلمية، كما أنه تم بين جهات أمنية حرصت على مصالحها الخاصة دون النظر لمصلحة شعوب المنطقة، إلى جانب أنّ الاتفاق يتضمن جملة من التفاهمات والاتفاقات لعودة العلاقات بين الدولتين، ما يعني أنه من المستحيل تطبيقه بالصيغة الحالية، إلا إذا تم التعديل عليه، وتغييره بشكل يرضي الطرفين، وهو ما لا يمكن إنجازه حالياً، في ظلّ دعم تركيا للفصائل المعارضة والكتائب الإسلامية الراديكالية في المناطق الخارجة عن سلطة النظام، في النهاية؛ هي اتفاقية تمت بين أنظمة، لصالح وجودها وليس لمصحة شعوب المنطقة".
منطقة آمنة من تهديد تركيا
وحول ما يتصوره البرو لإنقاذ المشهد في شمال شرق سوريا، يقول لـ "حفريات": "نحتاج هنا، في مناطق شمال شرق سوريا، إلى منطقة آمنة لشعوب المنطقة من التهديدات التركية وفصائل المعارضة التابعة لها، إلى جانب حمايتها من الأخطار التي يمكن أن تهددها نتيجة الانسحاب الأمريكي، منطقة تساهم في تعزيز استقرار المنطقة أمنياً وازدهارها سياسياً".
اقرأ أيضاً: الطعم التركي والإدارة الذاتية في عفرين: نار المقاومة تنبعث من جديد
ويختتم البرو: "في الحقيقية؛ الوضع شائك جداً، ومعقد، ويصعب التكهن بمآلات الأمور وما ستحمله من سيناريوهات، تركيا تعمل بكل ما تملك لوأد التجربة الكُردية في سوريا تحت ذرائع كثيرة، وهي تستثمر موقعها الجيوسياسي وعلاقاتها الدولية واقتصاديها في سبيل ذلك، كما أنها قدمت الكثير من التنازلات لصالح العديد من الأطراف، ومنها الروس والإيرانيون، وحتى النظام في سبيل الحصول على ما يمنحها الضوء الأخضر للقضاء على الأكراد".
كيف يرى الساسة الكُرد المشهد حولهم؟
تصاعدت، خلال عام 2018، لغة الخطاب والمواجهة بين بلدان عربية تمثل تياراً في مواجهة الإسلام السياسي المقاد من قبل جماعة الإخوان المسلمين؛ التي تُعدّ الحمالة الفكرية لمعظم الجماعات المسلحة السورية العاملة تحت مسميات فضفاضة، مثل: "الجيش الحر"، و"الجيش الوطني"، وغيرهما. وبدأت بلدان عربية مُناوئة للأطماع التوسعية الإقليمية، سواء الإيرانية أو التركية، بالتنبه إلى المخاطر التي يحملها التمدد التركي، الساعي أساساً إلى إحياء ما يسميها أمجاده العثمانية، ولعلّ تلك العوائل هي أبرز ما دفع مسؤولين عرباً لرفض إقامة منطقة آمنة شمال سوريا، برعاية تركية، كما صرح المسؤول الإماراتي، أنور قرقاش، إضافة إلى دعوة وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، لإخراج القوات الأجنبية من سوريا في إشارة للتواجدين؛ الإيراني والتركي.
قيادي كردي: مصر والسعودية والإمارات دول مهمة ومحورية وتستطيع المساهمة في الحلّ السياسي للأزمة السورية والحدّ من المطامع التركية
وفي هذا الإطار، يقول خبات محمد، وهو قياديٌ كُردي من الأحزاب المُشكلة لـ "مجلس سوريا الديمقراطية" الواجهة السياسية لـ "قوات سوريا الديمقراطية"، في حديثه لـ "حفريات": "سوريا جزء من محيط عربي، وهذا المحيط يعدّ عمقاً إستراتيجياً لها، والعلاقة مع دولها هي من أولى الأولويات، بالطبع مصر والسعودية والإمارات دول مهمة ومحورية، وتستطيع المساهمة في الحلّ السياسي للأزمة السورية، وأيضا الحدّ من المطامع التركية في اغتصابها لمناطق من الجغرافية السورية"، متأسفاً لأنّ العلاقة مع تلك الدول لم ترتقِ إلى الحدّ المأمول بعد.
الرهان على "الفوبيا الكردية"
وحول تقييمه لاتفاقية أضنة، ورؤيتهم للمنطقة الآمنة، يقول محمد: "اتفاق أضنة كان مغيباً على مدى أعوام، ولم يجرِ الحديث عنه إلا بعد أن فشلت تركيا بتكرار سيناريو عفرين المشؤوم، من جانبنا؛ نرى أننا محكومون بواقع جيوسياسي، وعلى تركيا أن تحترم قواعد حسن الجوار والانسحاب من كلّ الأراضي السورية التي احتلتها"، مستدركاً: "ما يسعى النظام إليه، وما لا يخفيه المسؤولون الأتراك، هو وجود علاقات أمنية بينهما، وليس بخاف أنّ المُحدد الأهم في سياسات العدالة والتنمية، هو دعم تيار سياسي مُعين مُمثل بـ (تيار الإخوان المسلمين) والإسلام السياسي عموماً في العالم العربي، المعروف بعدائه المُزمن تجاه القضية الكُردية، والتي ما يزال الرهان عليها قائماً (أي القضية الكردية) لإعادة العلاقة مع تركيا من جانب النظام السوري".
مواطن كردي: تركيا تعاني من الفوبيا الكردية وثمة أمور عالقة في داخلها تستوجب الحلّ
ويضيف الباحث: "تركيا تسعى بكل جهدها لفرض نفوذها على العالم العربي، بغية إحياء أحلامها بعودة السلطنة، وهو ما فشلت في تحقيقه عن طريق وكلائها بدعمهم في الوصول إلى السلطة، ليدفعها ذلك إلى التدخل بشكل مباشر واحتلال مناطق في الشمال السوري، بالطبع كنا سباقين في التنويه إلى هذه السياسات التوسعية، ولدينا مخاوف جدية من استمرار احتلاها لهذه المناطق".
وما بين اتفاق أضنة والمنطقة الآمنة، يعتقد القيادي الكُردي أنّه يتوجب "الإقرار أولاً بأنّ القضية الكُردية مُوزعة بين أربع دول هي: (تركيا، إيران، العراق وسوريا)، وينبغي أن تجد حلولاً مُنصفة لها ضمن الاطر الوطنية في تلك البلدان"، متابعاً بالقول: "اتفاق أضنة جاء نتيجة لحالة الإنكار بوجود هذه القضية، ولا يمكن للمنطقة أن تشهد استقراراً مستداماً ما لم تعالج هذه القضية".
اقرأ أيضاً: من سيحمي أكراد سوريا من أردوغان؟
ويختتم القيادي الكُردي بالإشارة إلى أنّ "المنطقة الآمنة التي يجري الحديث عنها، ويتم تأويلها من جانب كلّ طرف بحسب مصالحه ورؤاه، هي إلى الآن لم تأخذ مخاوفنا من تهديد الأمن والاستقرار المتوفرين في مناطقنا بعين الاعتبار"، قائلاً: "ما نطمح إليه، هو إبعاد شبح الاجتياح التركي والفصائل المتطرفة التابعة له لمناطقنا، وإخراجها من المناطق التي احتلتها، والمساهمة في الدفع بالعملية السياسية لإخراجها من عنق الزجاجة، التي وصلت إلى ما وصلت إليه نتيجة عرقلة المساعي إيجاد وتسوية سياسية للأزمة السورية، من جانب بعض القوى، وفي مقدمتهم تركيا، لإيقاف النزف في الجسد السوري وهو ما تتم مناقشته مع القوى الدولية".