تركيا تستعد لغزو سوريا والعراق، فمن يوقفها؟

تركيا تستعد لغزو سوريا والعراق، فمن يوقفها؟

تركيا تستعد لغزو سوريا والعراق، فمن يوقفها؟


كاتب ومترجم جزائري
29/11/2022

ترجمة: مدني قصري

فيما تستعد تركيا لغزو سوريا والعراق هل تستطيع الولايات المتحدة إيقافها؟

تهديدات أنقرة ليست جديدة. فهي تهدد وتقود غزوات ضد سوريا مستهدفة في غالب الأحيان المناطق الكردية، بانتظام منذ عام 2016.

تستعد تركيا لغزو جديد لسوريا وربما حملات موسعة في العراق، مؤكدة أنها حرب ضد الإرهاب. تم إلقاء اللوم في تفجير وقع مؤخراً في أنقرة على جماعات كردية في سوريا، لكن يبدو أن أنقرة اعتقلت مشتبهاً به لا علاقة له بأي جماعة كردية.

تهديدات أنقرة ليست جديدة. إنها تهدد وتقود غزوات ضد سوريا، غالباً ما تستهدف المناطق الكردية، بانتظام منذ عام 2016. سياسة تركيا في سوريا لا تتعلق فقط بمهاجمة الأكراد، إنها تسعى أيضاً إلى تقليص دور الولايات المتحدة في سوريا.

وهذا يعني أنّ صراع أنقرة الحقيقي هو جزئياً صراع مع الولايات المتحدة، وأنّ واشنطن هي الدولة القوية الوحيدة التي يمكنها بشكل معقول منع غزو تركي آخر. يُظهر التاريخ أنّ أنقرة مصرة على غزو وتدمير المناطق الكردية في سوريا منذ عام 2016، وقد تمكنت الولايات المتحدة بشكل عام من إبطاء أو منع هذه الغزوات.

الغزوات التركية التاريخية للمناطق الكردية

بعد اندلاع الحرب الأهلية السورية عام 2011 لعبت الولايات المتحدة وتركيا، وكذلك روسيا وإيران دوراً في سوريا. دعمت إيران وروسيا النظام، بينما دعمت الولايات المتحدة وتركيا المتمرّدين السوريين.

إلا أنه بحلول عام 2014 كان المتمردون السوريون فوضويين لدرجة أنّ جماعات متطرفة عبَرت تركيا وبدأت في الانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات المرتبطة بالقاعدة. كان تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على ما يبدو منظمة متطرفة مقرها العراق، لكنه انتقل إلى سوريا ثم عاد إلى العراق، فغزا مساحات شاسعة من كلا البلدين وارتكب إبادة جماعية ضد الإيزيديين.

تستعد تركيا لغزو جديد لسوريا وربما لحملات موسعة في العراق

كما حاصر تنظيم الدولة الإسلامية مناطق كردية، وتدخلت الولايات المتحدة بحملة قصف وقوات خاصة بهدف إبطاء تقدم داعش.

في العراق عملت الولايات المتحدة مع الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان. وفي سوريا وجدت الولايات المتحدة شركاء بين المقاتلين الأكراد، غالباً من وحدات حماية الشعب (YPG).

كانت الولايات المتحدة تريد تشكيل قوة تحالف ضد داعش، لذلك ساعدت وحدات حماية الشعب على التوسع خارج مناطق الأكراد وإنشاء قوات سوريا الديمقراطية في عام 2015. في ذلك الوقت تدخلت روسيا لمساعدة النظام السوري وقد بدأ المتمردون ينسحبون.

كما انتقلت الولايات المتحدة أيضاً من مراجعة الضربات الجوية إلى تقليل الدعم للمتمردين. في عام 2016 صدّت قوات سوريا الديمقراطية (SDF) تنظيم الدولة الإسلامية، لكن تركيا لم تكن سعيدة بذلك. لقد سمحت أنقرة للمتطرفين بالعبور إلى سوريا، إذ كانت رؤية هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية تقلق أنقرة.

غالباً ما تستهدف أنقرة المناطق الكردية، بانتظام منذ 2016. سياسة تركيا في سوريا لا تتعلق فقط بمهاجمة الأكراد، إنها تسعى أيضاً إلى تقليص دور الولايات المتحدة في سوريا

قاتلت تركيا حزب العمال الكردستاني في عام 2015 داخل تركيا، وفي عام 2016 قررت أنقرة توسيع حربها في سوريا، بدعوى أنّ وحدات حماية الشعب جزء من حزب العمال الكردستاني.

في عام 2016 اجتاحت أنقرة جرابلس، بالقرب من منبج، لوقف تقدم قوات سوريا الديمقراطية، وعارضت الدور الأمريكي في سوريا. وعندما تولى الرئيس السابق دونالد ترامب منصبه ضغطت تركيا على الولايات المتحدة لمغادرة سوريا والسماح لأنقرة بالسيطرة على الرقة، عاصمة داعش. لكن لم توافق الولايات المتحدة.

في عام 2017  ركزت تركيا على العمل مع روسيا وإيران لتقسيم سوريا. حتى تسيطر تركيا على إدلب حيث كانت هيئة تحرير الشام المرتبطة بالقاعدة مهيمنة، وحتى تحوّل تركيا المتمردين السوريين إلى قوة بالوكالة تسمى الجيش الجيش السوري الحر لمحاربة الأكراد بدلاً من محاربة النظام.

كانت الصفقة التي عرضتها أنقرة على سوريا هي أنه في مقابل السماح للنظام بالسيطرة على مناطق معينة أن يحرك المتمردين من موقعهم حتى تحارب الأكراد في عفرين، وأن يفتح النظام وروسيا المنطقة الحدودية أمام الضربات الجوية التركية ضد وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية. اقترحت روسيا والنظام وقف الضربات الجوية إذا غيرت قوات سوريا الديمقراطية مواقفها وعملت مع النظام وليس مع الولايات المتحدة. لكن قوات سوريا الديمقراطية قالت لا.

منذ تلك اللحظة بدأت تركيا تخطط لغزو عفرين ثم سري كانيه. وبالتعاون مع إدارة ترامب حصلت أنقرة على الضوء الأخضر لعفرين، وتم طرد 150 ألف كردي من ديارهم.

عام 2016 قررت أنقرة توسيع حربها في سوريا، بدعوى أنّ وحدات حماية الشعب جزء من حزب العمال الكردستاني

تلقت هيئة تحرير الشام إدلب، وتم نقل فلول داعش الذين فروا من الرقة في عام 2017 عبر تركيا أو أجزاء أخرى من سوريا نحو إدلب. وفي وقت لاحق قتلت القوات الأمريكية الخاصة زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في خريف عام 2019 في إدلب، بالقرب من الحدود التركية.

في 2018 بعد غزو عفرين هددت تركيا باجتياح شرق سوريا وسحب قوات سوريا الديمقراطية. أقنعت تركيا الولايات المتحدة بالموافقة على إنشاء نوع من "المنطقة الآمنة" على طول الحدود. أزالت قوات سوريا الديمقراطية جميع العقبات الدفاعية وانضمت تركيا إلى الدوريات، وبذلك قامت بمسح المنطقة حتى تتمكن من غزوها لاحقاً.

في أواخر عام 2019 ضغطت أنقرة على الولايات المتحدة للسماح لها بغزو منطقة على طول الحدود، حتى قامت بتطهير عرقي لـ 150 ألف شخص آخرين بالقرب من سري كانيه.

وهو الأمر الذي خلق أزمة، حيث انسحبت الولايات المتحدة من كوباني ومناطق حدودية أخرى وتدخلت روسيا والنظام السوري. وهكذا أصبح لدى أنقرة تقسيم سوريا الذي تريده، بناءً على مفهوم أستانا تركيا، وإيران وروسيا وهي تتقاسم سوريا. ومع ذلك ظلت العقبة الرئيسية أمام إيران وتركيا وروسيا هي دور الولايات المتحدة في سوريا.

على الرغم من أنّ الولايات المتحدة سحبت قواتها من البلدات الكردية الحدودية فقد بقيت القوات الأمريكية على طول نهر الفرات، وتعمل مع قوات سوريا الديمقراطية والقبائل العربية لتأمين المنطقة وإبقاء إيران والنظام السوري عن بعد.

في أواخر عام 2019 ضغطت أنقرة على الولايات المتحدة للسماح لها بغزو منطقة على طول الحدود، حتى قامت بتطهير عرقي لـ 150 ألف شخص آخرين بالقرب من سري كانيه

واصلت قوات سوريا الديمقراطية أيضاً العمل مع الولايات المتحدة، لكنّ تركيا ضاعفت استخدامها للطائرات المسيّرة لقتل أعضاء قوات سوريا الديمقراطية في شرق سوريا. عندما تولت إدارة جو بايدن السلطة طالبت تركيا بغزو جديد، سعياً للتمركز في كوباني والقامشلي وتل تمر وتل رفعت ومناطق أخرى.

كان ذلك يتطلب موافقة روسيا والولايات المتحدة، لكن يبدو أنّ أيا منهما لم توافق على تلك الطلبات. في ربيع عام 2022 غزت روسيا أوكرانيا، واعتبرت تركيا ذلك بمثابة ضوء أخضر لمزيد من الغزو في سوريا. روسيا بحاجة إلى تركيا لتصدير الوقود والالتفاف على العقوبات.

يبدو الآن أنّ أنقرة قد استخدمت الهجوم في اسطنبول كذريعة للتهديد بشن غزو آخر. نفذت تركيا عشرات الغارات الجوية، وأرعبت المسيحيين في تل تمر، واللاجئين الأكراد في تل رفعت، وكذلك الأكراد الذين يعيشون في ديريك والقامشلي وكوباني ومناطق أخرى.

يبدو أنّ روسيا والنظام السوري قد فتحا المجال الجوي لهجمات أنقرة. هدف تركيا الآن هو السماح لهيئة تحرير الشام بالسيطرة على عفرين واستخدام فلول الجيش الوطني السوري لمحاربة الأكراد في تل رفعت ومنبج وكوباني وتل تمر.

سيتعين على الولايات المتحدة أن تمارس الضغط لوقف غزو آخر، لكنّ الحرب في أوكرانيا تجعل ذلك صعباً

تريد كل من تركيا والنظام السوري تحييد وحدات حماية الشعب والجيش السوري الحر من خلال القتال حتى يتسنى لتركيا والنظام السوري، المدعومين من روسيا وإيران التدخل ثم الضغط على الولايات المتحدة وفرض الرحيل. هدف أنقرة هو الاستمرار في مهاجمة المناطق الكردية إلى أن تستجيب وحدات حماية الشعب، ثم تقوم تركيا بتوجيه الاتهام إلى قوات سوريا الديمقراطية وتشترط ضربات جوية على الحسكة ومناطق أخرى في عمق سوريا.

وهذا يضع الولايات المتحدة في موقف صعب. تقصف إيران المنطقة الكردية في العراق، مما يزعزع استقرار منطقة أخرى كانت حاسمة في محاربة داعش والتطرف. الولايات المتحدة ليس لديها سوى عدد قليل من القوات في سوريا، وهي تتمركز في ميرف، وادي الفرات الأوسط. وفي غالب الأحيان تستهدف الجماعاتُ الإيرانية بالقرب من أبو كمال ودير الزور القواتِ الأمريكية في حقل عمر وقرية جرين ومناطق أخرى بالقرب من النهر.

لا تستطيع الولايات المتحدة الدفاع عن هذه القوات ضد إيران وتعطيل الغزو التركي في نفس الوقت. ومن المحتمل أن تنسق إيران وتركيا فيما بينهما، حيث تستهدف إيران الولايات المتحدة لتقييد حركة القوات الأمريكية على نهر الفرات، وحيث تهاجم إيران الأكراد في العراق وتركيا ثم تهاجم شمال شرق سوريا.

سيتعين على الولايات المتحدة أن تمارس الضغط لوقف غزو آخر، لكنّ الحرب في أوكرانيا تجعل ذلك صعباً. لقد وضعت تركيا نفسها كضامن لاتفاق الحبوب الأوكراني، وكمركز للطاقة لروسيا. كما تصالحت أنقرة مع إسرائيل، حتى يكون لها بعض التأثير على العلاقات الأمريكية الإسرائيلية والقضايا الفلسطينية، وربما تسعى إلى تدفئة غزة، حيث تدعم تركيا وإيران حماس.

يبدو أنّ أنقرة قد استخدمت الهجوم في اسطنبول كذريعة للتهديد بشن غزو آخر

وهذا يضع الولايات المتحدة في وضع معقد. ستُظهر الأيام والأشهر المقبلة ما إذا كان بإمكان الولايات المتحدة أن توقف غزواً تركياً ضخماً آخر سوف يجبر مئات الآلاف من الأشخاص على الفرار من ديارهم.

فيما تدعي أنقرة أنها تحارب "الإرهاب" فإنّ الذين يتعرضون للقصف في سوريا هم مَن يواجهون غزواً وهم الأكثر تعرضاً للرعب. الولايات المتحدة وحدها يمكن أن تقلل من إحساسهم بالرعب.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

www.jforum.fr



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية