تركيا تشنّ حرب مياه في سوريا لتعفين حياة الناس

تركيا تشنّ حرب مياه في سوريا لتعفين حياة الناس


كاتب ومترجم جزائري
21/10/2021

ترجمة: مدني قصري

اِنخفض منسوب النهرين الأسطوريين، دجلة والفرات، اللذين يَعبُران تركيا وسوريا والعراق بشكل كبير. فإذا كان لتغير المناخ علاقة بهذا الانخفاض فإنّ أصابع الاتهام موجّهة لأنقرة؛ بسبب سدودها التي تحدّ من منسوب المياه.

اقرأ أيضاً: تركيا تستفز اليونان بهذه الطريقة... هل تتجهان إلى التصعيد؟

يشكل انخفاض منسوب نهر الفرات تهديداً جديداً للسكان السوريين، الذين أصبحوا بالفعل ضحايا لأكثر من عشر سنوات من الحرب على أراضيهم. أصبح خمسة ملايين سوري معرّضين اليوم لخطر الحرمان من الماء والكهرباء. في هذا الشأن أكّد منسق الأمم المتحدة لسوريا، عمران ريزا، في تقرير نُشر في حزيران (يونيو) 2021؛ أنّه "قلق للغاية بشأن تأثير انخفاض منسوب المياه على حياة ملايين الأشخاص الذين يعيشون في سوريا، لا سيما فيما يتعلق بالحصول على المياه والكهرباء".

يشكل انخفاض منسوب نهر الفرات تهديداً للسوريين، الذين أصبحوا بالفعل ضحايا لأكثر من عشر سنوات من الحرب. أصبح خمسة ملايين سوري معرّضين لخطر الحرمان من الماء والكهرباء

في الأشهر الأخيرة، انخفض منسوب مياه النهر بشكل حادّ، وفق الأرقام التي استشهدت بها الأمم المتحدة: 200 متر مكعب في الثانية، بدلاً من 500 متر مكعب في المعتاد، أصبح مستوى نهر الفرات الآن منخفضاً لدرجة أنّ معدات وأنابيب الضخّ لم تعد تعمل. وفي هذا الشأن يصف مركز معلومات "روجافا" وضعاً مقلقاً: "في الأشهر الأخيرة، قلّصت تركيا تدفّق النهر بشكل كبير، حيث لم يسبق أن كان مستوى نهر الفرات منخفضاً إلى هذا الحدّ، لم تعد سدود الطبقة، وتشرين وفرات الكهرومائية في شمال وشرق سوريا، والتي تولد الكهرباء للمنطقة بأكملها، تعمل إلا بالتناوب، باستخدام عنفة (التوربينة) واحدة. وهكذا أصبح الإنتاج الزراعي مهدداً بشكل خطير".

في سوريا، يغذّي نهر الفرات بالفعل ثلاثة سدود لتوليد الطاقة الكهرومائية ومحطات ضخ مياه الشرب؛ على سد تشرين الكبير شرق حلب، الذي استعادته قوات سوريا الديمقراطية (FDS) من أيدي تنظيم داعش، الذي استولى عليه عام 2015، لا يتجاوز مستوى المياه بضع عشرات من السنتيمترات، فوق المستوى "الميّت"، وأدناه، ستتوقف التوربينات عن إنتاج الكهرباء.

تهديدات خطيرة على الزراعة

لم تعد المياه في نهر الفرات تخضع للتنقية بشكل منهجي؛ لذلك فإنّ مياه الصرف الصحي والمياه الراكدة تؤدي إلى ارتفاع عدد الأمراض وانتشارها. في هذا السياق يقول مسلم نيبو، مدرس في كوباني: "لم تعد مياه نهر الفرات صالحة للشرب، ويصاب العديد من الناس بالأمراض بسبب المياه الراكدة"، ويرى سلمان بارودو، الرئيس المشارك للجنة الزراعة والاقتصاد في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا؛ أنّ "لِنقص المياه، خاصة في أحد مواسم السنة شديد الأهمية لمحاصيل القمح والقطن، تأثيراً مدمّراً على الزراعة والاقتصاد. المناطق الزراعية في مدن الطبقة والرقة ودير الزور هي الأكثر تضرّراً من نقص المياه، هنا يصبح مستوى نهر الفرات منخفضاً للغاية، لدرجة أنّ أجهزة الضخّ الخاصة بالمزارعين لم تعد تغمرها المياه، بالتالي، لا يمكنها ريّ المحاصيل الزراعية، ونخشى أن يؤدي هذا الجفاف إلى عقم الأرض على المدى الطويل".

يرأس الإدارةَ الذاتية للشمال والشرق تحالف من الأكراد والعرب والسريان. إنهّم يواجهون بالفعل حرباً لا نهاية لها، وغزوات تركية متعدّدة في الشمال وحظراً مستمراً، ويخشون من حدوث تأثير مدمّر على الاقتصاد، ويضيف سلمان بارودو: "نحن في الحقيقة خائفون من المواسم القادمة؛ إذ إنّ 80٪ من المياه المستخدَمة في ريّ المحاصيل تأتي من نهر الفرات".

استخدام المياه كسلاح سياسي

لا تتردّد السلطات التركية في الادعاء والتأكيد باستمرار على أنّ انخفاض منسوب الأنهار في سوريا يرجع إلى تغيّر المناخ، لكنّ نظراءها الأكراد والعرب، شمال وشرق سوريا، يتّهمون تركيا باستخدام المياه كسلاح سياسي. "على الرغم من أنّ تغيّر المناخ هو السبب الرئيس لهذا الجفاف، فإنّ تركيا، بسدودها على نهري دجلة والفرات، تمتلك من الناحية الفنية إمكانية تدفق المزيد من المياه نحو سوريا"، هذا ما قالته آسيا عبد الله، زعيمة ومؤسِّسة حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، في أيلول (سبتمبر) بمناسبة "عيد الإنسانية"  "fête de l’Humanité"؛ الذي تحتفل به صحيفة "لومانتيه" الفرنسية كلّ عام. وأضافت: "تركيا تدوس بأقدامها على جميع اتفاقيات المياه الدولية؛ فحتى عام 2019 لم تكن هناك مشكلات جديّة، لكن بعد غزو تركيا لشمال سوريا، ومنذ احتلالها للمنطقة الواقعة بين تلّ أبيض والسركنية (رأس العين بالعربية)، بدأت مشكلات انقطاع المياه التي فاقمت تداعيات الجفاف. يخضع تدفق المياه في منطقة الحسكة الآن لسيطرة ميليشيات موالية لتركيا، والتي قطعت المياه 24 مرّة في الأشهر الثمانية عشرة الماضية، وتسيطر تركيا بشكل مباشر على منسوب نهر الفرات بسدودها".

العديد من السدود

عام 1923، قسمت معاهدة لوزان حوض مياه نهري دجلة والفرات بين أربع دول: تركيا تسيطر على الحوض من منبع النهرين، وإيران تسيطر على زاغروس ووادي ديالى، والفرات يروي شمال وشرق سوريا لمسافة 675 كم، وأخيراً يعبر النهران العراق لمسافة 1200كم، وهو ما يعني أنّ تركيا في موقع قوة، لأنّها تتحكّم في مصدر النهرين عند المنبع، وتعتزم تركيا تشديد قبضتها الخانقة من خلال بناء السدود؛ فمَن يتحكّم في المياه يتحكم في السكان. ومع ذلك، فإنّ هذه المنطقة بأكملها (جنوب شرق تركيا، شمال شرق سوريا، شمال العراق) يسكنها الأكراد في الغالب.

في عام 1938، تمّ افتتاح أوّل سدّ بالقرب من أنقرة، عام 1975، تمّ الانتهاء من سدّ كيبان في ديرسم (تونجلي)، عند أعلى نهر الفرات، وفي عام 1977 مع "مشروع جنوب شرق الأناضول" الشهير (GAP)، تمّ الانطلاق في بناء 22 سدّاً على نهري دجلة والفرات، وسوريا تبني سدّها الخاص، فكان التأثير المشترك فورياً: جفاف في العراق.

تمّ تجنب حرب من أجل المياه بصعوبة؛ ففي عام 1984  وقّعت تركيا بروتوكولًا بشأن المياه مع العراق، وفعلت الشيء نفسه مع سوريا، عام  1987، بموجب هذا البروتوكول تضمن تركيا حداً أدنى سنوياً لمنسوب المياه من نهر الفرات: بمعدل 500 متر مكعب من المياه في الثانية، في المقابل تتعهّد سوريا بوقف أنشطة حزب العمال الكردستاني على أراضيها.

تستخدم تركيا سلاح الماء لإحداث تهجير سكاني وتغيير ديموغرافي، وكلّ غزو لتركيا في سوريا كان يؤدي إلى نزوح السكان، وهي الآن تستخدم سلاح الماء لتعفين حياة الناس

في أوائل التسعينيات، أكملت تركيا بناء سدّ أتاتورك، رابع أكبر سدّ في العالم، على بعد 80 كيلومتراً من الحدود السورية، شمال كوباني، من هناك، تستطيع ترك 2019 بسهولة التحكم في تدفّق نهر الفرات، وقد تفاقم الوضع، عام 2019، عندما غزت تركيا واحتلت، حتى اليوم، المنطقة الواقعة بين تل أبيض وسريكنية. وقال مركز معلومات روج آفا: "تمّ تحويل المياه من محطة ضخّ علوك بالقرب من سريكينية بشكل منهجي، وقطعها من قبل الميليشيات الموالية لتركيا منذ احتلال تركيا المنطقة، عام 2019".

وكانت الحلقة الأخيرة، عام 2020؛ حيث أطلقت تركيا، وهذه المرة على نهر دجلة الذي يتدفق من تركيا إلى العراق، سدَّ إليسو الذي يغمر قرية حسن كيف، القرية التي يبلغ عمرها 12 ألف عام، على الرغم من الانتقادات الشديدة وانسحاب المستثمرين الأوروبيين بسبب الأضرار البيئية والإنسانية، وبدورها تستنكر بغداد الانعكاسات السلبية لهذا السدّ على منسوب مياه النهر.

اقرأ أيضاً: هل قررت أوروبا مصير انضمام تركيا إلى الاتحاد؟

لا تستخَدم السدود لريّ المحاصيل وتوليد الكهرباء فقط، وهذا ما يقرّ به الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بنفسه: "لا نرى فرقاً بين حماية مياهنا وحماية وطننا"، تستخدم تركيا سلاح الماء لإحداث تهجير سكاني وتغيير ديموغرافي، والذي يُعدّ الأكراد أكبر ضحية له في تركيا وسوريا. وفي هذا السياق تقول آسيا عبد الله: "كلّ غزو لتركيا في سوريا (2016 ، 2018 ، 2019)، كان يؤدي إلى نزوح السكان، بالتالي، إلى التطهير العرقي، وهي الآن تستخدم سلاح الماء لتعفين حياة الناس وجعلهم يغادرون"، في الأسابيع الأخيرة، على الرغم من هطول الأمطار الغزيرة في تركيا، لم يرتفع منسوب مياه الفرات".

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

orientxxi.info/magazine




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية